البقيع... جاء أوان التغيير

شبكة النبأ: بعد غفلة أو تغافل اكتشف العالم أن هناك فكراً سرطانياً يهدد حرية الفكر والسلام العالمي وأنه ينمو عبر منظومة دينية متطرفة لها مؤسساتها وتحظى برعاية دول، وما جرى في "غزوة منهاتن" - كما سماها السلفيون الوهابيون - المعروفة بأحداث 11 سبتمبر التي أودت بحياة آلاف الأبرياء وما جرى ويجري في العديد من بلدان العالم الآمنة من أعمال إرهابية جعل العالم أمام مسؤولية مواجهة عدو لا حدود لتوحش جرائمه.

الثامن من شوال صفحة سوداء أكملت صفحات ومهدت لأخرى، وقد خطتها نزعة متوحشة لشرذمة تكفيرية دفعتها من وسط الصحراء لتهدم أضرحة أئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، حيث هجمت عصابات وهابية في العام 1925م لتعيث هدماً وخراباً في (البقيع) الذي يضم أضرحة أولاد الرسول الأعظم (عليهم السلام): المجتبى الحسن، والسجاد علي، والباقر محمد، والصادق جعفر (عليهم السلام)، لتعود مرة أخرى في العام 1926م وتقطع رؤوس عدد غفير من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بالسيوف في مناطق الإحساء، وهي أعمال قد سبقتها أعمال إجرامية عديدة منها ما جرى في سنة 1802م، حيث اجتاحت عصابة تكفيرية مدينة كربلاء، وانتهكت حرمة ضريح سيد الشهداء (عليه السلام) بعد أن سلبت وقتلت مئات المدنيين، كل ذلك وغيره وصولاً الى تفجير ضريح الإمامين العسكريين (عليهما السلام) بسامراء في العام 2006 و2007م، وتفجيرات وعمليات انتحارية ضد زوار أضرحة أهل البيت (عليهم السلام) في العراق، وأعمال إرهابية مريعة ضد شيعة أفغانستان وباكستان وغيرها.  

إزاء بقاء قبور البقيع تترتب استحقاقات عاجلة على المجتمع الدولي، وإن على أتباع أهل البيت (عليهم السلام) السعي المنظم لفتح ملف إعادة بناء أضرحة البقيع المقدسة لغرض حسم الموقف باتجاه الحل عبر جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وإلا فـ(التدويل) حيث إن قضية (أضرحة البقيع) حقوقية عادلة، لكن البداية: الاستعداد والتعبئة للتظاهر (السلمي – الحضاري) المليوني لاطلاع الأمم والشعوب على قضية البقيع وفضح أصحاب الأفكار السوداء... والموعد: في الثامن من شوال – المكان: في جميع دول العالم.

البقيع .. انطلاقة جديدة

تدعو الأديان الى العدل والخير والحق والصلاح والمحبة والرحمة والإحسان، وتحث على الحفاظ أمن الناس وممتلكاتهم واستقرارهم، فاللاعنف مبدأ إسلامي لا يتضمن أي جانب من العنف ولو كان الإنسان مظلوماً. يقول الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره الشريف): "للإسلام خطاب معقول للإنسان إذا لم يكن قادراً على الظالم باستخدام السلاح بوجهه، فالمفترض أن يقابله بسياسة اللين والصبر، إذ كانت سياسة اللين هي السلاح الذي استخدمه الأنبياء والمصلحون لمقابلة العتاة والطغاة". كما أن الأديان ما كانت يوماً عائقاً أمام التعايش والتعارف والحوار، وإنما العائق يكمن في الذين يدعون امتلاكهم الحقيقة المطلقة، ويستغلون الأديان للتحكم في مصير الناس. لذلك فإن من الضروري التفريق بين الأفكار الحقة التي تستند على قيم العقل والحوار والتعايش، وبين تلك الأفكار التي تستخدم قوة التكفير والاكراه والتسلط. يقول (قدس سره الشريف): "الناس بطبيعتهم لا يميلون إلى الأفراد العنيفين وسيئي الأخلاق، وإذا حدث واستطاع بعض أصحاب القدرة والعنف استغفال مجموعة من الناس لفترة وخداعهم، فإن أوراقهم سرعان ما تنكشف وينقلب الأمر عليهم وينفض الناس من حولهم إن لم ينقلبوا عليهم".

مع إطلالة القرن الحادي والعشرين بدأ أتباع أهل البيت (عليهم السلام) باستعادة تدريجية لدورهم الكامل في الحياة، بينما التكفيريون يطاردهم قانون الإنسان من جحر الى جحر حماية لبني البشر من جرائمهم وتطهيراً للأرض من أرجاسهم، وإن خلاص العراق من الاستبداد وتحرر مراقد أهل البيت (عليهم السلام) المشرِّفة لأرض الرافدين نافذة أمل كبيرة تطل على تحرير مراقد البقيع المقدسة من زمرة تكفيرية وإعادة إعمارها ولن يتحقق ذلك إلا بتحرك جماهيري ومؤسساتي لأتباع أهل البيت مدعومة بجهد المجتمع الدولي ومنظمات ثقافية وإنسانية. ولتكن إنطلاقتنا الجديدة في هذا العام من (مواقع التواصل الاجتماعي) التي بها هزمت شعوب أنظمة بجيوشها فلم لا نهزم بها فئة لقيطة لاسيما وإن نصرة البقيع من (خير العمل).

البقيع .. أوان التغيير

يقول الفقيه السعيد السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره): "إن من الجفاء للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) أن تمر ذكرى هدم أضرحة البقيع المقدسة دون أن نتوقف عندها ونذكر بها وبالمسؤولية الملقاة على عاتق المسلمين في هذا المجال، فهدم هذه المراقد المطهرة جريمة بكل المقاييس، وهي جريمة تحمل طابع التناقض مع ذاتها أولاً، ومع القيم الدينية ثانياً، ومع الحالة الحضارية ثالثاً، ومع واقع الأمة الإسلامية وتاريخها رابعاً. فإذا كان هدم القبور واجباً شرعياً، فلماذا هدمت بعضها دون بعضها الآخر؟ وإذا كانت الأبنية عليها بدعة وحراماً شرعاً، فلماذا نرى مرقد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ما يزال مشيّداً ولم يؤمر بهدمه إلى الآن؟ ولا نظن القوم يعملون بالتقية في هذا المجال، لأنهم ينكرونها ويقولون إنه لا تقية إلا مع الكفار؟ أم تراهم يكفّرون كل المسلمين، وليس ذلك ببعيد عنهم!". ويضيف (قدس سره): "لقد كانت المراقد موجودة في مكة المكرّمة والمدينة المنورة حتى في أيام حكم الرسول (صلى الله عليه وآله) ولم نسمع أنه أمر بهدمها أو نهى عن زيارتها، بل عدّت جزءاً من الشعائر المهمة، ففي مكة قبر لهاجر زوجة النبي إبراهيم (عليه السلام) وكذلك قبر ابنه اسماعيل (عليه السلام)، وفوقه بناء وهو المسمّى اليوم بحجر اسماعيل، وهكذا قبور كثير من الأنبياء (عليه السلام). لم يأمر النبي (صلى الله عليه وآله) ولا الذين جاؤوا من بعده بهدم أيّ من تلك القبور. ولا يقتصر وجود المراقد المطهّرة عند المسلمين على الحجاز، بل هي موجودة في أكثر أقطارهم، وهذا هو واقع الأمة وتاريخها الممتد لأكثر من ألف عام!".

السؤال: مع بقاء أضرحة البقيع مهدمة الى متى سيكتفي الشيعة بإقامة مجالس الندب ويصدرون بيانات الشجب, والبقيع ما زالت مهدمة وحوادث الاعتداء على الأضرحة متواصلة وأعمال قتل الزائرين لها مستمرة؟!. ولكي لا يكون احتفاؤنا هذا العام بـ(قضية البقيع) شكلياً لابد من التفكير بخطوات واقعية تعطي نتائج على الأرض فهذا عصر الحريات، وهذا أوان التغيير، ولا مهرب ولا ملجأ لمن ينتهك قوانين العقل وحقوق الإنسان.

* أجوبة المسائل الشرعية العدد ( 167) لشهر شوال  لسنة 1432 هـ

http://www.alshirazi.com/rflo/ajowbeh/ajowbeh.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/أيلول/2011 - 8/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م