
شبكة النبأ: (إذا سقط الثور كثرت
سكاكينه).. في مزرعة الحيوانات العربية يمارس التاريخ لعبة تغيير
الأدوار.. المواطن العربي ينتقل من دور المذبوح في جمهوريات التوريث
العسكرية الى دور الذابح في الديمقراطيات الثورية.
كان الحكام لا يبالون بتسمين الخراف المعدة للذبح تحت طائلة أحكام
الطوارئ او قوانين المحاكم العسكرية او محاكم الثورة دفاعا عن الوطن
والكرامة والحدود كما تصف ذلك أبواق الآلة الإعلامية الرسمية منذ
السبعينات من القرن المنصرم وحتى زمننا الراهن.
تبدلت الأدوار وما عاد هذا المواطن بأغلبيته المذبوحة طيلة عقود
مهتما ان يكون الحاكم سمينا او نحيفا بفعل رخاء السلطة او بفعل عوامل
الترهل في سنوات الشيخوخة.
المهم هو دوره الجديد الذي سمحت به تلك المتغيرات التي أشعلها
بوعزيزي التونسي وكان جسده المثقل بشظف العيش وارتهانات العوز والفاقة
وقودا لها.
قبل سنوات حلم العراقيون ان طووا صفحة صدام حسين وعهده.. شهد الجميع
من عرب عاربة وعجم لا يفقهون من لغة العرب شيئا تلك الجلسات الشهيرة
عراقيا لمحاكمة اول طاغية ومستبد عربي في تاريخه الحديث.
معظم العربان من المحيط الى الخليج لم يشاركوا العراقيين حلمهم..
كانوا على الجانب الآخر منه، جانب الكوابيس المزعجة والملعونة.. لم يطق
هؤلاء العربان ان يكون فارسهم بدرعه المكسور أسيرا في قفص محكمة يديرها
ضحاياه.. الحكام العرب توجسوا خيفة، ليس كخيفة ام موسى، ولكن خيفة من
تمتد اليه سكين المقصلة او حبل المشنفة.
(اليوم يحلقون راس صدام وغدا رؤوسنا) هكذا قال الرئيس اليمني، (الدور
جاي علينا) تعبير القذافي في احدى مؤتمرات (الأودية العربية).
المحامون العرب يتنادون للدفاع عن صدام حسين.. ولا احد يتنادى ليكون
في موضع الادعاء العام. الجزيرة القطرية، فضائية وقصرا أميريا تبكي على
الفارس المغوار.. لا احد يبكي قتلى مغامرات هذا الفارس طيلة عقود
امتطائه جواده.
لا عزاء للعراقيين
الكمال من نوع ما
كان ما يبحث عنه
والشعر الذي أبدعه
كان سهل الفهم..
كان بعرف حماقة البشر
كما يعرف ظاهر يده..
وكان شديد الاهتمام بالجيوش والاساطيل..
عندما كان يضحك
كان أعضاء مجلس الدولة المحترمون ينفجرون من الضحك.
وكان عندما يبكي
يموت الاطفال الصغار في الشوارع*
طاغية تونس لم تسمح له الضيافة السعودية بان يدخل قفص الذين
تستنطقهم محكمة الشعوب.. وحمته رقصة العراضة الشهيرة لملكها مع جورج
بوش وترتيبات البيت النفطي العالمي.. ثم هو طاغية صغير يحكم مساحة
صغيرة من هذه المساحات المترامية الاطراف بين محيط العربان وخليجهم..
لا عزاء للتونسيين.
حسني مبارك الفرعون الأخير لمصر لم تحمه اي ضيافة، وهو الذي رفض
الخروج من مصر.. انها شجاعة الانفاس الاخيرة لرجل عسكري رهن حياته
للموت.. لا يبالي الان واللحظة ان يحكموا عليه ببضعة رصاصات توجه الى
القلب.. ليست من مقارنة واردة بين حسني وصدام (دي امريكا يا صدام) تلك
نصيحة حسني لصدام حسين بعد غزو الكويت..وكان الرئيس المصري شاهدا على
فصول المحاكمة وشاهدا على مؤتمرات القتلة تحت عناوين المقاومة ومقارعة
الاحتلال وغيرها.. الجميع في عزاء المصريين.
القذافي ذلك المخبول بجيشه النسائي وخيمته الطائرة ودرة إبداعه
(الكتاب الأخضر) ليس الطاغية العربي الوحيد الذي أصابته العظمة بجنونها
لكنه يكاد يكون الأوحد الذي تعددت أعراض جنونه وتنوعت.
ثم انه الطاغية الوحيد الذي كان (ملح) المؤتمرات العربية و(سكّرها)،
فهو باعث البسمة في الوجوه المتجهمة.. هو الضاحك والمضحك امام العبوس
الجمهوري والملكي والأميري في قاعات تلك المؤتمرات.
صاحب (زنقة – زنقة) وجد نفسه الان في زنقة ضيقة لا تتسع لخطواته
وخطوات مطارديه.. الجميع يسعى في أثره.. هل تراه يفكر الان ان يكون
قتيل من يطلبونه بثارات أربعة عقود؟ وشهيد الراقصين والمادحين والكلاب
الضالة التي اكلت من موائد خيراته والمسبحين بحمده.. من لجان شعبية
وكتاب وشعراء اسبغوا عليه الكثير من اوصاف العظمة وتشارك معهم في
ابتكار وتنويع تلك الالقاب.. هل يفكر القذافي بمحاكمة تشبه محاكمة
سقراط ؟ ام محاكمة تشبه محاكمة الحلاج ؟ او محاكمة تشبه محاكمة
سلوبودان ميلوسوفيتش؟
صدام ظهر في محاكمته حاملا نسخة من القران الكريم.. لو حدثت محاكمة
القذافي هل تراه سيحمل نسخة من الكتاب الاخضر ونظريته العالمية
الثالثة؟
الجميع مع الليبيين، طائرات واساطيل، والجميع يبارك عمليات القتل
والتغيير باسم التحرير والتخلص من الطاغية.. أمريكا مع الليبيين وهي
عند العربان مبعوثة العناية الإلهية.. ما بال هؤلاء العربان يتحدثون عن
كفر أمريكا وعن جنون قوتها حين تقف الى جانب الذبيح العراقي؟
الجميع في عزاء الليبيين.
لست متأكدا من أنني سأقاتل من اجل حياتي في كل حين
فالحياة قد لا تستحق ان يقاتل من اجلها
ولست متأكدا من أنني سأقاتل من اجل زوجتي في كل حال
فالزوجة قد لا تستحق ان يقاتل من اجلها دائما.
ولا من اجل أولادي ولا وطني ولا الرفاق
فذلك يعتمد على ما اذا كنت أجدهم يستحقون ان يقاتل من اجلهم.
الشيء الوحيد الذي يقاتل الناس من اجله في كل الأحوال هو مالهم
ولكني اشك في انني سأقاتل من اجل مالي
وعلى كل حال لن أريق من اجله كثيرا من الدم.
ولكن هناك شيئا واحدا سأقاتل من اجله بالمخلب والناب
في كل الأوقات.
وذلك هو ما يخصني من سلام داخلي حيث اكون في وئام مع نفسي.
ولكن علي ان اعترف..
بأنني كثيرا ما أصبح في وضع اسوأ من جراء ذلك.
حلم العراقيون يوما بهذا السلام الداخلي.. لماذا لم يشاركهم العربان
حلمهم او على الاقل ان يدعوهم يستمروا في هذا الحلم ؟
أيها القضاة اتركوا العدالة معصوبة العينين.
* دبليو اتش اردن (كلمة قصيرة عن طاغية)
**د.ه. لورنس بعنوان (عم ستقاتل؟) |