لبنان... المحكمة الدولية وموازين القوى

شبكة النبأ: يعيش لبنان صراعات سياسية وطائفية وأمنية دام سنين وجاء مقتل الرئيس رفيق الحريري عاملا مهيجا بعد ما سكنت جراح الحرب والصراع حتى دعا نجل الحريري عقب نشر المحكمة الدولية الجزء الاكبر من القرار الاتهامي قيادة حزب الله الى الاعلان عن فك الارتباط بينها وبين المتهمين بما يؤدي الى تسليمهم.

واوجز القرار الاتهامي دور كل من المتهمين في العملية، فاتهم مصطفى بدر الدين بانه المشرف العام على الاعتداء، وسليم جميل عياش بالقيام بتنسيق مجموعة الاغتيال المسؤولة عن التنفيذ الفعلي، وحسن عنيسي وأسد صبرا باعداد وتسليم شريط الفيديو الذي اعلنت فيه المسؤولية زورا بهدف توجيه التحقيق الى اشخاص لا علاقة لهم بالاعتداء وذلك حماية للمتامرين من الملاحقة القضائية.

التقرير التالي بين أهم المجريات على الساحة اللبنانية وتداعيات المحكمة الدولية التي تتهم افراد من حزب الله بمقتل الحريري.

محكمة حاوي وحمادة والمر

اعلنت المحكمة الخاصة بلبنان المكلفة النظر في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري اختصاصها للنظر في ثلاثة اعتداءات استهدفت وزيرين سابقين ومسؤولا حزبيا خلال العامين 2004 و2005، بعد ان تبين لها التلازم بين هذه القضايا الثلاث وجريمة اغتيال الحريري.

وجاء في بيان صادر عن المحكمة التي تتخذ من لايدسندام قرب لاهاي مقرا لها اكدت المحكمة انها صاحبة الاختصاص للنظر في ثلاثة اعتداءات استهدفت السادة مروان حمادة (وزير سابق)، وجورج حاوي (الامين العام السابق للحزب الشيوعي)، والياس المر (وزير سابق).

وقال بيان للمحكمة ان الملفات تتعلق بجريمة الاغتيال التي ادت الى مقتل الأمين العام الاسبق للحزب الشيوعي جورج حاوي، الى جانب محاولتي الاغتيال التي كان تعرض لهما الوزيران الأسبقان مروان حمادة والياس المر.

واشار البيان ان قاضي الاجراءات التمهيدية بالمحكمة دانيال فرنسين طلب الى السلطات اللبنانية احالة الملفات المتعلقة بتلك القضايا الى مدعي عام المحكمة الدولية. بحسب فرانس برس

وأصدر القاضي فرانسين ثلاثة قرارات يطلب فيها الى القضاء اللبناني التنازل عن اختصاصه في هذه القضايا، وذلك في غضون أيام العمل الـ 14 القادمة.

ويجيز قاضي الاجراءات التمهيدية للادعاء اطلاع السلطات اللبنانية على قراره السرّي بشأن القضايا المتلازمة.

وقال البيان ان القرار يبقى سريا بشأن التلازم وذلك تجنبًا للاخلال بالتحقيق، وحمايةً للمتضررين والشهود المحتملين.

ووفقًا للنظام الأساسي للمحكمة، تُعتبر القضية متلازمةً مع اعتداء 14 فبراير 2005، الذي ادى الى اغتيال الحرير اذا ماثلته من حيث طبيعتها وخطورتها واتسمت بعدّة عناصر مشتركة معه، مثل النية الجرمية (الدافع)، والغاية من الاعتداءات، وصفة الضحايا المستهدفين، ونمط الاعتداءات (طريقة التنفيذ)، والفاعلين.

ولفت البيان الى ان قرارات قاضي الاجراءات التمهيدية لا تعني ان قرار اتهامٍ سيصدر بالضرورة من قبل الادعاء، غير ان هذه القرارات تتيح له مواصلة التحقيق في هذه القضايا.وللمدعي العام ان يقرر ما اذا توفّرت أدلّة كافية تؤيّد اصدار قرار اتهام بشأن هذه القضايا الثلاث المتلازمة.

المتهمون مفترى عليهم

من جهته اعلن الوزير اللبناني حسين الحاج حسن ان المتهمين الاربعة في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري مفترى عليهم، وهم مجاهدون مخلصون في حزب الله، مشيرا الى ان مضامين القرار الاتهامي الذي نشر اخيرا تستهدف الحزب بكل هيكليته.

وقال الحاج حسن ان المتهمين الاربعة مصطفى بدر الدين وسليم عياش وحسين عنيسي واسد صبرا الذين وصفهم القرار الاتهامي المنشور بالمناصرين لحزب الله، مفترى عليهم وهم مجاهدون ومخلصون وليسوا مجرد مناصرين.

واضاف ان الاتهام باطل وزائف وهو افتراء على الحزب، معتبرا ان قراءة مضامين القرار فيها اتهام واضح لحزب الله، لا سيما ما ورد فيه من ان حزب الله منظمة عسكرية سياسية تورطت سابقا في عمليات ارهابية.

ورفض الوزير الممثل لحزب الله في الحكومة مقولة ان النظام الاساسي للمحكمة الخاصة بلبنان المكلفة النظر في اغتيال الحريري ينص على محاكمة افراد ولا يجرم حزبا، قائلا قانون المحكمة لا يمنع محاكمة حزب. هناك مسالة الرئيس والمرؤوس وهم يستهدفون الحزب وكل المقاومة في المنطقة. بحسب فرانس برس

وينص النظام الاساسي للمحكمة الدولية التي انشئت العام 2007 للنظر في عملية التفجير الانتحاري الذي وقع في بيروت العام 2005 واودى بحياة الحريري و21 شخصا آخرين، على ان الشخص يتحمل مسؤولية فردية عن الجرائم الداخلة ضمن اختصاص المحكمة الخاصة.

الا ان المادة الثالثة من النظام تضيف في ما يتصل بالعلاقة بين الرئيس والمرؤوس، يتحمل الرئيس المسؤولية الجنائية عن اي من الجرائم المنصوص عليها في  النظام الأساسي، والتي يرتكبها مرؤوسون يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين.

وقال حسين الحاج حسن كل الوقائع المذكورة في القرار الاتهامي مفبركة، مشيرا الى ان الدليل على ذلك هو التسريبات التي وردت في وسائل اعلام غربية عدة حول القضية خلال السنوات الماضية. وقال التحقيق لكي يكون شفافا لا يسرب منه شيء.

وردا على سؤال عن سبب تواري المتهمين الاربعة عن الانظار، اذا كانوا ابرياء، قال ان السبب اننا لا نثق بالعدالة الدولية التي تحركها اميركا ودول الغرب ولا نثق بمحكمة رئيسها صديق لاسرائيل ولا نثق بمحكمة ولجنة تحقيق سربت كل تحقيقاتها قبل خمس سنوات.

تكثيف الجهود لاعتقال المتهمين

وامر رئيس المحكمة الخاصة بلبنان التي نشرت القسم الاكبر من قرارها الاتهامي، ان يتم ابلاغ هذا القرار الى المتهمين عبر اعلان علني يتولى رئيس قلم المحكمة تسليمه للسلطات اللبنانية.

واوضحت المحكمة ينبغي ان يتم نشر هذا الاعلان قبل اي قرار يتصل بمحاكمة غيابية لا تتم في حضور المتهمين.

كذلك، طلب القاضي انطونيو كاسيزي من مدعي عام التمييز اللبناني ان يرفع اليه تقريرا شهريا في التاسع عشر من كل شهر يشرح فيه الجهود التي يتم بذلها لابلاغ المتهمين الاربعة مضمون القرار الاتهامي واعتقالهم.

واضاف كاسيزي ان الجهود التي بذلتها السلطات اللبنانية معقولة ودعاها في الوقت ذاته الى "تكثيف جهودها لاعتقال المتهمين.

وتابع لا بد من التأكيد بان التقرير الذي قدمه لبنان في 9 اب 2011 لا ينهي التزام لبنان المستمر مساعدة المحكمة في البحث عن المتهمين، وتبليغهم، وتوقيفهم، واعتقالهم، ونقلهم اليها.

وكان رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري الذي اصبح معارضا للهيمنة السورية على لبنان قتل في اعتداء بشاحنة مفخخة في 14 شباط 2005 بالاضافة الى 22 شخصا اخرين بمن فيهم منفذ العملية الانتحارية.

واتهم مدعي عام المحكمة دانيال بلمار اربعة عناصر في حزب الله بالضلوع في هذه الجريمة هم سليم عياش ومصطفى بدر الدين وحسين عنيسي واسد صبرا. بحسب فرانس برس

واوجز القرار الاتهامي دور كل من المتهمين في العملية، فاتهم مصطفى بدر الدين بانه المشرف العام على الاعتداء، وسليم جميل عياش بالقيام بتنسيق مجموعة الاغتيال المسؤولة عن التنفيذ الفعلي، وحسن عنيسي وأسد صبرا باعداد وتسليم شريط الفيديو الذي اعلنت فيه المسؤولية زورا بهدف توجيه التحقيق الى اشخاص لا علاقة لهم بالاعتداء وذلك حماية للمتامرين من الملاحقة القضائية.

ووجهت الى المتهمين الاربعة تهمة الاشتراك في مؤامرة هدفها ارتكاب عمل ارهابي كما اتهم عياش وبدر الدين ايضا بارتكاب عمل ارهابي واستعمال اداة متفجرة والقتل عمدا ومحاولة القتل عمدا باستعمال مواد متفجرة فيما اتهم عنيسي وصبرا بالتدخل في جرائم اخرى.

ورأى قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين بحسب البيان ان المدعي العام (دانيال بلمار) قد قدم ادلة كافية بصورة اولية للانتقال الى مرحلة المحاكمة.

وردا على صدور القرار الاتهامي، اعتبر الامين العام لحزب الله حسن نصر الله ان المحكمة ركزت على فرضية واحدة ورفضت العمل على أي فرضية أخرى بوجود ادلة وقرائن ظرفية قد تسمح باتهام اسرائيل. وقال نصر الله "عندما نقرأ النص كله لا نجد فيه أي دليل مباشر.

من جانبه، دعا رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري نجل رفيق الحريري، حزب الله الى الاعلان عن التعاون التام مع المحكمة الدولية بما يؤدي الى تسليم المتهمين" في قضية اغتيال والده، والكف عن سياسة "الهروب الى الامام.

اما رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي فجدد التاكيد على التزام حكومته عمل المحكمة الخاصة بلبنان.

دراسة عناصر

من جانبه اعلن مكتب المدعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان انه يدرس عناصر قدمها اليه حزب الله في اطار التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005.

واعلن المكتب في بيان ان مكتب المدعي العام يدرس حاليا عناصر سلمها شخصيا ممثلون لحزب الله الى المدعي العام في لبنان في 13 تموز 2011.

وكان مدعي عام المحكمة دانيال بيلمار دعا امين عام حزب الله حسن نصر الله في 4 تموز الى تسليمه اي معلومات ووثائق قد تساعد المحكمة في سعيها الى احقاق العدالة. بحسب فرانس برس

واتت هذه الدعوة بعد كلمة القاها نصر الله في 2 تموز/يوليو اكد فيها انه يملك وثائق ومن ضمنها مقتطفات فيديو عرض بعضها على الشاشة وقال انه يضعها بتصرف المدعي العام.

وكان نصر الله اعتبر تحقيقات المدعي العام بانها مسيسة وتستهداف المقاومة واكد ان محققيه معادون للمقاومة اي لحزب الله.

وقال مكتب المدعي العام انه يواصل متابعة جميع الخيوط في اطار التحقيق، وذلك بعد اكثر من شهر على تاكيد قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين البيان الاتهامي في 28 حزيران.

والمتهمون الاربعة هم: قائد العمليات الخارجية في حزب الله مصطفى بدر الدين وسليم العياش واسد صبرا وحسن عنيسي المنتمون ايضا الى حزب الله، وهم مسؤولون بحسب المدعي العام عن اغتيال رفيق الحريري و22 من رفاقه في بيروت في 14 شباط 2005.

ورفض نصر الله في كلمته في مطلع تموز تسليم الاربعة الذين صدرت بحقهم اشارة حمراء من الانتربول وكذلك اي قرار صادر عن المحكمة الدولية التي تتخذ من لاهاي مقرا لها.

ميقاتي يدافع عن موقف لبنان

بدوره وعلى الصعيد الخارجي دافع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي عن الموقف الرسمي الذي اتخذه لبنان بالنأي بنفسه عن التصويت على بيان مجلس الامن الذي دان استخدام السلطات السورية العنف ضد المدنيين.

وقال ميقاتي ان القرار الذي اتخذه لبنان في مجلس الامن بالنأي بنفسه عن البيان الرئاسي في شأن الأحداث في سوريا انطلق من موقف ثابت للبنان بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى لا سيما منها الدول العربية، تماما كما كان لبنان يطالب بعدم تدخل الدول الاخرى في شؤونه. بحسب فرانس برس

واضاف ميقاتي ان البيان الذي أعد في مجلس الأمن لا يساعد، في مفهوم لبنان، على معالجة الوضع الحالي في سوريا، كما أن موقف لبنان أخذ في الاعتبار خصوصية الواقع اللبناني.

وجاء في بيان لرئاسة مجلس الامن ان المجلس المؤلف من 15 عضوا "يدين الانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان واستخدام القوة ضد المدنيين من قبل السلطات السورية.

الا ان البيان لم يحصل على دعم لبنان، العضو في مجلس الامن الدولي. وتنصل لبنان من البيان وقالت مندوبته في المجلس ان هذا البيان لن يساعد على انهاء الازمة في سوريا.

واضاف ميقاتي في تصريحه للصحافيين ان قول البعض ان موقف الحكومة يعيق ممارسة الشرعية الدولية مهامها أمر غير صحيح، ويدخل، إما في سياق المزايدات السياسية المحلية أو ينم عن عدم إطلاع على كيفية إتخاذ القرارات في مجلس الأمن، لأن إعلان لبنان النأي بنفسه عن البيان لم يمنع صدوره باجماع الاعضاء على مضمونه.

واوضح ان موقف لبنان بالنأي بنفسه يختلف عن الاعتراض الذي يعطل صدور القرار، علما أن دولا عدة سبق لها ان إتخذت مواقف مماثلة في مواضيع اخرى طرحت على مجلس الامن في ظروف مختلفة.

ويأتي هذا الكلام لميقاتي الذي يرأس حكومة يملك فيها حزب الله وحلفاؤه اغلبية الوزراء، بعد ردود فعل لنواب وشخصيات قوى 14 اذار المعارضة نددت بالموقف الذي اتخذته بيروت في مجلس الامن.

وينقسم اللبنانيون اجمالا بين مؤيدين لقوى 8 آذار وابرز اركانها حزب الله القريب من النظام السوري وقوى 14 آذار المناهضة له.

وكان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري احد ابرز اركان المعارضة، استنكر قبل أيام المذبحة التي تتعرض لها مدينة حماة السورية وسائر أعمال القتل الدموية التي تشهدها المدن السورية.

وقال الحريري إننا في لبنان لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن نبقى صامتين إزاء هذه التطورات الدموية التي تشهدها الساحة السورية.

وتشهد سوريا موجة احتجاجات منذ منتصف اذار اسفرت عن مقتل حوالى 1500 مدني واعتقال اكثر من 12 الفا ونزوح الالاف، وفق منظمات حقوق الانسان.

مقتل شخص

وعلى الصعيد الأمني اعلن مسؤول امني بمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين قرب صيدا بجنوب لبنان مقتل شخص وجرح ثمانية اخرين معظمهم اصاباتهم بالغة في اشتباكات دارت في المخيم بين مسلحين من حركة فتح وتنظيم جند الشام.

وقال قائد المقر العام لحركة فتح في لبنان اللواء منير المقدح قتل مدني وجرح ثمانية اخرون معظمهم في حالة خطرة في اشتباكات اليوم في المخيم تم فيها استخدام قذائف صاروخية ورشاشات. بحسب فرانس برس

وقال المقدح ان هدوءا حذرا عاد الى المخيم في المساء مع توجه المسلحين والسكان الى المساجد قبل افطار رمضان. وقالت مصادر في المكان ان الاشتباكات اندلعت بين عناصر من حركة فتح الموالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس وتنظيم جند الشام الاسلامي.

وقال المراسل ان الجيش اللبناني طوق المخارج الاربعة للمخيم وسمح للعائلات بالهرب منه بينما شوهد مسلحون يقومون بدوريات في شوارعه.

وقال مسؤول من فتح ان الاشتباكات جاءت على خلفية اعتقال عضو في جند الشام متهم بزرع قنبلة في المخيم مستهدفا القيادي في حركة فتح في لبنان محمود عيسى المعروف باسم اللينو. يذكر ان الجيش اللبناني لا يدخل المخيمات الفلسطينية وعددها 12 في لبنان تاركا مهام الامن للفلسطينيين انفسهم داخلها.

ويعد مخيم عين الحلوة اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان ويضم نحو 50 الف لاجئ ويعرف ان متطرفين وهاربين من العدالة يحتمون فيه.

وتقدر وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) ان 425 الف لاجئ فلسطيني يعيشون في لبنان الذي يبلغ تعداد سكانه اربعة ملايين نسمة. غير ان اخرين يقدرون عدد اللاجئين الفلسطينيين بربع مليون لاجئ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/آب/2011 - 27/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م