"شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و
الفرقان"[البقرة:185]
وشهر رمضان ركن من أركان الاسلام، لا يتم إسلام المرء إلا به، قال
الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ"[البقرة: 183] في هذه الاية الكريمة يؤكد الله سبحانه
وتعالى على فريضة الصيام , وفي قوله كتب عليكم الصيام, وهنا يختص
المسلمون بالتكليف الذي تأتي منه الفائدة لكون هذا الشهر شرفه الله
سبحانه وتعالى على سائر الشهور. أنزل فيه القرآن هدى للناس وأيامه أفضل
الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات. وليلة القدر أحدى
لياليه وهي خير من الف شهر لما تحمله هذه الليلة من مشهد درامي روحاني
يحركه الباري عز وجل لتتنزل الملائكة والروح فيه بإذن ربها لتقرأ
السلام على المؤمنين الصائمين حتى مطلع الفجر.
وشهر رمضان هو مناسبة عظيمة ذات خصوصية يعيشها المسلم لما يحمله هذا
الشهر من طقوس إيمانية وروحانية تبذل فيه الفضائل وتوزع الخيرات وتشبع
الجياع من سخاء الثواب لموتى الاغنياء ويكسي الفقراء من ضريبة النفس
وزكاتها. ومن فضائل شهر رمضان تكون فيه الأعمال الصالحة مقبولة والأجر
والثواب مضاعف للمؤمنين, ومن فضائله يتدرب الناس على الصبر والمثابرة
ويتواضع فيه الغني الى مستوى الفقير ويرتقي الفقير الى مقام الغني في
جنبة الايمان.
ومن خصائصه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتغل الشياطين
ويستجاب الدعاء. حيث قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله الطيبين
الطاهرين شهر رمضان " شهر الصبر والمواساة ,, أوله رحمة وأوسطه مغفره
وآخره عتق من النار"
ونظراً لخصوصية وخصائص شهر رمضان في تكفير الذنوب والخطايا وقبول
الاعمال ومضاعفة الحسنات, فلابد للمسلم إستغلال وإستثمار هذا الشهر
بإعلان التوبة لله عزه وجل والدخول في رحمته والسير في جادة الصواب من
خلال الجنوح الى أطر العقل والمفاهيم الإنسانية التي أوجبها الله
سبحانه وتعالى في كتابه العزيز. والإبتعاد عن كل معصية وعمل سوء من
خلال اصلاح النفس وترميم الذات الانسانية, عن طريق مراجعة نفسه
والاعتراف بالذنب والتقصير, من أجل تقويم الذات ووضع النفس على جادة
الصواب السليم. والوقوف في محطات الخطايا ومحاسبة النفس وترميم الذات
الانسانية وتهذيبها واجب ديني وأخلاقي وأنساني, وذلك عن طريق نشر
الفضيلة وترك المحرمات والجنوح الى عمل الخير, وهذا التغيير في الفهم
والسلوك الاخلاقي والانساني يعتبر فرصة ثمينة للمسلم التائب التي
يوفرها الله في واحة هذا الشهر الكريم من أجل تقويم النفس وترميم الذات
للسير على سراط الايمان والاعتراف بالله واليوم الآخر والتمسك بما
أنزله في كتابه العظيم.
وفي هذا الشهر يكرم الله عباده الصالحين المؤمنين بالرحمة والمحبة
والألفة بين البشر, والانتصار على اهواء النفس وميولها المنحرفة من
خلال التكيف مع الاجواء الرمضانية الايمانية التي تساعد على ترميم
الذات الانسانية. ولجوء المسلم الى واحة رمضان الفضيل فرصة يمنحها الله
لنفض رماد الذنوب والتخلص من تأنيب الضمير والابتعاد عن النميمة
والنفاق والدخول في ورحمته وطلب المغفرة من خلال استخدام معدات رمضان
الإيمانية التي يتقرب بها المسلم الى خالقه "كالصلوات والأدعية" التي
هي زاد المؤمن ومؤونته الروحانية.
فلا يمكن للمرء أن يرمم ذاته الانسانية دون مراجعة نفسه والوقوف على
خطاياها ومحاسبة ذاته واصلاح عيوبها. والمسلم عامة المؤمن والعاصي يدرك
خصوصية وفضل هذا الشهر المبارك, لذا نذكر بأهمية استثمار شهر المغفرة
والعودة الى الفطرة الانسانية ونبذ الإنحراف الأخلاقي وتقويم السلوك
الإيماني والتقرب الى الله العلي القدير. |