شهر رمضان يبث روح التحدي في فلسطين المحتلة

 

شبكة النبأ: على الرغم من الحصار المفروض على فلسطين المحتلة، فان شهر رمضان يرفع روح المقاومة عند كثير من الفلسطينيين لمشاريع الاحتلال، حيث تبعث نفحات الشهر الكريم روح التصدي وتحث على التمسك بالتقاليد الاسلامية والاجتماعية المتوارثة، في هذا التقرير قصص تسلط الضوء على المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون خلال شهر مضان المبارك تحت حراب جيش الاحتلال.

الحياة تعود الى البلدة القديمة في الخليل

 تسمع اصوات ضجيج غير مألوفة في البلدة القديمة في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية بعد سنوات من تحولها الى مدينة اشباح بسبب الاغلاقات الاسرائيلية المتكررة.. فهي اليوم تشهد انتعاشا اقتصاديا مؤقتا بسبب حلول شهر رمضان.

ويبدو مشهد الناس وهم يمشون في اسواق الشوارع القديمة التي زينت لاستقبال رمضان، جديدا نسبيا بسبب القيود الامنية الاسرائيلية المفروضة لحماية 600 مستوطن متطرف يعيشون في قلب المدينة من بين نحو 6000 فلسطيني فيها. بحسب الـ فرانس برس.

وبالنسبة للجنة اعمار الخليل التي تعمل على ترميم واعادة اعمار البلدة القديمة فان حلول شهر رمضان شكل فرصة ملائمة لاعادة فتح المحلات التي اغلق معظمها منذ اكثر من عشر سنوات.

وقامت اللجنة باطلاق حملة تشجع الشركات المحلية على خفض اسعارها وفتح محلات مؤقتة لتشجيع الناس على الحضور والشراء.

ويقول وليد ابو الحلاوة مسؤول العلاقات العامة في اللجنة ان الخطة هدفت الى "تشجيع التجار والمتسوقين وتسهيل المواصلات وتزيين البلدة وغيره".

واضاف "بالتعاون مع الغرفة التجارية اعلنت 18 شركة محلية عن حسومات وتخفيضات على اسعار منتجاتها في البلدة القديمة بنسبة تتراوح بين 25 و 30% ومنهم من قرر فتح محلات في المنطقة".

وحققت هذه الحملة نتائج مرضية حيث وصل عدد المحلات التي فتحت ابوابها في البلدة القديمة في رمضان الى 300 محل مقارنة مع 154 محلا قبل رمضان، من اصل 1100 محل موجودة في البلدة.

ويرى ابو الحلاوة ان جهود اللجنة ساهمت في رفع عدد المتسوقين منذ بداية رمضان بنسبة 80%.

وينظر وائل طه بغبطة الى الناس المصطفين في المحل المؤقت الذي فتحته شركة الجنيدي المحلية للالبان بهدف الترويج لمنتجاتها.

ويقول طه لوكالة فرانس برس "منذ بداية شهر رمضان تضاعف عدد المتسوقين وكذلك مبيعاتنا".

ويضيف "بالكاد نستطيع تلبية طلبات الناس الا اننا نريد خدمة الناس في الخليل القديمة".

وتبحث فاطمة قديمات التي جاءت من احد قرى الخليل عن افضل الاسعار لتلبية متطلبات رمضان، فتقول "سمعت عن حملة تخفيض الاسعار عبر وسائل الاعلام والاسعار مناسبة وأسعارها متدنية مقارنة مع الاسواق خارج البلدة القديمة".

ومن الاماكن الاخرى التي تجذب الناس الى البلدة القديمة خلال رمضان، الحرم الابراهيمي الذي يقع في قلب البلدة والمتنازع عليه بين المسلمين واليهود، حيث يستطيع الفلسطينيون الاستفادة من تخفيف القيود الامنية المفروضة على الوصول إلى الحرم لتأدية الصلاة فيه خلال شهر رمضان.

وكانت اسرائيل قد اتخذت ترتيبات خاصة لتقسيم الحرم بعد مجزرة عام 1994 حيث يفتح الحرم بكافة اقسامه امام المسلمين خلال صلاة الجمعة في شهر رمضان وعيدي الفطر والاضحى بينما يسمح للمسلمين بالوصول جزئيا إلى الحرم في الايام العادية.

ويقول حجازي ابو سنينة رئيس سدنة الحرم "عادة يوجد نحو 20-30 مصليا في الايام العادية لاداء صلاة العصر الا ان العدد يصل الى 3000 مصل خلال رمضان".

وعلى الرغم من الانتعاش الاقتصادي الا ان تجار البلدة القديمة خائفون من ان يكون ذلك طفرة مؤقتة حيث يرى احد اصحاب المحلات الذي رفض الكشف عن اسمه ان امكانية اختفاء الزبائن قائمة حيث "بامكان اي جندي اسرائيلي ان يغلق البلد في لحظة واحدة".

نساء وسط الزحام

 على الشارع الموازي لسوق رام الله للخضار تضع ام سمير البالغ عمرها 50 عاما حصاد اليوم السابق من العنب والنعناع والبقدونس امامها وتجلس تحت مظلة من القماش لدرء حرارة الشمس في يوم رمضاني طويل وحار.

وتضطر ام سمير لمغادرة قريتها (الخضر) المجاورة لمدينة (بيت لحم) في الساعة السادسة لتبدأ يومها الطويل الثامنة صباحا في السوق في محاولة اقناع الزبائن بشراء بضاعتها قبل ساعات المساء لترجع الى قريتها قبل حلول موعد الافطار.

وقالت ام سمير التي تعيل اسرة لاب مريض بالدسك والسكر قبل عشر سنوات لوكالة الانباء الكويتية (كونا) انها اعتادت على هذا النوع من العمل الشاق وسط الرجال على اطراف سوق رام الله التجاري.

واضافت "انني اعمل اكثر من 12 ساعة في اليوم لا اعود الى مدينة (بيت لحم) حتى استطيع بيع بضاعتي وتوفير بعضا من متطلبات اسرتي".

واعتبرت ان "هذا العمل شاق لحاجته الى السفر لثلاث او اربع ساعات للعودة الى (بيت لحم) ويزداد صعوبة في شهر رمضان بسبب الطقس الحار وطول ساعات النهار".

واوضحت ام سمير ان مرارة الحياة اجبرتها واضطرتها على المر الذي تعيشه في مهنة صعبة وقاسية مشيرة الى تميز شهر رمضان بحركة زائدة في البيع خاصة على البقدونس والنعناع لاستخدامها بشكل يومي في السلطات الرمضانية.

وتتميز ام جلال الجالسة بجانب ام سمير في السوق وهي لاجئة من مدينة (اللد) بروح ايجابية رغم قهر الحياة الذي اجبرها على الجلوس على ناصية الشارع المزدحمة بالمارة طلبا لرزق ابنائها.

وذكرت ام جلال ان "قهري يفوق ارتفاع هذه العمارات الشاهقة اذ عملت في هذا المجال بعد اعتقال قوات الاحتلال بناتي الثلاث وابني الرابع في عام 2000 وبعد الافراج عنهن رقد الخامس في المنزل جراء اصابته برصاص الاحتلال في الرأس والسادس صغير لا يعول عليه".

واوضحت "انني اتناول السحور واصلي الفجر وابدأ بالاستعداد ليوم طويل ووصولي الى السوق مع ساعات الصباح لمباشرة البيع اعود الى منزلي مع ساعات الليل طوال السنة لكن في شهر رمضان اعود الى بيتي قبل موعد الافطار".

وذكرت ام جلال "انه بعد عودتي الى المنزل اتناول الماء واصلي صلاة المغرب واجلس على مائدة الافطار اتذكر ولدي المعتقل في سجون الاحتلال ولا اتمكن من تناول طعام الافطار اهرب الى النوم ليرتاح جسدي وانسى احزاني وجراحي".

واشارت الى ارتفاع مصاريف شهر رمضان عن شهرين او ثلاثة من شهور السنة العادية ما يدفعني الى التفاني في عملي لتامين رزق ابنائي مبينة ان العمل تحت الشمس الحارقة صعب للغاية مايجعلني في منتهى التعب عند عودتي الى منزلي في بلدة (بير زيت).

وبصوت خافت اعياه التعب اخذت ام صفوت في العقد الثامن من عمرها تنادي على بضاعتها من "البرقوق" وهي تلتفت يمينا ويسارا باحثة عن مظلة تقيها حرارة شمس الظهيرة اذ احمرت عيناها يتصبب العرق من وجنتيها.

واوضحت ام صفوت "انني اعيش في منزلي وحيدة وبعد عودتها من سوق رام الله وهي صائمة اذهب الى ارضها لتقطف ثمار البرقوق وتعرضها للبيع لتوفر مصروفها الشخصي من ثم تعود الى منزلها لتبدا بتحضير افطارها".

وبينت انها تتاخر قليلا في شهر رمضان قبل حضورها الى السوق على العكس من ايام العام الاخرى فهي تضطر لتاتي مبكرا لتحجز لبضاعتها مكانا وسط مهنة الرجال الذين لا يروق لبعضهم ان تاتي بثمار هم يبيعونها على بسطاتهم.

واشتكت ام صفوت من حركة الشراء في شهر رمضان لتركز الاقبال في الشهر الفضيل على الخضار اكثر من الفواكه على الرغم من تسويقها لبضاعتها بانها "بلدية" وخالية من المواد الكيمياوية سعرها مغري مقارنة مع التجار الاخرين.

زينات مضيئة في رمضان بالقدس القديمة من خامات مستعملة

تبدو ورشة الفنان الفلسطيني عبد الجليل الرازم من بعيد كأنها مكان يلعب فيه الاطفال حيث تتناثر في جنباتها قطع ملونة مختلفة الاحجام يتضح عند الاقتراب منها أنها أكواب وزجاجات فارغة من البلاستيك.

ويعمل الرازم بايقاع سريع خلال شهر رمضان ليحول تلك الزجاجات والاكواب الملونة المستعملة الى مصابيح وفوانيس وثريات بديعة الاشكال ليزين بها أحد شوارع البلدة القديمة في القدس ليلا.

وقال الرازم "اشتغلت على مشروع اللي هو اعادة تدوير النفايات واعادة تدوير مخلفات البيئة. ومن ضمنها تطورت عندي فكرة أنه هذه المواد البلاستيكية اللي هي عبء على البيئة أنه أنا أستغلها بعمل شغلات فنية زي ما احنا بنلاحظ كيف. ففكرة الفانوس ورمضان والزينة أتت كلها مرة واحدة بهذا الوقت يعني."بحسب رويترز.

يبلغ الرازم من العمر 52 عاما ويعمل مدرسا للفنون. وهو يلصق خامات البلاستيك المستعمل معا في تشكيلات فنية مبتكرة ليصنع منها زينات مضيئة لشهر رمضان.

وقال الفنان في ورشته بحي باب حطة في القدس "وصرت أنا أشارك أنه أنا أعمل من كاسات (أكواب) البلاستيك ومخلفات البيئة الي علب الفواكه والقناني كلها زي ما احنا شايفين ثريات وفوانيس تضيء حارة باب حطة والمسجد الاقصى."

وتضاء حارة باب حطة المؤدية الى الحرم القدسي الشريف في البلدة القديمة بفوانيس وثريات مختلفة الالوان والاشكال من صنع الرازم.

وقال الفنان "هذه البوابة زي ما حكينا الوحيدة الرئيسية باعتبرها من أبواب الحرم القدسي الشريف. وجدت أنه فعلا أنه أكبر عدد ممكن من المصلين والزوار والزائرين يمروا من هذا المدخل."

ويجمع الرازم الزجاجات والاكواب وغيرها من خامات البلاستيك المستعملة من أقاربه وجيرانه وأصدقائه ومن بعض المتاجر المحلية. ويبدأ الفنان العمل قبل بضعة اشهر من بداية رمضان لتلبية الطلب المتزايد على منتجاته. ويأمل الرازم أن يعلم فنه لأبناء الجيل الجديد.

شابان فلسطينيان بالقدس يحرصان على استمرار مهنه المسحراتي

أخذ شابان فلسطينيان من أسرة واحدة على عاتقيهما مسؤولية ايقاظ النائمين للسحور في القدس الشرقية خلال شهر رمضان.

يتجول حسام الدين وبهاء غوشة في شوارع البلدة القديمة وأزقتها في أمسيات شهر الصيام يوقظان الناس قبل الفجر ليتسحروا احياء لمهنة المسحراتي التقليدية القديمة.

ويرتدي الشابان زيا تقليديا ويردد حسام الدين أدعية وتواشيح قصيرة بينما يدق بهاء على دف بعد كل مقطع من الكلام.

وقال حسام الدين غوشة في احدى الامسيات في بداية شهر رمضان هذا العام "فاحنا من أربع سنين منسحر ومنقوم في هي اللي واجب زي ما تقول علينا أكثر من أنه بشكل تطوعي هيكد لسكان حارتنا وللبلد بشكل عام. والهدف الاساسي منها أنه نرجع يعني التراث الفلسطيني.. الفلوكلور الموجود.. نخليه عايش بالقدس ونخلي الشباب الصغار يعيشوا فيه ويحبوه أكثر وأكثر بظل كل محاولات الاسرلة اللي بتعرضوا لها والتهويد اللي بتتعرض له المدينة يوم بعد يوم."بحسب رويترز.

وتضيء النوافذ أثناء مرور حسام الدين وبهاء ويطل السكان من الشرفات لتحية المسحراتي أثناء مروره في الحارات والازقة تحت أَضواء شهر رمضان التقليدية.

وتستمر مهنة المسحراتي التي ترتبط بشهر رمضان في الكثير من الدول العربية رغم وسائل التكنولوجيا الحديثة التي يمكن استخدامها لايقاظ النائم وقتما يشاء.

وقال حسام الدين "مع تطور الوقت وكذا صار فيه ساعة والتليفون وهذا معظم الناس بتفيق (تستيقظ) بشكل عادي بينما لما بسمعوا الاذكار وبسمعوا الموشحات اللي هم من زمان كثير.. من حوالي أكثر من 20 سنة ما سمعوهاش برجع فيه نوع من الحب بينهم وبين المدينة برجع بتأصل شوي شوي. فمنستغل الفرصة هي برمضان لنحاول نعمل شي حقيقي للقدس."

وتستمر جولة المسحراتي في شوارع القدس القديمة الى حتى لحظات قليلة من سماع صوت المؤذن لصلاة الفجر يرتفع من المسجد الاقصى.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/آب/2011 - 26/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م