من ساحة الفردوس الى باب العزيزية

 

شبكة النبأ: يرى بعض العراقيين ان ما يحدث الان في بعض الدول العربية وسقوط الطغاة العرب احدهم تلو الاخر كانت بدايته في بغداد من ساحة الفردوس حيث سقط الصنم، وقد احدث سقوطه دويا هائلا صدم الشعوب العربية التي انتبهت الى انه يمكن اسقاط الطغاة مهما كانت قوتهم وان قوتهم هو وهم مزيف صنعه الاعلام المضلل.

 يقول سايمون روبينسون الصحفي في رويترز والذي كان مراسلا لمجلة أمريكية انه يتذكر كيف أنه شهد استيلاء القوات الامريكية على بغداد في ابريل نيسان عام 2003 ويتحدث عن اوجه الشبه مع الاحداث في ليبيا.

حيث يقول: عندما أرى صور المقاتلين الليبيين وهم يتدفقون على مجمع باب العزيزية مقر اقامة الزعيم معمر القذافي ويقطعون رؤوس التماثيل ويحملون القطع التي نهبوها يصعب عدم تذكر اليوم الذي سقطت فيه بغداد في ايدي القوات الامريكية قبل ثماني سنوات.

في باديء الامر ألقت مجموعة من الرجال بأحذيتهم على تمثال صدام. وضرب أحدهم قاعدة التمثال بمطرقة كبيرة. وضع اثنان اخران سلما خشبيا وحاولا ربط حبل حول ساقي تمثال صدام البرونزيتين.

كنت صحفيا موجودا وسط القوات الامريكية أعمل لصالح مجلة امريكية في التاسع من ابريل نيسان عام 2003 ووقفت في ساحة الفردوس ببغداد أرقب ما يحدث بينما كانت تتكشف أمامي احداث تدل على نهاية امبراطورية.

وبعد بعض الوقت امر قائد في مشاة البحرية الامريكية رجاله باسقاط تمثال صدام. كان أفراد مشاة البحرية الامريكية يشعرون بالارهاق بعد ثلاثة أسابيع من القتال والتحرك المستمر وقلة النوم لكنهم سعدوا لاستقبالهم في بغداد بالتحيات والمصافحات بدلا من الرصاص.

قدم لهم الناس طوال الطريق المؤدي الى الساحة الهدايا من كعك وفناجين الشاي والزهور الصفراء التي قطفوها من حديقة مجاورة.

وضعت بعض الزهور في نهاية الامر في الشريط المحيط بخوذ أفراد مشاة البحرية. كان هناك عدة مئات من العراقيين في ساحة الفردوس الى جانب قوات مشاة البحرية والصحفيين. وكان العراقيون يضحكون على نشطاء السلام الغربيين الذين حضروا الى بغداد لمحاولة وقف الحرب.

قال رجل لشابة بريطانية "عودي الى وطنك... لا حاجة لك هنا الان."

وضعت قوات مشاة البحرية مركبتها امام التمثال.

ظهر بعض التوتر عندما وضع مجند من مشاة البحرية علما امريكيا على وجه صدام لكن الصيحات تعالت عندما تم استبدال العلم الامريكي باخر عراقي. وبدأت مركبة مشاة البحرية تسحب التمثال.. انكسر التمثال البرونزي من عند الركبتين ثم تهاوى أخيرا على الارض وفي تلك اللحظة تدفقت حشود فرحة وراحت تدهس التمثال.

هناك بالطبع فارق رئيسي في حالة ليبيا.

في العراق كان "المحررون" أو هكذا كان يستقبلهم العراقيون في باديء الامر من الامريكيين والبريطانيين. لكن في طرابلس يوم الثلاثاء كان الليبيون هم من يتصدرون الساحة بينما كان داعموهم من الغرب حريصين على البقاء خارج الصورة.

بدأت بالفعل عمليات البحث عن القذافي وأبنائه تماما مثلما حدث مع صدام وابنيه قبل ثماني سنوات.

وبينما يسعى الليبيون جاهدين لتحسين الوضع الاقتصادي مرة أخرى واصلاح الخسائر التي سببها القمع والعقوبات لعشرات السنين ستكون هناك أيضا أوقات يتساءلون فيها عما تبقى من شعور الامل والسعادة الذي كان جليا يوم الثلاثاء حتى بمجرد متابعة المشاهد على التلفزيون.

في عام 2003 كانت أهمية ساحة الفردوس تتغير بسرعة. وطبقا لوجهة نظرك فان اسقاط هذا التمثال كان اما لحظة تحرير من الطغيان او انتصارا للولايات المتحدة ورئيسها المتعجرف أو استعراضا محسوبا امام الكاميرات.

لكن مع تطور الاحداث وارتفاع وتيرة العنف خلال الاشهر التالية أصبحت لحظة اسقاط التمثال كلحظة صلف. لم تكن لحظة تمثل نهاية حرب اكثر مما كانت انزلاقا نحو الفوضى.

استمر النهب الذي كان قد بدأ بالفعل مع دخول قوات مشاة البحرية بغداد لعدة أيام. وبحلول الوقت الذي قتل فيه ابنا صدام بعد أشهر واخراج صدام نفسه من حفرة في الارض ومحاكمته وأعدامه حلت الاسوار الخرسانية وعمليات الخطف محل التفاؤل الذي كان سائدا في ساحة الفردوس.

اذا حالف الحظ ليبيا فان حكومتها الجديدة ستتعلم من أخطاء العراق. وأشار زعماء المعارضة الليبية بالفعل الى أنهم لن يسرحوا الجيش بأكلمه كما فعلت السلطات الامريكية في بغداد مما كان له عواقب وخيمة. كما ان هناك حديثا عن الوحدة وهو ما يحتاج اليه الكثير من القبائل في ليبيا.

لكن كما ثبت في العراق يصعب تحقيق التوقعات. ليس فقط لان الامنيات غير الواقعية تؤدي لا محالة الى خيبة الامل.. بل ان هناك أيضا تغييرات غير متوقعة كثيرة تحدث عندما يتم التخلص من أي نظام شمولي.

أتذكر حديثي الى امرأة عجوز في الشارع ببغداد بعد يوم أو اثنين من اسقاط التمثال. كانت تجلس في ممر يبعد نحو 18 مترا من نقطة تفتيش امريكية وكانت تريد التحدث الى أي أحد لكنها لم تكن تعرف الى من تتحدث.

وتساءلت عندما قدمت نفسي لها باعتباري صحفيا "متى سيقول لنا الامريكيون أن نفتح متاجرنا.."

أجبت عبر مترجم "لست متأكدا من أنهم سيفعلون... انهم يتوقعون منكم أن تتخذوا قرارات مثل هذه الان. انتهى العصر الذي يقرر فيه شخص واحد كل شيء."

نظرت الي بحيرة وقلق.

ومع انتقال الليبيين من لحظة الفرح عليهم أن يتذكروا أن التغيير العظيم الذي اقتربوا من تحقيقه سيجلب المزيد والمزيد من التغيير.

وفي مثل تلك الليلة قبل ثماني سنوات كان العراقيون يتحدثون عن بداية جديدة. كان هناك شعور بأن شيئا ما تغير.

وقد حدث ذلك فعلا لكننا لم نكن ندرك حينئذ بأي صورة سيكون التغيير.

دومينو سقوط الطغاة

ولكن ما بدأ في ساحة الفردوس واستمر في باب العزيزية قد يستمر في دول اخرى فمن شأن انهيار حكم الزعيم الليبي معمر القذافي من الداخل أن يعطي دفعة جديدة لخطى الثورات العربية ويظهر مرة أخرى أن هذه النظم الاستبدادية لم تعد لا تقهر.

ومن المحيط الى الخليج ترد لقطات حية على قنوات فضائية عربية لمقاتلين من المعارضة يتدفقون على طرابلس ويدهسون صورا للقذافي مرددين "بيت بيت.. دار دار.. زنقة زنقة" وهو نفس كلام القذافي الذي هدد به المعارضة. وهي لقطات من شأنها أن تثير قلق زعماء عرب يواجهون انتفاضات مماثلة. بحسب رويترز.

تأثرت عواصم عربية بالاحتجاجات التي أجبرت الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على الفرار من بلد حكمه طوال 23 عاما والرئيس المصري حسني مبارك على التنحي بعد 30 عاما في السلطة. والآن حكومة القذافي على وشك الانهيار.

يقول خبراء انه صحيح أن سقوط القذافي اعتمد بصورة كبيرة على التدخل العسكري الغربي والذي اتضح أنه لن يتكرر في سوريا أو أي مكان اخر فان القوى الغربية التي تعاني من ازمة ديون وما زالت منخرطة في حرب بالعراق وأفغانستان لا ترغب في فتح جبهات أخرى في العالم الاسلامي.

لابد أن العرب الذين رأوا مبارك وابنيه يظهران وراء القضبان ويرون الآن انهيار أطول زعيم عربي بقاء في الحكم يتساءلون ما الجديد الذي يمكن أن يحدث في الفترة التالية.

ومن سوريا الى اليمن سيكون لزاما على نظم استبدادية استخدمت القوة والقمع لاحتواء التطلعات الشعبية المكتومة ومنع الانتفاضات أن تتوقف قليلا لتفكر فيما يحدث في ليبيا.

قال رامي خوري وهو محلل لشؤون الشرق الاوسط مقيم في بيروت "انه تطور مهم لانه يظهر أن هناك طرقا مختلفة لانهيار الانظمة العربية. انه يظهر أنه بمجرد تكون الزخم وتحقق المزيج الملائم- ارادة شعبية للتغيير ودعم اقليمي ودولي- لن يقوى أي نظام على تحمل ذلك."

وأضاف "سوريا لديها هذا المزيج من الانتفاضة الشعبية مع دعم اقليمي ودولي. هذه الانظمة الاستبدادية حتى وان كانت قوية تنهار في النهاية. لدينا ثلاثة أمثلة انتقالية الآن.. تونس ومصر وليبيا والبقية تأتي."

وقال خوري ان انتفاضة الاغلبية الشيعية في البحرين والتي تسعى للحصول على المزيد من الحريات من العائلة السنية الحاكمة فشلت لانها افتقرت الى المساندة الاقليمية والدولية.

وفي ليبيا منعت حملة القصف الجوي التي قام بها حلف شمال الاطلسي قوات القذافي من استعادة مدينة بنغازي التي سيطر عليها المعارضة والقضاء على الانتفاضة التي اندلعت يوم 17 فبراير شباط وهو ما كان سيثني العرب المتطلعين للحرية في دول عربية أخرى.

وقال جيف دي. بورتر محلل شؤون الشرق الاوسط "هذا يظهر أنه اذا ثابر المحتجون أو المعارضون أو المناضلون من أجل الحرية أو المتمردون في اليمن او في سوريا فقد يتمكنون من الاطاحة بالنظام."

وأضاف "تشكلت اراء الناس عن الربيع العربي من خلال تونس ومصر اللتين استمرت بهما الاحتجاجات ما يصل الى الشهر. ظنوا أن ليبيا ستكون مستحيلة لانها لا تشبه النموذج التونسي او المصري... ستشجع الاحتجاجات الليبية المحتجين في سوريا واليمن وستزيدهم جرأة وان كانوا يفتقرون الى عنصر كبير هو دعم حلف شمال الاطلسي."

تظهر مشاهد الفرحة الغامرة في شوارع طرابلس بعد ما بدا من اختفاء قوات القذافي أن الكثيرين في العاصمة الليبية كانوا يمقتون زعيمهم لكنهم لم يكونوا يجسرون يوما على معارضته خشية التنكيل بهم.

وقال محمد ديرا وهو نشط ليبي في طرابلس "هذا يوم اخر.. صفحة جديدة في تاريخ ليبيا. نحن نشهد فجرا جديدا وتاريخا جديدا للحرية."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/آب/2011 - 26/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م