
شبكة النبأ: الطغاة نمور من ورق، وصف
لا أعرف من أطلقه عليهم، لكنه يليق بهم تماما، لأن الوقائع أثبتت صحة
هذا الوصف وانطباقه عليهم (بالصورة والصوت)، هؤلاء الحكام الطغاة عندما
تراهم وهم يعتلون عروشهم العالية، تلمس وتلاحظ بوضوح لا يقبل الشك او
التمويه، عنجهيتهم الفارغة، وشجاعتهم الوهمية، وكلماتهم الرنانّة التي
يطلقونها على الملأ، وكأنهم لا يخشون شيئا ولا أحدا الى الأبد.
ولكن ما أن تحترق الارض تحت أشكالهم الورقية، حتى يحترقون بسرعة
مدهشة، وهذا دليل قاطع على أن الطاغية، إنسان ناقص، وهذا الوصف يشمل
وجود النقص في تركيبته كاملة، أي أنه ناقص حكمة وروية وعقل وعاطفة
وانسانية، فهو إذن يعاني من النقص في كل شيء، لذلك ترى معظم الطغاة
يصابون بداء العظمة، فيرون ويشعرون ويتوهمون أنفسهم بأنهم نمور مفترسة،
لا يقوى أحد على مقارعتهم، لكنهم ما أن تهب جموع الشعوب لتلقينهم الدرس
الذي يستحقونه، حتى يتساقطون سقوطا دراماتيكيا مذهلا.
آخر هذه النمور الورقية (معمر القذافي)، هذا الذي وصف الثائرين عليه
من شعبه بـ الجرذان، وغير ذلك من الأوصاف التي لا يحق لأي انسان، مهما
دنتْ او علتْ مكانته، بإطلاقها كصفات او اوصاف على الآخرين، بسبب
التشارك الانساني على الاقل، أما قادتنا، حكامنا الطغاة فهم مشهورون
باطلاق الاوصاف البائسة المعيبة على شعوبهم، وغالبا ما يرون أنفسهم
متفضلين على الشعوب، فهذا يصفهم بالجرذان وذاك يصفهم بالحفاة، وثالث
يصفهم بالمتخلفين جهلا وعقلا، وهم قادة!! وهذا يعني أنهم أول المسؤولين
عن هذه الصفات اذا كانت موجودة في شعوبهم فعلا، بمعنى أن الحاكم هو أو
من يسهم في تشكيل شعبه، فإذا كان شعبا ناهضا عاملا منتجا مثقفا، سيكون
السبب الاساس الذي يقف وراء هذه الصفات الجيدة هو الحاكم وحكومته التي
ترعى الشعب وتسهر على حقوقه وازدهاره وتطوره، أما حين يحدث العكس فإن
الحاكم وحكومته ايضا، هم اول الذين يقفون وراء علامات البؤس التي
يغدقونها على شعبهم، كالاوصاف التي يطلقونها على الشعوب.
قبل أيام فوجئ العالم بالسقوط الدراماتيكي لمدينة طرابلس ليبيا
بأيدي الثوار، لتظهر حقيقة القذافي كنمر من ورق لا يعرف سوى التهريج
والكلام البذيء والاساءة لشعبه بأقسى الكلمات والاوصاف، وها هو مطارَد
الآن فارا هو وعائلته من مكان الى آخر ومن بيت الى آخر من ملاحقة
الثوار له، حتى ضاقت الارض به على وسعها، وهكذا هو حال الطغاة الذين
مضوا على مر التأريخ، فهل يتعظ الطغاة الآخرون الذين لا زالوا يقبعون
ضمن قائمة المرشحين للسقوط الدراماتيكي؟.
كل الدلائل تشير الى تواصل الانتفاضات الشعبية، واشتعال اوارها،
وانتقالها من هذا البلد الى ذاك، لتشمل جميع الحكام الطغاة، ولن
يُستثنى منهم احد، ولا من حكوماتهم التي لا تريد أن تعرف ولا تقر أو
تعترف، بأن لهيب الشرارة التي قدحها بو عزيزي في تونس، لن ينطفئ حتى
يأتي على جميع النمور الورقية وحكوماتهم الفاسدة، فجميع هذه الحكومات
تقف في الطابور، وسوف تتساقط تباعا، بالطريقة الدراماتيكية نفسها،
طالما أن حكامها نمور من ورق، وطالما أن افراد واعضاء هذه الحكومات لا
يريدون أن يؤدوا واجباتهم تجاه شعوبهم كما يجب، ولا يظنن أحد، حاكما
طاغيا او عضوا فاسدا في الحكومة، أنه سوف يتفادى العواقب الوخيمة التي
تنتظره، فالجزاء الذي يستحقه هؤلاء يتأهّب لهم، بانتظارهم جميعا.
إلا من يرعوي منهم، ويصحح مساره الخاطئ قبل بلوغ الطوفان القادم
إليه، والحقيقة أن فرص التصحيح قائمة الآن وقبل ذلك وستبقى، وجلها يكمن
في عمليات اصلاح سياسية سريعة وجذرية وواسعة، ولابد أن تكون الحرية
هدفا أساسيا للحكومات الخاطئة، وحكامها المتنمرين على شعوبهم، فالحرية
مع الضوابط المطلوبة معها، هي الاجواء الوحيدة القادرة على بناء دول
دستورية، تنصف الشعوب من حكامها، ولكن هذا الامر يتطلب تنازلا جوهريا
من الحكام وحكوماتهم لصالح الشعوب.
خلاف ذلك، لن يكون هناك طريق آخر لخلاص الطغاة من السقوط الحتمي،
ولن يكون بمقدورهم تخطّي لحظة الاحتراق لأشخاصهم ومسانديهم جميعا،
كونهم نمور من ورق ليس إلا، ولو قيّض للطغاة الذين ما زالوا يتربعون
على عروشهم، قراءة ما يحدث الآن بطريقة صائبة، والاستفادة مما حدث
لطغاة سقطوا قبلهم بأيدي العدالة، وتم عرضهم على الملأ عبر وسائل
التوصيل كافة، لكان بإمكانهم تلافي المصير الأسود الذي يقف بانتظارهم
على أهبة الاستعداد.
إن ما حدث للطغاة السابقين وآخرهم القذافي الذي لا يزال يتخبط وهو
في طريقه الى قفص العدالة، يمكن أن يكون درسا للحكام والحكومات التي لا
تزال تسيء لشعوبها وتتجاوز على حقوقهم، لذا ينبغي قراءة الاحداث بذكاء
ورويّة وفهم متوازن ودقيق، والاستفادة منها للتصحيح الفوري، هذا اذا
رغبت نمور الورق وحكوماتها، تجاوز مصيرها من الاحتراق الحتمي القادم. |