بناء قدرات وزارة الداخلية

بين الفهم السياسي ورؤية المهني

رياض هاني بهار

ازدادت بالفترة الاخيرة كتابات سياسية عن القدرات الامنية العراقية وفي المقابل هناك ندرة لمقالات كتابها اشخاص مهنيون وهو موضوع مهني تم تسيسه لمصالح السياسيين ومن الملاحظ ان هناك خلطاً بين بناء القدرات العسكرية وبين القدرات الامنية ولاتوجد حواجز بين المفهومين وكان بودي كتابتها بحلقات وسأتناول بناء قدرات وزاره الداخلية برؤية مهنية مجردة.

تعرف القدرات بانها “ تلك المهارات والمعارف والتنظيمات وأساليب العمل التي تجعل منظمة ما فعالة، وأما بناء القدرات فيعني تطويراً أكبر لكل من المقومات حيث يتم من خلالها البناء على أساس نقاط القوى الموجودة و معالجة الثغرات ونقاط الضعف.

تقوم العديد من الأجهزة العليا للرقابة ببناء قدراتها بشكل مستمر، وذلك عن طريق التدريب الداخلي وخطط تطوير العاملين بالإضافة إلى التبادل اليومي سواء الرسمي أو غير الرسمي على المستوى العالمي فيما بين الأجهزة الزميلة أو التي بينها شراكة، إن برنامج بناء القدرات يذهب إلى أبعد من ذلك، فهو يتضمن:

* التقييم المنتظم للمستوى الحالي لقدرة الجهاز ونقاط قوته وضعفه.

* تحديد الجهاز للأسباب التي تدفعه للقيام ببناء القدرات والأعباء أو المعوقات التي قد تواجهه.

* تحديد القدرات الإضافية التي يحتاج الجهاز لبنائها والمصادر المطلوبة والنتائج المتوقع للجهاز تحقيقها.

* وضع إستراتيجية لتقديم هذه القدرات المتزايدة والمخرجات المتعلقة بها دون التدخل في تقييم جدواها.

* تنفيذ هذه الإستراتيجية وتقييم تأثير التغيرات والنتائج المحققة.

* الحفاظ على هذه التغيرات ووضع إستراتيجية جديدة لتنمية ما تم انجازه.

وتعتبر تقوية مهارات التدقيق الفنية والمهنية عنصراً هاماً في إستراتيجية بناء القدرات غير أن العنصر الأساسي في هذه الإستراتيجية هو تطوير مهارات الأجهزة العليا للرقابة في إدارة مواردها و العاملين لديها والتأثير في المستفيدين الخارجيين، وتم إدخال عدد أقل من الضباط السابقين في قوات الأمن الجديدة، التي جرت إعادة بنائها من الصفر بعد انهيارها عام 2003، غير أن تسييس قوات وزارة الداخلية أدى إلى ظهور مخاوف مماثلة، اعتباراً من عام 2003، دفعت الميليشيات لاختراق هذه القوات، وبعد أن تم حل قوات الأمن في أيار/مايو 2003، ركزت الولايات المتحدة بداية على الجيش وأجهزة الاستخبارات، واجلت بناء الشرطة إلى مرحلة لاحقة، فإن الحاجة إلى تأسيس قوات قابلة للحياة في سياق حكم الميليشيات وتزايد قوة الجماعات المسلحة دفعت إلى ما يشبه موجة التجنيد العمياء لم تتمكن من فلترة المجندين الجدد على أساس المؤهلات المهنية أو الولاء السياسي، في العامين الأولين بعد الاحتلال، خشيت الولايات المتحدة من أن الشرطة الوطنية التي أخذت أعداد أفرادها تتزايد باستمرار ستقع تحت سيطرة كتلة سياسية واحدة، ولتقليص المخاطر أوجدت هيكليات ومراكز قيادة متعددة داخل وزارة الداخلية، وهو ما أفضى إلى التشوش والشلل.

في سياق الاندفاع لإعادة بناء الشرطة وقوات الأمن الأخرى في بيئة من العنف المتصاعد وتحت ضغط القيود التي فرضتها المقاربة الأميركية المختلة وظيفياً لبناء المؤسسات والناتجة عن الافتقار إلى المعرفة، وسرعة انضمام العناصر إلى هذه المؤسسات وخروجهم منها وعلى نحو مدمّر وانعدام الثقة بالقدرات العراقية والتغيرات المستمرة في الترتيبات السياسية في العراق مما جعلها هيكلية تعاني من خلل وظيفي، فإن واشنطن وحلفائها العراقيين لم يتمكنوا من وضع رؤية ثابتة ومتسقة تركز تأسيس قواتنا الأمنية في عام 2003 على الكم، وليس على النوع ولم ننتبه إلى ولاء هذه القوات، بمعنى زرع الولاء أو التدقيق بمن الموالي ومن غير الموالي.

 أخيراً حاولت الأحزاب السياسية فرض الأشخاص المرتبطين بها هذه العوامل مجتمعة جعلت من المؤسسات الأمنية غير كفوء وصعبة التغيير، لدينا الآن حوالي مليون شخص في وزاره الداخلية اذا احتسبنا داخلية اقليم كردستان، من حيث الكم، لدينا أكثر مما نحتاج، في حين أن الجودة أقل من الوسط أضحت الوزارة الحلبة المثلى للتنافس السياسي والفئوية.

 ويمكن تحديد التحديات التي تواجهه بناء القدرات بالتالي:

أ. تحديات في الأفق تظل عملية إعادة بناء الداخلية عملاً غير منجز لارتقاء الاف من الضباط الدمج للحلقة الوسطية للشرطة العراقية وخصوصا بالمحافظات ونقص بمؤهلاتهم المهنية والعمل للجهة التي منحتهم الرتبة.

ب. ضباط الجيش العراقي السابق (الذين تم تعيينهم بحقبه البولاني واغلبهم كبار بالسن وتاركي الوظيفة عشرات السنيين وتبوء كثير منهم مناصب قيادية بالشرطة اضافه ممن اعيدوا الى الخدمة لاسباب انتخابية تخص البولاني واطلق على وزاره الداخلية (وزاره الدفاع الثانية).

ج. الولاء الحزبي والولاء الوظيفي وغياب المهنية.

ان افضل قياس لمعرفة اداء العمل الشرطوي الحقيقي وقياس الانتاجية هو مراجعة الحوادث المهمة الارهاب والقتل والاغتيال والخطف التي وقعت للاعوام من(2006 لغاية 2011) ومقارنتها مع ما مكتشف منها والاحكام الصادرة بحق الاشخاص المقبوض عليهم وبالتالي يمكن قياس الاداء المهني وليس بالتصريحات التي نشاهدها يوميا من قبل الناطقين الرسميين وهي تحمل ارقام لو تم احصائها سنويا سنجدها بالألاف والمؤسف والغريب ان كل هذه السنوات من عمل الداخلية ولايوجد احصاء جنائي بدأ بتشكيل نواة قبل اشهر كيف تبني قدرات بدون عمل احصائي.

اضافة الى ان وزارة الداخلية لم تبني اي قاعدة فنية ومعلوماتية التي تخدم العمل الجنائي طيلة اربعة سنوات الماضية ابان استيزار البولاني ويمكن ايجازها بالاتي:

1. لم يتم استكمال استحداث ادارة البطاقة الوطنية الموحدة.

2. لم يتم بناء قاعدة بيانات عن الاحوال المدنية، حيث لم يتم تصوير سجلات الاحوال المدنية.

3. لم يتم بناء قاعدة بيانات مرورية، حيث لم تستكمل اجراءات لوحات السيارات واجازات السوق.

4. عدم الاهتمام بالجانب الفني للادلة الجنائية والتسجيل الجنائي واهمالهما، كأنشاء معامل جنائية متنقلة وتطوير البصمة الوراثية وتزويدهما باجهزة التقنية الحديثة.

5. غياب الاهتمام بقاعدة البيانات الجنائية، للكشف عن شخصية مرتكبي الجرائم آلياً واعادة النظر بهيكيلة مركز الشرطة وتوفير الاجهزة والمعدات التي ترتقي به تقنياً.

6. عدم تنفيذ مشروع نظام تحديد الاماكن العالمي (G.P.S).

فان بناء القدرات الفنية والمعلوماتية لاجهزة الشرطة لا تتم الا بتوافر النقاط الموجزة اعلاه، وان الوصول الى النجاح بالعمل الشرطوي لا تتم بالكم وانما بالنوع والعمل الفني، وتبقى وزاره الداخلية غير مكتملة القدرات ويستوجب عليها بذل الجهود في المرحلة القادمة لبناء القدرات الفنية والمعلوماتية.

* عميد شرطة متقاعد

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/آب/2011 - 26/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م