شبكة النبأ: هناك واجبات ينبغي على
الانسان المسلم معرفتها وتأديتها عن طيب خاطر، وهناك محرمات ينبغي عليه
أن يعتاد الامتناع عنها، من خلال قدرته على التحكم برغائب النفس اولا،
ومن خلال القدرة على الموازنة بين تأدية الواجبات والامتناع عن ايتاء
المحرمات، ومنها على سبيل المثال، عدم الاعتداء على الآخر، حتى لو
توافرت للانسان مقومات القوة الجسدية او المعنوية كقوة السلطة.
فاذا كان الانسان قويا لا يعني ذلك منحه امتيازا للتجاوز على
الآخرين، واذا كان حاكما لا يعني ذلك شروعه بظلم الناس من خلال سلطته،
ولنا أمثلة مشرقة في تأريخنا الاسلامي على دقة الموازنة بين مراعاة
حقوق الناس واحترامهم، وبين القيام بما يقتضيه الواجب الديني او
الاخلاقي او العرفي وما شابه.
في احدى محاضرات المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني
الشيرازي (دام ظله) وهي بعنوان (لنعرف إمامنا وواجبنا بصورة أفضل) جاء
بهذا الصدد: (لقد كان أمير المؤمنين سلام الله عليه يدفع مَن ناهضه
وبارزه بالنصح والموعظة ما أمكن، وكان يسعى للحؤول دون وقوع الحرب
وإراقة الدماء، سواء عن طريق المواعظ الفردية والجماعية أو غيرها..
ولكن إذا وصل الأمر بالطرف الآخر أن يهجم ويريد القتال قام الإمام عليه
السلام بدور الدفاع لا أكثر، ولكن ما إن يتراجع الخصم أو ينهزم حتّى
يتوقّف الإمام عن ملاحقته ولا يسعى للانتقام منه، ولم يروَ أن الإمام
عليه السلام بدأ أحداً بقتال أبداً. وهذا الأمر مشهود في تاريخ أمير
المؤمنين سلام الله عليه).
لذلك ينبغي أن يكون الدافع لأية وظيفة او عمل ما، مبررا ومقبولا،
ولا ينبغي للانسان أن يحتكم الى نفسه واهوائها، في ايتاء هذا العمل او
تجنبه، بل ثمة ضوابط معروفة ينبغي الاحتكام لها، تجنبا لرغبات النفس
وسلطتها وميولها المعروفة نحو تفضيل الذات، نعم ينبغي ان يعرف الانسان
حقوق النفس وحقوق الآخرين ايضا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد في محاضرته القيّمة نفسها:
(على كلّ فرد منّا أن ينظر ما هي وظيفته تجاه نفسه وتجاه الآخرين؛ وما
هي الواجبات المترتّبة عليه، وما هي المحرّمات التي يجب عليه الانتهاء
عنها).
ولا تنحصر معرفة الواجبات والمحرمات في جانب دون غيره، بل ينبغي أن
تكون هذه المعرفة شاملة، أي تشمل كل مناحي الحياة، ومنها الحياة
الزوجية للفرد مثلا، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا حول هذا
الموضوع: (على كلّ فرد منّا أن يعرف ما هي الواجبات بحقّه وما هي
المحرّمات عليه. فعلى الزوج أن يعرف واجباته تجاه نفسه وتجاه عائلته
وتجاه الآخرين، وكذا المرأة عليها أن تسعى لمعرفة ما يجب عليها تجاه
زوجها وأولادها والمجتمع. وهكذا الأولاد تجاه والديهم والوالدين تجاه
الأبناء، وكذا الإخوة فيما بينهم، وهكذا الجيران والأرحام والمتعاملون
بعضهم مع بعض).
ولذلك لابد أن يكون الانسان عارفا وملمّا في حقليّ الواجبات
والمحرمات، وهذا يتطلب سعيا حثيثا لمعرفة ذلك، من خلال المتابعة
والاطلاع علميا ومعرفيا، والاقتراب من مصادر المعلومات الموثوقة في هذا
الجانب، بمختلف أنواعها الدينية والتربوية وسواها، إذ يقول سماحة
المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إنّ الواجب هو أن يعرف الإنسان أحكامه
ـ ولا أقلّ من الواجبات والمحرّمات)
ولا ينبغي التوقف عند تحصيل القدرة على معرفة الواجبات والمحرمات،
والموازنة بينهما، بل على من يتقن ذلك ويتعلمه، أن يعلم الآخرين عليه،
كما يؤكد في ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (على كلّ فرد منّا سواء
كان رجلاً أو امرأة، شاباً أو شيخاً، أن يحصل على ملَكة تحصّنه من
ارتكاب المحرّمات أو التخلّف عن الواجبات، ثمّ عليه بتعليم الآخرين حسب
مقدرته ومعرفته).
لذا في كل الاحوال، ينبغي أن يسعى الانسان لمعرفة ما هو مطلوب منه،
سواء في جانب الواجبات او المحرمات، وفي حال تمكنه من اتقان ذلك جيدا،
عليه أن يبادر لتنوير الآخرين في هذا المجال، لذلك يبقى السعي للمعرفة
امرا مطلوبا من الانسان على نحو دائم، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي
في هذا الخصوص: (أمّا ما لا يعرفه – الواجب والمحرم- فليتعلّمه إن كان
يستطيع ذلك، ثمّ يعلّمه للآخرين، فإنّ نسبة الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر إلى العلم هي نسبة الواجب المطلق، وليس المشروط، ولكنّه واجب
كفائي، فإذا لم يكن مَن فيه الكفاية صار واجباً عينياً أيضاً. أي أنّ
على كلّ شخص مكلّف أن يتعلّم الواجبات والمحرّمات التي عليه وعلى
الآخرين للعمل بها وتعليمها والأمر بها للوصول إلى حدّ تتحقّق فيه
الكفاية). |