سؤال قد يبدو للكثيرين غير ذي أهمية، ولكن قد يرى " كثيرون " اخرين
أهمية متعددة الجوانب لهذا السؤال. فالحاكم العربي في الحياة استمد
نظرية بني أمية في الحكم " بان يكون مصون غير مسؤول " حتى لو حرق النسل
والحرث، بل قد ينال حسنة على هذا الحرق من باب انه اجتهد فلم يصيب فحصل
على حسنة ولو كان اصاب لحصل على حسنتين!! مع العلم لايجرأ أحد ليقول
للقائد الرمز وطويل العمر وابو الشعب وبطل القومية وبطل الاسلام
المزعوم بانك أخطأت لذلك فالحسنتين مضمونة في الجيب مسبقا!!.
لماذا على الحاكم العربي ان يصوم في رمضان؟ هل يطلب الآجر مثل بقية
" المعترين " من أبناء الشعب؟ او يعتبر مثلا ان السنة 12 شهر يمارس في
11 شهر منها كل ذنوب الدنيا والاخرة ويحاول في شهر واحد في رمضان ان
يكفر عن هذه الذنوب؟
اذا كان يبحث عن الآجر فابسط حقوق المساكين الذين يطلق عليهم الشعب
ولاكتمال شروط الاجر عليه ان يعطيهم حقهم دون مكرمة تسجل او منة تحسب،
واذا كان كذلك فعليه ان يقاسمهم " سفرة رمضان " بان تكون متساوية بين
طعام الفقير وبين طعام الحاكم على الاقل في هذا الشهر الفضيل، لكن
المراقب لابسط دعوة افطار رمضانية يقيمها الحاكم العربي سيرى بان فضلات
هذه الدعوة تكفي لسد جوع احياء وحارات ومناطق ومدن كاملة من فقراء
الناس، ثم الاهم هل الحاكم المصون هذا اقام دعوة الافطار هذه من جيبه
الخاص او من حسابه الخاص!؟ او من بقية ارث ابيه او أهله ليمن بها حتى
على ضيوف هذه الدعوة من وعاظ السلاطين واصحاب قصعة الحكم.؟ ناهيك عن
فقراء الشعب.
اما الاحتمال الثاني بان الحاكم يصوم ليكفر عن ذنوبه السنوية،
فبداية وهذا هو الاهم لا اعتقد ان حاكم عربي واحد يعتقد نفسه بانه مذنب
مع شعبه او حتى مقصر مع شعبه. ومع ذلك اذا حملنا الامر على محمل حسن
وان السيد الحاكم بامره اراد ان يكفر عن ذنوبه السنوية، فالمفروض على
الاقل وخلال هذا الشهر الفضيل ولاثبات هذه الحجة الضعيفة ان يوقف
الحاكم المصون كل الاعتقالات والاعدامات والتعذيب والتغيب في سجونه
الامنية والدموية، كما عليه ان يوقف سرقة ثروات الشعب وتبدديها، ومن
الصعب تصور حاكم عربي دون ذلك الا ما ندر وما قدر ربي.
بمختصر مفيد اعتقد ان الحاكم العربي لا يرى حاجة لصيامه باعتباره
ولي امر الامة وقائدها وهو بحاجة الى طاقته اليومية الكاملة لاكمال
واجباته " الالهية او التاريخية "، كما اعتقد بان شهر رمضان نفسه ليس
بحاجة لصيام الحاكم في هذا الشهر الفضيل، اولا لانه لم يجرب الجوع منذ
عقود طويلة وثانيا وان حدثت المعجزة ووقع صيامه فسيكون غضب على الامة
والشعب على حد سواء لانه في الايام العادية تجد قرارات الحاكم العربي
انفعالية وشخصية وفي احسن حالاتها عاطفية وبعيدة عن المهنية وعن
العلمية في كثير من مفاصلها فكيف ستكون تلك القرارات وهو جائع وعطشان
وهائج " لا سامح الله " وايضا دون معضلة " الواوه "!!.
ثم ان الحاكم العربي يعتقد ان كفيه وعقله وقلبه جميعها مجتمعة او
منفردة مصدر الخير والرزق لشعبه وليس ثرواتهم المنهوبة، فما حاجته
لرمضان او حتى لرضا الله سبحانه وتعالى بعد ذلك!!؟.
ستكون مفارقة غريبة بان تكون أسس وفلسفة الديمقراطية الغربية هي
الاقرب الى تقوى الله ورضاه و بالتالي هي الاقرب الى متطلبات شهر رمضان
الفضيل من سمات وأسس الحكم في البلاد العربية المسلمة، الا في بلدين
عربين تمارس فيهما الديمقراطية وانتخاب الحاكم من قبل " المعترين
والفقراء "!!
فاذا كان الحاكم العربي مغتصب للحكم او وصل اليه بالتوريث او عن
طريق دبابات الليل وبيان رقم واحد وانه وعائلته واقربائه وعشيرته من
يحكم البلد ويتحكم بمقدراته دون وجه حق، فما حاجته للصوم بعد ذلك؟ هل
يضحك مثلا على ذقون بعض ابناء الشعب ولو من خلال ادعاء الصوم، ممكن ذلك
ولكن كيف يمكن له ان يضحك او " يعبر " الامور على من خلقه وخلق الشعب
معا دون تمييز!! وهل تشفع نظرية بني امية في الحكم " مصون وغير مسؤول "
يوم الحساب امام الله سبحانه وتعالى؟
لا اعتقد...... لا اعتقد بان الحكم العربي المستبد يفهم او يفكر او
يعي ذلك. ورمضان كريم على الشعب العربي المعتر المسكين.
[email protected] |