الإفطار العلني وخصوصية المجتمع

شبكة النبأ: إذا كان معظم المسلمين يتعاملون مع ظاهرة الافطار العلني من باب التحريم الديني، وهو امر صحيح ومتفق عليه، فإن تجنب الافطار العلني أمام الصائمين، سواء في الاماكن العامة او الخاصة، يمكن أن يعد خصيصة، تميّز المجتمع الاسلامي عن غيره من المجتمعات.

واذا عرفنا بأن الشعوب، والامم، والمجتمعات المتطورة، تحاول بقدر المستطاع أن تحافظ على خصوصيتها وهويتها، من اجل أن تبقى ذات شخصية متميزة، وفاعلة في الحراك المجتمعي العالمي، فإن تجنب الافطار العلني، واحترام هذه الخصيصة، والمحافظة عليها من الاهمال، او التجاوز، يصب في تدعيم الشخصية المستقلة للمجتمع، بمعنى أوضح، أن من يمتنع عن الافطار في الشارع، او الساحات العامة، أو اية اماكن اخرى، إنما يحافظ بفعله والتزامه هذا، على تدعيم الاستقلالية المطلوبة للمجتمع، من اجل تجنب حالة التذويب الثقافي، التي تهدف إليها ثقافات اخرى، تحاول أن تغير من طبيعة المجتمع وملامحه.

إذن لا يتعلق الامر بالتعاليم الدينية فقط، مع أن الدين لا يقبل هذه الظاهرة بوضوح، بمعنى أن الشخص الذي يسير في الشارع، أو يركب سيارة الأجرة، او الحافلة، أو يجلس في ساحة عامة أو غيرها، لا ينبغي له أن يدخن مثلا، ولا يصح له أن يفتح عبوة الماء ويشربه أمام الملأ، ولا يصح له أن يتناول (سندويجا) او لفافة أكل أمام الناس، إن هذا السلوك يعد طريقة لاستفزاز الصائمين أولا، ثم يشكل نوعا من تفتيت الخصوصية التي يجب أن يحرص المجتمع على التمسك بها.

بهذا تشكل ظاهرة الافطار العلني تجاوزين كبيرين:

أولهما: التجاوز على التعاليم الدينية، وهو امر لا يصح بأي حال، ولا ينبغي للانسان أن ينتهج مثل هذه النهج، خاصة انه يمتلك البدائل التي تقيه من مثل هذه الاستفزازات والتجاوزات.

أما الثاني: فهذه الظاهرة تشكل نوعا من تهديم الخصوصية المجتمعية، التي تحرص عليها المجتمعات المتطورة وتحافظ عليها، ليس من باب الانعزال او الانغلاق او الانكفاء على النفس، كما قد يفسره البعض، بل من باب الحفاظ على خصوصية المجتمع، وهو امر تراعيه معظم المجتمعات والشعوب الواعية المتطورة، ولنا في تقليد حفلة شرب الشاي لدى العائلة اليابانية، مثال مناسب في هذا الصدد، فلو لاحظنا الخطوات (التي نعتبرها فائضة وغريبة) في طريقة شرب الشاي للعائلة اليابانية، سنستغرب منها حقا، لأننا لسنا أصحابها، ولا تتعلق بخصوصيتنا، ولا بجذورنا التأريخية، او تكويننا الثقافي التراثي الفلكلوري المجتمعي، أما بالنسبة للمجتمع الياباني، فإنها أمر مبتوت به ولا يقبل النقاش قط.

هذا المثال، يدفعنا الى تجنب ظاهرة الافطار العلني في شهر رمضان المبارك، ليس فقط من باب الالتزام الديني، إنما من باب التباهي امام الشعوب والمجتمعات الاخرى بخصوصيتنا، مثلما يتباهى اليابانيون ببعض خصوصياتهم، التي لا يمكن أن يتجاوزوا عليها، ولا يسمحوا لأحد بتجاوزها.

ما نلاحظه في الشارع يثير الاستغراب حقا، وما نلاحظه في الاماكن العامة، على الرغم من الاجراءات القانونية، يدعونا الى العجب حقا، وأقل ما يمكن ان يُقال في هذا المجال، أن تجنب الافطار العام بالاضافة الى المبررات الهامة التي ذكرت آنفا، فإنه يمثل احتراما لمشاعر الآخرين من الصائمين، بل يمثل نوعا من زيادة الألفة وتمتين اللحمة الاجتماعية بين افراد ومكونات المجتمع، ومثلما يريد الآخر أن تُحترَم تقاليده ومعتقداته، لابد أن ينهج النهج نفسه في التعامل مع معتقدات الآخرين.

إنها دعوة لتجنب الافطار العلني، والاسباب كثيرة وقد سبق ذكر بعضها، وفيما لو آمن الانسان بأنه يحافظ فعلا على مكانة مجتمعه بين المجتمعات، عندما يتمسك بخصوصياته، فإن هذه الظاهرة وغيرها مما يسيء لشخصية المجتمع، سوف تضمحل وتنتهي تماما، لنشكل بذلك امة او مجتمعا، يتحدث الآخرون عن ايجابية ماضيه وحاضره ومستقبله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/آب/2011 - 23/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م