شبكة النبأ: الخصوصية ترتبط بطبيعة
الواقع في الغالب، بالاضافة الى المؤثرات التأريخية وغيرها، ومن
الصعوبة بمكان أن تحصر الفن الروائي في أحد هذين المسميين (الواقع /
الخيال) لتحصل على نتائج جيدة، سواء على مستوى الفكرة أو طرائق التنفيذ
البنائي للرواية، نعم لدينا الادب الروائي الواقعي العالمي والعربي
والعراقي، ولدينا أدب الخيال الروائي العلمي وسواه ايضا، وكلا
الاتجاهين برعا في جانب وأخفقا في آخر، كما نلاحظ ذلك في العديد من
الروايات العربية والعالمية والعراقية، ومنها على سبيل المثال رواية
قصة مدينتين لتشارلز ديكنز، أو معظم روايات نجيب محفوظ، أما عراقيا فإن
الرواية الاجمل التي تحمل خصيصة عراقية خالصة هي (الرجع البعيد) للراحل
فؤاد التكرلي، مع حضور عشرات الروايات في هذا المجال، إذ يصعب ذكرها
الآن.
أما مكمن البراعة فيتعلق باستحضار عناصر ومقومات الواقع بقوة في
العمل الروائي، لدرجة أن القارئ نفسه يتحول الى جزء من مكونات الرواية
على مستوى المكان او التكوين المادي او الحدثي، سيحدث هذا بسبب قوة
الاداء الروائي الواقعي، أما مكمن الاخفاق، فدائما سوف يتعلق بالضمور
شبه الكلي لدور المخيلة في تأثيث الحدث الروائي عموما، وهنا سيحدث
تقاطع واضح بين الواقع والخيال، وهو ما سيجرد الرواية من رموزها
ومؤثراتها الجمالية التي تُستمَد من الخيال غالبا، بكلمة اوضح سنلاحظ
غيابا شبه كلي للمزاوجة المتقنة بين الواقع والخيال في كلا النوعين،
رواية الواقع ورواية الخيال.
الرواية العراقية الواقعية او تلك التي تجنح الى الخيال، لم تُستثن
من هذا الخلل، ولكنها نجحت في تركيز الخصيصة العراقية، وأعني بذلك أنها
أثثت حيثياتها من واقع عراقي لا يشتبك مع غيره في الدقائق والتفاصيل،
وبذا أمكن للنقاد او الدراسات أن تشير بثقة، الى ان هناك روايات عراقية
لها خصوصية البيئة العراقية والدم العراقي، سلوكا وطرائق تفكير، وغير
ذلك من السمات التي تسم الواقع العراقي حصرا.
لقد انطلق ماركيز في عالمه الروائي من واقعه الذي ينتسب الى
كولومبيا، والى قريته، بل الى تأريخه ووقائعه الشخصية، لكنه بسبب من
براعته لم يركن الى تلك المقومات الواقعية البحتة، فتحايل على الواقع
ببراعة ايضا، مع انه انطلق منه، ليكتب لنا اروع الروايات في تاريخ
السرد الروائي العالمي، والسبب كما يشير النقاد أنه زاوج بموهبة اصيلة
وفذة بين الواقع وسحر الخيال، ليقدم لنا ما اصطلح عليه الدارسون في
حينها (الواقعية السحرية)، هذا المسار الفني لم ينجح به الروائيون
العراقيون، بمعنى ادق لم يستطع الروائي أن ينطلق من خصوصية الواقع
العراقي الى ما هو أعلى منه، إلا ما ندر، لهذا لم نستطع حتى الآن أن
نقتحم الفضاء الروائي العالمي بقوة، نعم كتبت روايات لها طابعها
العراقي الواضح والمميز، لكن تبقى إشكالية اللباث في مركز الذات
والتمحور حولها قائمة، وما يؤكد ذلك هذا العجز الذي تعانيه الرواية
العراقية من اقتحام العالم روائيا.
في الهروب الى اليابسة للروائي الراحل محمد الحمراني نعيش بيئة
الاهوار كما هي، ونقرأ تأريخا مضمخا بخصوصية قرى الاهوار وأناسها، لقد
قدمت هذه الرواية واقعا عراقيا خاصا، لكنها بقيت تدور في هذا الواقع
وكأنها مقيدة وعاجزة عن اختراق ما تراه العين وتلمسه اليد، لقد غاب
الخيال هنا، كما غاب في رواية خلف السدة لـ عبد الله صخي، ومع ان
الروايتين نجحتا في تأكيد الخاصية العراقية إلا أن ثقل الواقع حيّد
محفزات المخيال ومزاياه تماما.
لذا قلة هي الروايات العراقية التي شبّت خارج هذا الطوق الشاهق
والمتين، واقصد به طوق الواقع الحرفي الذي يلغي أية فرصة بالجنوح الى
عوالم فنية راقية. |