سوريا والمعادلات الدولية... وقائع تسقط عنها السيناريو الليبي

شبكة النبأ: مع انهيار النظام الليبي في طرابلس باتت الانظار تتحول بشكل اكثر تمعنا الى الازمة السورية، في الوقت الذي تسعى فيه بعض الاطراف وعلى رأسها الدول الغربية لتكرار السيناريو الليبي في سوريا.

الا ان المعطيات الميدانية بالاضافة الى الحسابات الاقليمية لا ترجح نجاح ما يسعى اليه الغرب بشغف، سيما ان دمشق وتحديدا القيادة السورية التي غالبا ما كانت تتسم بالحزم الامني الا انها تختلف جذريا عن طبيعة ما كان قائما في ليبيا، خصوصا مع عدم وجود رغبة شعبية شاملة تدفع بشكل جدي لإسقاط النظام، وهو ما تجلى بوضوح في تباين الاحتجاجات بين مدينة وأخرى.

تداعياته كبيرة

فقد قال الرئيس السوري بشار الاسد ان اي عمل عسكري ضد سوريا بعد ستة اشهر من الاضطرابات ستكون تداعياته اكبر بكثير مما يمكن ان يحتمله من قاموا به.

وقال الاسد في مقابلة مع التلفزيون السوري "طبعا اي عمل ضد سوريا ستكون تداعياته اكبر بكثير مما يمكن ان يحتملوه لعدة اسباب السبب الاول هو الموقع الجغرافي السياسي لسوريا السبب الثاني هو بالامكانيات السورية التي يعرفون جزءا منها ولا يعرفون الاجزاء والتي لن يكون بمقدورهم تحمل نتائجها ".

والمعارضة السياسية في سوريا أكثر انقساما واقل تنظيما حتى من المعارضة الليبية التي يبدو انها تضيق الخناق على معقل القذافي في طرابلس.

وقال خوان زاراتي مستشار مكافحة الارهاب للرئيس الامريكي السابق جورج بوش "نفس المخاوف التي يبدو انها جعلت الادارة تحجم عن الدعوة للاطاحة بالاسد لا زالت قائمة اليوم وهي.. كيف ترغمه (الاسد) على الرحيل؟ هل سيقود سقوط النظام العلوي لفوضى طائفية؟ وماذا سيأتي خلفا لهذا النظام وسط تشدد إسلامي محتمل؟" بحسب رويترز.

والاسد وعدد كبير من اركان نظامه الحاكم من العلويين ويمثلون 12 في المئة من تعداد سكان سوريا. وقال زاراتي "جاءت الدعوة لرحيل الاسد متأخرة جدا وحان الوقت الان لايجاد سبل بالتعاون مع شركاء للتخطيط للايام المقبلة في دمشق."

واتخذت الاطياف المختلفة للمعارضة السورية من اصلاحيين علمانيين إلى إسلاميين من الاخوان المسلمين خطوات متعثرة نحو توحيد صفوفها.

ويوم الجمعة اعلن أكثر من 40 "تكتلا ثوريا" تشكيل ائتلاف لتوحيد جهود الاطاحة بالاسد حسبما ورد في تقارير صحفية.

وقال مسؤول أمريكي بارز الاسبوع الجاري "حققت المعارضة بمفردها ودون تدخل دولي خطوات مهمة خلال الاشهر القليلة الماضية لتوحيد صفوفها." وأضاف المسؤول الذي رفض نشر اسمه "لا يمكننا توقع طول الفترة الانتقالية. لن تكون سهلة باي حال ولكننا واثقون بان الاسد في سبيله للرحيل."

وتوقع النائب السابق لمدير وكالة المخابرات الأمريكية جون مكلولين ان يستمر الصراع في سوريا لبعض الوقت "بسبب قلة الحافز لدى بشار للاستسلام" ولكنه سيقود لسقوط الاسد في نهاية المطاف.

وربما يعقب ذلك حكومة ضعيفة يهيمن عليها السنة وقال مكلولين ان مثل هذه النتيجة في حد ذاتها تنطوي على تحديات. وأضاف انها "ستحول سوريا لميدان للمعارك السياسية بين اطراف اقليمية تحديدا ايران الشيعية - التي ستفقد اوثق حليف وطريقا تنقل عبره الامدادات لحزب الله في لبنان - والسعودية التي ترى فرصة لاحتواء نفوذ ايران الاقليمي بمساعدة الاغلبية السنية في سوريا."

ولم يتضح الى اي مدى خططت ادارة أوباما للتعامل مع سوريا بعد الاسد ولاول مرة هذا الشهر التقت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون مع نشطاء سوريين.

العالم لا يملك ادوات مهمة

من جهتها قالت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية في تعليق افتتاحي على دعوة الرئيس الاميركي باراك اوباما للرئيس السوري بشار الاسد الى التنحي عن الحكم وانضمام الاتحاد الاوروبي اليه في تلك الدعوة ان الامل وراء تلك الدعوات الغربية الى رحيل الزعيم السوري هو ان يدرك بعض اركان نظامه ان رحيله هو الطريق الوحيد الى الامام. وهنا نص التعليق:

"كان اليوم الذي بدد فيه الرئيس السوري بشار الاسد أي نتف من الشرعية الدولية تمكن حتى الآن من الاحتفاظ بها في البلدان الغربية، بعد اعلان الولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين الرئيسيين انه يجب ان يتخلى عن السلطة مع الاعتقاد بان من المرجح ان تحيل الامم المتحدة سوريا على محكمة الجنايات الدولية. كان الموقف السابق في العواصم الغربية هو ان على الاسد إما ان ينفذ اصلاحات او يستقيل. اما الخط الجديد فهو انه ملطخ وضعيف الى حد انه لا يمكن ان يكون جزءاً من أي حل في سوريا، وهذه صيغة تترك الباب مفتوحا امام احتمال ان يكون اشخاص آخرون في النظام، او حزب البعث، او القوات المسلحة، مقبولين كوكلاء في الفترة الانتقالية بمجرد رحيله. بحسب رويترز.

والواقع ان هذه السياسة صممت بصورة شبه اكيدة لتشجيع نتيجة من هذا النوع، خصوصاً اذا تبعتها عما قريب، كما تأمل واشنطن، اعلانات مماثلة من جيران سوريا. وسوريا في رمضان الذي يفترض ان يفكر فيه المؤمنون بسلام بفضائل التواضع وطاعة الله، هي ارض تتسم حالياً بالعنف، والمعاناة واليأس. وفي مدينة تلو مدينة دخلت الدبابات بقسوة اكثر من السابق، تتبعها القوات الحكومية شبه العسكرية، واضطر المحتجون الى التراجع بحثاً عن ملجأ آمن. وقال الاسد امس للامين العام للامم المتحدة بان كي مون ان العمل العسكري ضد المحتجين قد "توقف". ولا يوجد سبب لافتراض ان حكومة دمشق لن تلجأ للقوة مرة اخرى اذا اعتقدت ان ذلك ضروري، لكن كلمات الاسد يمكن ان تمثل اعتقاده بان حركة الاحتجاج المستمرة منذ خمسة اشهر قد تم احتواؤها الى حد ما، وكذلك رد فعله على الضغط الدولي. لكن ما يثير السخرية في موقف الرئيس السوري هو ان كل خطوة من الخطوات العسكرية المتعاقبة التي اتخذها لاستعادة السيطرة على المدن ادت الى تقويض مؤهلاته كزعيم.

ان من الصعب ان نتصور ان حكومة للاسد، مهما قد تعرضه الآن في شكل اصلاحات، ستحظى من غالبية الشعب باي شيء يزيد، في افضل الاحوال، عن اذعان متجهم. ويتطلب الاصلاح شراكة من نوع ما بين نظام الحكم والمعارضة. و(لكن) مع كون 2000 شخص على الاقل قد قتلوا منذ بدء الاحتجاجات في آذار (مارس)، وكون آلاف مسجونين، فان الدماء الكثيرة التي سفكت لا تجعل حصول ذلك امكانية جدية. وقد كان موقف الاسد القائل بان الاحتجاج يجب وقفه قبل ان يمكن البدء بالاصلاح، واضحاً منذ البداية. وافتقر "خطابه الاصلاحي" المبكر الى البرلمان السوري الى مضمون حقيقي، وهو لم يصلح ذلك الحذف.

فاعمال القمع اولا، والاصلاحات من اعلى الى اسفل لاحقاً لم يكن قط مشروعا قابلا للحياة، وتحول بصورة متزايدة الى عقبة لا يمكن تخطيها. وليس هذه وجهة نظر مقتصرة على الدول الغربية. اذ ان عدداً من الدول العربية سحبت سفراءها، كما ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي حاول جاهدا التوسط من اجل التوصل الى تسوية في سوريا، قارن هذا الاسبوع بين الاسد والقذافي. وما تخشاه الدول المجاورة لسوريا اكثر من اي شيء آخر هو انهيار الدولة السورية، وليس المواجهة الكئيبة التي يحتفظ فيها النظام بالسيطرة بشكل كلي تقريبا باستخدام القوة، وهي مواجهة تهدد دوما على اي حال بالانزلاق نحو الفوضى والحرب الاهلية، بحيث لن تكون افضل الا بنسبة هامشية.

وقد يبدو الموقف الاميركي والاوروبي الجديد قويا، الا ان المجتمع الدولي ليس لديه الا القليل من الآليات تحت تصرفه للتأثير على الوضع في سوريا. اما امكانية حدوث تدخل عسكري فتبدو امرا غير ممكن، كما ان لدى سوريا حصانة نسبية تجاه العقوبات الاقتصادية، وان كان من المحتمل ان تقوم اوروبا بدور له تأثير اكبر بما لها من علاقات تجارية أقوى. ومن الضروري ان يؤمل ان يكون لدى بعض عناصر النظام من الفهم ما يكفي لادراك ان ليس هناك طريق للخروج من الطريق المسدود، وان الفرصة الوحيدة حتى لبداية متحفظة جديدة هي اسقاط الزعيم الذي يمكن ان تكون سياساته قد حققت سيطرة فعلية موقتة، لكنه اثار نفور قطاعات واسعة من السكان بصورة لا رجعة فيها.

توازن المصالح

في السياق ذاته في ظل الاضطرابات التي تشهدها سوريا بما في ذلك على طول حدودها مع العراق تتحسس حكومة بغداد طريقها بحرص بين ادانة الحملة التي تشنها دمشق ودعم جارة قد يغير مستقبلها موازين القوى في العراق وما ورائه.

فيما يقول دبلوماسيون ونواب انه في حين انتقدت دول عربية وخليجية اخرى الرئيس بشار الاسد بل وصل الامر الى حد استدعاء سفراء بسبب الازمة جاءت استجابة حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اكثر هدوءا وهو ما يعكس موازنته بين الواقعية السياسية في المنطقة والمطالب الداخلية العملية.

ومنذ غزو عام 2003 الذي اطاح بالرئيس السني الراحل صدام حسين تضع الانتخابات التي ترعاها الولايات المتحدة الاغلبية الشيعية بالعراق في المقدمة مقربة قيادتها من ايران الشيعية وكذلك سوريا الحلف العربي الرئيسي لطهران في صراع القوى الاقليمي مع الدول العربية التي يحكمها السنة وتدعمها الولايات المتحدة.

لكن المسؤولين العراقيين الساعين الى انتهاج سياسة خارجية مستقلة في الوقت الذي يتفاوضون فيه على انسحاب نهائي للقوات الامريكية يخشون من ان تأتي الاضطرابات في سوريا بحكومة سنية معادية في دمشق. والاسد من الاقلية العلوية الشيعية بينما اربعة اخماس السوريين من السنة. بحسب رويترز.

وقد يؤدي انهيار حكم اسرة الاسد الذي يرجع لاربعة عقود الى زعزعة التوازن الطائفي الدقيق في العراق. لذلك تبقي الشكوك - بشأن ما اذا كان الاسد سيتشبث بالسلطة وبخصوص من قد يخلفه - الاحزاب العراقية سواء سنية او شيعية او كردية هادئة في استجابتها لانها غير متأكدة مما ستتمخض عنه تطورات الازمة السورية.

وقال نائب عراقي مقرب للمالكي ان ما يحدث في سوريا يبعث على قلق شديد بالنسبة للعراق خاصة في ظل عدم وجود نهاية حاسمة للاحداث. واضاف انه وضع خطير قد يؤدي الى حالة استقطاب طائفي في سوريا.

وكانت الدول العربية الاخرى أكثر قوة من العراق في انتقاد افعال الحكومة السورية. ويعكس ذلك الى حد ما لعبة القوى الاقليمية. وتنظر السعودية على الاخص الى الاحتجاجات الشعبية في الدول العربية الاخرى بقلق واضعة في اعتبارها الاقلية الشيعية في المملكة. ويقول محللون انه بانتقادها النهج المتشدد للاسد فانها ترى في سوريا الضعيفة سبيلا دبلوماسيا لمهاجمة منافسيها في ايران ولبنان.

ويتحدث بعض القادة السنة في الشرق الاوسط منذ سقوط صدام عن طهران العدو اللدود وعن ظهور ما يعرف باسم "الهلال الشيعي" القوي الذي يبدأ من ايران مرورا بالعراق وسوريا التي يحكمها العلويون وينتهي في لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله.

ومن المرجح الا تكون لدى العراق او ايران رغبة في فقد حليف في دمشق فضلا عن تولي سني متشدد السلطة في دمشق. وتستفيد طهران من النهج العراقي الاكثر حذرا تجاه سوريا بينما تزداد العزلة الدولية للاسد.

وقال جوشوا لانديس خبير الشؤون السورية ومدير مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة اوكلاهوما "على الرغم من ان القيادة العراقية ليست متحدة بشأن السياسة السورية او موقفها الموالي لايران فان رئيس الوزراء المالكي يرغب مثل ايران في المساعدة في دعم نظام الاسد."

ويرفض المسؤولون العراقيون فكرة ان سياستهم بشأن سوريا قائمة على اساس طائفي او نابعة من ضغط ايراني لكنهم يعترفون بأن موازنة موقفهم تجاه سوريا بات امرا عسيرا.

وقال دبلوماسي غربي في بغداد "الامر معقد. ما يقولونه هو انهم يفضلون الابقاء على بشار اذا نفذ اصلاحات لكنهم لا يمكنهم قول ذلك صراحة. انها مشكلة لان العراق واقع بين ايران وسوريا." ودائما ما كانت العلاقات بين بغداد ودمشق معقدة وكان الدين مجرد جزء من المشهد.

فحزبا البعث في سوريا والعراق لديهما جذور علمانية مشتركة. لكن الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد والد بشار أيد ايران عندما خاضت حربا مع العراق في الثمانينات. ووجد البعثيون العراقيون ومئات الالاف من اللاجئين السنة لاحقا ملاذا في سوريا بعد سقوط صدام مثلما فعل سنة عرب اخرون عبروا من الاراضي السورية لمهاجمة القوات الامريكية.

وقال المحلل العراقي ابراهيم الصميدعي ان المالكي اقام مع ذلك علاقة جديدة مع الاسد تقوم على المنفعة وحظي بدعم سوريا لائتلافه الحكومي الذي شكله بعد انتخابات غير حاسمة العام الماضي. واستضاف قبل اسبوعين وزراء سوريين ووصف العراق وسوريا بأنهما بلدان شقيقان.

وقال الصميدعي ان المالكي جعل العلاقة تنجح وسوريا كانت احدى الدول التي دعمت المالكي ليرأس الحكومة معربا عن عدم اعتقاده بان المالكي سينسى هذا الصنيع بسهولة.

وقال مصدر حكومي ان المالكي امر في الاونة الاخيرة باغلاق مخيم اقامته الامم المتحدة للاجئين السوريين بعد تقارير عن احتمال لجوء متشددين سنة سوريين اليه.

وعندما دخلت الدبابات السورية الى بلدة البوكمال الحدودية - الامر الذي دفع سنة العراق المعارضين لبشار الى عرض الدعم - حذر المالكي المحتجين من العنف في حين حث الاسد ايضا على القيام باصلاحات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/آب/2011 - 21/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م