الحديث عن الامام علي في ذكرى استشهاده هو حديث يدمي القلب ويؤرق
الجفون لامة تنحر أمامها بمحراب الصلاة وتهدم أحد أركان الهدى وتطفأ
نور الله بمؤامرات دنيئة وخبيثة تحاك بظلام ضد دين الله ورسالته
الإسلامية.
الإمام علي نموذج الإنسانية الراقية والمثل الاعلى لتصعيده وشموخه
فالإمام حقيقة راهنة تخلد خلود الحياة. وعندما نبحر في عمق التاريخ
الانساني الطويل لم نجد بعد الرسول محمد (صلى الله عليه وعلى آله
الطيبين) رجلاً كالإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) يحمل من الصفات
والفضائل والمناقب والمحاسن الاخلاقية والانسانية منذ أن آمن بالرسالة
النبوية وأفتدى بنفسه الرسول الاعظم.
وهو أول من نصر الاسلام بسيفه عندما برز في معركة الخندق لعمرو بن
ود العامري التي تعادل عبادة الثقلين عندما ضمن الرسول (صلى الله عليه
وعلى آله الطيبين) للإمام علي الجنة.
وفي فجر يوم 19 رمضان من عام 40 للهجرة في مسجد الكوفة ضرب أحد
أشقياء الخوارج عبد الرحمن بن ملجم الإمام علي بن أبي طالب وهو في
المحراب ساجداً على رأسه بسيف مسموم، وقد صاح الإمام بعدما ضربه الشقي
" فزت ورب الكعبة. وهذه الحادث الجلل كان بتشجيع من الأشعث أبن قيس (والد
جعدة بنت الأشعث التي دست السم بعدها للإمام الحسن (عليه السلام).
غدرت الامة بإمامها العظيم علي ابن ابي طالب بعد أن فنى عمره في
طاعة الله وخدمة الرسالة الاسلامية, فقد عاش الامام علي 63 عاما فقيهاً
زاهداً عابدا وعادلاً وناصراً للفقراء والمستضعفين, وقد أسلم وهو ابن
عشر سنين. وقضى ثلاثاً وعشرين عاماً مع الرسول ثلاثة عشر بمكة وعشر
سنوات بالمدينة بعد الهجرة.
وهنا لانريد الحديث عن سبب قتل الامام من قبل الدعي ابن الدعي ابن
ملجم (لعنة الله عليه) وعلاقة المجرم بقطامة بنت الاخضر التيمية، التي
قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) أباها وأخاها بالنهروان, ولكن نريد أن
نسلط الضوء على الجانب الاخلاقي والانساني لسلوك الامام علي في التعامل
مع الخصوم في لحظات حرجة وخطيرة. فقد أوصى الأمام علي (عليه السلام)
ولديه الحسن والحسين (عليهم السلام) حين ضربه ابن ملجم (لعنة الله عليه)
فقال لهم: أوصيكم بتقوى الله وأن لاتبغيا الدنيا وإن بغتكما, ولا تأسفا
على شيء منها زوي عنكما, وقولا قول بالحق, وأعملا للإجر, وكونا للظالم
خصما وللمظلوم عوناً. أوصيكم وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى
الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم. الله الله بالايتام فلا تغبٌوا
أفواههم, ولايضيعوا بحضرتكم, الله الله بجيرانكم فأنهم وصية نبيكم
مازال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم. الله الله في القران لا يسبقكم
بالعمل به غيركم, الله الله في الصلاة فأنها عمود دينكم.
وقال الامام روحي له الفداء أنا بالامس صاحبكم, واليوم عبرة لكم,
وغداً مفارقكم, غفر الله لي ولكم. إن أبق فأنا وليٌ دمي, وإن أفن
فالفناء ميعادي, وأن أعف فالعفو لي قربة, وهو لكم حسنة, فأعفوا ألا
تحبون أن يغفر الله لكم؟
وقال عليه السلام: والله ما فجأني من الموت وارد كرهته, ولا طالع
أنكرته, وما كنت إلا كقارب ورد, وطالب وجد, وما عند الله خير للابرار.
الاخلاق التي تهذب بها أمير المؤمنين فاقت المثالية وبلغت الرقي في
المراتب, فقد اكتسبها من الرسول الاعظم التي شهد الله لتك الاخلاق
النبيلة والفريدة في قوله تعالى( وإنك لعلى خلق عظيم) وقد تجسدت تلك
الاخلاق في سلوك الامام علي فقد كان عادلاً مع أشد خصومه. لم يأثر من
الشقي ابن الشقي ابن ملجم (لعنة الله عليه) فقد أولى حكمه لله والعقل
في وصيته الرائعة لاولاده محبيه, رغم أن المؤمنين والمقربين في لحظة
الواقعة الكونية في مسجد الكوفة انهالوا بالضرب على ابن ملجم وأرادوا
الانقضاض عليه, لكن الامام أوقف هذا السلوك وأوعز الحكم لله عليه للعقل
والمنطق. وهذا السلوك الاخلاقي تفتقر له البشرية عامة من حكام وعلماء
وفلاسفة عبر التاريخ.
ومن مناقب أخلاق الامام علي (عليه السلام) بعد ضربة ابن ملجم العين
بسيف مسموم تجمع الناس في باب الامام فخرج الامام الحسن(عليه السلام)
فقال معاشر الناس إن أبي أوصاني أن أترك أمره الى وفاته, فإن كان له
الوفاة وإلا نظر هو في حقه, فأنصرفوا يرحمكم الله. فإنصرف البعض فخرج
لهم الامام ثانية. وقال يا أصبغ أما سمعت قولي عن قول أمير المؤمنين,
قلت بلى ولكني رأيت حاله فأحببت أن أنظر اليه فأستمع منه حديثاً.
فاستأذن لي, فقال لي أدخل, فدخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) معصب
بعصابة وقد علت صفرة وجهه على تلك العصابة واذا هو يرفع فخذا ويضع آخر
من شدة الضربة وكثرة السم. فقال لي يا أصبغ ابسط يدك, فبسطت يدي,
فتناول إصبعاً من أصابع يدي وقال: يا أصبغ كذا تناول رسول الله (صلى
الله عليه وعلى آله الطيبين) إصبعا من اصابع يدي كما تناولت اصبعا منك
ثم قال: يا أبا الحسن ألا وإني وأنت أبوا هذه الامة فمن عقنا فلعنة
الله عليه, ألا وإني وأنت موليا هذه الامة فعلى من أبق عنا لعنة الله,
ألا وإني وأنت أجيرا هذه الامة فمن ظلمنا أجرتنا فلعنة الله عليه
وبعدها أغمى عليه.
هذه الاخلاق التي تحلى بها امام المؤمنين وسيد الوصيين وهو يترك
وصيته لاولاده ومحبيه وللامة الاسلامية في حاضرها ومستقبلها لكي
تتجاوز, كما اراد الامام ان يعرف الامة من خلال الاصبغ بعق الامة حق
الامام وأهل بيته من قبل الظالمين والطامعين. وهنا الامام لم يوصي
بالثأر والانتقام ولا يريد ان تكون الواقعة الكونية نواة انتقام وشرارة
حرب بين الطوائف والقبائل. ولكنه جعل القصاص من الجاني تحديدا والقصاص
العادل بالمثل كما أمر به الله سبحانه وتعالى.
أُشدُدْ حيازيمك للموت فإنّ المـوتَ لاقيـكا***ولا تجزعْ مِن الموت
إذا حـلّ بنـاديـكا
ولا تغترَّ بالـدهـر وإن كـان يُواتيـكا***كما أضحكك الدهـر كذاك
الدهرُ يُبكيـكا
السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا أبا الأحرار |