ثرثرة ثورية... عن تسميات الأيام والتنظير الثوري

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في ربيع الثورات العربية تتناسل الكلمات والشعارات لتؤلف قاموسا جديدا من قواميس الخيبات والاحباطات والتطلعات والاحلام والامنيات. قاموس لا تشبه مفرداته قواميس الثورات والانتفاضات العربية الكبرى التي تحفظها الذاكرة العربية عبر مدياتها الجغرافية المتنوعة.. من المحيط المتاخم لخطوط تهريب البشر من صحارى الجوع والقحط الى خليج الآبار المتخمة بالبترول نعمة الله ونقمة الحاكمين.

مفردات لا تشبه ذلك الايقاع الذي حكم لغة الخمسينات والستينات المتخم بمفردات (سلاحي وبلادي والاستعمار والرجعية والتحرر الوطني والاستقلال).

مفردات لا تشبه القادة الاوائل لسنوات تلك الحقبة التي جاءت لنا بحكام وطغاة ومستبدين عبر الدبابات والوحدات العسكرية المحيطة بقصور الحكم..وتبادلت ادوار القتل والسحل مع السلطات الحاكمة.. يوم لك ويوم عليك، لكن جميع الايام تدور رحاها على رتابة القتل والتعذيب والسجن والتشريد والاسر لملايين المحكومين تحت وطأة الشعار المرفوع عاليا.

مفردات نسجت حروفها من هذا الايقاع السريع للتحولات والتطورات (الاجتماعية والسياسية والثقافية) التي تلاحقنا وتتقدمنا بعيدا لا نستطيع اللحاق بها ومحاولة القبض عليها.. الهذا لم تثبت منها كلمة واحدة او شعار واحد يمكن ان يسلينا لمدة اسبوع او شهر او سنة نعيش في ظله؟ هل يحسب هذا التسارع لصالح تلك الكلمات الجديدة ويكشف عن منظور اخر للسير الحثيث امام الركود والسكون الذي تميزت به تلك الكلمات في خمسينات وستينات القرن الماضي؟ ام ان تلك السرعة تكشف عن منظور اخر يصادر الذاكرة ولا يترك فرصة للتراكم فالفيس بوك وتويتر وغيره من (منظّري) الحركات الثورية الالكترونية يؤسس تراكما اخر هو التراكم الافتراضي الذي لا يعدّ تراكما في حقيقته اذ يمكن مواجهته بضغطة زر واحدة (delete) وتنتهي المسالة؟

لم يكن لربيع الثورات العربية الطالعة في القرن الواحد والعشرين من يمارس التنظير لها ويكتب شعاراتها من خلال مقاهي المثقفين والشعراء التي انتشرت في تلك الفترة الماضية.. وحتى لم تخرج تلك المفردات والتسميات والاوصاف من قعر السجون والزنزات المنتشرة على مد البصر والتعذيب في اوطان التحرر الوطني من الاستعمار والرجعية.

مفارقة عجيبة... المثقف العربي في اخر القافلة.. المهمشون والفقراء والشباب منهم تحديدا يقودون ذلك التغيير، تغيير المقردات وقواميس اللغة الثورية.. هل استحال المثقف تابعا لتلك الشرائح الاجتماعية وهو الذي تصور انه متبوع منها طيلة اكثر من قرن عبر شعارات التنوير والتثوير؟

هل قرأت تلك الشرائح نظريات ماركس ولينين وطبائع الاستبداد للكواكبي وهي تقوم بفعل الاحتجاج؟ ام انها لا تملك ترف تلك القراءة وتوجهت الى اسهل الطرق، طرق الحناجر والاصوات العالية والاكف المرفوعة واستعانت بما وفرته التكنولوجيا الحديثة من وسائل اتصال وتعبير فيها (الميغا بايت والفوتوشوب واليوتيوب وحيطان الفيس بوك ومشاركة التويتر)؟

هل هي الحداثة الثورية التي بشر بها مفكرو الغرب منذ قرون التنوير الاولى وصحونا على مضامينها الالكترونية مؤخرا؟

هل تكشف تلك المضامين الجديدة لهذه الحداثة عن انماط جديدة من التفكير والسلوك؟ مضامين لاتستقر في اللحظة الراهنة الا بقدر استقرار الاصابع على لوحة مفاتيح الكيبورد في اي جهاز كومبيونر يجلس خلفه شاب لا يعرف من النظريات الثورية غير رقص هيفاء وهبي في حفلاتها او نانسي عجرم او عمرو ذياب او حتى اغاني الهيب هوب الامريكية؟

هل تكشف تلك المفردات الجديدة في قاموس الثورات العربية عن نمط جديد من الثقافة الشعبية الصاعدة حديثا الى مسرح الحياة؟ تلك الثقافة التي تحتفي بالحياة والحب والحركة والمرح؟ اما انها احياء لطقوس تلك الثقافة التي حاولت ان تغيبها مفردات تلك الحقبة ازدراءا بها على اعتبار انها تمثل اصوات المهمشين والفقراء؟ مفردات متعالية متكبرة مغرورة تطالب الجميع ان يعطي ولا تمنح للجميع غير الوعود التي لا يمكن الوفاء بها؟

المتابع لربيع الثورات العربية منذ تونس وتوهج البوعزيزي قرب عربة خضاره وهو يلاحظ هذا التوهج في مفردات تلك الثورات وشعاراتها.

انتقل هذا التوهج الى مصر وسوريا واليمن وعملت وسائل الاعلام على تكثيف هذا التوهج الذي كان ياتي سريعا ثم يختفي تبعا لايقاع وسائل الاعلام التي تبحث عن كل جديد يتناسل في اللحظة الراهنة والان ولا يتقدم الى لحظة اخرى.. فالتكرار ممل وقاتل لتلك الوسائل ولا يحقق النسب المطلوبة من المشاهدة..

الفيس بوك يبتكر وبقية الوسائل تستعير ما ابتكره وتردد خلفه..

المفردات الجديدة عبر تلك الوسائط تحاول ان تحشد وتجمع اكبر عدد من الثارين لموعد يحدد مسبقا..

يقول أحد مسؤولي التنسيق في قيادة الثورة السورية: «نسعى لأن تكون التسمية بسيطة يفهمها المتعلم والأمي، أن تكون مركبة من كلمتين فقط تفاديا للتعقيد، أن تكون معبرة عن معان تحرك مشاعر الناس للخروج، أن تبتعد عن الأسماء، وألا تحوي معاني غير شرعية». ويلفت هذا المسؤول إلى أنه يتم تداول الاقتراحات عبر موقع «تويتر» والصفحة الرسمية للثورة السورية عبر «فيس بوك» ليتم بعدها التصويت لاعتماد التسمية الأنسب التي لا بد لها أن تخرج من عمق الأحداث والتطورات اليومية الحاصلة في سوريا.

ومن بين التسميات التي تم اعتمادها: «جمعة أزادي حرية»، وكان الهدف منها حث أكراد سوريا على المشاركة في المظاهرات في 20 مايو (أيار)، أما ما يخص «جمعة الغضب»، فقد تداول شباب سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية دعوات إلى التظاهر يوم الجمعة في إطار «يوم غضب» اقتداء بالمصريين، احتجاجا على ما يسمونه تسلطا وفسادا، على الرغم من تعهد الرئيس بشار الأسد بإصلاحات سياسية.

يُشار إلى أن تسمية «جمعة حماة الديار» لاقت بعض الأصوات الرافضة لها باعتبار أن الثوار يتوجهون من خلال هذه التسمية للجيش السوري للوقوف معهم لأن الدعوة أتت متأخرة لطلب مساعدته وبالتالي لا ضرورة لتوجيه رسائل له، داعين إلى اعتماد تسمية أخرى.

أما تسمية «جمعة الحرائر» فاستمدت من واقعة مقتل سيدات بنيران رجال الأمن. وتم عبر صفحات «فيس بوك» تداول التسميات التالية التي قد تعتمد قريبا ومنها: «جمعة النصر، العزة، الإصرار وشعارها «إسقاط النظام»

و«الجمعة العظيمة» للمسيحيين، وخصص احد ايام الجمعة للعشائر انتصارا لمحافظة دير الزور، شرق البلاد، حيث تتركز غالبية العشائر البدوية السورية.

وتلك التسمية اثارت جدلا عبر صفحات الفيس بوك فالصحافي حازم نهار فيبدو أنه حاول إقناع نفسه بالتسمية مع بعض التحوير، وكتب على صفحته: «كي أتقبل الأمر، سأقنع نفسي على أقل تقدير أن حرف العين في جمعة العشائر كان من المقرر أن يكون حرف باء، لكن يبدو أن ريحا رملية هبت ونزعت الباء وأكلت فرحتي بالبشائر وجلبت علينا العشائر».

*وفيما يتعلق بالموقف العربي الذي لزم الصمت المطبق تجاه مايحدث في سوريا منذ شهور دعا الناشطون على موقع «فيس بوك» إلى مظاهرات، اختاروا لها عنوان «صمتكم يقتلنا»..

* «جمعة الشهداء».

*«جمعة أطفال الحرية».

*«جمعة الغضب».

وحملت اول جمعة من رمضان شعار «الله معنا» والتي شهدتها مدن سورية عدة.

*«جمعة لن نركع إلا لله».

* «جمعة ارحل» كما سماها الناشطون على صفحة الثورة السورية على موقع «فيس بوك.

ولم تقتصر التسميات على يوم الجمعة فقط بل امتدت الى ايام الاسبوع الاخرى فهناك مثلا «اليوم العالمي السوري»، حيث دعا ناشطوا الفيس بوك شعوب العالم «لإضاءة الشموع من أجل أطفال سوريا الأبرياء الذين لم تستثنهم آلة القتل الوحشية ولم تشفع لهم طفولتهم من الاعتقال والتعذيب والإبادة».

*«سبت الشهيد حمزة الخطيب»

وتسببت فيه صور جثة طفل بالغ من العمر 13 عاما، تبدو عليه آثار التعذيب، في موجة مظاهرات غاضبة في مدن سورية.

*«أسبوع المعتقلين - أحرار وراء القضبان»، تحت شعار «معا حتى يعود أحرارنا للتحليق معنا في سماء الحرية».

*دعا الناشطون على صفحات «الثورة السورية»، في موقع «فيس بوك» إلى جعل احد ايام (الاثنين) لإحراق صور الرئيس بشار الأسد، ودعوا كل السوريين في الداخل والمغتربين في الخارج إلى حرق صور الرئيس وشقيقه ماهر وكل أفراد العائلة. ودعوا إلى حرق أي صور رمزية، إذا ما لم تتوافر صورهم. وقالوا «يجب أن يرى العالم كله كيف يقول السوريون للشبيح الأول.. بنكبك».

*وكان «يوم الغضب السوري» الذي صادف في 4 فبراير قد مر بهدوء، إذ لم يلحظ في شوارع مدينة دمشق فيه، ما يشير إلى استجابة السوريين لدعوات وجهتها مجموعات مجهولة للتظاهر بعد الصلاة احتجاجا على النظام السوري.

مصريا كانت التسميات على الشكل التالي:

* «في حب مصر المدنية»

*«جمعة الغضب الثانية»

*«جمعة الرحيل»

*جمعة «الإرادة الشعبية ووحدة الصف».

*«جمعة لم الشمل» التي اختلف المشاركون حول اسمها؛ حيث أطلقت الجماعة الإسلامية عليها اسم «مليونية الهوية الإسلامية»، وأطلق عليها التيار السلفي «جمعة وحدة الصف»، وسمتها جماعة الإخوان المسلمين «وحدة الهوية».. وأعلن ائتلاف «شباب ثورة 25 يناير» أن اسمها «جمعة الوحدة»، وأطلق عليها المسيحيون «مليونية مصر فوق الجميع»، وأطلقت عليها القوي السياسية المعتصمة في الميدان جمعة «الإرادة والهوية» و«الإرادة الشعبية» و«الاستقرار».. لكن أغلب المشاركين من المواطنين ووسائل الإعلام اتفقت – لمّا للشمل - على تسميتها بـ«جمعة لم الشمل».

انها مفردات جديدة لم تتشكل بعد مفاعيلها على ارض الواقع ولم يقطف من رددها ويرددها ثمارها المرجوة فالاحلام كبيرة تلامس متاهات الخيال الجامح، لا تستوعبها مساحة اوطاننا الممتدة على مساحة حنجرة وهتاف.

*حركة «20 فبراير» الشبابية الاحتجاجية، في الدار البيضاء، رفعت شعارات تتهم بشار الأسد بأنه «خائن وجبان» كما رددوا شعارات تقول «يا بشار يا جبان يا ابن بائع الجولان، الشعب السوري لا يهان».

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/آب/2011 - 20/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م