مجلس النواب العراقي إمتيازات وتجاوزات على حقوق الشعب

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هناك فرق واضح بين الامتياز وبين الاستحقاق، فالاول تقف وراءه دوافع المكافأة عن الاعمال المتميزة التي يقوم بها فرد او مجموعة ما، أي حين يقوم أحدهم بإنجاز كبير وهام ومميز يتجاوز بكثير ما مطلوب منه، فهو في هذه الحالة يستحق أن يُكافَأ بامتياز يوازي ما أنجزه من أعمال كبيرة، تفوق الاعمال المطلوبة منه، لهذا يأتي الامتياز من اجل التشجيع وما شابه، أما الاستحقاق فهو يمثّل ما يستحقه الانسان من أجر، أو مردودات مادية او عينية أخرى، عن الاعمال المعروفة التي تقع ضمن حدود وظيفته، وبهذا فإن أية أموال أو مكافآت أو امتيازات من أي نوع كان تقع خارج حدود استحقاق الوظيفة، سوف تقع في حقل التجاوز على حقوق الآخرين، اذا كانوا من أفراد الشعب.

النائب البرلماني رشّح نفسه لهذه الوظيفة البرلمانية باختياره، لم يجبره الشعب على ذلك، بل الشعب هو المتفضل على البرلماني، لأن الاصوات التي وضعها في صناديق الاقتراع هي التي اوصلت البرلماني الى مقعده، فهو ممثل الشعب أمام الحكومة، وهو صوت الشعب (كما ينبغي) عندما تقوم الحكومة بالتجاوز على حقوق الشعب، وبهذا فإن النائب البرلماني يمثل صفة تشريفية أكثر من كونها وظيفية، لأن الشعب وثق به ومنحه الاصوات الكافية التي جعلت منه ممثلا له.

ما يحدث بالنسبة للنائب العراقي، يكاد يكون أمر مخالف تماما، فهو حين يصل الى البرلمان، يضع في حساباته (قبل كل شيء) الامتيازات الكبيرة التي سيحصل عليها، ناهيك عن الراتب المغري والمخصصات والتسهيلات والقروض وما شابه، بمعنى أدق أن التنافس بين سياسيي العراق للوصول الى البرلمان، لم يقف وراؤه دافع تقديم الخدمات التشريعية أو غيرها، ولهذا نلاحظ تلكؤ البرلمانيين في التصويت على القرارات التي تخص الناس، كشريحة المتقاعدين، او طبقة الموظفين الصغار، أو قرارات رفع القدرة الشرائية للمواطنين، أما حين يتعلق القرار بتخفيض رواتب نواب البرلمان وامتيازاتهم الضخمة على حساب الشعب، فإن هؤلاء النواب غير معنيين بمثل هذه القرارات، ولا تهمهم أصلا، والسبب بسيط لأنهم جاءوا الى البرلمان ليس من اجل الشعب، بل من اجل أنفسهم وعوائلهم.

دليلنا على ذلك، عدم تصويت نواب البرلمان على تخفيض رواتبهم، وهذا ما حدث مؤخرا تحت قبة البرلمان، باستثناء نواب التيار الصدري كما أشارت وسائل الاعلام، هذا الدليل القاطع يؤكد للشعب العراقي ولغيره، أن النائب البرلماني العراقي لا يبحث سوى عن مصالحه الشخصية أولا، وعندما يتأكد من أنه ضمَنَ هذه المصالح والمكاسب والامتيازات، عند ذاك ربما يفكر في ما يستحقه الشعب من خدمات وتشريعات، واذا وقفت هذه التشريعات ضد مصلحة النائب البرلماني، فإنه يتغاضى عنها، بل يرفض التصويت عليها سرا وعلانية، كما حدث مع رفضهم للتصويت على تخفيض رواتبهم.

أما اذا تحدثنا عن الراتب التقاعدي الذي يحصل عليه البرلماني العراقي، فهذا يعني المهازل بعينها، فليس هناك مبرر واحد يجعلنا كشعب عانى ما عاناه من الظلم والجوع والحرمان، أن نعترف بمثل هذا الاجراء اللاقانوني بتاتا، إن منح نائب أو موظف يخدم أربع سنوات لا غيرها راتبا تقاعديا ضخما يستمر باستلامه مدى الحياة، يعد ضربة قاصمة للديمقراطية التي ينبغي أن تتحلى بمبادئ أساسية، أهمها حفظ المساواة والعدل والشفافية وغيرها، فليس من العدل بشيء أن يتسكع الشباب العراقيون والعاطلون عن العمل، في الشوارع والساحات العامة، فيما يتقاضى النائب البرلماني تقاعدا ضخما لا يستحقه قطعا، وليس من العدل ولا المساواة بشيء أن يُمنح النائب مخصصات مليونية للسكن والحماية وغيرها من الامتيازات، في وقت تسكن آلاف العوائل الفقيرة في بيوت من صفيح !!.

هنا سيتحول هذا النائب الى نقيض للشعب وليس ممثلا له، والاسباب واضحة جدا، إنها باختصار تتعلق بتفضيل النواب لأنفسهم على حساب الشعب، وهذه القضية لا تحتاج لاثبات، واذا اراد النواب أن يثبتوا لشعبهم أنهم ممثلون حقيقيون لهم عليهم أن يقوموا بالآتي:

- التصويت الفوري على تقليل رواتبهم الضخمة، بما لا يسمح بالفارق الكبير جدا بينها وبين رواتب عموم موظفي الدولة.

- التقليل الفوري للمخصصات والحمايات وكل ما من شأنه إجهاد الخزينة المالية للدولة.

- التصويت الفوري على جميع القرارات التي ترفع من القدرة الشرائية للمواطن.

- إلغاء قانون تقاعد النواب فورا، وعودة النائب الى وظيفته السابقة قبل صعوده لمجلس النواب.

- رصد رواتب ومخصصات الرئاسات كافة، والقيام بما هو مطلوب ازائها.

وبهذا يمكن أن يثبت النواب بأنهم حريصون على اداء الامانة تجاه الشعب، خلاف ذلك، تبقى مؤشرات التقصير قائمة بحق جميع النواب الذين لا يرفعون اصواتهم مطالبين بتصحيح اخطاء المرحلة الماضية من عمر التجربة السياسية العراقية بعد 2003.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/آب/2011 - 19/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م