التأريخ جزء من ثقافة الانسان وهو يطالع فصوله ومن عدة أبواب وهو
مرآة ماسبق من أحداث يعكس لنا ماحدث ونحلل ماكان ونتوقع مايكون كل من
وجهة نظره قد يخالفها غيره او يشد عليها من يقرأ.
في تأريخنا الاسلامي شخصيات أثارت تساؤلات عديدة ووقف عندها كثير
من المؤرخين والكتاب فمنهم من تناولها بالاعجاب والمديح ومنهم من عارض
ما كان من أحداث له فيها رأيه. بل حتى أن الدراما التلفزيونية بدأت
تقدم نفسها كراوي يقدم نصه التاريخي الى المشاهد وأثارت كثير من
الاعمال التلفزيونية جدلا بين أوساط المجتمعات الاسلامية وتدخلت
المؤسسات الحكومية في منع قسم منها لاحتواء الجدل القائم وعدم اثارة
مشاكل قد تهدد وحدة المجتمع بل والدولة أيضا.
يبقى التاريخ مثار نزاع وخصومة بين من يرى الحق في هذا الجانب او
مخالفا له من ناحية أخرى، فكيف نستطيع ان نتناول صفحاته بشيء من الطرح
الموضوعي دون اثارة مايعد مخالفا؟ وكيف ستكون ردة الفعل لدى القاريء؟.
ان مناسبة الحديث ونحن نقرأ التاريخ في مثل هذا الايام حيث مناسبة
اغتيال واستشهاد الامام علي بن أبي طالب عليه السلام لانريد من ورائها
ما يثير الاعتقاد الجازم لدى من له رأي في الموضوع من أن القراءة هذه
لاتنفع الناس او انها ليست في مجال وقتها او هي تطرح جدلا طائفيا فقد
أصبح الحديث في حب علي جدلا طائفيا وكل من يتحدث في مقامات هذه الشخصية
الالهية في ولادتها ونشأتها والسيرة الطيبة التي تحدث عنها التاريخ
البشري بكل فخر واعتزاز يشار له انه مثير فتنة طائفية فمتى يحق لنا
الحديث عن علي ونحن نعيش ذكراه الرمضاني؟.
نقرأ التاريخ الاسلامي في علي بن أبي طالب لانه مع القرآن والقرآن
مع علي بنص حديث رسول الله والقرآن معجزة الاسلام وعنوان تأريخه وهويته
منذ أن بعث الله نبيه المصطفى هاديا ومبشرا ونذيرا ورسول الله الى
البشرية في رحمته ودعوته الى التوحيد للخروج من النفق المظلم الى
الطريق الواضح المستقيم.
نقرأ تاريخ الامة الاسلامية في علي لانه مع رسول الله أبوا هذه
الأمة وكلما أضلت الامة برجالها بحثنا لها عن رمز في العدالة والقيادة
والادارة لنجد عليا هو أولى الناس بالحديث بعد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم. (اني تارك فيكم الثقلين لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله
وعترتي أهل بيتي) وسيرة علي ينطبق عليها الحديث النبوي الشريف فلم يزل
عن كتاب الله وسنة نبيه طيلة حياته. رحمة علي هي رحمة السماء في الناس
ألم يدخل مكة حاملا راية الفتح وهو يقول اليوم يوم المرحمة، اليوم تصان
الحرمة؟ في هذا المقام له قول رائع (اذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه
شكرا على القدرة) ورسول الله جمع الناس في مكة حين دخلها فاتحا بعد أن
وقفوا ضده وواجهوه بأشد انواع الاضطهاد بداية الدعوة الاسلامية ليقول
لهم اذهبوا فانتم الطلقاء. لعلي في الرحمة في المجتمع ماينطبق مع قول
الله تبارك وتعالى (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) يقول علي اذا
ملكتم فتاجروا مع الله بالصدقة.
{ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام * كمن آمن بالله * وجاهد
في سبيل الله * لا يستوون عند الله * والله لا يهدي القوم الظالمين }
القرآن الكريم في قول الله تبارك وتعالى ينطلق من عدالة التقييم بين
الناس والتفاضل على أساس العطاء وعلي تنطبق عليه الآية المباركة فهو
أول من آمن وجاهد في سبيل الله جهادا عظيما يشهد له فراش النبي المصطفى
يوم الهجرة من مكة الى المدينة وقد اجتمع القوم من قريش على قتله بضربة
رجل واحد فلم يكن في الفراش الا عليا يفدي رسول الله بروحه وما أروع
قولته لرسول الله بعد ان طلب منه المبيت في فراشه (أو ان قتلت أتسلم
انت يارسول الله؟) فما أعظم من موقف بطولي هذا وقد ذكره رب العزة بقوله:
{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد }
قصة علي في التاريخ قصة اسطورة في سفر البشرية منذ أن خلق الله آدم
عليه السلام والى يومنا هذا لم يكن فيما روي فيه نوعا من التزييف
وصناعة أحداث تنسب اليه فقد شهد له الاعداء قبل الاصدقاء او مما يعرفون
بالموالين. نحن لانتحدث عن علي في كتب المغالين بل عن علي في كتب
السيرة وتفاسير القرآن الكريم لنجد عليا حاضرا في مواقفه وهل من أعظم
مما صورته لنا سورة الانسان بقوله تبارك وتعلى {ويطعمون الطعام على حبه
مسكينا ويتيما وأسيرا، انما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا
شكورا، انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم
ولقاهم نضرة وسرورا، وجزاهم بماصبروا جنة وحريرا}.
اطلالتنا على التاريخ الاسلامي لابد من جوانبه الايجابية المشرقة
لنعرف من يصلح للقيادة بعد أن عبث العابثون وخانوا الامانة فالقيادة
ليست تشريفا للقائد انما هي امانة ومسؤولية وهل هناك من مثل أعلى في
تاريخنا الاسلامي في القيادة غير علي بعد رسول الله؟ وقصته مع اخيه
جعفر بن ابي طالب يذكرها التاريخ وقصته مع بيت المال تصدح بها صفحات
الزهد ومخافة الله في الامانة والامام علي يكنس بيت المال بعد ان قسمه
بين الرعية من ابناء الامة بما امر الله ثم يسجد لله شكرا على نعمته.
ما أحوجنا اليوم الى الحديث أكثر عن علي وهو رمز من رموز البشرية
التي نفتقد من امثاله أليس من حقنا ان نذكر الامة برجالها الاكفاء
لنعرف أن من يقودون الناس هم رموز وهمية وكاذبة في جميع البلاد
الاسلامية ليصحوا الضمير منصفا ان هؤلاء ما هم الى أصحاب بدع وأباطيل
أضلوا بها شعوبهم وان كانوا يدعون الانتساب الى علي في تشيعهم
وموالاتهم له وهم أبعد ما يكونون عن فلسفة علي في الادارة والقيادة.
(لعن الله الامرين بالمعروف التاركين له , والناهين عن المنكر
العاملين به) كم من المتورطين في قضيا الفساد المالي والاداري في
العراق هم من المنتسبين في تشيعهم الى علي؟ وكم من قيادات العملية
السياسية في العراق هم من اتباع علي؟ وكم من الذين يتباكون عليا وهم
اول الناس من يقتل المستضعفين في العراق؟ وكم من المتشدقين بالوحدة
الاسلامية وعدالة الصحابة جميعا هم اول من يمزق الامة ويستبيح الدماء؟
ويراها قربة الى الله وذهابا الى الجنة؟.
ما أحوجنا اليوم الى فكر علي ومواقفه العلوية لنعرف كيف نبدأ تصحيح
التاريخ وكيف ننطلق في حركة اصلاح المجتمع بعد أن نصلح أنفسنا. سلام
عليك سيدي الامام وانت تقول قولتك الرائعة:
(السنة هي سنة رسول الله (ص) والبدعة ما خالفها واما الفرقة فأهل
الباطل وان كثروا واما الجماعة فأهل الحق وان قلوا). |