
شبكة النبأ: اسدل الستار على اعمال
الشغب التي اجتاحت بريطانيا، مخلفة تلك الظاهرة المفاجئة اضرار
اقتصادية واجتماعية مكلفة بحسب المراقبين، في الوقت الذي باتت جميع
الاطراف في تلك الدولة تتبادل اللوم على ما وقع... خصوصا ممن تضرر من
اعمال الشغب.
وعلى الرغم من تعهد الحكومة البريطانية بقيادة كاميرون بتجاوز آثار
الأزمة الا ان تداعياتها سوف تبقى ماثلة للعيان في المجتمع على اكثر من
صعيد حيوي. في الوقت الذي تسعى السلطات الى استباق أي اسقاطات مستقبلية
او هزات مرتجعة لاعمال الشغب قد تكون متوقعة خلال الايام القادمة.
احباط اعتداء على موقع اولمبي
فقد احبطت الشرطة البريطانية هجوما على "موقع" للالعاب الاولمبية
التي ستقام عام 2012 في لندن وذلك بعد اعتراضها رسائل نصية قصيرة واخرى
عبر موقع تويتر وجهاز بلاكبيري المتعدد الوسائط، حسب ما اعلنت مسؤولة
كبيرة في الشرطة.
وقالت لين اوينز "تلقينا خلال اعمال العنف التي هزت بريطانيا
الاسبوع الماضي عبر تويتر وبلاكبيري معلومات تفيد ان الموقع الاولمبي
ويستفيلد (المركز التجاري في غرب لندن) وشارع اوكسفورد (الشارع التجاري
في وسط لندن) سوف يستهدفان".
ولم تعط المزيد من الايضاحات حول المنشآت الاولمبية المستهدفة. ويضم
المركز الاولمبي الذي يقع في ستراتفورد بشرق لندن، خصوصا الملعب وبركة
السباحة وميدان الدراجات في حين ان الالعاب الاخرى سوف تنظم في عدة
احياء داخل لندن وبعضها في مناطق اخرى من البلاد. بحسب فرانس برس.
واوضحت اوينز امام جلسة برلمانية مخصصة لاعمال الشغب "كنا قادرين
على تأمين هذه المواقع (التي كان المشاغبون سيستهدفونها) ولم تقع اية
اضرار". واكدت "اننا كنا قادرين على التحرك لاننا نتابع تويتر
وبلاكبيري".
الانهيار الاخلاقي
من جهته اعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن مراجعة جذرية
للسياسات الحكومية بهدف معالجة "الانهيار الاخلاقي" في بريطانيا الذي
يعتبره سببا خلف اعمال الشغب التي عمت عددا من مدن البلاد الاسبوع
الماضي وادت الى مقتل خمسة اشخاص.
وتعهد كاميرون كذلك بشن "حرب شاملة" على عصابات الشوارع في الوقت
الذي تسعى فيه بريطانيا لمعرفة الاسباب وراء اسوأ اضطرابات مدنية
تشهدها منذ عقود، وهي اضطرابات هزت صورة البلاد في الخارج قبل عام من
موعد استضافة العاصمة للالعاب الاولمبية.
وقال كاميرون في كلمة في ناد للشباب في منطقة ويتني الريفية الفخمة
"لقد كانت هذه الاحداث بمثابة جرس الانذار لبلادنا. لقد انفجرت في
وجهنا المشاكل الاجتماعية التي تكاثرت على مدى عقود". وتساءل "هل لدينا
التصميم لمواجهة الانهيار الاخلاقي البطيء الذي جرى في اجزاء من بلادنا
خلال الاجيال القليلة الماضية".
وشارك اطفال لا تتجاوز اعمارهم 11 عاما في عمليات النهب والتخريب
التي شهدتها لندن وعدد من المدن الانكليزية ومن بينها مانشستر
وبرمنغهام على مدى اربع ليال متتالية واحرقت خلالها العديد من المنازل
والمتاجر. بحسب فرانس برس.
وامر رئيس الوزراء المحافظ باغراق الشوارع برجال الشرطة، فيما تم
اعتقال اكثر من 2300 شخص مشتبه به، الا ان كاميرون قال ان "معركة الامن
يجب ان تصاحبها معركة اجتماعية".
وقال ان حكومة الائتلاف التي تولت السلطة في ايار/مايو 2010 ووعدت
باجراءات تقشف لخفض العجز القياسي في الميزانية، ستجري خلال الاسابيع
المقبلة مراجعة "لكل جانب من جوانب عملنا لاصلاح مجتمعنا المشروخ".
وبعد يوم من قراره تعيينه الاميركي بيل براتون مستشارا للشرطة في
التصدي لعصابات الشوارع، وهو القرار الذي اثار جدلا، قال كاميرون انه
يجب شن "حرب منسقة وشاملة ضد العصابات وثقافة العصابات".
وقال كاميرون ان الحكومة ستدرس تشديد شروط الحصول على معونات
البطالة وغيرها من المعونات في محاولات لتحسين مهارات تربية الاطفال
والمدارس في المناطق الفقيرة.
واكد ان بريطانيا ستستخدم رئاستها الحالية لمجلس اوروبا من اجل
الدفع لاجراء تغييرات في الميثاق الاوروبي لحقوق الانسان الذي قال انه
"قوض المسؤولية الشخصية".
وبشأن الدعوات الى اعادة فرض الخدمة العسكرية الاجبارية، قال
كاميرون انه سيطرح برنامج "خدمة المواطن القومية" لجعل الشبان في اعمار
16 عاما يقومون باعمال تطوعية.
وفي مؤشر على الاجراءات المتشددة التي ستفرض، قال وزير العمل
والتقاعد ايان دنكان سميث في تصريح للبي بي سي ان اي شخص يدان في
المشاركة في اعمال الشغب يمكن ان يفقد المعونات الاجتماعية حتى لو لم
يحكم عليه بالسجن.
الا ان زعيم المعارضة العمالية اد مليباند قال ان المسولية في اعمال
الشغب تقع على "ازمة الاخلاق" في المجتمع رابطا اياها بالازمة المالية
والفضائح بشان نفقات اعضاء البرلمان وقضية التنصت على الهواتف التي
اتهمت بها صحيفة "نيوز اوف ذا وورلد".
وفي كلمة القاها بعد خطاب كاميرون بقليل، اتهم مليباند رئيس الوزراء
بانه يقترح "حيل غير محسوبة".
وواجه كاميرون كذلك انتقادات من قادة الشرطة الذين عارضوا قراره
تعيين براتون الذي اشتهر بمكافحته عنف العصابات في نيويورك ولوس انجليس
وبوسطن. ودعا قادة الشرطة الحكومة الى الغاء خططها بخفض ميزانية الشرطة.
وترأست وزيرة الداخلية ثيريسا ماي اجتماعا للجنة "كوبرا" الحكومية
الامنية الاثنين يتوقع ان تقرر خلاله ما اذا كانت ستقلل اعداد رجال
الشرطة المنتشرين في شوارع لندن والبالغ عددهم حاليا 16 الف شرطي.
وعملت المحاكم في انكلترا طوال نهار الاحد وحتى الليل لاول مرة في
تاريخها للنظر في القضايا المتراكمة المتعلقة باعمال الشغب. ومثل ثلاثة
اشخاص امام المحكمة للنظر في مقتل ثلاثة رجال صدمتهم سيارة اثناء
دفاعهم عن حيهم من اعمال النهب في برمنغهام، ثاني كبرى المدن
البريطانية.
وفي مسيرة سلمية ضمت اكثر خمسة الاف شخص، وقف المشاركون دقيقة صمت
حدادا على القتلى. وقال طارق جاهان، والد احد القتلى والذي اصبح شخصية
بطولية لدعوته لعدم الانتقام، امام التجمع ان اظهار الجميع للوحدة "امد
قلبي بالقوة".
الحكومة تأخرت
في سياق متصل تتساءل المجتمعات التي تواجه عنف العصابات يوميا في
شوارع انكلترا، عن سبب تأخر تحرك الحكومة البريطانية في معالجة مشكلة
عنف العصابات.
ولكن بالنسبة لمن يعيشون المشكلة ويتعاملون معها، فان العديد منهم
يتساءلون عن السبب الذي جعل الحكومة تتأخر كل هذه المدة لتلاحظ المشكلة
-- وخلال هذا الوقت اصبحت العصابات اكثر عنفا واصبح اعضاؤها اصغر سنا.
ويؤيد شيلدون ثوماس العضو السابق في احدى العصابات، والذي يدير
برنامجا للرعاية في لندن، اعلان كاميرون ان المجتمع البريطاني "متفكك".
واضاف "لقد قلت انا واشخاص مثلي ذلك مرارا منذ عقود (...) الناس غاضبون
ومحبطون. لا توجد اعمال ولا يوجد امل".
الا انه اتهم كاميرون بالتحرك لضرب العصابات الان لان الصور المرعبة
للشباب وهم يعيثون فسادا في مناطق لندن الراقية اثارت غضبا شعبيا في
جميع انحاء البلاد، في الوقت الذي فشلت فيه الحكومات المتعاقبة في
التحرك بنفس الطريقة لمواجهة نحو 800 حادث قتل مرتبط بالعصابات في
العقد الماضي.
وتساءل ثوماس بغضب "هل اصبحنا الان امة تقيم وزنا للامور المادية
مثل المتاجر والمحلات، اكثر من ما تقيم وزنا لحياة طفل عمره 14 عاما
طارده عدد من افراد العصابات في احدى الطرق وطعنوه 17 مرة لسرقة جهاز
بلاكبيري الذي كان يحمله؟".
اما باتريك ريغان الذي يعمل في حقل العمل الاجتماعي الخاص بالشباب،
ويقدم النصائح لنائب رئيس الوزراء نيك كليغ حول اعمال العنف التي حدثت
مؤخرا، فيقول ان الحكومة فشلت في معالجة المشكلة.
ويقول ريغان ان "الناس حذروا طوال سنين من احتمال حدوث شيء مثل هذا.
وآمل ان تكون هناك نظرة طويلة الامد للامور، وان لا نقوم فقط بالتغطية
على المشاكل دون حلها".
الا ان ريغان، الرئيس التنفيذي لمنظمة "اكس ال بي" الخيرية للشباب،
حذر من اي تبسيط لتعريف العصابات، كما حذر من انه من غير المرجح ان
تكون العصابات المنظمة مسؤولة تماما عن اعمال الشغب التي حدثت. وقال ان
"الشباب لم يكونوا وحدهم المسؤولين، فبعضهم فقط استغل الفرصة، وبعض
الشبان اندفعوا مع الحشود".
وقال انه تحدث مع السلطات المحلية التي قالت ان افراد العصابات
المعروفين بقوا في منازلهم خلال اعمال الشغب .. لانهم كانوا يعلمون ان
الشرطة ستستهدفهم اذا خرجوا".
واظهرت احدى الدراسات الرئيسية بشان العصابات في بريطانيا والتي
اجراها مركز العدالة الاجتماعية المرموق، انه توجد في لندن 170 عصابة،
رغم ان ثوماس يقدر العدد بنحو 260 عصابة يبلغ عدد اعضائها 15 الف. بحسب
فرانس برس.
كما تعمل 170 عصابة اخرى في مدينة غلاسكو الاسكتلندية حيث تقول
الشرطة والسلطات المحلية انها خفضت عدد افراد العصابات العنيفين بنحو
50% خلال عامين من خلال مبادرات اجتماعية محددة.
ويطالب العاملون الاجتماعيون بتوفير مزيد من الموارد لبرامج الارشاد
والتدخل، وحذر الاميركي براتون خلال اليومين الماضيين من ان قيام
الشرطة بحملة قمع لا تكفي لحل مشاكل العصابات البريطانية.
وقال "لا يمكنك حل المشكلة فقط من خلال الاعتقالات. بل ان الحل
يتطلب الكثير من التدخل واستراتيجيات واساليب الوقاية" من حدوث المشكلة.
ورغم ان العصابات كانت تصنف في السابق وفقا للاتنيات، الا انها تحدد
حاليا بحسب المناطق، فعلى سبيل المثال عصابة "بيمبيري بويز" استوحت
اسمها من منطقة بيمبيري السكنية في هاكني شرق لندن، وعادة ما يسيطر
افرادها على المخدرات داخل تلك المنطقة.
ورغم ان العصابات تتراوح ما بين المنظمات الاجرامية ومجموعات
المراهقين الغاضبين، الا ان تقريرا حكوميا اظهر مؤخرا ان الشباب ينضمون
الى تلك العصابات من اجل الحصول على الحماية، او من اجل الحصول على
شعور الانتماء والمكانة الاجتماعية وكذلك لجني المال.
وكان غافين ماكينا (21 عاما) عضوا في عصابة في نيوهام شرق لندن قبل
ان يتغير. ورغم انه كان يحمل سكينا ويسطو على جيوب الناس، الا انه قال
لفرانس برس انه واصدقاءه لم يكونوا جماعة منظمة "بل كنا نحاول البقاء
على قيد الحياة فقط".
وتربى غافين في ظل اب كان يسيء معاملته وتركه وهو صغير، ولم يكن
لديه المال وكانت العصابة تمثل بالنسبة له وسيلة لكسب المال وبديلا عن
العائلة، وهي القصة التي يرددها الكثير من افراد العصابات في بريطانيا.
ويقول ماكينا انه غير متفائل كثيرا بالتحرك الجديد للحكومة ضد
العصابات. ويوضح "اعتقد انه سيغطون على القضية، كما يفعلون دائما ..
انهم لا يهتمون بنا".
مكاسب ساسية
الى ذلك قد يكسب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ميزة سياسية
نتيجة أعمال الشغب التي اجتاحت مدنا بريطانية الاسبوع الماضي اذا ما
قدم الرد الصارم الذي ينتظره بعض الناخبين فيما يتعلق بالقانون والنظام.
ولكن اصرار الحكومة على التمسك بخططها التقشفية لخفض الانفاق العام
سيحد من مساحة المناورة أمامه.
ويواجه حزب المحافظين الذي ينتمي اليه كاميرون والذي عادة ما ينظر
اليه على انه أكثر الاحزاب الرئيسية صرامة في التعامل مع قضايا القانون
والنظام ضغوطا لالغاء خطط خفض الانفاق على الشرطة الى جانب دعوات
لزيادة الانفاق في المدن البريطانية المحرومة في الداخل.
وعلى المدى القصير يبدو أن كاميرون وحكومته الائتلافية التي تشكلت
قبل 15 شهرا اضيرا جراء اعمال الشغب التي اجتاحت لندن وبرمنجهام
ومانشستر وليفربول وغيرها من المدن البريطانية الاسبوع الماضي ولكن
الانتخابات لن تجري قبل عام 2015 مما يعطيه مساحة لالتقاط الانفاس و
ووقتا لرد فعل محسوب.
وقصف مشاغبون الشرطة بالصواريخ واضرموا النار في سيارات ومبان
ونهبوا عشرات المتاجر في اسوأ اندلاع للعنف في المدن البريطانية منذ
عقود. وأضرت الفوضى التي اسفرت عن مقتل خمسة اشخاص بسمعة بريطانيا التي
عرف عنها الاستقرار قبل أقل من عام من استضافة لندن الاولمبياد. بحسب
رويترز.
وكان كاميرون ووزيرة الخارجية تيريزا ماي ووزير المالية جورج
اوزبورن ورئيس بلدية لندن بوريس جونسون يقضون عطلاتهم في خارج البلاد
حين اندلعت أعمال الشغب في منطقة فقيرة في توتنهام بشمال لندن في
السادس من اغسطس اب.
ولكن استطلاعات الرأي كشفت أيضا ان معظم البريطانيين الذين نفروا من
حالة الفوضى يريدون ردا صارما وقالت نسبة 65 في المئة في استطلاع
كومريس انه ينبغي على كاميرون الاستعانة بالجيش -الذي سيطاله خفض
الانفاق مثل الشرطة- لمساندة الشرطة. وذكرت نسبة 71 في المئة انه ينبغي
على الحكومة فرض حظر التجول في المناطق التي تشهد أعمال شغب.
واظهر استطلاع اخر في ذروة أعمال الشغب ان ثلث الناخبين يؤيدون
استخدام الذخيرة الحية ضد المشاغبين. وقال اندرو هوكينز رئيس مجلس
ادارة كومريس "انهم (الناخبون) مهتمون اولا بالقاء القبض على مرتكبي
الجرائم ومعاقبتهم العقاب المناسب وثانيا تجهيز الشرطة وتحفيزها لمنع
تكرار ماحدث.
غير أن اندلاع المزيد من أعمال الشغب قد يقضى على فرص كاميرون في
الاحتفاظ بمنصبه في الانتخابات المقررة في عام 2015.
ويبين التاريخ ان الناخبين البريطانيين يعاقبون رؤساء الوزراء الذين
يعتقدون انهم فقدوا السيطرة. وخسر رئيس الوزراء العمالي جيمس كالاهان
الانتخابات امام المحافظة مارجريت تاتشر عقب اضرابات واسعة النطاق عرفت
باسم "شتاء السخط". وتصدت تاتشر لاعمال شغب داخل المدن في عامي 1981
و1985 وكوفئت في الانتخابات لصرامتها ازاء القانون والنظام.
كما يمكن لكاميرون ان يتطلع عبر القنال الانجليزي الى فرنسا حيث فاز
وزير الداخلية السابق نيكولا ساركوزي بانتخابات الرئاسة في عام 2007
بعدما اشتهر بصرامته في تطبيق القانون والنظام خلال اعمال الشغب التي
اجتاحت ضواحي فقيرة حول باريس ومدن فرنسية اخرى قبل عامين.
وقاد كاميرون شخصيا التصدي للازمة حين عاد لمكتبه يوم الثلاثاء ورأس
اجتماعات لجنة الازمات في الحكومة وصرح بان ثمة جيوبا في المجتمع
البريطاني "ليست محطمة فحسب بل مريضة."
واتخذ كاميرون موقفا متشددا تجاه القانون والنظام وأدان النهب
والعنف ووصفهما "باعمال اجرامية محضة" ورفض اعتبارهما رد فعل للفقر
وغياب الفرص او للخفض الكبير في الانفاق العام الذي نفذته الحكومة.
ويرضي مثل هذا الرد الصارم اليمينيين في حزب المحافظين الذين يشعرون
ان كاميرون خان مباديء الحزب بتشكيل ائتلاف مع الديمقراطيين الاحرار
بعد النتائج غير الحاسمة للانتخابات العامة في العام الماضي.
وتأتي اعمال الشغب في اعقاب صيف مضطرب لكاميرون شهد فضيحة التنصت
التي هزت الامبراطورية الاعلامية لروبرت مردوك. واضطر كاميرون أكثر من
مرة للدفاع عن تعيينه اندي كولسون متحدثا باسمه بعد اشهر من استقالة
كولسون من رئاسة تحرير صحيفة نيوز اوف ذي وورلد احدى صحف مردوك في
اعقاب الحكم بالسحن على احد محرريها في عام 2007 بتهمة التنصت على
هواتف مساعدى الامير وليام حفيد الملكة اليزابيث.
ءاستقال رئيس شرطة لندن بول ستيفنسون وقائد اخر في الشرطة بسبب
الفضيحة الشهر الماضي تاركين الشرطة بلا قيادة حين اندلعت اعمال الشغب.
ويقول بعض المعلقين ان فضيحة التنصت التي كشف العلاقات الوثيقة بين
الصحافة والساسة والشرطة فضلا عن فضيحة اساءة استخدام مخصصات من جانب
اعضاء في البرلمان في عام 2009 غذت الانتقادات الشعبية لسلطات البلاد.
ولكن على الارجح سيمثل الخفض المقرر للانفاق الهادف لخفض ديون
الحكومة اكبر تحد لكاميرون الى جانب اسلوب تعامله مع الشرطة.
واثارت الحكومة خلافا مع الشرطة بانتقادها رد الفعل المبدئي لاعمال
الشغب ثم ارجعت لنفسها الفضل في كبح العنف وهو افتراض رفضته الشرطة.
وابعاد الشرطة خطأ لان كاميرون بحاجة لمساندتها في السنوات المقبلة
اذ من المرجح أن يقود خفض الانفاق وترشيد اجور القطاع العام لمزيد من
الاضرابات والاحتجاجات والاضطرابات في الشوارع.
وسيواجه كاميرون ضغوطا من اليمينيين في حزبه فضلا عن حزب العمال
المعارض للعدول عن خفض ميزانية الشرطة بنسبة 20 بالمئة بالاسعار
الحقيقية خلال السنوات الاربع المقبلة.
وقاوم كاميرون العدول عن هذا الخفض حتى الان ولكن باتريك دونليفي
استاذ العلوم السياسة في كلية لندن للاقتصاد يعتقد انه سيضطر للتنازل
في النهاية وربما يضطر ايضا لتخفيف الخفض الاوسع للانفاق. وقال "أول
شيء سيحدث هو تجميد خفض ميزانية الشرطة أو تأجيله ثم يرفع من برنامج
خفض الانفاق تدريجيا.
ويعتقد دونليفي ان برنامج خفض الانفاق الحكومي لعب دورا في اعمال
الشغب وبصفة خاصة قرار سحب مبالغ تمنح لمن تتراوح اعمارهم بين 16 و18
عاما ممن يواصلون تعليمهم النظامي وخفض الانفاق على المنشات الشبابية.
ويقول انه يضاف الى ذلك التراجع العام لمستوى المعيشة اذ يحصل عدد
كبير من العمال على نفس الاجر او اجر أقل بينما نسبة التضخم مرتفعة.
الاجانب غير قلقين ويمارسون حياتهم
"اللعنة على الاجانب..." هذه هي الرسالة التي بعث بها شخص ما الى
موقع تويتر حين انتشرت اخبار عن تجمع أتراك وأكراد في شوارع شرق لندن
للدفاع عن متاجرهم ومقاهيهم في مواجهة أعمال السلب والنهب. ومضت
الرسالة على موقع تويتر تقول "يأتون الى بلادنا ويحمون احياءنا
ومجتمعاتنا."
بدءا ببائعة بولندية تم تصويرها وهي تقفز من مبنى يحترق وانتهاء
بطالب ماليزي تم تصويره وهو يتعرض للسرقة بالاكراه بعد ضربه كان الكثير
من الضحايا الذين احتلت اخبارهم عناوين الصحف خلال اعمال الشغب التي
شهدتها لندن من الاجانب.
وهذه ليست مفاجأة.. ففي هذه الايام معظم الموجودين في لندن من
الاجانب. وتشير ارقام صادرة عن المكتب الوطني للاحصاءات ببريطانيا الى
أن اكثر من نصف سكان المدينة بنسبة 52.2 ولدوا خارج بريطانيا.
ووفد كثير من سكان لندن او فروا من دول لها تاريخ من العنف والحرب
والقضاء المتعسف. وحين شهدت العاصمة أسوأ أعمال شغب خلال اكثر من 20
عاما الاسبوع الماضي اتسمت جموعها من الاجانب بالهدوء وواصلت حياتها
بشكل طبيعي. وتمثل منطقة دالستون نموذجا للندن الحالية من حيث تنوع
جنسياتها.
بدأ الاتراك يتوافدون الى هنا منذ نحو 30 عاما والان يزخر الشارع
الرئيسي بالقصابين الذين يبيعون اللحوم المذبوحة طبقا للشريعة
الاسلامية ومتاجر البقلاوة التي تبيع الحلويات والمقاهي والنوادي
الاجتماعية التركية حيث تسد أعداد من الرجال متوسطي العمر المدخل بعد
مباراة للبلياردو.
من بين هذه المتاجر مكتبة كاريبية ومتاجر يملكها اسيويون وشركات
لسيارات الاجرة يديرها أفارقة. ويقول صاحب متجر ستوكي للبقالة في
دالستون وهو تركي يدعى عزيز انه انضم الى أصحاب متاجر غيره في الشارع
هذا الاسبوع حتى يضمن الا تحدث مشاكل بعد انتشار اخبار عن أن مثيري
الشغب سيأتون الى حيهم. وأضاف "كنا نساعد الشرطة."
ويقول عزيز ان المهاجرين الاتراك بدأوا يملاون دالتسون في التسعينات
عندما كانت منطقة متهالكة. وأضاف أنهم حسنوها تدريجيا وفتحوا مشاريع
ويعتنون ببعضهم بعضا.
هنا هذه المنطقة كانت الاخطر في عام 1990 . الان باتت منطقة نظيفة
ومريحة. ويفتح الكثير من المتاجر الان ابوابه 24 ساعة. وقال عزيز عن
اصحاب المتاجر المحللين "كانوا قبل ذلك يفتحون متأخرا... الجميع يعرفون
بعضهم بعضا. لا يهم ان كانوا بريطانيين او اتراكا او باكستانيين."
وعلى مسافة قريبة يدير لويس ايسومان الذي انتقل من غانا الى لندن في
السبعينيات خدمة لسيارات الاجرة من واجهة محل. وكانت لقطات لاعمال
الشغب تعرض في نشرة الاخبار بالتلفزيون في الزاوية بينما كان يتحدث.
جاء الى لندن لانها اكثر أمانا والتزاما بالقانون من بلاده. في
الاسبوع الحالي تلقى اتصالات هاتفية من أقارب في افريقيا يطمئنون على
سلامته. يقول لهم انه بخير. وابناؤه الذين ولدوا في لندن من الذكاء
بحيث يبتعدون عن المشاكل.
وجميع السائقين الذين يعملون لحسابه من المهاجرين وينحدرون من
افريقيا وايران وتركيا ودول أخرى. ويقول انهم انجذبوا الى مدينة تشتهر
على مستوى العالم بأن من لديه الرغبة في العمل بجد فيها فيستطيع ان
يكسب رزقه بشرف.
وقال عن مثيري الشغب "نعلم أن لندن بلد امنة مقارنة بالدول
الاوروبية الاخرى. انا اسميها جنة للمهاجرين. لهذا فانها كانت صدمة."
وعلى غرار معظم اصحاب الاعمال التجارية فانه ضاق ذرعا بمثيري الشغب.
وقال انه كان على الشرطة استخدام مدفع المياه قبل انتشار الاضطرابات.
وبدأت أعمال الشغب باحتجاج على اطلاق الشرطة الرصاص على مشتبه به
اسود. ولا يرى ايسومان ارتباطا يذكر بين تلك الحادثة والحرق العمد
والنهب اللذين أعقباه. وقال "انا اسود وأجنبي... مقتل هذا الشاب لا
علاقة له بهذه الامور. ببساطة هذه همجية."
وأحدث مجموعة كبيرة من المهاجرين في لندن تتمثل في العمال الوافدين
من دول شيوعية سابقا انضمت للاتحاد الاوروبي في السنوات العشر الاخيرة.
وكانت بريطانيا الدولة الكبرى الوحيدة في الاتحاد التي تمنح حق العمل
فورا لجميع المواطنين الوافدين من الدول المنضمة حديثا لعضويته حين ضم
عشر دول أغلبها في شرق اوروبا عام 2003 .
وأصبحت الجالية البولندية وقوامها الان نحو نصف مليون نسمة الجالية
الاكبر من المواطنين غير البريطانيين في المملكة المتحدة. وخلافا
للمهاجرين من دول ابعد فانهم يجدون سهولة في الحضور والذهاب مع الصعود
والهبوط في سوق العمل.
وعاد البعض بالفعل الى بلادهم بسبب الازمة الاقتصادية التي تعيشها
بريطانيا منذ عام 2008. وتقول ايلا سوبوليفسكا وهي صحفية من جريدة
دزينيك بولسكي التي تصدر باللغة البولندية ان بعض أصدقائها يصفون أعمال
الشغب بأنها القشة التي قصمت ظهر البعير. وأضافت "قالوا لي ان هذا سبب
جيد للعودة. سبب جيد للتفكير في حياة مختلفة. هناك الكثير من الاشخاص
الخطرين. الكثير من الشبان الخطرين."
جاي داتاني اسيوي من تنزانيا جاء الى بريطانيا منذ نحو 40 عاما
ويدير مكتبة دالستون في الجهة المقابلة لشركة ايسومان لخدمات سيارات
الاجرة. يقول ان لندن مازالت توفر الفرصة لكسب القوت بشرف التي جذبته
في باديء الامر للمدينة. وأبقى متجره مفتوحا خلال أعمال الشغب.
وقال "ليأتوا. لدي أسلحة في الخلف. استطيع الاعتناء بنفسي." لكن على
غرار الكثير من المقيمين في لندن سواء من المولودين داخل بريطانيا او
خارجها يحن لاوقات كانت افضل. وأضاف "كانت الامور اسهل في الفترة
الاولى الان خرجت عن نطاق السيطرة." وقال "وجود أعداد كبيرة من الاجانب
غير مقبول فهم يأخذون كل الوظائف ويستفيدون من النظام."
صندوق دعم المناطق المتضررة
من جانب آخر قال مصدر حكومي إن بريطانيا ستعمل على اعادة بناء ثقة
الأعمال اثر أعمال الشغب التي شهدتها لندن عن طريق اقامة صندوق شركات
للمناطق الاكثر تضررا وذلك مع تعرض الوزراء لضغوط لبذل جهود تتجاوز
مجرد اطلاق التصريحات المتشددة.
واقتصر معظم رد فعل حكومة ائتلاف المحافظين والديمقراطيين الاحرار
ازاء أربعة أيام من أعمال الشغب والنهب في أنحاء انجلترا الاسبوع
الماضي على التصريحات المتشددة بحق مرتكبي أعمال السلب الى جانب حفنة
من خطوات تشديد اجراءات الأمن.
ويقول منتقدون انه يجب أيضا معالجة مشاكل اجتماعية واقتصادية أعمق
مثل عدم المساواة والحرمان والبطالة المرتفعة بين الشبان اذا كان لرئيس
الوزراء ديفيد كاميرون أن يحقق هدفه لاصلاح "بريطانيا المكسورة" على حد
وصفه.
ويرسم البعض أوجه شبه مع أعمال الشغب في لندن وليفربول أوائل
الثمانينيات والتي ألقي اللوم فيها بادئ الامر على غياب القانون لكن
تحقيقا كشف بعد ذلك أن ما أوقد شرارتها هو عدم المساواة والفقر
والتوترات الناجمة عن قسوة الشرطة.
وقال المصدر "يمكن أن نحصل على مساعدة فورية لتلك المناطق التي
تحملت عبء الاضطرابات وننهض بالنمو." وأضاف أن الصندوق الجديد يهدف الى
مساعدة الشركات في مناطق بلندن مثل توتنهام - حيث بدأت أعمال الشغب -
وكرويدون كي تقف على قدميها من جديد.
وستقام أيضا مناطق شركات جديدة في أنحاء بريطاينا لتحفيز نمو القطاع
الخاص في اقتصاد متأزم يكافح للعودة الى النمو بعد 18 شهرا من الركود.
وقال المصدر ان الحكومة ستعلن عن 11 منطقة جديدة في أنحاء بريطانيا
تتمتع فيها الشركات بتخفيضات ضريبية واجراءات ميسرة مما سيوفر ما يصل
الى 30 ألف وظيفة بحلول الانتخابات القادمة في 2015.
ومناطق الشركات جزء من خطة نمو حكومية تستهدف اعادة تحقيق التوازن
في الاقتصاد مع قيام الوزراء بخفض الانفاق العام لمعالجة عجز قياسي في
الميزانية. وقال المصدر "من الضروري أن نحقق نموا اقتصاديا متوازنا في
أنحاء البلاد .. حان الوقت لكي تساعد الحكومة كل جزء من البلد على
النمو والاستفادة من امكانياته." |