الأكراد والمجتمع الدولي... حقوق منتهكة وقضية منسية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وقيام الغرب بإعادة رسم الخارطة السياسية لدول المنطقة في ذلك الحين والشعوب الكردية تناضل لإثبات الوجود أولا وانتزاع حقوقها ثانيا، بعد أن أجهضت المصالح الدولية في تلك الفترة تطلعاتهم في قيام دولتهم المنشودة.

حيث بقت الشعوب الكردية موزعة على أربع دول هي إيران وتركيا والعراق وسوريا، لم تلبث حكومات تلك الدول في مصادرة وطمس أي مطالب مشروعة بشتى الوسائل المتاحة، ونظمت بحقها انتهاكات سافرة بشكل مستمر، لم يلتفت إليها المجتمع الدولي إلا نادرا، وحسب ما تقتضيه المصالح الغربية.

فيما لم تسفر جهود التنظيمات الكردية المدنية منها او المسلحة في تحقيق بعض المكاسب لقضية الكرد حتى الان، باستثناء الوضع في العراق. وفي اغلب الاوقات كانت الورقة الكردية اداة ضغط إقليمية تستغل من بعض بلدان المنطقة حسب المصالح السياسية المطلوب تحقيقها من هذا الطرف او ذاك، حتى وقتنا الراهن، دون الالتفات بشكل جدي الى ما يطالب به الأكراد من حقوق مشروعة.

15 طائرة من طراز إف 16 تقصف

فقد قصفت 15 طائرة تركية من نوع اف 16 مواقع لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وزاب الواقعة في شمال العراق، ولم تعلن حتى الان نتائج القصف الذي ربما سيستمر إلى ساعات الصباح من يوم غد الخميس وذلك في رد فوري على مقتل 12 جنديا تركيا صباح اليوم في كمين نصبه المسلحون الأكراد في منطقة تشوقورجا في محافظة هاكاري.

وجاء هذا القصف بعيد اعلان رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان عن نفاد الصبر حتى نهاية رمضان الذي تحدث عنه يوم أمس، وكذلك تصريحات رئيس الجمهورية عن أنه لا يوجد ما يسمى بالصبر أو المهلة حتى نهاية رمضان.

ويلاحظ تصاعد هجمات مقاتلي العمال الكردستاني على وحدات وعناصر الجيش التركي خصوصا في الشهرين الأخيرين، إذ لا يخلو يوم من سقوط قتيل أو قتلى وجرحى في صفوف الجيش التركي، مما تسبب في احراج الحكومة، وجعلها عرضة لانتقادات حادة من بعض أحزاب المعارضة.

وتلقت الحكومة رسائل دعم وتأييد من حليفتها الولايات المتحدة، وكذلك من حزب الحركة القومي المعارض، الذي يؤيد القيام بعمليات عسكرية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، لكن حزب السلام والديموقراطية الكردي الذي يقال إنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني الانفصالي ينتقد مثل هذه الهجمات، ويرى أن المشكلة الكردية لا يمكن أن تحل عبر الخيار العسكري.

ويذكر أن الطائرات العسكرية التركية قد قصفت لأيام المناطق التي تقصفها اليوم صيف العام الماضي، ووفق التقارير آنذاك لم تجد العمليات الجوية في الحد من هجمات مقاتلي حزب العمال الكردستاني. واستهدف معظم القصف مناطق جبلية صخرية جرداء في جبال قنديل الواقعة في المثلث الحدودي بين تركيا والعراق وايران.

وقتل 12 جنديا تركيا في منطقة تشوقورجا في محافظة هاكاري جنوب شرقي تركيا، إثر وقوعهم في كمين نصبه مسلحو حزب العمال الكردستاني في المنطقة القريبة من الحدود مع العراق.

وقال مسؤولون ووسائل اعلام تركية ان القتلى سقطوا بعد انفجار لغم ارضي على مركبتهم، بيد أن ثمة تقارير أفادت بانهم اصيبوا باطلاق نار استهدفهم.

ووجه وزير الدفاع التركي عصمت يلماز الاتهام إلى مسلحي حزب العمال الكردستاني بالمسؤولية عن الحادث. وتبنى حزب العمال الكردستاني العملية، اذ نقلت وكالة فرانس برس عن مسؤول الاعلام المركزي في الحزب دولدار حمو قوله "نفذت قواتنا كمينا للجيش التركي الذي كان قادما لاسناد القوات الموجودة في الشريط الحدودي". واضاف ان عددا من الجنود الاتراك لم يحدده قتلوا في هذه الاشتباكات التي تواصلت لاكثر من ساعتين.

وقال مصدر امني إن القتلى سقطوا نتيجة عبوة ناسفة فجرت عن بعد، بينما قالت فرانس برس إن انفجارين على الاقل حصلا لدى مرور قافلة عسكرية على طريق سريعة يرجح انهما نجما عن لغمين موجهين عن بعد. بحسب رويترز.

من الجدير بالذكر ان هجمات مسلحي حزب العمال الكردستاني ضد القوات التركية قد تصاعدت في الشهرين الأخيرين، على الرغم من تحذيرات رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان من أن الحكومة ستتعامل بحزم مع هذه الهجمات والمهاجمين.

ويقول مراسل بي بي سي في اسطنبول جونثان هيد إن الهجوم سيزيد من الضغوط على الحكومة التركية لإستخدام سياسة اكثر فاعلية في قتالها ضد حزب العمال الكردستاني.

ويضيف ان الحكومة قد قالت مؤخرا انها طلبت من الشرطة ان تلعب دورا اكبر في مواجهة التمرد المعارضن بيد ان انتقادات واجهت هذه الفكرة ممن يرون ان الشرطة غير مسلحة بشكل كاف للتعامل مع حزب العمال الكردستاني كما الجيش.

ورجحت وسائل اعلام تركية ارتفاع حصيلة القتلى في الحادث بسبب اصابة عدد من الجنود بجروح خطيرة. وافادت مصادر محلية في هاكاري بوصول تعزيزات عسكرية الى المنطقة التي دارات فيها المعارك.

ويتسبب تصاعد هذه الهجمات ووقوع المزيد من القتلى في صفوف الجيش التركي في زيادة الضغط على الحكومة التركية التي تواجه ضغوطا عديدة ومنها الضغط السياسي نتيجة الاوضاع المتوترة في الدولة الجارة سورية.

مقتل العشرات

الى ذلك قال الحرس الثوري الايراني انه قتل عشرات المتمردين الأكراد في حملة عسكرية يقول منتقدون انها عرضت المدنيين في الأراضي العراقية على الناحية الأخرى من الحدود للخطر.

ونفى الكولونيل حميد أحمدي أن ايران قصفت قرى في العراق خلال ملاحقتها لحزب الحياة الحرة لكردستان وهو تنظيم منبثق عن حزب العمال الكردستاني التركي الذي تتهمه ايران بشن هجمات تخريب على خطوط أنابيب الغاز ونصب كمائن لقواتها.

وقال في مؤتمر صحفي في طهران "حتى لو كنا نعرف يقينا واذا أبلغنا بأن لحزب العمال الكردستاني قاعدة قرب قرية فلن نهاجم تلك القاعدة." وأكد أن ما بين 40 و50 شخصا قتلوا في الحملة العسكرية وقال "تصل احصاءات أخرى بالعدد الى قرابة 90 لكنني لا أؤكد تلك الاحصاءات."

وكان مصدر عسكري ايراني تحدث مشترطا عدم الكشف عن اسمه قال في وقت سابق ان طهران ترى أن من حقها استهداف "القواعد الارهابية" قرب حدودها لكن المسؤولين الايرانيين يحجمون عن اعلان ذلك بشكل رسمي.

وقال احمدي "لم نضع قدما في الاراضي العراقية" لكنه اضاف ان قوات حرس الحدود الايرانية لن تقف مكتوفة الايدي اذا تعرضت لهجوم من خارج ايران.

ونقلت وكالة فارس شبه الرسمية للانباء عن مسؤول عسكري لم تسمه في يوليو تموز قوله ان ايران "لن تسمح للارهابيين بالتمركز في العراق وشن هجمات على امتنا بدعم من امريكا والكيان الصهيوني."

ولمح السفير الايراني في العراق حسن دانايفار الى ان طهران حصلت على موافقة بغداد على تعقب المتمردين. وقال "انهم يعرفون هذه الجماعة كمجموعة ارهابيين واعلنوا ان من حق ايران التصدي لهذه الجماعة."

وقال علاء الدين بروجردي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الايراني لهيئة الاذاعة الايرانية يوم الاربعاء "ما تفعله ايران ليس غزوا للاراضي العراقية وانما غزو لجماعة حزب الحياة الحرة لكردستان الارهابية."

وأكد أحمدي ان قواته لم تلق القبض على نائب عبد الله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون وقال ان التقارير التي وردت عن اعتقال مراد كارايلان القائد الميداني لحزب العمال الكردستاني السبت الماضي ترجع الى التباس مع اسم شخص اخر القي القبض عليه.

في السياق ذاته قال الحرس الثوري الايراني في بيان مؤخرا ان احد قادته قتل في انفجار خلال اشتباكات مع متمردين أكراد في شمال غرب ايران. وذكر البيان ان القائد القتيل يدعى الجنرال عباس عاصمي وهو احد قيادات اقليم قم في جنوب غرب ايران ولم يوضح البيان متى قتل. وقالت بعض مواقع المعارضة على الانترنت ان القائد الاعلى للحرس الثوري في مدينة قم قتل.

وجاء في بيان الحرس الثوري "في الاشتباكات الاخيرة مع الحياة الحرة لكردستان في شمال غرب ايران انفجرت سيارة تابعة للحرس الثوري وقتل بعض أفراد الحرس ومن بينهم القائد عاصمي."

اعتقال عضو بارز

على صعيد متصل قال عضو بارز بالبرلمان الايراني ان القوات الايرانية اعتقلت عضوا كبيرا في حزب العمال الكردستاني التركي المتمرد لكن الحزب المحظور نفى صحة الخبر. وقال علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان لوكالة مهر الايرانية للانباء "نفذت قوات مخابرات بلادنا مهمة هامة واعتقلت ثاني (اعلى) شخص في حزب العمال الكردستاني."

وقتل نحو 40 ألف شخص معظمهم من المتمردين الاكراد منذ حمل حزب العمال الكردستاني السلاح قبل 27 عاما. واتهم قادة تركيا في كثير من الاحيان ايران بدعم حزب العمال الكردستاني سرا في التسعينيات وهي الاتهامات التي كانت تنفيها طهران دوما.

لكن بعد سلسلة من الاتفاقيات الامنية التي توصلت لها تركيا وايران بعد ذلك توقف المسؤولون الاتراك عن توجيه مثل هذه الاتهامات. ووجه حزب العمال الكردستاني سلاحه أيضا الى ايران من خلال فرعه الايراني حزب الحياة الحرة لكردستان.

ونقلت وكالة انباء الجمهورية الاسلامية الرسمية عن بروجردي قوله ان اعتقال الرجل الثاني في حزب العمال الكردستاني جاء "في اعقاب انفجار في خط الغاز الايراني الى تركيا والاجراءات التي اتخذتها قوات المخابرات في البلاد."

تفجير انبوب غاز

كما افادت وسائل الاعلام الايرانية ان القوات المسلحة الايرانية قتلت ثلاثة متمردين اكراد احدهم تركي الجنسية، نسبت اليهم مسؤولية تفجير انبوب غاز بين ايران وتركيا. وقال محافظ ماكو حميد احمديان انه "منذ انفجار صباح الجمعة تمت تعبئة كافة قوات الامن فقتل هذا الصباح ثلاثة مسؤولين عن الانفجار وجرح اربعة اخرون". واضاف "قتل زعيم المجموعة الارهابية وهو مواطن تركي اسمه جميل وشخصين اخرين".

وافاد احد مواقع التلفزيون الرسمي استنادا الى "مصدر مطلع" ان المتمردين ينتمون الى بيجاك (حزب الحياة الحرة الكردستاني) الانفصالي المسلح الكردي الايراني الموالي لحزب العمال الكردستاني في تركيا.

وقد الحق الانفجار الذي وقع صباح الجمعة اضرارا بانبوب الغاز الذي يصل ايران بتركيا وتسبب في انقطاع تسليم الغاز الايراني الى تركيا 24 ساعة. وقد استهدف انفجار انبوب الغاز نفسه في اب/اغسطس 2010، نسب الى المتمردين الانفصاليين الاكراد وادى الى وقف امدادات الغاز الايراني موقتا.

من جهة أخرى ذكرت وكالة الانباء الايرانية مهر ان متمردين اكرادا قتلوا احد افراد الميليشيا الاسلامية (الباسيج) بعد مهاجمتهم احد معسكراتها في كردستان الايرانية. وقالت الوكالة نقلا عن مسؤول محلي ان الهجوم على الباسيج شنه حزب الحياة الحرة في كردستان (بيجاك) في فريقة سيلين قرب مدينة صرف اباد.

وصرح احمد محمد رضائي محافظ صرف اباد ان "الارهابيين هاجموا القاعدة (...) وقتلوا احد افراد ميليشيا الباسيج وجرحوا اربعة آخرين". واكد ان المتمردين "منوا بخسائر جسيمة" في المعارك بدون ان يضيف اي تفاصيل.

نفي كردي

من جانبهم اكد متمردو حزب العمال الكردستاني والسلطات التركية ان القوات الايرانية لم تلق القبض على القيادي الرئيسي في الحزب الكردي مراد كارايلان، في نفي لخبر نقلته وسائل اعلام ايرانية.

وقالت وكالة فرات المناصرة للاكراد ان "قياديين في حزب العمال الكردستاني" نفوا معلومات حول القبض على كرايلان وتحدثوا عن "دعاية". واكدت المصادر بحسب الوكالة انه "لم يقبض على اي شخص اسمه مراد". كما نفى وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو القبض على كرايلان على اثر حديث هاتفي مع نظيره الايراني علي اكبر صالحي.

ويمضي القائد التاريخي لحزب العمال الكردستاني عقوبة السجن مدى الحياة في تركيا منذ 1999، حيث بات كارايلان القائد الاعلى لعلميات المنظمة المسلحة ضد قوات انقرة.

تبني التفجير

وتبنى المتمردون الاكراد تفجير خط الانابيب الايراني التركي لنقل الغاز في محافظة اغري (شرق تركيا) على الحدود مع ايران ما ادى الى انقطاع امدادات الغاز الايراني لتركيا. واعلن الذراع المسلح لحزب العمال الكردستاني في بيان نشرته وكالة فرات الموالية للاكراد ان المتمردين الاكراد خربوا خط انابيب الغاز على مسافة خمسة كيلومترات من اغري قرابةالساعة 20,00 تغ الخميس.

وكان مسؤول في وزارة الطاقة التركية اعلن ان عمليات اصلاح خط الانابيب بدأت وقد تستغرق اسبوعا ستكون تركيا خلاله محرومة من الغاز. وتتلقى تركيا ما بين 15 و18 مليار متر مكعب من الغاز الايراني يوميا عبر انبوب يربط مدينة تبريز (شمال غرب ايران) بانقرة.

نزوح المئات

من جانب آخر اعلن مصدر طبي ان عراقيين قتلا في المعارك المستمرة بين الحرس الثوري الايراني والمتمردين الاكراد، التي تسببت حتى الآن في نزوح المئات من المنطقة الحدودية في شمال العراق.

وقال مدير مستشفى سوران في اربيل (320 كلم شمال بغداد) مقصود اسماعيل للصحافيين ان "مواطنين اثنين قتلا اثر قصف ايراني لقرى تابعة لناحية سيدكان (100 شمال اربيل)". واضاف ان "القصف بدأ في الساعة الرابعة والنصف (1,30 تغ) واسفر كذلك عن اصابة اثنين اخرين تم نقلهما الى مستشفى سوران". وسيدكان تابعة لقضاء سوران في محافظة اربيل كبرى مدن اقليم كردستان الشمالي.

وفي الوقت نفسه، اعلنت اللجنة الدولية للصليب الاحمر في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه انها "قدمت مساعدات انسانية الى اكثر من 800 نازح في شمال العراق".

واضافت ان هؤلاء "غادروا منازلهم بسبب اعمال القصف في جبال قنديل" الحدودية بين العراق وايران. وتابعت اللجنة ان "معظم النازحين هربوا من دون اغراضهم الشخصية ويعيشون حاليا في ملاجئ مؤقتة او خيام او منازل مكتظة بالاقرباء والاصدقاء، بينما يملك عدد قليل من العائلات المعنية القدرة على استئجار منازل".

ويتهم مسعود بارزاني، رئيس اقليم كردستان العراق بوضع قطعة ارض يبلغ طولها 150 كلم وعرضها 20 كلم "في تصرف حزب بيجاك على طول الحدود العراقية "لانشاء قواعد تدريب والقيام بأعمال ارهابية ضد ايران".

الانسحاب الامريكي

اما في العراق عندما أرسل اقليم كردستان العراق وحدة من القوات لتطويق كركوك في فبراير شباط فربما كان هذا مؤشرا على التوازن الدقيق الضروري في الفترة المقبلة عندما تنسحب القوات الامريكية من المدينة النفطية المتنازع عليها.

من الناحية الرسمية كان هناك عشرة الاف أو ما يوازي ذلك من قوات البشمركة لحماية سكان كركوك من أي عنف مرتبط باحتجاجات عمت البلاد. لكن وجودهم أشعل فتيل حملة دبلوماسية مكثفة من الولايات المتحدة لتهدئة التوتر بين الحكومة المركزية في بغداد وأربيل العاصمة الكردية.

يقول محللون ان عملية نشر القوات الكردية ربما كانت بالون اختبار لرئيس الوزراء نوري المالكي وتحذيرا لبغداد وواشنطن وابلاغهما بأن وجود القوات الامريكية ضروري كقوة عازلة في الاراضي الشمالية المتنازع عليها من الجانبين.

قال جوست هيلترمان وهو محلل في المجموعة الدولية لمعالجة الازمات "كانت المناورة العسكرية الكردية في كركوك في فبراير شباط رسالة للولايات المتحدة للابقاء على قواتها على الارض لما بعد 2011 وهو في مصلحة الاكراد وفي الوقت ذاته وسيلة اختبار لمدى عزيمة الحكومة في بغداد." واستغرقت عملية اقناع كردستان العراق شبه المستقل بسحب الوحدة شهرا بأكمله.

وقال الكولونيل مايكل بابال قائد أحد ألوية القوات الامريكية في كركوك "تطلب قدرا كبيرا من الدبلوماسية أن نقول 'انظروا هذا ليس صحيحا. ان هذا يضر بالمنطقة. انه لا يؤدي الى استقرار'."

وبعد ثماني سنوات من اطاحة قوات بقيادة الولايات المتحدة بصدام حسين ما زال العراق يبني قوة الشرطة والجيش لمواجهة تمرد جماعات من السنة والشيعة في الداخل وكذلك لمواجهة الاخطار الخارجية.

ومع انحسار العنف تعتبر كركوك وغيرها من المناطق الشمالية المتنازع عليها نقاط توتر محتملة في منطقة تعج بالصراع العرقي والطائفي والسياسي.

وقال مسؤولون عسكريون أمريكيون ان توغل قوات من كردستان العراق في أواخر فبراير شباط لم يكن بدافع اللحظة وأشعل رد فعل سريعا من الامريكيين الذين قالوا للقادة الاكراد أنه لن يسمح بوجود قواتهم في كركوك.

وقال اللفتنانت كولونيل جوي هولاند وهو قائد أمريكي في كركوك "لا نرسل فرقا عبر الحدود دون الكثير من التخطيط والاعداد... وضع جيش على طريق يستغرق وقتا وهذا ما فعلوه."

وقال مسؤول كردي لرويترز ان الوحدة كان قوامها 12 ألف فرد بينما قدر الجيش الامريكي أن قوامها كان ما بين ثمانية الاف وتسعة الاف. وقالت مصادر ان الاكراد كان في حوزتهم بنادق كلاشنيكوف ومدفعية وعربات مدرعة.

وقال هولاند ان هذه هي المرة الثالثة خلال 20 عاما التي يدخل فيها الاكراد منطقة كركوك. وكانت أول مرة عام 1991 بعد غزو الكويت والثانية في 2003 عندما أطيح بصدام.

وطالبت حكومة المالكي بسحب قوات البشمركة ورفضت حكومة كردستان العراق في البداية مما أدى لتصاعد التوتر. وكادت القوات العراقية والكردية تشتبك على مدى العامين المنصرمين مع احكام بغداد قبضتها على كركوك.

وقال مسؤولون عراقيون ان التوغل غير مشروع. ومن الناحية الرسمية فان قوات الحكومة المركزية تؤمن المدينة التي تضم طبقا لبعض التقديرات أربعة في المئة من احتياطي النفط العالمي. وقال هولاند "كان الاثر هو حدوث انقسام كبير في العلاقات بيننا وبين الاكراد."

وتعاني كركوك من تغييرات كبيرة في التركيبة السكانية في العقود القليلة الماضية من حملات "التعريب" التي كان يطلقها صدام الى خطوات حديثة من الاكراد لاستعادة أجزاء من المدينة.

وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع العراقية لرويترز "انهم يبعثون برسالة الى الحكومة المركزية مفادها 'يمكن ان ندخل كركوك في أي وقت ولا يمكنكم منعنا'."

وأضاف المسؤول أن حكومة كردستان لن تغزو كركوك بعد أن تنسحب القوات الامريكية لكنها ستسعى لطرد العرب. وأضاف أن عدد السكان الاكراد ارتفع من 150 ألفا الى 350 ألفا منذ عام 2003 .

لكن البشمركة يمثلون تحديا كبيرا للجيش العراقي. وقال المسؤول ان الاكراد لديهم 100 ألف جندي وتسليح أفضل وزعماء من ذوي الخبرة.

وأردف قائلا "بعد 2003 استولوا على دبابات الجيش العراقي السابق. اختفت نحو أربعة الاف دبابة تركها الجيش العراقي السابق في الشوارع والمدن وتشير تحرياتنا الى أن الاكراد لديهم أغلبها وأن ايران حصلت على الجزء المتبقي."

وقال وين وايت وهو محلل في معهد الشرق الاوسط ان نشر قوات البشمركة كان يحمل رسالة مفادها أنه بدون وجود قوات عازلة محايدة مثل القوات الامريكية فان المنطقة الكردية ربما "تشعر بأنها مضطرة لاستعراض العضلات العسكرية للدفاع عن مصالحها."

ومضى يقول "لذلك ففي حين أن هناك مؤشرا على أن حكومة كردستان لن تتهاون مع أي عبث بمصالحها في كركوك فان عملية النشر تقوم أيضا بدور التذكرة لكل من واشنطن وبغداد بأن هناك ضرورة لبحث عملية اطالة أمد وجود عسكري أمريكي ذي مغزى بدرجة أكبر."

لكن هيلترمان قال انه نظرا لان المالكي لم يمثل تحديا كبيرا وربما كان يظن أن الامريكيين سيضغطون على حلفائهم الاكراد للانسحاب فلم تكن عملية الانتشار اختبارا فعالا يهدف الى ضمان السيطرة الكردية على كركوك.

وأضاف "سيتعين انتظار هذا عندما لا يكوك للقوات الامريكية وجود... في تلك النقطة فان كل الاتفاقات لن تكون سارية ويمكن ان يتصاعد التوتر بسهولة سواء عمدا أو عند غير عمد ليتحول الى صراع أكبر على الاقل ما دام النزاع بين بغداد واربيل قائما."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/آب/2011 - 17/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م