القيادة الناجحة تكمن في خدمة الشعب

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: الكل يُجمع على أن السلطة لها سحرها الخاص والمتعارف بين الناس، فالسلطات بأنواعها المختلفة، تضعف الكثير من الميزات الجيدة لدى الانسان، في حالة عدم قدرته على ضبط نفسه ازاء مزايا السلطة الكثيرة.

ولهذا نرى صاحب السلطة، سرعان ما يُصاب بالغرور والتعالي على الآخرين، حتى لو كانوا من اقرب الناس إليه، يحدث هذا اذا كان السلطان دنيويا، ضعيفا ازاء الجاه والسلطة والنفوذ والمال، وغير مدرك لحجم المسؤولية التي تنبع من اختياره للسلطة، فالسلطة ليست غرور ولا تعالي ولا تضخيم متواصل للذات ومنافعها، بل هي نوع من التشريف اولا، ثم هي أداة وطريقة لتقديم الخدمات للآخرين، من خلال ادارة شؤونهم المتنوعة، ولهذا لايجوز أن تتحول السلطة من وسيلة لخدمة الشعب الى وسيلة لخدمة الحاكم، ولكن يحتاج الحاكم الى مزايا وخصال عظيمة، لكي يتفوق على ذاته ويتحكم بالسلطة، ولا يسمح لها بالتحكم به، فإذا ضعف ازاءها فشل وخسر وانعزل عن شعبه والعكس يصح طبعا.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في هذا المجال بكتابه القيّم الموسوم بـ(السياسة من واقع الاسلام):

(عادة أصحاب السلطات يعيشون بعيدين عن المجتمع، ويترفعون عن ممارسة الحاجات الصغيرة بأنفسهم لعدّة أسباب:

- للجبروت والطغيان.

- للخوف من المجتمع الذي يمارسون الظلم معه.

- للفرار من كثرة تراكم الأعمال عليهم).

هكذا يمكن أن تكون السلطة مصدر عزلة للحاكم عن شعبه، ويمكن ان تكون مصدرا لتفعيل التكبر والتعالي على الآخرين، إلا من تمكّن من نفسه، وهم قلة كما يذكر التأريخ، فالحكام المتواضعون قلة قليلة، لأن مقارعة النفس والحد من حبها وتعلقها بالسلطة يحتاج الى جهاد استثنائي.

وهكذا يذكر لنا التأريخ هؤلاء القلة، بفخر واعتزاز كبير، كونهم المثل والنموذج للحاكم الناجح، ومنهم أمامنا علي ابن ابي طالب -عليه السلام- فقد كانت السلطة تأتمر بأوامره وليس العكس، وكان هو الذي يقود نفسه ويتحكم بها وليس العكس، لهذا نقرأ في كتاب المرجع الشيرازي قوله:

(كان علي بن ابي طالب - عليه السلام- يمارس الأعمال الصغيرة بنفسه الكريمة بجنب ممارسة الأعمال الكبيرة، ويقضي حاجات الناس بشخصه، يبحث عنها بين الناس ليلاً نهاراً، وفي الحرّ والبرد).

هذا الطراز من الحكام لم تتمكن منه مزايا السلطة قط، ولا يمكن أن يغترّ بها أو يترفع على شعبه، لأنه هو الذي يقود السلطة والنفس وليس العكس، وكم يحتاج المسلمون في عالم اليوم الى حكام من هذا النوع، حكام يؤثرون الفقراء على أنفسهم وعوائلهم ومصالحهم، حكام لا يصيبهم داء الغرور والتعالي على الشعب، لاسيما ان الدول الاسلامية والعربية تعاني من الفقر والحكام المتكبرين والطغاة ايضا.

إن طريقة الحكم التي سار عليها الامام علي -عليه اسلام- هي ما نحتاجه الآن، في ظل الظلم والقهر الذي تتعرض له جموع المسلمين في هذه الدولة او تلك، الامر الذي دفعهم للثورة والانتفاض على حكامهم المتجبرين، إننا بحاجة الى حاكم يأتمن له الناس من خلال أعماله ومساندته لهم، ومثالنا في ذلك هو امير المؤمنين -عليه السلام-، حيث يقول عنه سماحة المرجع الشيرازي بكتابه نفسه:

(هذا الحاكم هو الذي كان يطمئن الضعفاء والمساكين والمستضعفين، إلى أن لا يخشوا ظلم الناس لهم، لأنّهم يعلمون أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي بنفسه يبحث في الأزقة والأسواق، والطرق العامّة والمجتمعات الجامعة.. فيسعفهم، ويدفع عنهم كل حيف).

ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل كان الامام علي -عليه السلام- سيفا مجردا في كل حين على رقاب الظالمين والمتجبرين، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي:

(هذا هو الذي يصد ـ أيضاً ـ الطغاة والمستكبرين عن الظلم وإيذاء الناس، لأنهم يعلمون أنّ علياً عليه السلام لهم بالمرصاد، وهو بشخصه موجود بين أفراد المجتمع، فلا يأمنون في كل لحظة وفي كل مكان أن يكون علي عليه السلام هو الشاهد والحاضر يقبض عليهم متلبسين بالجريمة).

لهذا نحن نحتاج في هذا الوقت بالذات، الى حاكم يتمثّل حكم الامام علي -عليه السلام- بصورة صحيحة، لكي يكون نموذجا ناجحا في التعامل مع السلطة والشعب معا، وفي هذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا بكتابه نفسه:

(كان حضور أمير المؤمنين عليه السلام بين الناس دائماً، وليعتبر به قادة المسلمين، فلا يتركوا الشعوب لينعزلوا في الأبراج العاجية، بعيدين عن المجتمع فيأمن الظالمون ردعهم، ويخاف المظلومون ظلم الظالمين).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18/آب/2011 - 17/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م