
شبكة النبأ: بعد عشرين عاما على
انقلاب المحافظين السوفيات في آب/اغسطس 1991 على اصلاحات ميخائيل
غورباتشيوف، تحيي روسيا ذكرى منعطف في التاريخ وجه ضربة قاضية للاتحاد
السوفياتي الذي انهار بعد اربعة اشهر من ذلك.
ووجد سكان موسكو يوم التاسع عشر من آب/اغسطس 1990 ارتال الدبابات في
الشوارع وعلمت كل البلاد عبر التلفزيون الحكومي ان الرئيس السوفياتي
ميخائيل غورباتشيوف منع من ممارسة مهامه "لاسباب صحية" وان لجنة
للحالات الطارئة تولت السلطة. الواقع ان السوفيات لم يفاجأوا كثيرا
بانقلاب للمحافظين كان يلوح في الافق منذ اشهر. بحسب فرانس برس.
فسياسة اعادة الاعمار (البيريسترويكا) والشفافية (غلاسنوست) التي
اطلقها غورباتشيوف في 1985 فتحت الباب للحرية، ما شكل ضربة للدور
القيادي للحزب الشيوعي واثار تطلعات استقلالية لدى جمهوريات الاتحاد
السوفياتي.
واعلن الليتوانيون والجورجيون استقلالهم بينما اندلعت صدامات اتنية
في القوقاز وآسيا الوسطى، وكانت خزائن الدولة فارغة والسكان يقفون في
صفوف طويلة لشراء مواد اساسية.
وكان غورباتشيوف عالقا منذ اشهر بين محافظي الحزب الذين يطالبون
بالسيطرة من جديد والديموقراطيين الذين يطالبون بالتقدم سريعا على طريق
الحريات والاصلاحات.
وتحت الضغط تخلى الزعيم السوفياتي في نهاية 1990 عن خطة لتحرير
الاقتصاد بينما اسفر تدخل القوات الخاصة للاستخبارات السوفياتية (كي جي
بي) ضد الانفصاليين في فيلنيوس عن سقوط 14 قتيلا. وقال المنظر السابق
للبيريسترويكا ان "غورباتشيوف كان يردد انه يناور".
ودخل غورباتشيوف بعد ذلك في مواجهة مع بوريس يلتسين رئيس روسيا الذي
كان يتمتع بشعبية كبيرة، وطالب باستقالته.
تلى ذلك استقالة احد اعمدة البيريسترويكا وزير الخارجية ادوارد
شيفاردنادزه في كانون الاول/ ديسمبر احتجاجا على تصاعد الديكتاتورية.
وفي مطلع الصيف ولتجنب انهيار الاتحاد السوفياتي، وافق الرئيس
السوفياتي على وضع "معاهدة جديدة للاتحاد" تمنح حكما ذاتيا واسعا
للجمهوريات. وبدا ذلك للمحافظين تجاوزا هائلا.
فبعد زيارته في مقر عطلته في منطقة القرم لمطالبته بمراجعة موقفه
حيث قال شهود انه اعطى ردا مبهما، دبر ثمانية رجال بينهم رئيس
الاستخبارات فلاديمير كريوتشكوف ووزيرا الدفاع والداخلية ديمتري يازوف
وبوريس بوغو انقلابا.
ويوم التاسع عشر من آب/اغسطس كان غورباتشيوف معزولا عن العالم يقضي
عطلة في منزله في القرم مع زوجته رايسا وعائلته.
واعلنت حالة الطوارىء ستة اشهر وتمركزت الدبابات داخل موسكو. لكن
الانقلابيين لم يكونوا يتمتعون بالتصميم اللازم او ان اوامرهم لم تنفذ.
وتولى غورباتشيوف الذي لم يتم توقيفه حملة التعبئة يدعمه الآلاف من
سكان موسكو. وانضمت اليه وحدات عسكرية. واسفر اشتباك بين عسكريين
ومتظاهريين عن سقوط ثلاثة قتلى هم الضحايا الوحيدون في هذا الانقلاب.
وشهدت لينيغراد ثاني مدن البلاد التي لم تكن قد استعادت اسمها
القديم سان بطرسبورغ، تعبئة قادها رئيس البلدية الديموقراطي اناتولي
سوبتشاك الذي كان اقرب مستشاريه رجل يدعى فلاديمير بوتين.
وعبرت واشنطن ولندن عن دعمهما لبوريس يلتسين بينما بقيت المانيا
وفية لغورباتشيوف. اما الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران فقد اعلن اولا انه
اخذ علما بتصريحات الانقلابيين في اعتراف فعلي انتقد عليه بعد ذلك. وفي
21 آب/اغسطس، فشل الانقلاب ليعود غورباتشيوف في اليوم التالي الى
موسكو. لكن سلطته كانت تترنح امام يلتسين.
في اليوم نفسه تدفق آلاف من سكان موسكو ترافقهم جرافة الى ساحة
لوبيانكا امام مقر الاستخبارات واسقطوا تمثالا هائلا لفيليكس
دجيرجينسكي مؤسس اول جهاز سوفياتي للاستخبارات "تشيركا".
واعلنت الجمهوريات السوفياتية استقلالها الواحدة تلو الاخرى. وتم حل
الاتحاد السوفياتي في كانون الاول/ديسمبر واستقال ميخائيل غورباتشيوف.
واعتقل الانقلابيون باستثناء بوريس بوغو الذي انتحر في 22 آب/اغسطس،
لكن بوريس يلتسين اصدر عفوا عنهم.
وقال الخبير السياسي يوري كورغونيوك ان المحافظين السوفيات "حاولوا
التشدد لانهم لم يدركوا ان هذا الامر لم يعد ممكنا، وبذلك سرعوا حل
النظام". اما رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية الكسندر كونوفالوف فيشير
من جهته الى غموض موقف روسيا اليوم من هذا الارث.
ويذكر بان "فلاديمير بوتين وصف انهيار الاتحاد السوفياتي - الذي كان
النتيجة المباشرة للانقلاب - بانه اكبر كارثة جيوسياسية في القرن
العشرين".
وبعد عشرين عاما من هذا الانقلاب الفاشل، تقف روسيا مجددا عند مفترق
طرق بين سلطة رجل الكي جي بي السابق الذي اعاد النشيد الوطني السوفياتي/
ووعود الاصلاح التي اطلقها خليفته ديمتري مدفيديف.
رسائل الكترونية
الى ذلك اضطلعت شركة معلوماتية سوفياتية بدور لا يستهان به في
محاولة الانقلاب الفاشلة التي نظمها المحافظون الروس سنة 1991، فبعثت
إلى العالم كله عشرات آلاف الرسائل الالكترونية التي كانت في ذلك الوقت
وسيلة تواصل جديدة وباتت مذاك من المسلمات.
بينما كانت ماريا ستيبانوفا التي عملت سابقا في ريلكوم وهي الشركة
المعلوماتية الأولى في الاتحاد السوفياتي، في طريقها إلى مكان عطلتها
في 19 آب/أغسطس 1991 أي تاريخ محاولة الانقلاب، رأت صفوفا من الدبابات
في شوارع موسكو فقررت على الفور الانضمام إلى زملائها.
وقالت هذه المدخنة المنتظمة في مقر شركتها المعلوماتية الجديدة في
موسكو "أدركنا أن حدثا ضخما سيحصل وأن على الناس أن يعلموا به".
وفي الأيام الثلاثة لمحاولة الانقلاب، أرسلت ريلكوم عشرات آلاف
الرسائل الالكترونية بهدف إبقاء المراقبين من كافة أنحاء العالم على
اطلاع بما يحدث، وذلك قبل طفرة الانترنت بفترة طويلة.
وبعد عشرين سنة، باتت الشبكة العنكبوتية وشبكات التواصل الاجتماعي
منصات ضرورية لدعم حركات الاحتجاج، تماما كما حصل خلال الثورات الأخيرة
في العالم العربي.
بدأت قصة ريلكوم في معهد كورتشاتوف السري للأبحاث في موكسو عندما
عمل فريق من عشرة آلاف باحث متخصص في النووي والرياضيات على تطوير
أنظمة معلوماتية موازية لتلك التي في الغرب.
وسنة 1990، تمكن الفريق من النفاذ إلى خوادم معلوماتية في فنلندا
عبر خط هاتفي، ما أتاح لريلكوم النفاذ إلى منتدى عالمي اسمه "يوز نت"
يعتبر سلفا للانترنت.
ومن خلال هذا المنتدى، تمكنت ريلكوم من بعث رسائل إلكترونية إلى
الغرب في خطوة مهمة في 19 آب/أغسطس بينما قطع منظمو الانقلاب الاذاعات
وسيطروا على المحطات التلفزيونية في الاتحاد السوفياتي.
ومن الأخبار الأولى التي نشرتها ريلكوم في اليوم الأول من محاولة
الانقلاب خطاب بوريس يلتسين الذي استنكر بعدما صعد على ظهر مدرعة
الانقلاب ودعا إلى عصيان مدني.
وشرحت ستيبانوفا قائلة "قد يكون خطاب يلتسين وصل إلى أحد زبائننا
عبر الفاكس (...) وتم إرساله لاحقا. أيا يكن، كان نداء يلتسين إلى
الشعب من الأخبار الأولى الني نشرناها". في تلك الفترة، لم يكن لريلكوم
إلا ثلاثة آلاف زبون يعملون في معاهد ومنظمات تابعة للدولة.
وعندما علم بوريس يلتسين بالدور الذي تلعبه الشركة، بعد بضعة أشهر
على هزمه المحافظين، أصيب "بالذهول"، على ما قالت ستيبانوفا التي
قابلته شخصيا.
فهو لم يسمع من قبل بهذه الشركة السرية، وحتى الاستخبارات
السوفياتية (كاي جي بي) لم تكن تفهم طريقة عملها. وبالتالي، لم تعلق
أنشطة ريلكوم يوما ولم يعتقل أي من موظفيها.
وأوضحت ستيبانوفا قائلة "أعتقد أن الكاي جي بي كان لديه شكوك" حول
أنشطة ريلكوم، مضيفة أن أحد العملاء زار مقر الشركة في الاسابيع
السابقة لمحاولة الانقلاب الفاشلة. وتابعت أن الكاي جي بي "أدرك أننا
نقوم بمفاوضات هاتفية دولية (...) ورأت المرسل الرقمي (مودم) ولكنها لم
تربط الأمور ببعضها البعض".
ولكن ريلكوم كادت أن تفضح عندما كشفت محطة تلفزيونية غربية خلال
محاولة الانقلاب عن أنها تلقت معلومات من خلال رسائل الكترونية مصدرها
موسكو.
وفي هذا الإطار، قالت ستيبانوفا "كان ذلك مريعا فقد كشفت (المحطة)
عن مصدر المعلومات كلها. لقد أخافنا ذلك كثيرا"، مضيفة أن موظفي الشركة
كانوا يجهلون أن عملهم مهم. وختمت بالقول "لكننا أردنا جميعا المشاركة
فعليا" في ذلك الحدث. |