يبدو ان مشكلة التوافق حول مرشحي الوزارات الأمنية في العراق مازالت
تسير في نفق مظلم ودرب شائك، ولا يظهر لنا، فيما يبدو، حل قريب في افق
السياسة العراقية على الرغم من تدخل الرئيس جلال طالباني في هذه
المشكلة العويصة وهو معروف بوزنه السياسي وثقله الكبيرين على بقية
الاطراف السياسية التي لاترفض له طلب عموما !.
وفي كل فترة يحدث جدل وخلاف وتشاحن سياسي كبير بين العراقية ودولة
القانون خصوصا بعد رفض السيد رئيس الوزراء لمجموعة من الأسماء التي
تأتي بها القائمة العراقية لمنصب وزير الدفاع وهي متأملة ان تكون محل
رضى وقبول لدى المالكي الذي تكشف مواقفه بشان الحقائب الأمنية انه لن
يرض بأي شخص لهذا المنصب مثلما فعلها مع غيرها من الوزارات.
هذه التصريحات السياسية التي تأتي من القائمة العراقية للتنديد برفض
مرشحيهم والتي تقابلها اخرى من ائتلاف دولة القانون تبرر ماقام به رئيس
الوزراء باعتباره المسؤول الاول والاخير عن الوزارات الأمنية في
الحكومة العراقية... هذه التصريحات تساهم في تعقيد المشكلة وزيادة
حدتها وتعمق من حالة الصراع بين العراقية ودولة القانون والتي بدورها
تنعكس على مجمل مسارات العملية السياسية.
وها نحن اليوم نسمع باسماء جديدة تُطرح من قبل القائمة العراقية..من
قبل متحدثي القائمة والمصرحين باسمها ليظهر لنا اسم جديد قديم في
السياسة العراقية هو وزير الداخلية السابق ورئيس الحزب الدستوري
العراقي السيد جواد البولاني الذي انضم ائتلافه وحدة العراق قبل ايام
الى القائمة العراقية.
من المفيد ان نقول، كما هي عادة القائمة العراقية، ان اسم جواد
البولاني قد تم ذكره اولا على لسان سلمان الجميلي رئيس كتلة العراقية
في البرلمان، ثم بعد ذلك بيومين جاء تصريح وزير الدولة للشؤون الخارجية
المقال علي الصجري الذي أكد أن القائمة العراقية رشحته لتولي منصب وزير
الدفاع، مشيراً في ذات الوقت إلى أنه يحظى بقبول كل من ائتلاف دولة
القانون والتحالف الكردستاني.
هذا التصريح " الصجري" تم نفيه بعد هذا من قبل حيدر الملا الذي اعلن
"، إن "العراقية اجتمعت بجميع قياداتها وأرسلت كتاباً موقعاً من قبل
زعيمها إياد علاوي يقضي بترشيح جواد البولاني (النائب عن وحدة العراق)
لوزارة الدفاع".
القرار من وجهة نظري غير صحيح تماما ولا اظن ان المالكي سوف يقبل
بالبولاني وزيرا للدفاع... وذلك استنادا الى الاسس التي قامت عليها
عملية الترشيح نفسها اولا بالاضافة الى المُرشح الذي قدّم لهذا المنصب
ثانيا..
فعملية الترشيح، كما اراها جازما، خاطئة في أساسها وليس قرارها "
جاء إيماناً من العراقية بالمشروع الوطني، بهدف تقديم الشخصيات الوطنية
والمهنية، فضلاً عن إطلاق ضربة موجعة للمشروع الطائفي"كما زعم
الملا...فهذا المنصب للسنة ولا يمكن ان يكون للشيعة ابدا او حتى لشخص
علماني التوجه لان هذا الامر يخل بوضع التوازنات القائمة عليها العملية
السياسية في هذه المرحلة من حياة السياسة العراقية.
هذا ماقاله القيادي في ائتلاف دولة القانون خالد الاسدي واتفق معه
تماما، اذ اشار الى ان طبيعة التوازنات تستوجب ان يكون وزير الدفاع من
مكون اخر غير الذي ينتمي اليه مرشح القائمة العراقية جواد البولاني.
وهو كلام واقعي واقرب الى الحقيقة، فلازالت العملية السياسية في العراق
مبنية على اساس التوازنات الطائفية والقومية رغما عما يدعيه بعض
السياسيين المتفائلين ممن يمنحون العملية السياسية في العراق سماتاً
ليست فيها ولا ينبغي ان تكون في هذه المرحلة.
هذه بالنسبة لعملية الترشيح... اما بالنسبة للمرشح لهذا المنصب وهو
السيد البولاني فلا أظن انه يمكن ان يحظى بالقبول والموافقة من قبل
السيد المالكي لسببين: الاول ان تجربته السابقة مع المالكي لم تكن
بمستوى الطموح بل وصلت في بعض مراحلها الى مستوى سيء، اما الثاني فيرجع
الى كون البولاني نفسه شخص غير مستقل.. فهو قد اسس حزبا (حزب الدستور)
خلال فترة توليه وزارة الداخلية خارقا بذلك اهم سمة يجب ان يتميز بها
من يعمل في السلك الامني والعسكري وهو ان يكون مستقلا ولاينتمي الى أي
حزب سياسي.
ولذا ترى عضو ائتلاف دولة القانون عدنان السراج يتهم القائمة
العراقية بخلق ازمة جديدة من خلال ترشيحها جواد البولاني لوزارة الدفاع
" فوجود البولاني، كما يقول السراج، وعلاقاته السابقة مع ائتلاف
القانون فيها تشنجات كبيرة مبينا ان الفترة السابقة التي تسنم فيها
البولاني وزارة الداخلية كانت مليئة بالملاحظات التي وضعها عليه مجلس
الوزراء".
بل هي محاولة، من وجهة نظر اخرى، لاحراج الكتل السياسية كما يقول
القيادي في ائتلاف دولة القانون عباس البياتي وتعقيد جديد لازمة
الوزارات الأمنية كما رأت ذلك النائبة عن كتلة الأحرار التابعة للتيار
الصدري مها الدوري، التي رأت في البولاني وزيرا فاشلاً مؤكدة على ان
"القائمة العراقية تدرك أن المالكي سيرفض ترشيح جواد البولاني لوزارة
الدفاع لوجود خلافات بينهما خلال إدارته لوزارة الداخلية" وبذلك فان
ترشيح البولاني لمنصب وزير الدفاع "لن يحل الأزمة بل سيزيدها تعقيدا ".
هذا الاراء التي رفضت ترشيح البولاني نجد إمامها آراء أخرى وافقت
مبدئيا على توليه المنصب وهي المجلس الاعلى والتحالف الكردستاني قبل ان
يسمعوا راي المالكي في البولاني وموافقته عليه لتولي حقيبة الدفاع.
انني اكرر بان المالكي، ووفقا للمعطيات الحالية وتراكماتها السابقة،
سوف لن يقبل بالبولاني للأسباب السالفة الذكر وان قام المالكي
بالموافقة عليه فقد خرق بنفسه الأسس الذي وضعها لهذه المناصب وحينها
سيتعرض للنقد ولن يسلم منه، والقائمة العراقية تعلم، مبدئيا، ان
المالكي سوف يرفض هذا المرشح وهي اصلا، في واقعها، غير موافقة عليه لو
كنا نتحدث وفقا للقواعد التي تحكم الترشيح للمنصب من وجهة نظر العراقية
التي اساسا لاتقبل بمرشح يعمل لحزبه وتياره السياسي كالبولاني.
[email protected] |