
شبكة النبأ: هل هو ربيع حقيقي يشهده
صيف اسرائيل الساخن ام مجرد فرقعات حزبية هدفها ترسيخ الاستيطان
الاسرائيلي وتحجيم الدولة الفلسطينية الى اقل مساحة ممكنة. ام ان
الحراك الشعبي الشبابي في اسرائيل هو تعبير عن نقمة على ذلك الاستنزاف
النفسي والاقتصادي الذي يتسبب به المتطرفون ويقوضون به حلول السلام.
قد تكون هذه الحركة الشبابية مجرد سحابة صيف وتنجلي لكن آخرون
يرونها انعكاسا للحراك العربي الذي اسس واقعا جديدا لذلك فالدولة
الفلسطينية قادمة مهمها تلاعب الاسرائيليون.
ففي اقل من شهر تحولت الحركة الاحتجاجية التي ولدت من رحم الغضب من
ارتفاع أسعار العقارات الى ظاهرة في انحاء البلاد تمثل خليطا ضخما من
جماهير الناخبين الذين يضمون اطيافا واسعة من فئات المجتمع الاسرائيلي.
ويخشى بعض المتظاهرين ان تخفف قائمة المظالم الاخذة في الاتساع من
الرسالة الاصلية للغضب من ارتفاع تكاليف المعيشة. لكن المغامرة
العشوائية لا تظهر مؤشرا على الانهيار حتى الان بينما يساور الحكومة
قلق واضح.
وقال اريت جاباي وهو اخصائي اجتماعي عمره 58 عاما يشارك في مناقشة
بشأن دولة الرفاهة "تجاهل قادتنا لسنوات المشكلات الاجتماعية للبلاد
ومحنة الشعب. يجب ان تكون هذه دعوة لليقظة ولا يمكنهم تنحيتنا
جانبا."بحسب رويترز.
وتقول سلطات المدينة ان المحتجين نصبوا اكثر من الف خيمة اغلبها في
وسط شارع روتشيلد بوليفارد المزروع بالاشجار والذي اقيمت على جانبيه
عمارات سكنية فاخرة.
وخرج اكثر من 25 الف شخص في مطلع الاسبوع الماضي الى شوارع العاصمة
التجارية لاسرائيل للمطالبة بالاصلاحات. ومن المقرر ان تنظم في مطلع
هذا الاسبوع احتجاجات في مدن اصغر في انحاء البلاد لاظهار مدى جاذبية
مطالبتهم بالعدل الاجتماعي.
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يواجه اكبر تحد لحكمه المستمر
منذ عامين ونصف سارع بتشكيل لجنة لبحث مطالب المتظاهرين واغلبهم من
الطبقة الوسطى. وسترفع اللجنة تقريرها بعد شهر.
ويعتقد محللون انها ستقدم تنازلات كافية تماما لوأد الحركة ويأمل
وزراء ان تكون الجحافل التي يغص بها شارع روتشيلد قد اختفت بنفس السرعة
التي تجمعت بها مع عودة الدراسة في المدارس والجامعات.
غير انه لا يوجد دليل يذكر الان على ان حشود الشبان الذين استولوا
على الشارع راغبون في الرحيل. فهم يستمتعون كثيرا بأوقاتهم.
وقالت شارون وهي طالبة من القدس رفضت نشر لقبها "كل ما هو جيد عن
اسرائيل معروض هنا. انها مثل جمهورية افلاطون. الاشخاص الذين لم
يتبادلوا الحديث مطلقا اصبحوا يتواصلون على نحو مفاجئ. الامر جميل."
واصبح المخيم يمثل حياة في حد ذاته.
فالخيام منصوبة على طول الشارع وتتخللها اكشاك تروج لكل شيء من
رعاية الحيوان الى حقوق الاباء. وهناك مكان لاعداد الطعام للمحتاجين
وعروض للعرائس للاطفال وحوض للسباحة ووكالة لترتيب لقاءات بين
المتظاهرين الراغبين في مواعيد غرامية وعدد من الفعاليات الموسيقية
المختلفة.
ووسط هذه الفوضى المنظمة توجد مساحات صغيرة على الرصيف مخصصة لارائك
ومقاعد تمثل ساحات للنقاش تجري فيها مناقشة الكثير من المشكلات
الاسرائيلية حتى وقت متأخر من الليل.
وقال جلعاد فيستال (29 عاما) ويعمل خبيرا اقتصاديا بشركة طبية كبرى
"الحكومة غسلت عقول الناس لسنوات قائلة ان المشكلة الاساسية هي العرب.
حملاتنا الانتخابية كانت تهيمن عليها عملية السلام.
"أما وقد استفاق الناس الان فاننا نريد ان نتحدث عن مشكلاتنا
اليومية...المشكلة هي ان كل واحد يريد شيئا مختلفا قليلا وسيكون من
الصعب ان نتوقع كيف نقسم الكعكة."
وسيجادل نتنياهو الذي يؤمن بشدة بالاقتصاد الرأسمالي بأن الكعكة
صغيرة لدرجة لا يمكن تقسيمها وستكون كثير من مطالب المحتجين - مثل
زيادة الضرائب على الاثرياء والحد من ارتفاع اسعار الايجارات وانهاء
الخصخصة - لعنة عليه.
لكن المطالب الرئيسية الاخرى مثل الافراج عن مزيد من الاراضي
الحكومية لمشروعات الاسكان الشعبي ربما يكون من الاسهل تلبيتها.
وقال شمعون دان وهو سمسار عقاري شاب بينما كان يتجول في المخيم
"لدينا نقص قدره 120 الف منزل في هذا البلد. الناس لا يمكنها تحمل شراء
مكان لتعيش فيه ويجد الكثيرون الان صعوبة في التأجير. هذا هو سبب
الشعبية الكبيرة للاحتجاجات."
كما ينصب قليل من القوميين اليمينيين خياما في المدينة ليبلغوا
المحتجين ان الحل لازمة الاسكان هي بناء المزيد من المستوطنات في الضفة
الغربية حيث يأمل الفلسطينيون يوما ما ان ينشئوا دولة مستقلة.
وحرصا منهم على تجنب الاتهامات بأنهم يروجون لجدول اعمال يساري يقبل
زعماء الاحتجاج بالمستوطنين في صفوفهم لكن حجج القوميين لا تحظى بتأييد
يذكر.
وقال دان "الناس تريد منازل حول تل ابيب لا في المستوطنات النائية.
هنا هو المكان الذي نعمل فيه جميعا."
وعلى عكس انتفاضات الربيع العربي هذا العام لا يسعى الاسرائيليون
لتغيير النظام.
لكن هناك صوت خافت لميدان التحرير بالقاهرة يسمع في تل ابيب ويعترف
بعض الاسرائيليين على الاقل بأنهم مدينون بالفضل لبعض جيرانهم العرب.
وقال ايتامار الموج صاحب مطعم "أعتقد انهم ألهمونا. أظهروا انه اذا
اراد الانسان فعل شيء فعليه ان ينهض من مقعده.
"قبل ذلك لم نكن حتى نتبادل الحديث. كنت اعتقد اني انا الشخص الوحيد
الذي يلاقي صعوبة في الوصول الى نهاية الشهر (تدبير النفقات). الان انا
ادرك اننا جميعا في الوضع نفسه."
وكانت المظاهرات التي شهدتها اسرائيل بهذا الحجم في الماضي تتعلق
عادة بقضايا الحرب والسلام لكن المظاهرات الاخيرة من حيفا في الشمال
الى ايلات السياحية في اقصى الجنوب ركزت على "العدالة الاجتماعية."
وتأتي الاضطرابات على الرغم من النمو الاقتصادي الذي بلغ 4.8 في
المئة هذا العام والبطالة المنخفضة نسبيا عند 5.7 في المئة.
وقال دانيال ايسلر المحتج في بير سبع لرويترز "الفجوة بين الاغنياء
والفقراء اتسعت واعتقد ان الناس تشعر الان بالاحباط لانهم يعملون... في
وظائف محترمة جدا لكنهم لا يحصلون على ما يكفي ليعيشوا حياتهم ويربوا
ابناءهم."
وقال ميكي روزنفيلد المتحدث باسم الشرطة ان نحو 50 الف شخص تجمعوا
في مظاهرات في انحاء البلاد بينما كان التجمع الاكبر في مدينة حيفا
الساحلية. وقال المنظمون ووسائل اعلام ان 70 الفا على الاقل قد شاركوا
في المظاهرات.
ونصب طلاب خياما في شارع رئيسي في تل ابيب قبل شهر احتجاجا على
ارتفاع تكاليف الاسكان بينما تزايد عدد المتظاهرين بشدة في الحدائق
بأنحاء اسرائيل.
وتعهدت الحكومة التي يقودها ائتلاف يميني باتاحة المزيد من الاراضي
المملوكة للدولة لتنميتها وبناء مساكن منخفضة الايجارات وتحسين وسائل
النقل العام.
سارع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى محاولة اخماد
المظاهرات المتصاعدة المطالبة بخفض تكاليف المعيشة بعدما خرج ربع مليون
شخص في مسيرة في اكبر احتجاجات لها صلة بالاقتصاد في تاريخ اسرائيل
وقال "شهدنا على مدى الاسابيع الماضية احتجاجا جماهيريا يعبر عن مصاعب
حقيقية." ولمح نتنياهو الى احتمال حدوث "تغير كبير" في حين حذر من انه
"لن يستطيع ارضاء الجميع". وقال ان اللجنة التي يرأسها الخبير
الاقتصادي الاسرائيلي مانويل ترايتنبرج الذي تلقى تعليمه في جامعة
هارفارد ستجري "حوارا واسعا مع مختلف قطاعات المجتمع".
ورحب ايتزيك شمولي وهو من زعماء الاحتجاج بمبادرة الحوار التي
اقترحها نتنياهو. لكنه قال لراديو اسرائيل "اريد ان اكون متأكدا ...من
اننا لن نظل في مراوغات لثلاثة اشهر والتي لن نخرج في نهايتها بحلول
حقيقية."
وتعهد الائتلاف الحكومي المحافظ بتخصيص المزيد من الارض المملوكة
للدولة للتنمية وبناء عدد اكبر من المساكن منخفضة التكاليف وتحسين
النقل العام. كما يريد خفض اسعار منتجات الالبان عن طريق زيادة
الواردات وكذلك زيادة اعداد الاطقم الطبية لمواجهة مطالب الاطباء
المضربين.
لكن المطالب التي قدمها الاتحاد الوطني للطلاب الاسرائيليين تذهب
لابعد من ذلك وتدعو الى توسيع نطاق التعليم المجاني وزيادة نصيب
الاسكان من الميزانية الحكومية.
وكتب المتظاهرون على واحدة من اللافتات عبارة "الشعب يريد العدالة
الاجتماعية". وتحاشت اغلب اللافتات الرسائل الحزبية المعارضة للحكومة
وركزت على مواجهة مباديء نتنياهو المنحازة للسوق الحرة.
وقالت الشرطة ان 250 الف شخص على الاقل شاركوا في المسيرات الاخيرة
في تل ابيب والقدس ومدن اخرى وهو عدد اكبر من المشاركين في المظاهرات
في العطلتين الاسبوعيتين الماضيتين. وهذه الاعداد الكبيرة من
المتظاهرين في اسرائيل التي يبلغ عدد سكانها 7.7 مليون نسمة كانت تخرج
عادة بدوافع تتعلق بالحرب والسلام.
وفي استطلاع "مؤشر السلام" الذي اجرته جامعتان اسرائيليتان قال نحو
نصف المشاركين في الاستطلاع ان الفوارق في الاجور -وهي الاكبر بين دول
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- يجب ان تكون لها الاولوية لدى
الحكومة بينما قال 18 في المئة ان الاولوية يجب ان تكون لقلة المساكن
معتدلة السعر.
وقال 31 في المئة ان اولوية الحكومة يجب ان تكون لمحادثات السلام
المتوقفة بين اسرائيل والفلسطينيين او لصورة اسرائيل في الخارج او
للحاجة الى دعم القوات المسلحة.
واستحوذت المظاهرات على الاهتمام بالمقارنة مع المواجهة بين نتنياهو
والفلسطينيين قبل محاولتهم الضغط للحصول على اعتراف الامم المتحدة
بالدولة الفلسطينية الشهر القادم. وبددت الاحتجاجات ايضا فرص نتنياهو
للاحتفال باستقرار اسرائيل في حين تجتاح الثورات الشعبية الدول العربية
المحيطة بها في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
وقال باروخ اودين (33 عاما) وهو زعيم للمحتجين "لم يحدث شيء كهذا
منذ عقود.. ان يتجمع كل هؤلاء الناس ويخرجوا للشوارع ويطالبوا بالتغيير.
انها ثورة."
اسرائيل توافق على بناء 1600 منزل للمستوطنين
في القدس الشرقية
وفي سياق متصل يكشف عن الاجندة الاسرائيلية القادمة بعيدا عن حقيقة
الحراك الشعبي أعطى وزير الداخلية الاسرائيلي ايلي يشاي موافقته
النهائية على بناء 1600 منزل للمستوطنين في القدس الشرقية في اطار
مشروع كان الاعلان عنه العام الماضي أثناء زيارة جو بايدن نائب الرئيس
الامريكي لاسرائيل سببا في خلاف دبلوماسي بين اسرائيل والولايات
المتحدة. بحسب رويترز.
والاعلان الرسمي عن موافقة يشاي النهائية على الخطة قد يلقي بظلال
سلبية على جهود تقودها الولايات المتحدة لاثناء الفلسطينيين عن سعيهم
للحصول على عضوية كاملة في الامم المتحدة في غياب محادثات السلام التي
علقوا مشاركتهم فيها بسبب البناء الاستيطاني الاسرائيلي.
وقالت الولايات المتحدة انها تشعر بقلق من قرار اسرائيل الاستمرار
في البناء في القدس الشرقية قائلة ان هذا زاد كثيرا من صعوبة اعادة
الفلسطينيين والاسرائيليين الى مائدة التفاوض وقوض الثقة بين الجانبين.
غير ان واشنطن لم تعلن اي اجراءات ملموسة لمنع اسرائيل من المضي
قدما في تنفيذ المشروع.
وكانت موافقة اسرائيل المبدئية على بناء 1600 وحدة سكنية في مستوطنة
رامات شلومو اليهودية التي تقع في منطقة بالضفة الغربية ضمتها اسرائيل
الى القدس قد أعلنت في مارس اذار من عام 2010 مما ألقى بظلاله على
زيارة بايدن وأبرز الخلافات الامريكية الاسرائيلية بشأن البناء في
المستوطنات.
وأدان بايدن الخطة الاسرائيلية في ذلك الوقت ووصفتها وزيرة الخارجية
الامريكية هيلاري كلينتون بأنها اهانة في تصريحات قوية غير معتادة بين
الجانبين. وعبر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أسفه
لتوقيت الاعلان لكنه رفض أي وقف للبناء في القدس أو حولها.
وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية "نحن
نشعر بالقلق لاستمرار الاعمال الاسرائيلية المتصلة ببناء مساكن في
القدس. وقد اثرنا هذه المشاغل مع الحكومة الاسرائيلية وسنستمر في عمل
هذا."
وقالت نولاند انها لا يمكنها ان تقول ما اذا كانت الولايات المتحدة
أثارت الامر منذ الموافقة النهائية أو ما اذا كانت تدرس أي اجراءات
جديدة تجاه اسرائيل.
واضافت قولها للصحفيين في افادتها اليومية "الاعمال المنفردة من هذا
القبيل تتعارض مع الجهود الرامية الى اعادة هؤلاء الناس الى مائدة
التفاوض. وذلك يجعل الامر اشد صعوبة. انه يقوض الثقة."
ويريد الفلسطينيون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة يأملون في
اقامتها في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتقول اسرائيل ان القدس الموحدة
عاصمتها وهو أمر لا يعترف به المجتمع الدولي. وانسحبت اسرائيل من غزة
عام 2005 لكنها ترفض حق الفلسطينيين في استعادة كل أراضي الضفة
الغربية.
وقالت اسرائيل ان البناء لن يبدأ قبل عدة سنوات ولم يعلن متحدث باسم
وزارة الاسكان الاسرائيلية جدولا زمنيا لتنفيذ المشروع وقال ان
"اجراءات تخطيط مهمة" مازالت عالقة.
وتشهد اسرائيل في الوقت الحالي احتجاجات متصاعدة من أجل توفير مساكن
أرخص مما زاد التوقعات بالاسراع في بعض مشاريع البناء في المستوطنات.
وردت حركة (السلام الان) الاسرائيلية المناهضة للمستوطنات على قرار
يشاي بأن أصدرت بيانا اتهمت فيه الحكومة الاسرائيلية "باستغلال أزمة
السكن الحالية في اسرائيل للترويج للبناء في المستوطنات."
ويعيش نحو 500 ألف يهودي في الضفة الغربية والقدس الشرقية اللتين
احتلتهما اسرائيل في حرب عام 1967 . ويعيش في المنطقة نحو 2.5 مليون
فلسطيني. |