
شبكة النبأ: يرى النظام السعودي ان
افضل طريق لمواجهة ثورة التغيير في العالم العربي هو باختلاق صراعات
طائفية هدفها الوصول الى حروب وهمية تخلق الحابل بالنابل وتقود الى
ضياع المطالب الحقيقية للشارع العربي، ويرى محللون ان الصراع السعودي
مع النظام الحاكم في ايران هدفه خلق جبهة سنية في مقابل الجبهة
الايرانية، ويرى ان اعلام السعودية وتوابعها الخليجية لموقفها الاخير
من النظام الحاكم في سوريا يأتي في هذا السياق.
فالمملكة العربية السعودية تشعر بتوجس بالغ ازاء الانتفاضات الشعبية
التي تهز العالم العربي لكن صبرها نفد من استخدام الرئيس السوري بشار
الاسد للعنف للقضاء على حركة احتجاج يقوم بها في الاساس السنة الذين
يمثلون أغلبية في سوريا.
ونادرا ما كانت هناك علاقات ود تربط بين السعودية وسوريا نظرا
لاستياء الرياض من تحالف دمشق مع ايران وازدادت العلاقات فتورا بعد
اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري عام 2005 وكان صديقا
للعائلة المالكة السعودية ويحمل أيضا الجنسية السعودية. بحسب تقرير لـ
رويترز.
لكن حتى هذا الاسبوع ظل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد
العزيز ملتزما الصمت ازاء العنف في سوريا الذي تقول جماعات لحقوق
الانسان انه أسفر عن مقتل 1600 مدني خلال خمسة أشهر من الاضطرابات.
والان اتخذت السعودية موقفا ربما بعد ان قررت أن العزلة الدبلوماسية
لسوريا واراقة الدماء التي قامت بها الاقلية العلوية المهيمنة على
السلطة جعلت من دمشق هدفا سانحا لفرصة دبلوماسية.
وقال رامي خوري وهو محلل لشؤون الشرق الاوسط مقيم في بيروت "انهم
يدركون ان النظام في سوريا يواجه تمردا خطيرا يعم البلاد وبالتالي فانه
ضعيف."
واستدعت المملكة التي لا تتقبل أي معارضة في الداخل وساعدت البحرين
على القضاء على احتجاجات قادها الشيعة في مارس اذار سفيرها من دمشق
الاثنين الماضي وادانت العنف في سوريا الذي يلقي فيه الاسد باللوم على
عصابات مسلحة بدعم أجنبي.
اعلن القرار السعودي في بيان باسم الملك عبد الله الذي حذر سوريا من
أنها تواجه خطر السقوط في براثن الفوضى بسبب ممارساتها القمعية في
واحدة من أعنف الانتفاضات العربية التي نجحت بالفعل في اسقاط رئيسي
تونس ومصر.
ويرى محللون أن السعودية ترى في الوضع الحالي للاسد فرصة لتوجيه
ضربة الى ايران حتى وان كان الثمن تقويض حكم الاسد مع احتمال حدوث فوضى
في بلد يقع في قلب الامة العربية.
وقال خوري "مزايا ضرب الصلة مع ايران تفوق سلبيات قيام ديمقراطية
جديدة في سوريا" في حالة قيام نظام ديمقراطي بعد الاسد.
وانعكس تحول الموقف السعودي على التكتلات السياسية الاقليمية.
وأبدت دول مجلس التعاون الخليجي التي تقودها السعودية والتي تضم
البحرين ايضا يوم السبت قلقها وأسفها ازاء ما تقوم به سوريا من قمع
للاحتجاجات وكررت المطالب الغربية بالاصلاح.
وبعد يوم دعت جامعة الدول العربية التي زار أمينها العام الجديد
نبيل العربي الاسد عقب توليه منصبه الى وقف فوري للعنف ضد المتظاهرين
خلال عمليات عسكرية في حماة ودير الزور ومناطق أخرى في سوريا.
وقال أحد المعلقين السعوديين ان التحذيرات التي اطلقها الملك عبد
الله مهدت الطريق كي تمارس المزيد من الدول الضغوط على النظام السوري
مع ترك هامش له لتجنب الانهيار.
وقال جمال الخاشقجي "لم يكن البيان بمنأى عن الحركة العالمية
لممارسة الضغط على النظام السوري. السعودية مهمة عندما يتعلق الامر
بقرارات مستقبلية والاجراءات المتخذة للضغط على النظام." بحسب رويترز.
وأضاف "ان تنتقد السعودية صراحة النظام ما من شك ان ذلك سيكون له
أثر على الشارع السوري. سيذكي التوترات.. سيذكي الغضب... سيؤدي لاهالة
الضغوط على سوريا حتى تدرك الموقف الذي تجد فيه نفسها الان."
كان لهذه الخطوة أثرها الفوري على تكثيف الانتقادات التي تستهدف
سوريا التي تواجه بالفعل عقوبات من الولايات المتحدة وأوروبا.
واستدعت كل من البحرين والكويت سفيرها من دمشق بعد ساعات من بيان
الملك عبد الله كما وصف الازهر الشريف في مصر مهاجمة المحتجين في سوريا
بأنه "مأساة انسانية لا يمكن قبولها ولا يجوز شرعا السكوت عنها."
ويظهر رد فعل الازهر الروابط التي تسعى السعودية الى استحضارها من
خلال التحرك ضد سوريا خلال شهر رمضان عقب هجوم الدبابات على مدينة حماة
التي تسكنها أغلبية من السنة والتي قتل فيها الرئيس السوري الراحل حافظ
الاسد الالاف لاخماد تمرد مسلح لاسلاميين عام 1982 .
وأظهرت تسجيلات فيديو على موقع يوتيوب بعد بيان الملك عبد الله
السوريين في السعودية فيما يبدو وهم يحتفلون بدفاع الملك عنهم.
وقال جريجوري جوس وهو أستاذ للعلوم السياسية في جامعة فرمونت "لا
أعتقد أن هذا (القرار) الذي اتخذ في شهر رمضان جاء مصادفة."
وأضاف "هناك شعور متزايد بأهمية ودور الدين وشعب سوريا التي تسكنها
أغلبية سنية ما من شك سيفسر هذا القرار من زاوية طائفية."
ومضى يقول أن السعوديين "يرون أن ايران والتصعيد في الدول العربية
يتطلبان منهم بشكل متزايد أن يلعبوا بالورقة الرابحة.. نحن سنة وهم
شيعة.. وعددنا أكبر من عددهم."
وهتف المحتجون المناهضون للاسد في بعض الاحيان شعارات منددة بايران
المتحالفة مع النظام السوري وحزب الله اللبناني الذي تدعمه والذي كان
يحظى يوما بشعبية كبيرة في مواجهات مع اسرائيل.
ويحذر النظام السوري وكذلك المعارضة من أن أي مخاطبة للنزعة
الطائفية ستؤدي الى تمزيق سوريا.
لكن يبدو أنها مخاطرة أبدت السعودية استعدادها لخوضها. وكانت
السعودية قد واجهت حملة من المتشددين خلال الفترة بين 2003 و2006 .
وقال جوس "تشعر القيادة أن نوع الحركة السلفية الجهادية التي هددتهم
تحت السيطرة وأنهم قضوا عليها وسيطروا عليها عقائديا."
وأضاف "أعتقد أن الفكرة الاساسية من تشجيعها في المنطقة هي أنهم
يعتقدون أن لهم اليد العليا."
السعوديّة تسعى لتشكيل حلف سنيّ موال للغرب
وفي سياق متصل رأت دراسة إسرائيليّة اعدها يوئيل غوجانسكي، من معهد
دراسات الأمن القوميّ في تل أبيب إنّ الموقف السعودي تجاه سوريا هو
دليل إضافي على ارتفاع قوة السعوديّة، التي تدّخلت في البحرين، ضدّ
الجبهة الراديكاليّة بقيادة إيران، لفهمها أنّ الأمور في سوريّة وصلت
إلى المنزلق الخطير، الذي بات تهديدا قويا على نظام عائلة الأسد، وزاد
أنّ هذا الموقف، يؤكد لكل من في رأسه عينان على أنّ السعوديّة تحاول
الآن رسم خريطة التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط بما يتماشى مع
مصالحها. بحسب نقل صحيفة القدس العربي.
وتابع أنّ الملك عبد الله، الذي ابتعد عن الأحداث، بات الآن يريد
بسقوط الأسد، لأّن الأمر سيؤدي إلى فقدان إيران الحليف الأقوى في
المنطقة، وبالتالي فإنّ هيمنه الجمهورية الإسلامية في طهران ستضعف
كثيرا، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام السعوديّة لقيادة حلف
سنيّ، مؤيد للغرب، شريطة أن يتمكن السنّة في سوريّة من السيطرة على
زمام الأمور في دمشق، ذلك أنّ المملكة فشلت حتى الآن في تشكيل حلف سنيّ
معاد لإيران، واليوم على وقع ازدياد الاحتجاجات في سوريّة حصلت
السعوديّة على فرصة ذهبية لتحقيق خطتها، على حد تعبير الباحث.
واستطرد الباحث قائلاً انّه على الرغم من أنّ السعوديّة محاطة بدول
عربيّة تتهددها الصراعات الداخليّة، فإنّها حتى الآن فضّلت القضاء على
كل ما يُشكّل خطرا على أمنها القوميّ بوسائل غير عسكريّة جليّة وتهربت
من القيادة والمبادرة، ولجأت للدبلوماسيّة والأموال لتنفيذ سياستها
الداخليّة والخارجيّة، وحكامّها فهموا أنّ الربيع العربيّ سيصل إليها
عاجلاً أم أجلاً لأنّ السكان غير الأصليين فيها باتوا يحصلون على
الجنسية، ومن الناحية الأخرى فإنّ التوتر المذهبي داخلها تأجج في
الفترة الأخيرة، من هنا، أوضح الباحث، أنّ رؤية المملكة للأمور تغيّرت،
حيث توصلت إلى نتيجة مفادها أنّ الوسائل التقليديّة التي استعملتها حتى
الآن لم تعد كافية لتهدئة أمنها القوميّ ومصالحها الإستراتيجيّة،
وبالتالي باتت على قناعة بأنّ تحقيق هذين الهدفين يُحتّم عليها التمسك
بقيادة العالم العربيّ، وفي هذا السياق فإنّ السعوديّة خرجت عن طورها
في محاولة لعدم تقرب النظام الجديد في مصر من إيران، ذلك أنّ صنّاع
القرار في الرياض يعتقدون بأنّ النظام الجديد يميل إلى طهران لإرضاء
الرأي العام المحليّ، ولكي يمنعوا هذه الخطوة قام حكّام السعوديّة
بتحويل مبلغ 4 مليارات دولار للاقتصاد المصريّ، كما أنّهم رفعوا الحظر
الذي فرضوه على مبادرات اقتصاديّة مشتركة مع مصر، بما في ذلك تشييد
الجسر بين الدولتين، والذي يمر عبر مضيق تيران، بالإضافة إلى ذلك تعمل
السعودية على ضمّ كلٍ من الأردن والمغرب إلى دول مجلس التعاون الخليجيّ
لمنعهما من إدخال إصلاحات، كما فعل الملك المغربيّ، الذي قرر تحويل
المملكة إلى مملكة دستوريّة، والرياض.
وأضاف الباحث، حوّلت للأردن مبلغ مليار ونصف المليار دولار، وهي
التي ستقود المفاوضات معها للانضمام إلى النادي المرموق، دول مجلس
التعاون الخليجيّ.
مع ذلك، قالت الدراسة، إنّه حتى اليوم ما زال أمر الدعم السعوديّ
لحملة الاحتجاجات السوريّة في طيّ الكتمان، ولكن بالمقابل فإنّ
السعوديّة لم تُخف دعمها للمعارضة السوريّة، ولكن موقفها الأخير
بالنسبة لدمشق يمنح حملة الاحتجاجات شرعيّة عربيّة وإسلاميّة، والتي لم
تكن قائمة من ذي قبل، ولكن برأي الباحث غوجانسكي فإنّه على الرغم من
المساهمة الإيجابيّة للسعودية في بناء الحلف المعادي لإيران، فإنّ
خطوات الملك عبد الله قد تضع له القيود الداخليّة والخارجيّة، ذلك أنّه
من الصعب عليه، إنْ لم يكن مستحيلاً إعادة العلاقات مع سوريّة في حال
بقاء الأسد في الحكم، وسؤال أخر هل الملك أراد من وراء التصريح غير
المسبوق ضدّ سورية إبعاد الانتقادات الموجهة له، كما أنّه كيف سيتصرف
في ما إذا توجهت إليه المعارضة السوريّة وطلبت منه تطبيق التصريح الذي
أطلقه على أرض الواقع، كما أنّ الخطر الأكبر الذي سيوجهه، في حال سقوط
الأسد، سيكون بمثابة حجــر شطرنـج يصـل إلى الممـلكة، حيث ستقـوم
الـقوى المعـارضة للنظام بحملة احتجـاجات لإسقاط آل سعود من الحكم،
علـى حد تعبير الدراسة الإسرائيليّة.
مضافًا إلى ذلك، بحسب الباحث الصهيونيّ، فإنّ سحب السفراء من سورية،
البحرين والكويت واستدعاء سفير الرياض للمشاورات، من شأنه، أنْ يمنح
دفعة قويّة للإدارة الأمريكيّة، التي ما زالت مترددة بعض الشيء في
اتخاذ الخطوات العمليّة لوقف نزيف الدم في سوريّة، على حد تعبيره، ومنح
الرئيس الأمريكيّ، باراك أوباما، دفعة إلى الأمام لفرض عقوبات قويّة
على سوريّة.
أمّا السبب الذي أغضب الملك السعوديّ إلى هذا الحد، تقول الدراسة
أنّه نابع من سببين: الأول، مواصلة قتل السنّة في شهر رمضان الكريم،
ورفض الأسد التوصل إلى صفقة سريّة مع السعودية لإنهاء الأزمة.
من الممكن، واصلت الدراسة، أنّ الموقف السعوديّ الجديد يُمكن تفسيره
بالاعتراف بالفشل السعودي في كل من لبنان وسوريّة، ولكن قد يكون أيضًا
نتاج تزايد الاحتجاجات في سوريّة، كما أنّ العاهل السعوديّ امتنع حتى
الآن من الإعلان عن موقفه لكي يتأكد من أنّ الكفة تميل لصالح المحتجين،
كما أنّه خشي من رد الفعل الإيرانيّ، بالإضافة إلى عدم وضوح الموقف
الأمريكيّ، كما لفتت الدراسة إلى أنّ عبد الله الثاني يريد إبعاد نفسه
عن الأسد، الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية، القريبة إلى الشيعة أكثر من
السنة، لأن هذا النظام بات قاب قوسين أو أدنى من الزوال، وعلى السعودية
استباق الأمور قبل حدوث السقوط.
وخلصُت الدراسة إلى القول إنّ إعلان الملك كان دراماتيكيا، ذلك أنّه
قد يؤدي إلى تحوّل كبير في قوة السعوديّة في العالمين العربي
والإسلامي، ورأت أيضا أن مسألة حقوق الإنسان لا تهم الملك، إنّما يعمل
من أجل كبح جماح الهيمنة الإيرانيّة وتشكيل الحلف السني، وبالتالي فإنّ
إسقاط الأسد سيكون الأفضل من ناحية العاهل السعودي، على أيّة حال، قال
الباحث غوجانسكي، إنّ السعوديّة اليوم على استعداد لتسخير جميع أموالها
وقوتها السياسيّة، وهم بالمناسبة كثر، في محاولة لمنع إيران من تحقيق
طموحاتها بالسيطرة على الشرق الأوسط، على حد تعبيره. |