لغات تنبض بالحياة وأخرى تنازع من اجل البقاء

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: للغة ومنذ أن دبت الحياة على سطح المعمورة مكانة خاصة في النفوس، فهي وسيلة التعارف والتفاهم "الأكثر شيوعاً" بين بني البشر، وهي الرابط الحضاري والثقافي والحافظ لتراث الأمم والشعوب وكل ما تناقلته الأجيال عبر ألازمنه، وقد مرت اللغة بمراحل مختلفة تطورت فيها من مرحلة الإشارات والبدائية إلى القواعد والتنظيم، حتى باتت اليوم مجال للبحث والدراسة من قبل العلماء والمختصين بعد أن تحولت إلى علم يتبع قواعد منهجية في الأسلوب والتطوير والدراسة، ولم يقتصر مسعى الإنسان إلى ذلك فحسب بل عمد إلى البحث عن ماضية اللغوي في مجاهل الماضي السحيق باستخدام احدث الوسائل العلمية والتقنية التي توصل إليها من اجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من لغات اندثرت وأخرى على وشك الاندثار، وقد أقيمت لذلك العديد من المعاهد والمؤتمرات والندوات العلمية المتخصصة من اجل حماية هذا التراث العالمي القيم من الضياع.  

دراسة علمية مشككة

فقد شككت دراسة جديدة في صحة نظرية "القواعد العامة" او "النحو الكلي" كما يطلق عليها البعض، والقائلة إن لجميع اللغات البشرية صفات وقواعد مشتركة لكونها ميزة انسانية مرتبطة بتكوين الدماغ البشري، واعتمدت الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر على الاساليب التي تتبعها البيولوجيا الارتقائية للتدقيق في مراحل تطور القواعد في عدد من أسر اللغات المختلفة، واظهرت نتائج الدراسة ان أسر اللغات تلك تطورت بطرق مختلفة، مما جعل الباحثين يستنتجون ان التطور الثقافي، لا الدماغ، هو المحرك وراء التطور اللغوي، وقال مايكل دن قائد الفريق الباحث وهو عالم لسانيات بمعهد ماكس بلانك للسانيات النفسية في هولندا ان المقاربة التي اعتمدها شبيهة بدراسة لنبات البازلاء قام بها غريغور ميندل، واصبحت في نهاية المطاف من اصول علم الوراثة، وقال مايكل دن "ميندل كان يدرس الاختلافات بين افراد جيل من النباتات ويدرك كيفية ارتباطها ببعضها، ومن ثم يلم بالآليات التي تحكم العملية الوراثية"، واضاف دن "استنتج ميندل ان هناك آلية تنتقل بها البيانات الوراثية من خلال ملاحظته لمختلف التغييرات التي تطرأ على نبات من جيل لآخر، وذلك بالضبط ما نحن بصدد فعله، لكن في مجال اللسانيات"، ومن الخصائص التي ركز عليها الباحثون في دراستهم موقع حروف الجر ومجروراتها (أي هل تأتي قبلها ام بعدها) وموقع الفاعل بالنسبة للمفعول به في أربع اسر لغوية مختلفة، وهي الهندية-الاوروبية واليوتو ازتك ولغات البانتو واللغات الاسترونوزية، وجمع الفريق الباحث قاعدة بيانات عن كل أسرة من أسر اللغات الاربع مكونا اربع شجرات تصور تطور اللغات وتفرعها عن اصولها، مما اعطاهم فكرة واضحة عن المراحل التي سلكتها كل اسرة، ويجزم فريق الدكتور مايكل دن بان "الاسر المدروسة تطورت كل بطريقتها الخاصة وليس وفق قواعد موحدة، وهو ما يتنافي مع نظرية القواعد العامة واسعة الاقبال". بحسب البي بي سي.

روابط خفية

في سياق متصل أشارت دراسة قامت على أبحاث تناولت مجموعة من الصم والبكم إلى أن اللغة، بما تنطوي عليه من إدراك لأمور غير محسوسة، على صلة مباشرة بالرياضيات، وأن تلك الصلة تجعل من الصعب على الذين لم يدرسوا لغة الإشارات الرسمية فهم التركيبة العددية للأرقام التي تتجاوز ثلاثة أو أربعة، وجرت الدراسة على مجموعة من الصم والبكم في نيكاراغوا، درس بعضهم لغة الإشارة الرسمية، بينما لم يدرسها بعضهم الآخر، واكتفى بتعلم الإشارات المنزلية التي تدل على حاجاته اليومية في التخاطب مع أفراد عائلته، وعمد الباحثون إلى إجراء اختبار أول، قاموا خلاله بعرض مجموعة من الأوراق النقدية أمام الصم والبكم، لمعرفة ما إذا كان بوسعهم إدراك الفارق السعري بينه، وبالفعل، تمكن الذين شملتهم الدراسة من معرفة أن الورقة النقدية التي تحمل الرقم 20 أكبر من تلك التي تحمل الرقم 10 من ناحية القيمة، ولكن العلماء شعروا أنهم نجحوا في هذا الاختبار من خلال التعرف على لون الورقة النقدية وشكلها، وليس بالاستناد إلى قيمتها الفعلية، فانتقل العلماء بعد ذلك إلى المرحلة الثانية من الاختبارات، فعرضوا على الذين شملهم البحث صور على الكمبيوتر لثمانية ضفادع تقفز أربعة منها خارج الصورة ومن ثم تعود ثلاثة منها إلى المجموعة. بحسب السي ان ان.

ولدى الطلب من مجموعة الصم والبكم التي لم تتعلم لغة الإشارة الرسمية واكتفت بالتدريب المنزلي تحديد عدد الضفادع التي ظلت في المجموعة بعد هذا التغيير، عجزوا عن ذكر رقم أكبر من ثلاثة أو أربعة، بخلاف الذين تعلموا لغة الإشارة في المدارس، وعلقت سوزان غولدن ميدو، أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة شيكاغو، والتي عملت على البحث بالقول، "اللغة ليست مجرد مجموعة من المفردات والاصطلاحات، بل تنطوي في داخلها على الروابط المنطقية التي تحدد المعنى الدقيق لهذه المفردات"، وأضافت غولدن ميدو "بما أن الصم والبكم الذين لم يتدربوا على لغة الإشارة الرسمية جهلوا الكلمات التي تعبر عن الأرقام المعروضة أمامهم، ظهر واضحاً لديهم العجز عن إدراك أن الأرقام هي متواليات تظهر بإضافة بعضها إلى البعض، فالرقم أربعة هو فعلياً ثلاثة أضيف إليها واحد، وهكذا دواليك"، ونقلت مجلة "تايم" أن الدراسة ستكون محل بحث مستقبلي يهدف للتعرف على الطريقة التي يعتمدها الدماغ لفهم الأرقام وتحليلها، على أن يستفاد من النتائج في تحسين أساليب تدريس الأرقام والرياضيات للأطفال في المدارس.

دراسات للغة العربية

من جهتها أظهرت دراسة أميركية ان الجهتين اليمنى واليسرى من الدماغ تقرآن الكلمات العربية بطريقة مختلفة، وذكر موقع "هيلث دي نيوز" الأميركي ان الدراسة، وهي واحدة من بين دراسات قليلة لفهم كيفية القراءة باللغة العربية، وجدت ان "اختلافات في عمل الجهتين اليمني واليسرى من الدماغ تؤثر على التعرف على الكلمات (العربية) عندما تكون خارج مركز البصر"، وقال أبو بكر المبروك وهو باحث في كلية علم النفس في جامعة ليسيستر ان هذه الدراسة "تكشف تخصص الجهتين اليمنى واليسرى في الدماغ في القراءة، وتوفر دليلاً على ان جزأي الدماغ يعملان مع بعضهما عند قراءة كلام خارج مركز البصر"، وأشار إلى ان الذين تعتبر اللغة العربية لغتهم الأم يتعرفون بشكل أفضل على الكلمات عند تواجدها في مركز الكلمة بالضبط، واعتبر المبروك ان "هذا يظهر ان المكان الذي ننظر إليه في الكلمة مهم جداً للقراءة"، مشيراً إلى ان النتائج بالنسبة للغة العربية تختلف عن تلك بالنسبة للغة الإنكليزية وغيرها من اللغات الغربية التي تقرأ بطريقة أفضل عند النظر إلى النقطة الواقعة بين بداية الكلمة ومنتصفه، ورأى ان السبب هو ان اللغة العربية تقرأ من اليمين إلى اليسار "والحروف بالعربية ترتبط ببعضها حتى في الطباعة تماماً كما الإنكليزية بخط اليد"، وقال المبروك ان "اللغة العربية هي واحدة من أجمل اللغات وأقدمها، وثاني أكثر اللغات استخداماً في العالم لكن كيفية قراءتها وفهمها لا تحظى بالكثير من الاهتمام". بحسب يونايتد برس.

من جهة اخرى كشفت دراسة إسرائيلية أن تعليم اللغة العربية للأجانب مسألة ليست سهلة أو هينة، وأن الأمر ربما يعود إلى العلم في ذلك، فقد أعلن باحثون في جامعة حيفا بإسرائيل، أن الكتابة بالحروف العربية أمر بالغ التعقيد، بحيث أن الشق الأيمن من دماغ المتعلم لا يأبه بذلك، وجاء ذلك إثر سلسلة دراسات أجرتها كلية علم النفس بجامعة حيفا، ومركز إدموند سافرا لأبحاث الدماغ، حول تعلم اللغة العربية، وسبب كونها واحدة من أصعب اللغات، وكشفت الدراسة أن بعض الحروف واللكنات العربية تبدو كغيرها تماماً، لكنها تختلف في طريقة اللفظ، وبالتالي يتغير معناها، وما يضيف مزيداً من الإرباك على ذهن المتلقي، أن بعض الأصوات يتم نطقها بطرق ورموز مختلفة، وتمت الدراسة على مجموعة من البالغين والأطفال الذين يتعلمون اللغات العربية والعبرية والإنجليزية، وتحديدا فيما يتعلق بمدى سرعة ودقة قراءة اللغة العربية بالمقارنة مع اللغات الأخرى، وجرت المقارنة أيضاً مع أولئك الذين تمثل اللغة العربية لهم اللغة الأم، وكشفت النتائج إلى أنه خلال عملية القراءة، فإن الشق الأيمن من الدماغ هو المسؤول عن قراءة اللغتين الإنجليزية والعبرية، ولكن ليس العربية، وأشارت إلى أن علامات الترقيم وتنقيط الحروف في اللغة العربية يعتبر أمراً حاسماً في تحديد هوية الحروف، وهو أمر شاق على النصف الأيمن من الدماغ، الذي يستخدم بشكل أساسي في المعلومات الأكثر عمومية لتحديد ماهو الحرف المقصود، وأضافت الدراسة "هذا يعني أن الأطفال الذين يكتسبون لغات أخرى غير العربية يستخدمون شقي الدماغ الأيمن والأيسر في مرحلة التعلم الأولى للقراءة، في حين أن الأطفال الذين يتعلمون قراءة اللغة العربية لا يحتاجون إلى مشاركة الجانب الأيمن من الدماغ".

لغات اوربا

بدورها تشير أحدث الإحصائيات المتخصصة إلى أن عدد اللغات المستخدمة في القارة الأوروبية يزيد على مائتي لغة، ووفقا لهذه الإحصائيات فإن عدد اللغات الرسمية المستخدمة داخل أروقة الاتحاد الأوروبي ارتفع خلال الفترة بين 2004 حتى 2007 من 11 إلى 23 لغة، ويعتزم مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي الدعوة إلى استخدام المزيد من اللغات الرسمية والحفاظ على اللغات المهددة بالاندثار وذلك بمناسبة اليوم الأوروبي للغات، ويشار إلى أن ألمانيا على سبيل المثال تعمل على توفير حماية رسمية للغات المحلية للأقليات في منطقة الشمال ومن بينها الدنماركية ولغة الغجر ولغات اخرى، ومن المنتظر أن يشهد الاحتفال باليوم الأوروبي للغات الذي يقام في 26 من سبتمبر من كل عام إقامة ندوات معرفية واحتفالية في أكثر من 40 دولة أوروبية، وكان مجلس أوروبا نظم الاحتفال باليوم الأوروبي للغات للمرة الأولى في تأريخه عام 2001. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

اللغات كالبشر

الى ذلك أظهرت دراسة جديدة أن اللغات العالمية، وكما البشر، نشأت في افريقيا وانتشرت منها حول العالم، وذكر موقع "هلث داي نيوز" العلمي الاميركي أن الباحث في جامعة "اوكلاند" بنيوزلندا، كونتين اتكينسون، حلل الوحدات الصوتية في الكلام المعاصر، ووجد أن نمطها يعكس نمط التنوع الجيني للبشر، ومع هجرة البشر من أفريقيا وبدء الاستيطان في أماكن أخرى، تراجع التنوع الجيني، ووفقاً للدراسة فإن التنوع في الوحدات الصوتية مال إلى التراجع أيض، وقال الباحث "إن كانت لغاتنا تعود لافريقيا، واللغة هي مؤشر على الأصل الحضاري، عنده، نكون نحن عائلة في الثقافة كما في المعنى الجيني، أظن أن هذا ممتع حقاً"، وأشار إلى أنه أجرى البحث لأنه يعرف أن اللغات استخدمت أصوات أقل لدى المجتمعات الصغيرة، ومعرفة كيفية نشوء اللغات، وقال، إنه على العموم فقد برزت وحدات صوتية أقل في لغات المجتمعات التي استوطنت مؤخراً، لكن في لمناطق المسكونة منذ وقت طويل مثل الصحراء الافريقية فهم لا يزالون يستخدمون الكثير من الوحدات الصوتية، وأضاف الباحث "وجدت انخفاضاً واضحاً في التنوع "بالنسبة للوحدات الصوتية" مع الابتعاد عن افريقيا". بحسب يونايتد برس.

الأولى آسيوياً

في حين ذكر تقرير أن ماليزيا حققت المركز الأول آسيوياً في استخدام اللغة الإنجليزية كلغة ثانية في مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية العالمي "EF EPI"، ووفقاً لصحيفة "الوطن" السعودية، حلت ماليزيا في المركز التاسع عالمياً متقدمةً على دول أميركا اللاتينية، وعلى كثير من الدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا والبرتغال، وتم تصنيف ماليزيا وفقاً لهذا المؤشر الذي هو الأول من نوعه لمنح البلدان مقياساً موحداً من الكفاءة لإتقان اللغة الإنجليزية للعام 2011.ويعتمد المؤشر في تصنيفه بناءً على التعليم، وعلى مركز التعليم العالمي، وعـلى إجراء اختبارات اللغة الإنجليزية التي تمت على 2.3 مليون شخص في العالم، مركزةً فيه على اختبار مهارات اللغة الإنجليزية القواعد والمفردات والقراءة والاستماع.ويقيم تقرير الكفاءة الدول وفقاً لخمسة مستويات مختلفة مصنفة حسب الكفاءة العالية جداً، والكفاءة العالية، والكفاءة المعتدلة، والكفاءة المنخفضة، والكفاءة المنخفضة جداً، وكانت ماليزيا هي البلد الآسيوي الوحيد المصنف بدرجة "عالية الكفاءة" في اللغة الإنجليزية في التقرير، ويذكر أن رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق قد هنأ في صفحته الخاصة بموقع "تويتر" الشعب الماليزي على هذا الإنجاز، وصرح للصحف الماليزية بأن الحكومة ستدرس إمكانية استخدام اللغة الإنجليزية مع اللغة الماليزية في تدريس مواد الـعلوم والرياضيات في المـدارس، لاسيما أن هناك نقاشاً مستمراً في ماليزيا حول ما إذا كان ينبغي أن تدرس الـرياضيات والعلوم باللغة الإنجليزية بدلاً من لغة (البهاسا) المحلية.

السياحة اللغوية

من جانبه يعرف المغرب خلال السنوات الأخيرة ازدهار شكل جديد من السياحة اللغوية والثقافية يجسده توافد آلاف الأجانب من أمريكيين وأوروبيين وآسيويين على المملكة، ليس بالضرورة للتمتع بشمسها وشواطئها، وإنما لتعلم اللغة العربية إما في إطار مهام دراسية أو بدافع شغف شخصي بعوالم الثقافة العربية والإسلامية وأحيانا لأهداف رسمية، سياسية ودبلوماسية، وفتحت مراكز عدة لتعليم العربية "وحتى اللهجات المحلية" أبوابها في وجه السياح الجدد الذين يرون في اللغة مدخلا هاما لتعميق فهمهم لقضايا ومشاكل مجتمعات الشرق الأوسط، وبالتالي تفكيك أسرار العلاقة الصدامية بين الغرب والعالم العربي الإسلامي، خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر، وفي العاصمة الرباط، يستقبل مركز "قلم ولوح" للدراسات العربية ما بين 500 و 600 طالب سنويا، 40 في المائة منهم من الأمريكيين، بينما يتوزع الباقي على جنسيات أوروبية وآسيوية مختلفة، ويقول عادل الخياري، مدير المركز، إن المغرب بصدد الالتحاق بدول عربية أخرى كانت سباقة في استقبال دارسي العربية من قبيل مصر وسوريا، مشيرا إلى أن تعليم العربية لا ينحصر في دروس تقنية مباشرة بل يشمل أنشطة موازية تسمح للمتعلم الأجنبي باستيعاب أفضل للثقافة العربية بمختلف مكوناته، ومن تجربة معايشته لوفود الأجانب من طلاب العربية، يقول عادل إن الإقامات الدراسية في بلد عربي وبين أحضان ثقافة عربية تفضي إلى تغيير جذري في أفكار ورؤى هؤلاء الغربيين الذين يحملون في غالب الأحيان أفكار مسبقة ومغلوطة عن العالم العربي الإسلامي ثقافة ومجتمع، ويوضح قائلا "الإنسان العربي في ذهن كثير من الوافدين الجدد شخص متعصب، عدواني، غير جدير بالثقة، غير أن هذه الصورة لا تلبث أن تتبدد في سياق تفاعلهم مع شرائح المجتمع التي يكتشفون أنها لا تختلف عنهم في شيء، أفراد مرحبون يعيشون زمانهم، لهم أحلامهم ومشاكلهم وتطلعهم إلى الأفضل". بحسب السي ان ان.

وتقول مانويلا، باحثة أمريكية في تاريخ الأندلس، من أصول كولومبية، إنها جاءت الى المغرب لتعمق معرفتها باللغة العربية بعد أن اكتشفت أنها فوتت الكثير بسبب جهلها لهذه اللغة، في فهم واستيعاب جوانب مهمة من تاريخ الحضارة العربية، خصوصا أنها أبدت اهتماما منذ المرحلة الثانوية بأدب الصوفية حيث وجدت أن العديد من النصوص المهمة تنحدر من التقاليد العربية الإسلامية، وتضيف مانويلا التي تتعلم العربية رفقة زوجها الأمريكي الذي يشاطرها نفس التخصص، أن تعليم العربية يفتح لها مجال التعامل المباشر مع النص الأصلي بعد أن وقفت على محدودية الترجمة حتى في مقاربتها للأدب العربي الحديث من خلال نصوص الطيب صالح ونجيب محفوظ ومحمود درويش، أما عن اختيارها المغرب مكانا لدراسة العربية، فتعزوه إلى قربه من الأندلس، مجال اختصاصها الأدبي، واحتضانه لموجات الموريسكيين الفارين من محاكم التفتيش باسبانيا اثر سقوط غرناطة، بالإضافة إلى أجواء الاستقرار والانفتاح التي تميز المجتمع المغربي، وبصرف النظر عن الغايات الأكاديمية والبحثية المرتبطة بتنامي الجاذبية الثقافية للعالم العربي والإسلامي خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وانتعاش مقولات صراع الحضارات، فإن مؤسسات تعليم العربية للأجانب في المغرب تلبي طلبات متزايدة من قبل الحكومات الغربية، وفي مقدمتها الأمريكية، التي تبتعث طلبة ودبلوماسيين وعسكريين مرشحين لشغل مناصب أو تأدية مهام رسمية في إحدى بلدان الشرق الأوسط، حيث تصبح اللغة أداة هامة للتواصل مع محيط العمل وفهم الرهانات الاجتماعية والسياسية والثقافية لكل مجتمع، وتقول زينب بنصالح، التي راكمت تجربة في تدريس الأجانب بأحد المعاهد المختصة بالعاصمة، إن المجتمع العربي عموما يعد بالنسبة للغربيين مجالا ملتبسا مشوبا بالغموض وأحيانا سوء الفهم، خصوصا في قضايا معينة تتعلق بوضع المرأة وارتباط الدين بالعنف وإشكالية الديمقراطية والطقوس الاجتماعية المختلفة، وتخلص بنصالح، في تصريح للموقع، إلى أن الفترات التي يقضيها المتعلمون الأجانب، غالبا ما تفضي بهم إلى مراجعة العديد من مواقفهم الجاهزة تجاه العالم العربي والإسلامي، مجتمعا وثقافة وسياسة، مما يجعل من التلاقح اللغوي جسرا استراتيجيا بين الحضارات.

قاموس للغة الأكدية

من جانب اخر قال أكاديميون أميركيون انهم انتهوا من تأليف قاموس للغة الأكدية التي كانت لغة بلاد ما بين النهرين بين عامي 2500 قبل الميلاد و100 ميلادية، وذلك بعد تسعين عاماً من العمل عليه، وذكرت جامعة شيكاغو في بيان ان هدف المشروع هو تحديد وشرح وتأمين تعابير من اللغة التي كان يكتبها البابليون والآشوريون وشعوب أخرى في المنطقة على ألواح طينية ويحفرونها في الصخر في تلك الفترة، والأكدية بلهجتيها البابلية والآشورية هي أقدم اللغات السامية وكانت لغة سكان آشور وبابل بين عام 2500 قبل الميلاد حتى القرن الأول للميلاد، وقالت مارثا روث، محررة "قاموس شيكاغو الآشوري" الذي يتضمن 21 مجلداً، "أشعر بالفخر بأن نحقق هذا المشروع هنا"، مشيرة إلى أن جيمس هنري بريستد، مؤسس المعهد المشرقي في الجامعة، بدأ المشروع عام 1921، ويحتوي القاموس على المعاني المتعددة لكل كلمة واستعمالاتها والسياق الذي تستخدم فيه، وأشار روبرت بيغز من المعهد المشرقي، الذي شارك في إنجاز القاموس، إلى أنه جرت دراسة ألواح طينية عثر عليها خلال عمليات تنقيب، وقال انه كان يكفي إزالة الغبار عن الألواح لقراءة ما كتب عليها، لافتاً إلى أن الناس الذين كتبوا بهذه اللغة كانت لديهم مصادر القلق نفسها التي لدينا وهي السلامة والطعام والسكن والأسرة. بحسب يونايتد برس.

الإنترنت والهواتف

الى ذلك وبعيداً عن الملل، الذي يمكن أن تسببه مطالعة الكتب التعليمية المتخصصة في تعلم اللغات، بدأت بعض الشركات بطرح برامج متخصصة في تعليم اللغات على شبكة الإنترنت، تحمل اسم "ويب 2.0"، تجمع بين التعليم والترفيه، لاشك أن تعلم لغة أجنبية ثم استخدامها في رحلاتك الخارجية هو أمر ينطوي على فائدة كبيرة، لكن الانخراط في برامج تعليم اللغات أو الانغماس في مطالعة الكتب التعليمية المتخصصة يمكن أن يكون مبعثاً للملل، وتنتشر على الشبكة العنكبوتية إعلانات وعروض ترويجية عن تطبيقات إليكترونية ودروس عبر الإنترنت لتعليم اللغات الأجنبية، لكن معظم هذه التطبيقات والدروس لا تؤتي ثمارها إلا عندما تقترن بخبرة شخصية وقدرة فردية على التعلم من جانب الطالب، أدوات التعليم الرقمية ليست هدف في حد ذاته، لكن من الممكن الاستفادة منها في تعليم المفردات اللغوية أدوات التعليم الرقمية ليست هدف في حد ذاته، لكن من الممكن الاستفادة منها في تعليم المفردات اللغوية وتتوافر الآن على شبكة الإنترنت برامج متخصصة في تعليم اللغات تحمل اسم  "ويب 2.0 "، تجمع بين التعليم والترفيه، وتقول خبيرة التعليم ميشائيلا ماير من معهد "بروجيكت بيلدونج" المتخصص في الدراسات التعليمية في مدينة أوغسبوبرغ الألمانية إن "قدرة الشخص على التعلم يمكن استعراضها على مصفوفة تنقسم إلى ثلاث مجالات"، وأضافت أن "طريقة تحصيل اللغات تختلف بشكل كبير من شخص إلى آخر، حيث تعتمد عند البعض على المنطق وتعتمد عند البعض الآخر على الناحية الانفعالية"، وتتأثر خصائص التعليم بشدة بطريقة التواصل التعليمي عند كل طالب والوسائط المستخدمة في العملية التعليمية، ويبدو الاختلاف في طريقة التعلم من شخص إلى آخر واضحاً من خلال موقع "بيسو" الإلكتروني لتعليم اللغات، والذي يبلغ عدد المشتركين فيه حوالي ثلاثة ملايين شخص. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وبدأت بعض الشركات بطرح برامج متخصصة في تعليم اللغات على شبكة الإنترنت، تحمل اسم "ويب 2.0"ويقول النمساوي بيرهارد نيسر الذي شارك في تأسيس الموقع، "نريد استخدام هذه البيانات من أجل إنشاء منصة ذكية لتعليم اللغات يمكن أن يكون لها دور محوري في تسهيل  التعليم الفردي"، ويستخدم موقع بيسو أيضاً تطبيقات إلكترونية تعمل على الهواتف الذكية في أغراض التعليم السريع، ويقدم البرنامج التدريبي الأساسي مجاناً، لكن سعر البرامج الأربعة الأخرى الباقية يصل إلى 2.99 يورو للبرنامج الواحد، ويقول فيسنت أريولي ، الذي يعمل في مجال تطوير التطبيقات الإلكترونية بشركة "كورنلسن" في برلين، إن "الهواتف الذكية تساعد في تعليم اللغات بسرعة حيث يمكن تقسيم الدرس إلى أقسام صغيرة بحيث يمكن للطالب استيعابها بسرعة"، ومن ناحيته يقول ماركوس فيته من موقع "بابلون"  لتعليم اللغات المنافس لموقع "بيسو" إن أجهزة الكمبيوتر اللوحي مفيدة للغاية بالنسبة لنا حيث أن هذه النوعية من الأجهزة تسمح بالجمع بين دروس تعليم اللغات وبين الألعاب وشبكات التواصل الاجتماعي"، ويقدم موقع بابلون دورات تعليمية في ست لغات هي الانجليزية والفرنسية والإيطالية والأسبانية والبرتغالية والسويدية، وتبلغ التكلفة الشهرية للدورة الواحدة 9.95 يورو، وتقول ماير إن" أدوات التعليم الرقمية ليست هدف في حد ذاته، لكن من الممكن الاستفادة منها في تعليم المفردات اللغوية، كما يمكن تعلم التركيبات النحوية بمساعدة أفلام الرسوم المتحركة والمواد الفيلمية"، ولكنها تؤكد أن التعليم عن طريق التواصل المباشر ينطوي على قيمة كبيرة.

الاقتراض اللغوي

على صعيد اخر تعتبر عملية الاقتراض اللغوي والتطور الدلالي للألفاظ ظاهرة صحية في مسيرة تطور أي لغة، وعبر مسيرة الاقتراض تكتسي الألفاظ  دلالات جديدة تتلون بتلون العصور واختلاف المجتمعات والثقافات، وبوصف اللغة أداة للتبادل الاجتماعي والتلاقي الثقافي بين الحضارات لا غرابة أن نجد لغة ما تقترض لفظة من لغة أخرى وتدخل في نسيجها البنيوي والسياقي بعد أن تنصهر في القالب التركيبي والصرفي للغة الوافدة إليه، ولكن هذا لا يمنع من وجود ألفاظ حافظت على شكلها كما نقلت عليه من اللغة الأم دون أن تنصهر في اللغة الجديدة. وهناك أشكال متعددة لميكانيكية الاقتراض اللغوي التي يشكل الصراع اللغوي أحد مظاهر هذا الانتقال بالإضافة إلى الهجرة والاستعمار والحروب والتجارة، واللغات تتصارع مع بعضها بعضا كما يتصارع البشر، ويكون نتاج ذلك إما السيطرة أو التقهقر أو التمازج و الاقتراض بين اللغتين أو التعايش معاً جنباً إلى جنب دون غالب أو مغلوب، ويتوقف ذلك على عوامل عدة منه، مدى احتكاك الشعبين الغازي والمغزو وحضارة كل منهما وطبيعة البناء اللغوي، ومن مظاهر التطور الدلالي تضمين المعنى اللغوي القديم معنىً دلاليا جديداً، حتى يغدو المعنى الجديد بحكم الاستعمال اللغوي حقيقة معرفية في الإشارة إلى المعنى الجديد بدلاً من مدلوله القديم. بحسب وكالة الانباء الالمانية.  

ان اللغة الألمانية لغة الفلاسفة مثل هيجل اللغة وكانت اللغة كائنا حيا ينمو ويتطور للتعبير عن حاجات الجماعة التي تنطق بها وتنتقل من حضارة إلى حضارة كالنحلة التي تتنقل من ريحانة إلى ريحانة، فقد ظهر علم من علوم اللغة همه التأصيل اللغوي لهذه المفردات عبر ردها إلى أصولها وكذلك رصد مسار تطورها ومظاهر مدها وجزره، وفي هذا الصدد اهتمت مجامع اللغة بتلك الظواهر، فانكبت على رصد ظاهرة الألفاظ والأساليب والتبادل اللغوي، واللغة الألمانية كغيرها من اللغات أثرت وتأثرت بغيره، وعن هذا تقول الكاتبة المجرية تيريزا مورير، والتي تتخذ من ألمانيا موطنا لها، إنه من السهولة عليها "حفظ الكلمات الألمانية التي تشابه ألفاظا مجرية صوتا ومبنى"، في إشارة إلى مدى تأثير اللغة الألمانية على المجرية، ولكن يلاحظ أن اللغة المجرية اقترضت من الأسماء أكثر منه من الأفعال، وهذا الاقتراض من الأسماء ليس مستغربا، لاسيما وقد ارتبط بالعديد من المخترعات أو بالنشاطات الثقافية، مثلا كلمة 'Kindergarten'  "روضة أطفال" أو كلمة "Blitzkrieg" "الحرب الخاطفة" توجد في لغات مختلفة إما لفظا أو دلالة، ولاشك أن سيطرة اللغات في العالم ترتبط في كثير من الأحيان بحجم الثقل السياسي والنشاط الحضاري لأمة من الأمم، وعن سيطرة اللغة الإنجليزية، يقول البروفيسور بيتر لوبوك من قسم اللغة الألمانية في جامعة برلين، "سبب ذلك بالتأكيد يعود إلى قوة الولايات المتحدة الأمريكية التي جعلت من الإنجليزية اللغة الأولى في العالم"، وعن اللغة الألمانية يقول، "رغم كونها لغة الفلاسفة، إلا أنّ صورتها قد تشوهت في العهد النازي."

مسابقة لغوية

من جانب اخر فان معهد غوتة يعد صرحا علميا كبيرا يعنى باللغة الألمانية، اذ أطلق معهد غوتة بالتعاون مع مجمع اللغة الألمانية مسابقة لجمع الكلمات الألمانية التي انتقلت إلى لغات أخرى. وعن هذا المشروع تقول كاترينا فون روكتشل من معهد غوتة، "من المهم للألمان معرفة أين استخدمت اللغة الألمانية وما السياق الذي انتقلت إليه إلى اللغات الأخرى وما المقاصد الدلالية التي اكتسبتها هذه الألفاظ، وكذلك مهم لنا أن نبين للعالم أن هناك  ألفاظا ذات أصول ألمانية يتم استخدامها وتداولها من لغات عدة، الأمر الذي قد يزيد من فرص التواصل الاجتماعي والتلاقح الحضاري"، ولا شك أن استخدام اللغة الألمانية خارج ألمانيا ارتبط في كثير من مظاهره بحركات الهجرة الألمانية عبر الأزمان سواء إلى شرق أوروبا أو أمريكا الشمالية أو روسي، وعن رحلة هذه الألفاظ إلى روسيا، يقول أوليج زين كوفيسكي من القسم الروسي في إذاعة برلين "عندما جاء الغربيون إلينا جلبوا معهم العديد من الأمور التي لم تكن متوفرة في روسيا مما دفع المرء إلى تسميتها بأسمائها الأصلية، فمثلا   كلمة "Butterbrot" "الخبز المنقع بالزبدة" ليست بالضرورة أن تكون بالزبدة وقد تكون بالسجق ولكن  تبقى لتسمى "الخبز المنقع بالزبدة" كما وصلت إلينا من الألمان وإن اختلفنا معهم في الاستعمال".

ان غلاف كتاب يعالج الاخطاء الشائعة في اللغة الألمانية ومن الكلمات التي استوقفت الباحثين اللغويين الألمان كلمة "هامبورجر"، التي يقول عنها البروفيسور لوكو "عندم، رأى الأمريكيون ما نصنع باللحم المقلي ووضعه في رغيف من الخبز حاولوا فعل شيء من هذه الكلمة وتحليلها" لتصبح في النهاية ما نعرفه اليوم من أشكال الأكل السريع، هذه المسابقة لا تهتم بانتقال الألفاظ فحسب، بل بالقصص التي نسجت حول نشأتها ورحلته، هذه الألفاظ التي عبرت البحار والمحيطات من المفترض أن تصدر في كتاب في شهر أكتوبر/تشرين الأول يحكي قصة هجرتها وتطوره، وفي عصر التنمية الثقافية والعولمة وثورة المعرفة فإن اللغات تصبح أكثر تمازجا وأكثر افتراسا لبعضها البعض، ما لم تتحصن بمخزون تراثي وإرث حضاري كبير يتصدى لتسونامي الصراع اللغوي، ليبقى في النهاية الاقتراض اللغوي ظاهرة حسنة إن ظل في خيمة الاعتدال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/آب/2011 - 14/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م