شبكة النبأ: بطل من أبطال العرب وفارس
من فرسانها خبير بأمور الحرب والسياسة رفض الظلم وواجه الطغاة فأعلن
ثورته للأخذ بثأر الأولياء والاقتصاص ممن استحل محارم الله وآذى قلب
رسول الله(ص) فنادى يال ثارات الحسين.
ذلك الشعار الذي أرعب قلوب القتلة المجرمين ممن اشتركوا بسفك دماء
آل الرسول(ص) وناصروا آل أمية ذلك الثائر الذي أثلج قلوب الموالين
فاستحق ان يذكره التاريخ ويخلده هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود
الثقفي المكنى بابي إسحاق.
ولد في السنة الأُولى من الهجرة في مدينة الطائف عرف بمولاته لأمير
المؤمنين علي ابن ابي طالب(ع) وكان والده من الذين اعتنقوا الإسلام و
أخلصوا له و قاد بعض معارك الفتح الإسلامي في بلاد فارس و استشهد في
معركة "الجسر" عندما هجم عليه فيل مدرب فتولّى ابنه " جبر " القيادة
بعده فاستشهد أيضاً.
وكان المختار ذا عقلٍ وفطنة وذكاء وفطرةٍ تُدرك الأشياء بفراستها
وحَدَسٍ مُصيب، وكفٍّ في الحروب مُجيب، مارسَ التجاربَ فحنّكَتْه،
ولابَسَ الخطوبَ فهذّبَتْه، حضر مع أبيه وقعة قُسّ الناطق وهو ابن ثلاث
عشرة سنة، وكان يتفلّت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمُّه.
وقد حضي في صباه برعاية أمير المؤمنين (عليه السلام) لما كان يعلمه
أنّه الآخذ بثأر ولده الحسين (عليه السلام)، فعن الاصبغ قال: رأيت المختار
على فخذ أمير المؤمنين وهو يمسح رأسه ويقول: ياكيّس ياكيّس.
عرَف بشمائل النخوة والإباء ورفض الظلم، ويُسمَع منه ويُرى فيه
مواقف الشجاعة والتحدّي وكان المختار يعلم أنّه الآخذ بثأر الحسين (عليه
السلام)، فكان يصرّح بذلك ويتحدّث به أمام الناس وهذا أشدّ ما تخشاه
السلطات الأُموية، فألقت القبض عليه وأودعته في سجن عبيد الله بن زياد
في الكوفة، وكان هذا تمهيداً لتصفية القوى والشخصيّات المعارضة،
والتفرّغ لإبادة أهل البيت بعد ذلك حيث لا أنصار لهم ولا أتباع.
وتقتضي المشيئة الإلهية أن يلتقي المختار في السجن بمِيثم التمّار،
فيبشّره هذا المؤمن الصالح الذي نهل من علوم إمامه عليٍّ أمير المؤمنين
(عليه السلام).
ويقول ميثم التمار للمختار: إنّك تفلتُ وتخرج ثائراً بدم الحسين (عليه
السلام)، فتقتل هذا الجبّارَ الذي نحن في سجنه (أي ابن زياد)، وتطأ
بقدمك هذا على جبهته وخَدَّيه.
ولم تطل الأيّام حتّى دعا عبيد الله بن زياد بالمختار من سجنه
ليقتله، وإذا بالبريد يطلع بكتاب يزيد بن معاوية إلى ابن زياد يأمره
بتخلية سبيل المختار، وذلك أنّ أُخت المختار كانت زوجة عبد الله بن عمر،
فسألت زوجها أن يشفع لأخيها إلى يزيد، فشفّع فأمضى يزيد شفاعته، فكتب
بتخلية سبيل المختار.
الثورة وطلب الثأر
وفور خروجه من السجن بدأ يعبّئ الناس للثورة و الاقتصاص من الذين
ارتكبوا مذبحة عاشوراء. وفي تلك المدّة تلقى المختار رسالة تأييد من
محمد بن الحنفية وهو ابن الإمام علي (عليه السَّلام)، فساعد ذلك على
التفاف الناس حوله، كما انضم اليه إبراهيم بن مالك الأشتر وهو قائد
عسكري كبير وشجاع. اتفق الثائرون على أن تكون ليلة الخميس الرابع عشر
من شهر ربيع الأول عام 66 هجرية موعد لانطلاق الثورة وساعة الصفر.
وفي ليلة الثلاثاء الثاني عشر من شهر ربيع الأول، أي قبل موعد
الثورة بيومين، وبينما كان إبراهيم الأشتر ومعه بعض أصحابه في طريقه
إلى منزل المختار، صادفته إحدى الدوريات.
فصاح قائد الشرطة: مَن أنتم؟
أجاب الأشتر:أنا إبراهيم بن مالك الأشتر.
قال قائد الشرطة:مَن هؤلاء الذين معك... وهل لديك ترخيص بالخروج
ليلاً ؟
قال إبراهيم:كلاً.
قال قائد الشرطة اذن يجب اعتقالكم.
اضطر إبراهيم لمهاجمته قبل أن يعتقله فقتله ولاذ أفراد الدورية
بالفرار.
أسرع إبراهيم و أصحابه إلى المختار و أخبروه.
قال إبراهيم:يجب إعلان الثورة فوراً.
سأل المختار:ماذا حدث؟
لقد قتل قائد الشرطة ولا مفرّ من الإسراع في اعلان الثورة.
استبشر المختار وقال:بشّرك الله بالخير هذا أول الفتح ونادى يا
لثارات الحسين.
أصدر المختار أوامره بايقاد النيران وهي العلامة المتفق عليها بين
الثوار في ذلك الوقت، كما أمر بإطلاق شعار (يا منصور أمت) وهو شعار الثورة
المتفق علية.
وفي قلب الظلام استيقظ سكّان الكوفة على شعارات يا لثارات الحسين،
وهب الثائرون إلى منزل المختار الذي أصبح مركزاً للقيادة و دارت معارك
ضارية في شوارع الكوفة وأزقتها و استسلم جنود الوالي و شرطته، كما فرّ
الوالي نفسه إلى الحجاز.
كان المختار متمتع بخبرة إدارية مدنية وحربية كافية تؤهله لقيادة
الكوفة والخروج من الصعاب القادمة, فقام بخطوة حكيمة باختيار قائد
للجيش ذي شعبية كبيرة وخبرة عسكرية واسعة وهو ابراهيم بن مالك الأشتر
نجل مالك الأشتر صاحب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فما من كوفي
يسمع اسمه إلا ويتذكر عهد العدالة والإنصاف والروحانية والسلام والحق
ويشم عطر البطولة ورفعة العزة.
انظم الكوفيون الى المختار وابراهيم فكوّنا جيشاً ودخلا معركة حاسمة
مع الأمويين كان النصر المُظفر فيها لابراهيم وجيشه بعد أن نكبوا
الأمويين خسائر فادحة وقتلةً ليس لها مثيل.
مصير الظالمين
قال المنهال: دخلتُ على علي بن الحسين قبل انصرافي من مكّة، فقال لي:
(يا منهال، ما صنع حرملةُ بن كاهل الأسدي) ؟ فقلت: تركته حيّاً بالكوفة،
فرفع يديه جميعاً ثمّ قال (عليه السلام): (اللهُمّ أَذِقْه حرَّ الحديد،
اللهمّ أذِقْه حرّ الحديد، اللهمّ أذِقْه حرَّ النار).
قال المنهال: فقدمتُ الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي،
وكان صديقاً لي، فركبتُ إليه ولقيتُه خارجاً من داره، فقال: يا منهال،
لم تأتِنا في ولايتنا هذه، ولم تُهنّئنا بها، ولم تُشركنا فيها؟!
فأعلمتُه أنّي كنت بمكّة، وأنّي قد جئتك الآن.
وسايرتُه ونحن نتحدّث حتّى أتى الكُناسة، فوقف وقوفاً كأنّه ينظر
شيئاً، وقد كان أُخبر بمكان حرملة فوجّه في طلبه، فلم يلبث أن جاء قوم
يركضون، حتّى قالوا: أيُّها الأميرُ البشارة، قد أُخذ حرملة بن كاهل !
فما لبثنا أن جيء به، فلمّا نظر إليه المختار قال لحرملة: الحمد لله
الذي مكّنني منك، ثمّ قال: النارَ النار، فأُتيَ بنارٍ وقصب، فأُلقي
عليه فاشتعل فيه النار.
قال المنهال: فقلت: سبحانَ الله ! فقال لي: يا منهال، إنّ التسبيح
لَحَسَن، ففيمَ سبّحت ؟ قلت: أيّها الأمير، دخلتُ في سفرتي هذه وقد كنت
منصرفاً من مكّة – على علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال لي: (يا
منهال، ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي)؟
فقلت: تركتُه حيّاً بالكوفة، فرفع يديه جميعاً فقال: (اللهمّ أذِقْه
حرَّ الحديد، اللهمّ أذِقْه حرّ الحديد اللهمّ أذقْه حرّ النار).
فقال لي المختار: أسمعتَ عليَّ بن الحسين يقول هذا ؟! فقلت: واللهِ
لقد سمعتُه يقول هذا، فنزل عن دابّته وصلّى ركعتين فأطال السجود.. ثمّ
ركب وقد احترق حرملة.
وشيّع المختارُ إبراهيمَ بن مالك الأشتر ماشياً يبعثه إلى قتال عبيد
الله بن زياد، فقال له إبراهيم: اركبْ رَحِمَك الله، فقال المختار:
إنّي لأحتسب الأجر في خُطايَ معك، وأحبُّ أن تَغْبَرَّ قدمايَ في نصر
آل محمّد (صلّى الله عليه وآله).
ثمّ ودّعه وانصرف، فسار ابن الأشتر إلى المدائن يريد ابنَ زياد، ثمّ
نزل نهرَ الخازر بالموصل شمال العراق، وكان الملتقى هناك، فحضّ ابن
الأشتر أصحابه خاطباً فيهم: يا أهلَ الحقّ وأنصار الدين، هذا ابنُ زيادٍ
قاتلُ حسين بن عليٍّ وأهلِ بيته، قد أتاكم اللهُ به وبحزبه حزب الشيطان،
فقاتلوهم بنيّةٍ وصبر، لعلّ الله يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم.
وتزاحفوا... ونادى أهل العراق: يا لِثاراتِ الحُسين، فجال أصحاب ابن
الأشتر جولةً، وحمل ابن الأشتر يميناً فخالط القلب، وكسرهم أهل العراق
فركبوهم يقتلونهم، فانجلت الغُمّة وقد قُتل عبيدُ الله بن زياد، وحصين
بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وأعيان أصحابهم.
وأمر إبراهيم بن الأشتر أن يطلب أصحابه ابنَ زياد، فجاء رجل فنزع
خُفَّيه وتأمّله.. فإذا هو ابن زياد على ما وصف ابن الأشتر، فاجتزّ
رأسه، واستوقدوا عامّة الليل بجسده، ثمّ بعث إبراهيم بن الأشتر برأس
ابن زياد ورؤوس أعيانه إلى المختار.
فجاء بالرؤوس والمختارُ يتغدّى، فأُلقيت بين يَدَيه، فقال: الحمد
لله ربّ العالمين ! فقد وُضع رأسُ الحسين بن علي (عليهما السلام) بين
يدَي ابن زياد لعنه الله وهو يتغدّى، وأُتيتُ برأس ابن زياد وأنا
أتغدّى !.
فلمّا فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله، ثمّ رمى
بالنعل إلى مولىً له وقال له: اغسلْها فإنّي وضعتُها على وجهِ نجسٍ
كافر.
ثمّ بعث المختار برأس ابن زياد إلى محمّد بن الحنفية وإلى علي بن
الحسين (عليهما السلام)، فأُدخل عليه وهو يتغدّى، فقال (عليه السلام):
أُدخِلتُ على ابن زياد (أي حينما أُسر وجيء به إلى الكوفة) وهو يتغدّى
ورأسُ أبي بين يدَيه، فقلت: اللهمّ لا تُمتْني حتّى تُريَني رأسَ ابنِ
زياد وأنا أتغدّى، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي.
أمّا عمر بن سعد، فكان المختارُ قد سُئل في أمانه، فآمَنَه على شرط
ألاّ يخرج من الكوفة، فإن خرج منها فدمُه هدر، فأتى عمرَ بن سعد رجلٌ
فقال له: إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلنّ رجلاً واللهِ ما أحسَبُه
غيرَك!
قال الراوي: فخرج عمر حتّى أتى الحمّام (الذي سُمّي فيما بعد بحمّام
عمر) فقيل له: أترى هذا يخفى على المختار ! فرجع ليلاً، ثمّ أرسل ولدَه
حفصاً إلى المختار الذي دعا أبا عَمرة وبعث معه رجلين فجاءوا برأس عمر
بن سعد فتأسّف حفص وتمنّى أن يكون مكان أبيه، فصاح المختار يا أبا
عَمرة، ألْحِقْه به.. فقتله.
فقال المختار بعد ذلك: عُمَر بالحسين وحفص بعلي بن الحسين (أي علي
الأكبر)، ولا سَواء ! واشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد، وأخافَ
الوجوه، وكان يقول: لا يسوغ لي طعامٌ ولا شراب حتّى أقتلَ قَتَلَةَ
الحسينِ بن علي (عليهما السلام) وأهلِ بيته، وما مِن دِيني أترك أحداً
منهم حيّاً.
وقد ذكر ابن كثير في كتابة البداية والنهاية الفصل الثامن العديد
من الروايات في مقتل قتلة الظالمين من قتلة الامام الحسين(ع) منها مقتل
خولي بن يزيد الأصبحي.
بعث إليه المختار أبا عمرة صاحب حرسه، فكبس بيته فخرجت إليهم امرأته
فسألوها عنه فقالت: لا أدري أين هو، وأشارت بيدها إلى المكان الذي هو
مختف فيه - وكانت تبغضه من ليلة قدم برأس الحسين(ع) معه إليها، وكانت
تلومه على ذلك واسمها العبوق بنت مالك بن نهار بن عقرب الحضرمي, فدخلوا
عليه فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة فحملوه إلى المختار فأمر بقتله
قريبا من داره، وأن يحرق بعد ذلك.
وبعث المختار إلى حكيم بن فضيل السنبسي - وكان قد سلب العباس بن علي
بن أبي طالب(ع) يوم قتل الحسين (ع) فأخذ فذهب أهله إلى عدي بن حاتم،
فركب ليشفع فيه عند المختار، فخشي أولئك الذين أخذوه أن يسبقهم عدي إلى
المختار فيشفعه فيه. فقتلوا حكيما قبل أن يصل إلى المختار.
وبعث المختار إلى يزيد بن ورقاء وكان قد قتل عبد الله بن مسلم بن
عقيل، فلما أحاط الطلب بداره خرج فقاتلهم فرموه بالنبل والحجارة حتى
سقط.
وطلب المختار سنان بن أنس، الذي كان يدعي أنه قتل الحسين، فوجدوه قد
هرب إلى البصرة أو الجزيرة فهدمت داره، وكان محمد بن الأشعث بن قيس ممن
هرب إلى مصعب فأمر المختار بهدم داره.
وقال: أعلِموني مَن شارك في دم الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) فلم
يكن يأتونه برجل فيشهدون أنّه من قَتَلَة الحسين أو ممّن أعان عليه
إلاّ قتله.
شهادته
استُشهد المختار في 14 من شهر رمضان 67ﻫ، بعد قتال وحصار طويل مع
مصعب بن الزبير وجيشه الذي بعثة عبد الله بن الزبير إلى العراق.
فقد فوجئ المختار بهذا الزحف القادم و كان إبراهيم بن مالك الأشتر
ما يزال في مدينة الموصل.
اضطر المختار إلى مواجهة ابن الزبير بقواته المحدودة، واشتبك
الفريقان في حروراء جنوبي الكوفة، استطاع المختار إحراز بعض الانتصارات
في الجولات الأولى.
وقد حارب قرابة أربعة أشهر ثم جعل أصحابه يتسللون منه حتى بقي نفر
يسير فصار إلى الكوفة فنزل القصر , فأحاط مصعب وجيشه بقصر الأمارة
الذي كان يسكنه المختار وكان يخرج كل يوم لمحاربتهم في سوق الكوفة ثم
يرجع إلى القصر.
فلم يزل يقاتل وهو راكب على بغلة شهباء ورغم بلوغه السابعة والستين
وقد أبدى مقاومة عنيفة و شجاعة نادرة إلى أن هوى على الأرض شهيداً.
وبقي أصحابه في القصر فتحصنوا به, وهم ما يقرب سبعة ألاف رجل,
فأعطاهم مصعب الأمان, وكتب لهم بأغلظ العهود واشد المواثيق فخرجوا على
ذلك، فقدمهم رجل رجل فضرب أعناقهم.
هذا هو المختار وكفاه فخرا انه طالب بدماء الحسين(ع) وأهل بيته
وأنصاره واقتص من قتلتهم وأذاقهم كأس المرار. |