اليمن... ثورة راكدة ورئيس منفي

 

شبكة النبأ: "لم تنجح الجهود الأمريكية والسعودية للضغط على الرئيس اليمني المصاب علي عبد الله صالح للموافقة على نقل سلمي للسلطة. ولا بد من إيجاد منهج جديد لمواجهة "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية"."

في 7 آب/أغسطس، غادر الرئيس اليمني علي عبد الله صالح المستشفى السعودية التي كان يتعافى فيها من جروح أصيب بها في هجوم في 3 حزيران/يونيو على القصر الرئاسي في صنعاء. ويقيم الآن في بيت ضيافة تابع للحكومة السعودية لمواصلة فترة النقاهة. ومنذ الهجوم الذي أصابه بشدة وكذلك عدة مسؤولين يمنيين آخرين دخلت الحكومة وقوات المعارضة العسكرية في مواجهة في العاصمة اليمنية. معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

وفي الوقت نفسه فإن الحكومة والقوى القبلية في عدة محافظات جنوبية تقاتل "أنصار الشريعة" وهي جماعة منتمية لـ "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية".

وحيث إن صالح خارج البلاد، كان نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي هو الذي يشرف على الحكومة على الرغم من أن نجل الرئيس - أحمد علي الذي ينرأس أيضاً "الحرس الجمهوري" - قد انتقل إلى القصر الرئاسي. وبدون وجود خطة مقبولة لكسر حالة الجمود التي وقعت فيها الحكومة والمعارضة، يواصل المسؤولون جهودهم لإقناع صالح الكبير بقبول انتقال سلمي وعدم العودة إلى اليمن. وفي حين تتحسن صحة الرئيس، ستحتاج صنعاء إلى رسم طريق سياسي نحو تشكيل حكومة شرعية تتمكن من تحمل المسؤوليات ويمكنها أن تكون شريكة مع الولايات المتحدة لإلحاق الهزيمة بـ "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية".

ثورة راكدة

بدأت الاحتجاجات ضد حكم صالح، بعد وقت قصير من قيام التونسيين بالإطاحة بقائدهم الذي حكمهم لفترة طويلة، وكان ذلك في كانون الثاني/يناير. وقد قاد المظاهرات في بدايتها شباب يدعون إلى الإطاحة بعائلة صالح بكاملها من السلطة. وسرعان ما انضم إليهم "أحزاب اللقاء المشترك" - الذين هم أعضاء المعارضة السياسية الذين لم يدعوا إلى تنحي صالح في البداية وطالبوا فقط بعدم ترشحه لإعادة انتخابه في عام 2013 أو ترقية ابنه للرئاسة.

إن تنازلات صالح الأولية - وهي الموافقة على عدم الترشح في عام 2013 أوالضغط من أجل إجراء تعديل دستوري يسمح له بالحصول على فترة ثانية أو ترقية ابنه - لم تقدم الكثير للحد من الاحتجاجات. فبعد تنحي الرئيس المصري في 11 شباط/فبراير، اشتد عزم المظاهرات حيث بدأ اليمنيون في رؤية بلدهم باعتبارها التالية في تغيير القيادة. وزادت أعمال العنف، كما استحث عدد القتلى المتصاعد حدوث انشقاقاً عميقاً في الائتلاف الحاكم بالإضافة إلى انشقاقات جماعية لصالح المعارضة.

وبعد مذبحة المحتجين في 18 آذار/مارس من قبل قوات تابعة لصالح والتي تسببت في قتل 52 شخصاً زادت مشاكل صالح سوءاً. وفي 21 آذار/مارس أعلن اللواء علي محسن الأحمر أنه سوف يدعم ويحمي المحتجين الذين يسعون إلى إزالة الرئيس من السلطة. وقد أشار ذلك إلى انشقاق كبير داخل المؤسسة العسكرية التي دعمت صالح سابقاً. وفي أواخر أيار/مايو اشتدت الانقسامات عندما هاجمت قوات صالح بيت صادق الأحمر كبير مشايخ "اتحاد قبائل حاشد" وأحد الخصوم السياسيين الرئيسيين للرئيس.

وعلى الرغم من الانشقاقات العسكرية والسياسية العديدة استمر صالح في الاحتفاظ بالسلطة، ويرجع ذلك جزئياً لأن خصومه يفتقرون إلى الوسائل الدستورية لعزله دون موافقته. وقد استشهد بعض الخصوم بالمادة 116 من الدستور التي تنص على أنه لو كان الرئيس عاجزاً عن تحمل واجباته لستين يوماً فيجب نقل السلطة التنفيذية إلى نائب الرئيس تليها إجراء انتخابات رئاسية جديدة في غضون ستين يوماً. غير أن مناصري صالح يصرون بأنه يجتمع مع كبار الشخصيات في السعودية ويتخذ قرارات تنفيذية.

وعلى الرغم من هذه العوامل إلا أن فرص تحول الصراع إلى حرب أهلية عامة، هي فرص قائمة لكنها غير مرجحة. إن قرار صالح بتعزيز جيشه حول معقل الأحمر يؤكد أنه يعتبر بأنه بإمكان احتواء التحدي الآتي من خصمه.

تنظيم «القاعدة» يملأ الفراغ

مع انتشار قوات الجيش اليمني في صنعاء إما لحماية النظام أو تغييره، استغل "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" الفراغ الأمني الناتج عن ذلك في المناطق الريفية. وفي 29 أيار/مايو على سبيل المثال اجتاح أكثر من 200 ممن يدعون أنهم أعضاء في "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" بلدة زنجبار عاصمة محافظة أبين في الجنوب. جاء ذلك بعد عملية مشابهة في مدينة جعار المجاورة حيث يقال إن أعضاء من «التنظيم» قد استولوا على مصنع ذخيرة في 27 آذار/مارس. وقد شهدت الأشهر القليلة الماضية أيضاً العديد من عمليات قتل على نطاق أصغر فضلاً عن سرقات واغتيالات قام بها "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية."

أسئلة كبيرة باقية

الأسئلة المحورية حالياً هي ما إذا كان صالح سيعود إلى اليمن، وإذا عاد ما هي طبيعة نواياه. فلطالما قد عبر عن فخره بتوحيد البلاد وحُكمها بطريقة ديمقراطية نسبياً على الأقل حسب المعايير الإقليمية. كما أن سفير الولايات المتحدة لدى اليمن جيرالد فيريستين وصفه مؤخراً بأنه "شخص عنيد لا يمكن هزيمته بسهولة." وحيث نجا من الهجوم على قصره يبدو صالح غير راغباً في إعطاء خصومه الترضية لمطاردته خارج البلاد. وعلاوة على ذلك، تحتفظ أسرته ومناصروه السياسيون والقبليون بوجودٍ قوي في اليمن وسيلعبون على الأرجح دوراً هاماً في كل ما تسفر عنه النتائج. وفي الحقيقة، ما يزال مستشارو صالح يصرحون أنه سيعود. وفي غياب أي تطورات جديدة تجبره كرهاً على اتخاذ قرار ما، فلديه الوقت الكثير للتعافي وتخطيط تحركاته التالية.

الخيارات الأمريكية

على الرغم من أن السياسة الأمريكية تدعو إلى الإطاحة بصالح سلمياً إلا أن مناخ اليمن السياسي الغامض لا يقدم أية حلول محتملة. غير أن واشنطن يمكن أن تتخذ خطوات معينة لتحسين مناخ انتقال السلطة وتثبيط الصراعات العسكرية وإخماد انبعاث "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" وإرساء الأسس لقيام يمن مستقر يمكن أن يكون شريكاً مع الولايات المتحدة بشأن قضايا مكافحة الإرهاب.

"تشجيع الانتخابات البرلمانية:"إن أي انتقال ديمقراطي سلمي سيتطلب عقد انتخابات رئاسية وبرلمانية شفافة ونزيهة وشرعية. وعلاوة على ذلك فإن إجراء الانتخابات التشريعية المؤجلة سابقاً عاجلاً وليس آجلاً يمكن أن يساعد على تخفيف الصراع وإعادة تركيز طاقات المحتجين وإعطاء مناصري صالح والمعارضة قدراً من النفوذ السياسي. وفي خطابه في 2 شباط/فبراير أمام البرلمان أعلن صالح أن الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في الأصل في 27 نيسان/أبريل سيتم تحديد موعد جديد لها للسماح بالقيام بتصنيف أفضل لسجلات الناخبين، الذي كان يمثل مطلباً أساسياً للمعارضة في ذلك الوقت. ولتخطي حالة الجمود المستمرة يمكن لليمن إجراء هذه الانتخابات الآن بينما ما يزال صالح يتعافى في السعودية. ومن شأن ذلك أن يسمح للبلاد وضع مسألة رجوعه جانباً، حتى إذا كان ذلك لوقت قصير، وتحريك الإصلاح والحلول السياسية إلى مركز الصدارة.

"تعيين مبعوث خاص." إن أي حل سياسي في اليمن سوف يتطلب وجود المزيد من الموظفين الدبلوماسيين الأمريكيين. ينبغي على واشنطن التفكير في تعيين مبعوث خاص لمساعدة السفير فيريستين على التواصل بقوة أكبر مع الشركاء الإقليميين وممثلي العشائر في المناطق الريفية في اليمن وفصائل سياسية في صنعاء وتعز وعدن.

"توسيع التدريب العسكري وزيادة عدد الاتصالات القبلية." ينبغي على واشنطن أن تقترح برنامجاً تدريبياً أكثر قوة للهيئات الأمنية اليمنية ونشر أفراد يمكنهم العمل كشبكة غير رسمية من المستشارين والوسطاء بين المتقاتلين الرئيسيين. وتحديداً ينبغي على المدربين الأمريكيين الاندماج في وحدات يمنية في صنعاء والانتشار في المحافظات لتقديم المشورة القتالية ضد "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" وجَسْر الخلافات السياسية بين الفصائل المتناحرة.

"إعادة هيكلة مبادرات التنمية والحوكمة الرشيدة." يجب على واشنطن تقييم الجوانب العملية لتحقيق اللامركزية في الحكم وبرامج التنمية بنقل بعضها من العاصمة إلى الريف، بشراكة مع حكام المقاطعات أو المسؤولين الآخرين. ومن شأن هذا المنهج أن يعزز الحوكمة المحلية ويخفف بعض المظالم الأساسية التي يستغلها "تنظيم «القاعدة» في الجزيرة العربية" لزيادة دعمه. كما سوف يحسن من فهم واشنطن للحراك القبلي خارج صنعاء.

ويعتمد الكثير على الرئيس صالح نفسه. فعلى الرغم من الحكم عليه من قِبل الكثير من المحللين بخسارة منصبه بعد إصابته إلا أن شفاءه يبدو قوياً.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/آب/2011 - 14/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م