مهد الثورات العربية... تونس تشكو الإحباط

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يبدي الكثير من المواطنين التونسيين استياء متصاعد إزاء الأوضاع القائمة في بلادهم عقب ثورة الياسمين التي اطاحت بنظام بن علي المستبد، ويعزو اغلب المواطنين اسباب استيائهم الى عدم تحقيق الثورة لمعظم مطالبهم، فيما يلوح آخرون الى هيمنة الحرس القديم على مقاليد الامور هناك حتى الان، على الرغم كم فرار وزج العديد الاشخاص المقربين من دائرة النظام المخلوع في السجون قبل يساقوا الى المحاكم المختصة. وباتت الثورة التونسية تمثل رمزا لحركة الاحتجاجات التي تشهدها الشعوب العربية، بعد انطلاق شرارة الثورات من داخل تلك الدولة المتوسطية.

ثورة لم تأت بالعدل بعد

فيما تابع العالم العربي محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك الاسبوع الماضي مذهولا لرؤية الزعيم الذي قاد بلاده لثلاثة عقود وراء القضبان في قاعة محكمة أفرجت تونس في هدوء عن وزير العدل السابق المكروه.

جاء الافراج عنه بينما تونس تفيق من انباء فرار سيدة العقربي وهي شخصية بارزة في النخبة التونسية القديمة الحاكمة والمتهمة بالفساد الى باريس دون أن تتم محاكمتها. وبعد مرور سبعة اشهر على الاطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي والتي كانت الشرارة التي فجرت احتجاجات "الربيع العربي" التي هزت العالم العربي لا يزال التونسيون بانتظار إقامة العدل.

وفي حين مثل مبارك وابناه جمال وعلاء امام محكمة مصرية ليواجهوا اتهامات لم يعد بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي من المنفى بالسعودية. وصدرت عليهما أحكام غيابية بالسجن مما أغضب التونسيين المتعطشين للمحاسبة بعد 23 عاما من القمع السياسي والفساد المستشري والمحسوبية.

وقال سامي وهو سائق سيارة أجرة "محاكمة بن علي غيابيا لفتة فارغة. من الصعب اعادته الان لكن عليهم على الاقل محاكمة رموز الفساد المتبقية." وأضاف "محاكمة مبارك عمل بطولي. حتى مبارك بطل لانه لم يهرب. ليس جبانا مثل بن علي."

وليس هناك تفسير رسمي للافراج عن الوزير السابق لكن قضيته لم تغلق رسميا. وكانت العقربي مقربة من زوجة بن علي وكانت ضمن بطانة الرئيس.

وليست صدفة أن كثيرا من التونسيين يقولون ان العقربي فرت من تونس قبل ايام من اصدار ممثل ادعاء أمرا بمنعها من السفر. وتقول مصادر قضائية انه تم تأجيل القرار بسبب تراكم العمل لكن التونسيين يشتبهون على نطاق واسع في أنه تم تسريب المعلومة للعقربي.

ويقول محللون وساسة ان حلفاء بن علي السابقين لا يزالون في مواقع السلطة ويعملون من وراء الكواليس لانقاذ أصدقائهم وحماية مصالحهم وتقويض المكاسب التي حققها الشعب منذ فر الرئيس من البلاد في 14 يناير كانون الثاني بعد احتجاجات استمرت اسابيع ضد حكمه. بحسب رويترز.

ويقول سفيان الشورابي وهو صحفي شاب وناشط ومدون ساعد في انتشار الثورة من المناطق المهمشة الى تونس العاصمة في ديسمبر كانون الاول ان الصراع الان بين من دعموا الثورة التونسية وبعض جيوب النظام السابق الذين يريدون حماية مصالحهم السياسية والاقتصادية السابقة. واستطرد قائلا ان في هذه المعركة فان الاركان الاساسية للتحول الديمقراطي مثل ارساء قيم المحاسبة والعدالة والعقاب لا تزال في حالة مستمرة من التقدم والتقهقر.

وفي اليوم الذي حاكمت فيه محكمة تونسية علي السرياطي مدير الامن الرئاسي و23 من اقارب بن علي والطرابلسي تجمع المحتجون في شارع الحبيب بورقيبة الذي كان مركزا للمظاهرات التي أسقطت الرئيس السابق. وتم القاء القبض على الاقارب في المطار بينما كانوا يهمون بالفرار ومعم أموال ومجوهرات في الليلة التي فر فيها بن علي.

ولا يشعر التونسيون بالرضا عن المحاكمات والافراج عن المحتجين والانتقال الى انتخابات تجري في 23 اكتوبر تشرين الاول ويتحدثون عن أن الثورة "سرقها" فلول نظام بن علي. يقول نعمان القدري (39 عاما) وهو طبيب كان يجلس على درج المسرح الوطني التونسي حيث عقد تجمع حاشد "سمحوا للمجرمين المعروفين بالانصراف. هذه مؤشرات على مشاكل عميقة في القضاء... لا يوجد من يوقف ثورتهم المضادة سوانا بتحركنا كأفراد." وأضاف "نحن نحتج على وضع القضاء في بلادنا. نريد قضاء مستقلا وهو أمر حاسم في هذه المرحلة لبناء مستقبلنا."

وكان مليونا تونسي من جملة عشرة ملايين نسمة أعضاء في حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان بن علي يحكم من خلاله. وتم حل الحزب منذ قيام الثورة. ويلتزم أعضاؤه الصمت الان بشأن انتماءاتهم لكنهم لم يختفوا.

وفي حين أن المحامين والقضاة لعبوا لفترة طويلة دورا مهما في معارضة الحكم الشمولي لبن علي وشاركوا في الاحتجاجات التي أسقطته فان التونسيين يخشون من أن يؤثر المتعاطفون سياسيا مع الرئيس السابق على الاحكام القضائية.

وضاق التونسيون ذرعا بالقضايا التي تأجلت مرارا وتكرارا. ومن أمثلة هذا قضية حسام الطرابلسي بشأن مقتل سبعة اشخاص عام 2007 في حفل نظمه. ويعترف التونسيون بأنه تم احراز تقدم. وفي تونس القديمة لم تكن لتعقد محاكمة في قضية من هذا النوع. غير انهم يشعرون بأنهم ما لم يواصلوا الضغط فربما يفقدون مكاسبهم.

ومن المزمع تنظيم المزيد من المظاهرات للمطالبة باصلاح قضائي لضمان الا تذهب هباء دماء اكثر من 100 شخص قتلوا خلال الاحتجاجات التي أسقطت بن علي.

يقول سامح التويتي (25 عاما) الذي ذكر أنه شارك في تلك الاحتجاجات "حتى الان لم يتم سجن أي ممن قتلوا الشهداء في الثورة... ما الذي تفهمه من هذا.."

حقوق المرأة

 في سياق متصل تظاهرت نحو الف من المدافعات عن حقوق المرأة في تونس مع حلول ذكرى اقرار تشريع رئيسي في تونس منح المرأة حقوقا متكافئة مع الرجل، وسط مخاوف من تراجع تلك الحقوق مع صعود الاسلام السياسي بعد الاطاحة بنظام زين العابدين بن علي.

وكان اول رئيس للبلاد، الحبيب بورقيبة، قد اقر في 13 اب/اغسطس 1956 قانون الاحوال الشخصية التونسي ما ساعد في تشكيل دستور عام 1959 واعتبر وثيقة غير مسبوقة في العالم العربي.

ولا يشير القانون الى الشريعة الاسلامية كمصدر للتشريع ويحظر تعدد الزوجات كما ينص على المساواة بين الجنسين في العمل وامام المحاكم. ونظم تجمع من مجموعات للدفاع عن حقوق المرأة التظاهرة السبت للاصرار على ترسيخ تلك الحقوق التي نص عليها قانون الاحوال الشخصية في الدستور الجديد المقرر صياغته في اعقاب انتخابات تشرين الاول/اكتوبر المقبلة.

وقالت احلام بلحاج التي ترأس الرابطة التونسية للمرأة الديموقراطية "نحتفل بذكرى اقرار قانون الاحوال الشخصية التونسي". واضافت ان المساواة بين الجنسين في تونس "تواجه خطرا يتمثل في خسارة مكتسباتها" التي حازتها خلال العقود الماضية.

ومن المقرر ان ينتخب التونسيون في 23 تشرين الاول/اكتوبر من سيعهد اليهم مهمة صياغة دستور جديد يحكم البلاد. يذكر ان حركة النهضة الاسلامية، التي كانت محظورة ابان حكم بن علي ولم يصرح بها سوى في اذار/مارس، تتمتع بدعم شعبي كبير ويمكن ان تصبح، بحسب استطلاعات الرأي، قوة سياسية يحسب لها حسبان.

غير ان ممثلي الحركة الاسلامية يقولون انه ليس هناك ما تخشاه مجموعات حقوق المرأة من عودة الحركة الى المعترك السياسي. ويقول نور الدين البحيري احد زعماء الحركة "النهضة تدعم مكتسبات التونسيين، بما في ذلك الحظر على تعدد الزوجات الذي لا يتعارض والقرآن". وتابع قائلا "كانت النساء شأنهن شأن الرجال ضحايا الظلم في ظل نظام بن علي وآن الاوان لهن ان يشاركن في الحكم".

ويقول البعض ان بن علي، الذي استمر يحكم 23 عاما، قدم دعما سطحيا لحقوق المرأة لينأى بنفسه عن الاسلاميين، في اطار استراتيجية تهدف الى تهدئة العواصم الغربية المنتقدة لحكمه المستبد.

الانتخابات

الى ذلك قبل ساعات من انتهاء مهلة التسجيل على اللوائح الانتخابية للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقررة في 23 تشرين الاول/اكتوبر المقبل في تونس، بالكاد كانت نسبة المسجلين قد تجاوزت ال 50% رغم تمديد هذه المهلة.

وكان قد تسجل اكثر من نصف الناخبين المؤهلين بقليل بحسب عضو في الهيئة المستقلة للانتخابات. وقال العربي شويخة "وصلنا الى 3,7 ملايين ناخب مسجل، لا بل تجاوزنا هذا العدد، وهي نسبة 52%" على المستوى الوطني". وتابع انه تم تجاوز نسبة ال 50% "من دون احتساب التونسيين المقيمين في الخارج" الذين لم تتوافر احصاءات بشأنهم بعد. واضاف ان "الكتلة الانتخابية على اراضي الوطن تتألف من حوالى 7 ملايين ناخب" موضحا ان الباقي هو عدد الناخبين المقيمين في الخارج (بين 700 و800 الف).

وستعقد الهيئة مؤتمرا صحافيا لاعلان الارقام النهائية حول الكتلة الناخبة والمسجلين. كما ستطلق حملة تسجيل استثنائية تخصص للعسكريين والشرطيين الذين عادوا الى حياة مدنية والشباب الذين بلغوا ال18 بعد انتهاء مهلة التسجيل والاشخاص الذين استعادوا حقوقهم المدنية.

واهمية هذه العملية في نسبة التسجيل الطوعي النهائية. وفي اخر تحديث السبت بلغ عدد المسجلين 3,640 مليونا بحسب الهيئة على موقعها الرسمي على فيسبوك. وبدأ العد العكسي عبر شبكات التواصل الاجتماعية التونسية. فالكثير من مستخدمي الانترنت بدأوا يحثون معارفهم الذين لم يتسجلوا على الاسراع بالتسجيل.

وبدأت هذه العملية في 11 تموز/يوليو الفائت. وكانت مهلة انتهاء التسجيل حددت في 2 آب/اغسطس لكن نظرا الى ضعف التعبئة قرر رئيس الهيئة كامل جندوبي تمديدها اسبوعين في مرحلة اولى قبل اعلان اعتماد التسجيل التلقائي لهذه الانتخابات الاولى ما بعد بن علي.

وفي حزيران/يونيو اعلن رئيس وزراء الحكومة الانتقالية الباجي قائد السبسي ارجاء الانتخابات التي كانت مقررة في 24 تموز/يوليو الى 23 تشرين الاول/اكتوبر بطلب من الهيئة المستقلة للانتخابات. وكان الهدف ايضا من التسجيل وضع لوائح انتخابية جديدة ستكون بالطبع مختلفة بالكامل عن لوائح وزارة الداخلية السابقة التي طالما زورت الانتخابات في فترة بن علي.

والمراحل التالية من هذه العملية هي التدقيق في لوائح الناخبين في 20 آب/اغسطس، ونشر مرسوم دعوة الناخبين الى التصويت في 30 آب/اغسطس ثم اطلاق الحملة الانتخابية في الاول من تشرين الاول/اكتوبر.

وبعد الضجة الاعلامية الرامية الى حث الناخبين على التسجيل، يكمن التحدي امام هيئة الانتخابات والاحزاب السياسية والحكومة في تجنب نسبة مرتفعة من الممتنعين عن التصويت.

تطهير القضاء

كما تظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس مطالبين باصلاح القضاء ومحاسبة كل فلول النظام السابق. وتأتي المظاهرة في الوقت الذي يمثل فيه 23 فردا من عائلة الرئيس السابق زين العابدين بن علي وزوجته امام المحكمة بتهم محاولة الفرار من البلاد وتصدير عملات أجنبية.

وكان المتظاهرون الذي بلغ عددهم اكثر من 300 شخص قبل ان تفرقهم الشرطة يحتجون على ما قالوا انه "تهاون القضاء في محاسبة اتباع بن علي المتورطين". ورفع المحتجون لافتات كتب عليها "نريد قضاء مستقلا ونزيها" و"حاكموا ازلام النظام" "كفانا من ممارسات النظام السابق" و"لا للاستبداد يا عصابة الفساد".

وفجر الافراج عن البشير التكاري وزير العدل السابق موجة من الغضب في الشارع التونسي. وزاد هروب السيدة العقربي وهي حليفة كبيرة لنظام بن علي رغم انها ملاحقة قضائيا من حدة التوتر.

مدير أمن بن علي

من جهته اعتذر علي السرياطي مدير أمن الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي والرجل القوي في النظام السابق للشعب التونسي ليكون بذلك أول المسؤولين في تونس ومصر يعتذر للشعب علنا ضمن سلسلة محاكمات يخضعون لها في البلدين.

وفاجأ السرياطي الحاضرين في القاعة في نهاية الجلسة عندما صاح قائلا "أطلب من الشعب التونسي المعذرة..اطلب منهم العفو...انا تونسي واحب تونس واحب علمها".

ويواجه السرياطي في قضايا منفصلة تهما باثارة البلبلة في البلاد ودفع التونسيين للاقتتال بعد ان القي القبض عليه في مطار العوينة الرئاسي بعد لحظات من اقلاع طائرة بن علي الى السعودية.

ويعتقد كثير من التونسيين ان السرياطي هو من يقف وراء عمليات قنص وقتل عشوائي عقب الاطاحة ببن علي. وتنفي عائلته هذه التهم وتقول ان بريء.

وصدرت أحكام غيابية بالسجن على بن علي في ثلاث قضايا منفصلة لكنه لم يعتذر للشعب التونسي وقال في بيان عن طريق محاميه ان محاكمته ملفقة وسياسية تهدف للفت النظر عن الاوضاع المتردية في البلاد. وفي مصر التي يحاكم عدد من مسؤوليها لم يعتذر أي مسؤول للشعب. وخلال محاكمة السرياطي وأفراد من عائلة بن علي والطرابلسي فرضت اجراءات امنية مشددة حول قصر العدالة في العاصمة حيث تجري المحاكمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/آب/2011 - 14/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م