رمضان المبارك ومساوئ الفضائيات العراقية

شبكة النبأ: لا نأتي بجديد حين نقول ان الله تعالى، جعل من شهر رمضان المبارك، فسحة روحية يراجع فيها الانسان، سلوكه وافكاره ومسارات حياته، لتساعده هذه الفسحة على تصحيح الخطأ، خاصة ذلك الذي يتعلق بالروح والنفس، لأن أشد الاخطاء وأخطرها هي أخطاء النفوس، لأنها ذات نتائج بالغة السوء على الانسان، فيما لو أطلق العنان للنفس، وفشل صاحبها أو حاملها، في الحد من جموحها نحو الرغائب المحرمة او المتعارف عليها.

إن جميع الاديان السماوية، والأفكار الايجابية التي جاءت بها الفلسفة، والعلوم الانسانية، والتقاليد والاعراف وسواها، جميعها تحاول أن تسند عزيمة الانسان في صراعه الازلي مع النفس، هذا الصراع الذي يرافقه طيلة عمره، فإذا انتصر فيه فاز بالدنيا والآخرة، واذا خسر فيه خسر الدنيا والآخرة.

وشهر رمضان المبارك، شهر من بين أثني عشر شهرا من شهور السنة، إختاره الله تعالى لكي يشكل نقطة تصحيح كبرى للانسان، ولكي يدعم جميع التوجهات الصالحة فيه، للمساعدة في تغيير الانسان نحو الافضل، ولهذا وُصف هذا الشهر بأنه الفرصة الامثل أو الذهبية للانسان، لكي يراجع نفسه، ويصحح اخطاءه، بعد أن يقوي الجانب الروحي لديه، على حساب المادي، الامر الذي يجعله قادرا على مقارعة نفسه وجنوحها الدائم نحو الرغبات المحرمة.

من الامور الغريبة التي تحدث في هذا الشهر عادة، أن معظم القنوات الفضائية، تجعل منه فرصة لتسويق الاعمال الدرامية وغيرها، بل بعض الفضائيات تبالغ في هذا الامر فتصرف أموالا طائلة كي تجتذب المشاهد، ولعل المشكلة الماثلة امامنا، لا تتمثل بعرض الاعمال الدرامية المتنوعة عبر شبكة من الفضائيات العربية المتعددة فحسب، بل في نوع العروض التي تقدمها الفضائيات للصائمين، بعد رحلة شاقة وطويلة مع ساعات الصوم.

فما أن يرفع اذان المغرب، ويبدأ الناس بالافطار، حتى تنطلق هذه الفضائيات في سباقها المحموم، بعرض اعمالها الهابطة على الناس، بحجة الترفيه عنهم بعد طول عناء الصيام، فتبدأ رحلة الاسفاف الفني المستهجَن، ويبدأ الرقص العشوائي، مدعوما بكلمات خادشة وسخيفة في آن، ناهيك عن المسلسلات التي تحاول ان تتخذ من الكوميديا مطية لتوصيل افكارها وانتقاداتها، لكنها تعلن بوضوح عن اهدافها المبطنة التي تسيء للناس، اكثر مما تقدم لهم من ترويح وافكار جيدة وما شابه.

إننا لا نزال نتذكر اعمالا درامية ضخمة، قدمتها بعض الفضائيات العربية والعراقية، في رمضان قبل عقود، فهناك على سبيل المثال وليس الحصر مسلسل (رأفت الهجان) من بطولة الفنان محمود عبد العزيز، الذي يتحدث عن احد ملفات المخابرات المصرية والتجسس في اسرائيل، ان الذاكرة لا تزال تحفظ لهذا المسلسل قدراته الفنية الجيدة، كذلك الحال مع مسلسلات واعمال اخرى لاتُنسى، منها مثلا مسلسل (مناوي باشا) باجزائه العديدة، او الذئب وعيون المدينة، او مسلسل (عابر سبيل) لاسامة انور عكاشة وبطولة عبد الله غيث، هذه الاعمال كانت تزخر بالافكار الرائعة، وكانت تعج بصراع الخير والشر، وانتصار الحق في آخر المطاف، عبر مضمون ناجح ومقنع، وتقديم  فني بالغ الدقة والنجاح.

ولنأت اليوم ونقارن بين الامس واليوم، ولنشاهد ما تعرضه الفضائيات بعد التقدم التقني الكبير في مجال صناعة الدراما، لنجد أن العلاقة عكسية تماما بين تطور تقانات الانتاج الفني، وبين مضمون الاعمال التي تعرض للمشاهد، لا سيما تلك التي تعرض في شهر رمضان المبارك، والمشكلة الكبرى تكمن في التعمّد والإيغال بتخريب الذائقة الشعبية، من خلال تسويق ألفاظ وكلمات خادشة وسيئة، ناهيك عن الافكار الهابطة التي تطرحها هذه الاعمال.

والملاحظ أن الغناء المتهافت والرقص العشوائي، اخذ حصة الاسد في هذه الاعمال، يدعم ذلك كلمات لا تعرف ماذا تريد، ولا تتقن أهدافها، فتسيء لنفسها ولمن يسمعها في آن، كل هذا والاخوة القائمون على تلك الفضائيات، يظنون بأنهم يقدمون شيئا ذا بل للمشاهد، فإذا كان ظنهم هذا قائما فعلا، فإننا نقول لهم: أوقفوا المهازل التي تعرضونها، واجعلوا من رمضان فرصة لتقديم الاعمال المتوازنة التي تقف الى جانب الخير والحق والجمال، ولا تسيء لوعي المشاهد وذائقته في آن. فخير للفضائيات أن تقول كلمة الحق والخير عبر اعمالها، وإلا فلتصمت ولتكف عن التخريب المتعمَّد لذائقة الناس وافكارهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/آب/2011 - 13/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م