أسواقنا بؤر للتخلف الإنساني

زاهر الزبيدي

نراقب الفضائيات العربية والعالمية فنمتلئ بؤساً وحسرة على ما أهدرناه من وقت ونحن نبتعد عن مسار التطور الحضاري وأشير هنا الى طبيعة أسواقنا الشعبية التي يتم التداول بها بأطعمتنا من الخضروات والفواكه وبعض البقوليات واللحوم.. فلغاية الآن لم ادخل سوقاً في بغداد ممكن أن يقارب ولو بجزئية بسيطة نوعية تلك الأسواق في العالم العربي ولا سبيل للمقارنة مطلقاً مع تلك الأسواق في بلدان العالم الذي قفز قفزات نوعية واسعة في مجال تطوير أسواقه فأنت ما أن تدخل تلك الأسواق حتى تكون قد اقتربت من خيال كبير لكونك لم ترى مثل تلك الأسواق من حيث النظافة والتنظيم والتوزيع وتنوع المداخل والمخارج وراحة التسوق.

ففي أسواقنا، وأشير هنا بعد مراقبة كثيفة لمجموعة من أسواق مدينة الشعب، التي تمثل نموذجاً لأقذر الأسواق في العالم يخيل إليك أنها ستدخل يوماً في موسوعة غينيس لأقذر الأسواق، إذا ما لم تكن قد دخلتها فعلاً، فالأسواق هنا تطوف على بركاً خضراء قديمة جداً من المياه الأسنة التي تحتوي على ملايين الأنواع من الجراثيم والمايكروبات التي وجدت لها مرتعاً خصباً للتكاثر والانشطار بأرقى أنواعه.. لقد أصبحت بالفعل منتجعاً جرثومياً واسعاً ومتشعباً والله وحده يحفظ هذا الشعب من أن يصاب بوباء يبيده عن بكرة أبيه..

 تساؤل : إلا يوجد احد من المجلس البلدي لديه عينان كعيون البشر وقلب كقلوبهم يرى تلك المأساة وينقلها الى رئيس المجلس كي يتخذوا الأجراء المناسب للقضاء على تلك القذارة بحملة واحدة تحمل عنوان الغيرة العراقية على شعب وأطفال العراق ؟ أم أن هناك من نقلها وهناك من "غلّس" على تلك المأساة لأنها لا تحقق ربحاً شخصياً.. أم أن لا أحد هناك لديه القابلية على رؤية القذارة أو أن يميزها عن النظافة والمصطلحان أصبحا لديه بمعنى واحد كما أصبح لدى الكثيرين من القيادات المحلية التي فقدت الرؤيا لواقع محلاتها ومدنها واسواقها.. أو إن المحاصصة هي وحدها التي أطاحت بهذه الأسواق لتبلغ درجة عالية جداً جداً في قذارتها..

والتساؤل : ألا من سبيل اليوم لإعادة النظر بتلك الأسواق.. ألا يوجد "شريف" واحد قادر على أن يميز تلك الأسواق العالمية والعربية ويضع رؤية عصرية لأسواقنا التي أصبحت مصدراً لأقوى الملوثات في العالم ومختبراً بايولوجياً لإنتاج الأوبئة ؟ ألا يوجد شريف في هذا الوطن يتقدم بتلك الخطوة لإنقاذ أبناء شعبه من تلك القذارة التي لم تعد هناك قذارة تضاهيها في العالم.

آلاف المهندسين المعماريين ينتظرون فرصتهم لتقديم نماذج من التصاميم وآلاف أخرى على أبواب التخرج من كلياتهم المعمارية وهم بحاجة الى مشاريع تخرج كي يبدعوا فيها.. فلماذا لا يبدأوا بتلك المشاريع.. الأسواق الشعبية.. محطات التعبئة.. المدارس.. محطات انتظار الباص.. محطات القطارات.. أماكن التسلية.. وتنقل تصاميمه الفائزة لتنفذ بسرعة عن طريق الشركات الحكومية.. التي تضم آلافاً أخرى من المهندسين المدنيين ممن ينتظرون فرصتهم للإبداع وآلاف أخرى من العمال المهرة، تشهد عليهم نسب البطالة، بانتظار فرصة للعمل وكسب رزقهم من عرق جبينهم لا من دماء الآخرين وأشلائهم..

فمتى يتم التحرك أم أن سلاسل التخلف أغلتنا وجعلتنا نتخبط بتلك الموازنات المليارية نجلس أمامها شاردي الذهن لا نعرف ما نحن فاعلون !. وأين هو محرك تلك النهضة ذو الغيرة على أبناء شعبه ليخلصهم من وحل قذارتهم لينقلهم ويهيئهم لعالم جديد مليئاً بالحضارة.. أين !!

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/آب/2011 - 13/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م