نقاط التأثير بين الامن الوطني والامن الانساني

رياض هاني بهار

يعد التحول في مفهوم الأمن نتيجة منطقية لتغير المشهد الدولي بشكل نوعي؛ وهو ما أدى لإعادة النظر في كافة الافتراضات الأساسية للمعادلة الأمنية في العلاقات الدولية.

فلم يعد الفعل والتأثير في العلاقات الدولية حكرًا على الدولة الوطنية؛ إذ أصبح هناك فاعلين دوليين من غير الدول كالمنظمات الحكومية الإقليمية والدولية، والمنظمات الدولية غير الحكومية.

ومن ناحية أخرى: حدث تحول في طبيعة مصادر التهديد للدولة الوطنية؛ إذ لم يصبح التهديد العسكري الخارجي هو مصدر التهديد الوحيد لأمن الدولة (كما يفترض أنصار المنظور الواقعي). فالدولة أصبحت الآن تواجه بأنماط عدة من مصادر التهديد، والتي ليست بالضرورة مصادر عسكرية، ومنها تجارة المخدرات عبر الحدود، والجريمة المنظمة، وانتشار الإرهاب الدولي، وانتشار الأمراض والأوبئة كالإيدز، وانتشار الفقر، والتلوث البيئي... إلخ.

وعجز المنظور التقليدي للأمن عن التعامل مع تلك القضايا؛ إذ إن التهديد في معظم الأحيان غير مرئي أو واضح. كما أن القوة العسكرية لا تصلح كأداة لمواجهة تلك الأنماط من مصادر التهديد الذي قد تفوق آثاره المدمرة آثار التهديد العسكري المباشر، فتشير الإحصاءات إلى أنه خلال العقد الماضي تم إنفاق 240 بليون دولار على علاج الإيدز في العالم، وهناك 24 شخصًا يموتون جوعًا كل دقيقة.

 والأخطر من ذلك أنه لا يمكن لأي دولة أن تغلق حدودها أو أن تستخدم القوة العسكرية للحيلولة دون انتشارها. والخلل الاقتصادي والسياسي في أي مجتمع لم يعد يقتصر على المواطنين فقط بل تمتد تلك الآثار لخارج الحدود في صورة تلوث، وأمراض وأوبئة، وإرهاب، ولاجئين. ومن ثم يتطلب التعامل معها تعاونًا على المستوى العالمي وبأدوات مختلفة.

وكان لزامًا أن يؤدي ذلك إلى تغير أجندة العلاقات الدولية، فشهدت العقود الأخيرة مزيدًا من التركيز على مجموعة من القضايا، ومنها قضايا تلوث البيئة، والانفجار السكاني، وقضايا اللاجئين، وقضايا الأمن البحري، وغيرها من القضايا العالمية. ولم يصبح بمقدور دولة واحدة السعي لتحقيق أمنها منفردة، فلم تمنع القوة النووية التي كان يملكها الاتحاد السوفيتي والتي كانت تكفي لتدمير العالم عشرات المرات من تهاويه.

وعلى جانب آخر حدث تحول في طبيعة الصراعات ذاتها؛ إذ أصبحت معظم الصراعات داخلية بين الجماعات والأفراد وليست بين الدول، فتشير الإحصاءات إلى أنه من بين 61 صراعًا شهدها عقد التسعينيات من القرن العشرين كان 58 منها صراعًا داخليًا -أي بنسبة 95% تقريبًا- و90% من ضحايا تلك الصراعات من المدنيين وليسوا عسكريين ومعظمهم من النساء والأطفال. فالصراعات أصبحت بين جماعات وليست بين الدول والضحايا فيها من المدنيين.

ومصادر التهديد الأساسية للدول لم تعد مصادر خارجية فحسب، بل أصبحت من داخل حدود الدولة الوطنية ذاتها، ومثال النزاعات المسلحة في أفريقيا من الصومال إلى رواندا إلى ليبيريا مثال واضح.

ويتسم هذا النمط من الصراعات الداخلية بشدة التعقيد والتشابك وارتباطها بخلفيات وجذور ممتدة وغاية في التعقيد، بالإضافة إلى الاستخدام المتزايد للعنف، والانتهاك الشديد لحقوق الإنسان.

فإنها في المقابل تفرض مخاطر هائلة على الأمن البشرى في القرن الحادي والعشرين، وهذه المخاطر ستصيب الأفراد في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء.

ويمكن تحديد التحديات التي تواجه الأمن الإنساني في عصر العولمة تتمثل في:

أ. عدم الاستقرار المالي: والمثال البارز على ذلك الأزمة المالية في جنوب شرقي آسيا منتصف عام 1997. إذ أكد التقرير على أنه في عصر العولمة والتدفق السريع للسلع والخدمات ورأس المال فإن أزمات مالية مماثلة يتوقع لها أن تحدث.

ب. غياب الأمان الوظيفي وعدم استقرار الدخل: إذ دفعت سياسة المنافسة العالمية بالحكومات والموظفين إلى اتباع سياسات وظيفية أكثر مرونة تتسم بغياب أي عقود أو ضمانات وظيفية؛ وهو ما يترتب عليه غياب الاستقرار الوظيفي.

ج. غياب الأمان الصحي: فسهولة الانتقال وحرية الحركة ارتبطت بسهولة انتقال وانتشار الأمراض كالإيدز فيشير التقرير إلى أنه في عام 1998 بلغ عدد المصابين بالإيدز في مختلف أنحاء العالم حوالي 33 مليون فرد، منهم 6 ملايين فرد انتقلت إليهم العدوى في عام 1998 وحده.

د. غياب الأمان الثقافي: إذ تقوم عملية العولمة على امتزاج الثقافات وانتقال الأفكار والمعرفة عبر وسائل الإعلام والأقمار الصناعية. وقد أكد التقرير على أن انتقال المعرفة وامتزاج الثقافات يتم بطريقة غير متكافئة، تقوم على انتقال المعرفة والأفكار من الدول الغنية إلى الدول الفقيرة، وفي أحيان كثيرة تفرض الأفكار والثقافات الوافدة تهديدًا على القيم الثقافية المحلية.

هـ. غياب الأمان الشخصي: ويتمثل في انتشار الجريمة المنظمة والتي أصبحت تستخدم أحدث التكنولوجيا.

و. غياب الأمان البيئي: وينبع هذا الخطر من الاختراعات الحديثة والتي لها تأثيرات جانبية بالغة الخطورة على البيئة.

ز. غياب الأمان السياسي والمجتمعي: حيث أضفت العولمة طابعًا جديدًا على النزاعات تمثلت في سهولة انتقال الأسلحة عبر الحدود؛ وهوما أضفى عليها تعقيدًا وخطورة شديدين، كما انتعش دور شركات الأسلحة والتي أصبحت في بعض الأحيان تقوم بتقديم تدريب للحكومات ذاتها؛ وهوما يمثل تهديدًا خطيرًا للأمن الإنساني.

وقد شهدت فترة ما بعد الحرب الباردة اهتمامًا بقدرات الدولة الاقتصادية -بجانب قوتها العسكرية- في توفير الحماية الأمنية على كافة المستويات آنفة الذكر.

فالاتجاه المتزايد نحو التكامل الاقتصادي سهل خلق روابط بين دول تنتمي لنظم وخلفيات سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة؛ وهوما ساهم في خلق مناخ ملائم لتطوير وإنشاء عدد من المبادرات الأمنية.

وإذا كان التحليل التقليدي للأمن قد ركز على دور الترتيبات الحكومية والاتفاقات الدولية في تنظيم مجمل أنماط العلاقات الدولية فإن وجود تلك القواعد لا يعني بالضرورة التزام الدول بتنفيذ تعهداتها في إطارها. ومنها قضايا اللاجئين؛ إذ يوجد عدد كبير من القواعد والاتفاقات الدولية لتنظيم مجمل أوضاع اللاجئين، إلا أن ما تشهده حاليا هو اتجاه متزايد من الدول لعدم تنفيذ التزاماتها الدولية فيما يتعلق بمعاملة اللاجئين؛. فما نشهده حاليا هو اتجاه الدول نحو عدم الالتزام بتنفيذ تعهداتها الدولية. لذا انصب الاهتمام على كيفية التوصل لإطار يمكن من خلاله الدفاع عن القواعد والأعراف الدولية بغية مساعدة الجماعات المختلفة خاصة في وقت الأزمات.

* عميد شرطة متقاعد

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14/آب/2011 - 13/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م