المسلمون في ألمانيا... هل تنجح محاولات رأب الصدع؟

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: من المؤسف حقاً إن تتحول الأديان في وقتنا الحاضر إلى سبب للكراهية والحقد بين الشعوب وهدفاً من أهداف التفرقة والصراع والطائفية المقيته، ومن المؤسف أيضاً ان تتحول العلاقة المميزة والتعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم في أوربا إلى صفيح ساخن وإرهاب متبادل جر إلى نزاع وويلات لا تحمد عقباها أو تعرف نهايته، حتى ضاعت معها الأصوات المنصفة والداعية إلى السلم والتعاون والمحبة بعد إن بات الجميع "وخصوصاً المتشددين من الطرفين" يغرد خارج السرب.

وفي السياق ذاته ومع الجهود الحكومية المتنامية من قبل الدول الأوربية في محاولة منها لرأب الصدع وتقليص الهوة بين المسلمين والمسيحيين في بلادهم، عن طريق إفساح المجال لتدريس الإسلام في مدارسهم "ألمانيا على سبيل المثال" وإقامة الندوات والحوارات لتقريب وجهات النظر وإعطاء مساحة إضافية من الحرية وزج المسلمين في الحياة العامة، إلا إن هذه الخطوات مازالت تصطدم بجدار التطرف الأوربي المتنامي من يمين ويسار، ومازالت تلقى المعارضة الشديدة من قبل فئات أوربية متنفذة ترفض قبول الأخر وتلصق بهت همت الإرهاب والتخلف.

مكافحة التشدد

فقد حث وزير الداخلية الالماني المسلمين في بلاده مؤخراً على الانضمام الى جهود الحكومة لمكافحة التطرف بين الشبان المسلمين مسلطا الضوء بشكل خاص على تأثير مواقع الانترنت التابعة للمتشددين، وقال وزير الداخلية هانز بيتر فريدريش بعد محادثات مع زعماء للمسلمين في ألمانيا وخبراء أمن بشأن كيفية منع انتشار التشدد "نريد الوقوف سويا في وجه التطرف واساءة استخدام الدين"، وأضاف للصحفيين "يجب على جميع مواطني هذا البلد بغض النظر عن ميولنا السياسية أو الدينية المشاركة في مكافحة التطرف والارهاب"، وضرب فريدريش مثلا بشاب من كوسوفو يبلغ من العمر 21 عاما نشأ في ألمانيا هاجم حافلة تقل أفرادا من الجيش الامريكي في مطار فرانكفورت في مارس اذار وقتل اثنين من جنود القوات الجوية، وقال ان الشاب الذي يدعى اريد أوكا والذي اتهمه ممثلو الادعاء الاتحاديون الامريكيون بالقتل تحول الى النهج المتطرف داخل ألمانيا "ليس في بيئة تقليدية مثل مسجد أو مجتمع مسلم ولكن عبر الانترنت"، وقالت المعارضة السياسية في ألمانيا ان الحكومة المحافظة تخاطر بالقاء الشبهات حول كل المسلمين، وقال توماس اوبرمان الزعيم البرلماني للحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي لتيار يسار الوسط "اذا كنا نريد عزل المتطرفين الذين يميلون الى العنف يجب علينا أن ندعم المسلمين المعتدلين ونجعلهم يشعرون بأنهم موضع ترحيب في ألمانيا"، وقال أيمن مازيك رئيس المجلس الاعلى للمسلمين في ألمانيا ان المتطرفين أقلية صغيرة، وأضاف "علينا أن نوضح انهم مجموعة صغيرة وتتناقص وبالحديث عنهم نزيدهم ونقويهم فحسب، لا ينبغي أن يكون هذا هو هدف مثل هذا المؤتمر". بحسب رويترز.

كما دعا الوزير الألماني "هانز بيتر فريدريش" إلى إجراء حوار صريح وناقد حول الإسلام في ألماني، وقال فريدريش خلال ندوة حول موضوع الهجرة والاندماج في العاصمة برلين إن الاحتكاك جزء من عملية الاندماج، وذكر فريدريش أن الصمت عن الاختلافات والنزاعات أسوأ من مناقشتها بشكل علني، موضحا أن الصمت يؤدي إلى الاغتراب والعزلة، وأكد فريدريش أن الهدف من هذا الحوار هو أن يصبح الارتباط الديني للإنسان شيئا مثمرا بالنسبة للمجتمع بدلا من أن يتحول إلى سبب في انعزاله، وأوضح الوزير الألماني أن هذا الأمر سيتحقق من خلال طرح موضوعات حساسة حول الإسلام إلى المناقشة بدون مواراة، وأعلن فريدريش عزمه طرح موضوعات مثل العنف المنزلي والمساواة بين الجنسين والتطرف الإسلامي ومعاداة السامية والعداء ضد المسلمين خلال مؤتمر الإسلام أو مؤتمر "شراكة الوقاية" من التطرف الإسلامي المقرر عقده الجمعة المقبلة، ويهدف المؤتمر الجديد الذي دعا إليه فريدريش إلى إقامة "شراكة أمنية" بين المنظمات والطوائف الإسلامية في ألمانيا وسلطات الأمن لرصد أي توجهات متطرفة بين المسلمين بشكل أسرع.

التصدي للكراهية

في سياق متصل طالب ساسة ومسؤولون في ألمانيا بفرض عقوبات مشددة على الأئمة المسلمين الذين "يحرضون على الكراهية"، وطالب وزير الداخلية المحلي في ولاية هيسن الألمانية، بوريس راين، بطرد هؤلاء الأئمة من البلاد إذا دعوا في المساجد إلى الجهاد القتالي، وقال راين السبت إن الشرطة تواجه حاليا صعوبات شديدة في إثبات أن الإمام المشتبه به يحرض مستمعيه على الكراهية، وذكر راين أنه يوجد في ولاية هيسن حاليا ستة أئمة من أصول أجنبية، مصنفون على انهم "خطر"، مضيفا أن السلطات المختصة في ولايته نجحت في الحصول على حكم ابتدائي بترحيل واحد من هؤلاء الأئمة من البلاد، إلا أنه ليس من المؤكد أن يتم الإبقاء على هذا الحكم في محكمة الاستئناف، من ناحية أخرى، أعاد راين إلى الأذهان الهجوم الذي شنه أحد الإسلاميين مطلع آذار/ مارس الماضي والذي أسفر عن مقتل اثنين منهم، وقال راين "كان هذ أول هجوم كامل ينفذه إسلامي في ألمانيا"، موضحا أن هذه الجريمة ظهرت كالمعتاد كعمل فردي ليس له علاقة بإسلاميين آخرين، ويشار إلى أن التحقيقات أظهرت أن منفذ الهجوم، وهو ألماني من أصول كوسوفية، صار متطرفا خلال فترة قصيرة من خلال مطالعته لمنتديات إسلامية متشددة على الإنترنت. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

ورأى راين أن الشرطة في ألمانيا بحاجة إلى مزيد من إمكانيات التحقيقات التي تساعدها في الكشف عن الهياكل الإسلامية المتشددة في البلاد، مطالبا في ذلك المشرعين بإعادة تنظيم قانون تخزين بيانات الاتصالات التي تجرى عبر الهواتف أو الإنترنت وفقا لقواعد المحكمة الدستورية العلي، وتجدر الإشارة إلى أن هناك خلافا في ألمانيا حول إعادة صياغة قانون تخزين البيانات الذي قضت المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا من قبل بعدم دستوريته، حيث يطالب وزير الداخلية الألماني هانز-بيتر فريدريش بتخزين بيانات الاتصالات لمدة ستة أشهر، بينما تتمسك وزيرة العدل الألمانية زابينه لويتهويسر-شنارنبرجر بمشروع القانون الذي طرحته والذي ينص على تخزين البيانات في حالة الاشتباه فقط، وفي سياق متصل، طالب حزب الخضر الألماني المعارض الحكومة بمنع دخول الإمام المثير للجدل، أبو أمينة بلال فيليبس، للبلاد، وكتب فولكر بيك المدير التنفيذي للشئون البرلمانية للحزب في خطاب لوكيل وزارة الداخلية الألماني أوله شرودر، أن بلال فيليبس، المولود في جامايكا، يعتزم الظهور في فرانكفورت يوم 20 من الشهر، وجاء في الخطاب "أطلب من سيادتكم اتخاذ التدابير اللازمة لمنع دخول بلال فيليبس إلى البلاد"، وذكر بيك في الخطاب أن السلطات نجحت في السابق في منع ظهور بلال فيليبس في حي نويكولن بالعاصمة برلين عام 2009، وأضاف "فيليبس معروف بكراهيته للمثليين جنسيا"، وطالب بيك بتسجيل فيليبس في قائمة الممنوعين من الدخول إلى منطقة شينجن.

الإسلام في المدارس

بدورها قالت وزيرة التربية الالمانية انيت شافان في حديث لمجلة "دي زايت" انها ترغب في ان يعطي ائمة دروسا في الدين الاسلامي في المدارس، وفي المانيا حيث لا يتم فصل الدين عن الدولة، تعطى في المدارس دروس في الديانة الكاثوليكية او البروتستانتية، واضافت الوزيرة انه "يمكن توظيف الائمة في المدارس" بدوام جزئي مثل "الكهنة" لكنها اشترطت ان يتخرجوا من جامعات في الماني، ويتم تأسيس اربعة معاهد لتعليم الشريعة في جامعات توبينغ (جنوب غرب) وارلنغن (جنوب) ومونستر (غرب) وفرانكفورت (وسط) بدعم من وزارة الابحاث، وحاليا يعيش ما بين 3،8 و4،3 ملايين مسلم (يحمل 45% الجنسية الالمانية) في المانيا من اصل 82 مليون، ويشكل الاتراك العدد الاكبر من المسلمين مع 2،5 مليون شخص، وكمعظم الدول الاوروبية، تواجه المانيا مشكلة استيعاب المسلمين الشائكة في مجتمعاته، وبحسب دراسة نشرتها المجلة في كانون الاول/ديسمبر، يعتبر 20% من الالمان ان الاسلام يطرح تهديد، وهذه النسبة اعلى منها في فرنسا وهولندا والدنمارك والبرتغال. بحسب فرانس برس.

يذكر ان حكومة وبرلمان ولاية شمال الراين الواقعة غربي ألمانيا قد وافقت على مسودة قانون جديد لتدريس الدين الإسلامي مادة إلزامية للتلاميذ المسلمين بجميع مدارس الولاية بدءا من العام الدراسي 2012/ 2013، وهو ما لقي بترحاب المنظمات الإسلامية في هذا البلد، ويجعل هذا المشروع شمال الراين أول ولاية ألمانية تقنن تدريس الدين الإسلامي بمناهجها المدرسية، ومن المتوقع أن يستفيد من الحصص الجديدة أكثر من 320 ألف تلميذ مسلم بمدارس الولاية التي تعد أكبر الولايات الألمانية تعدادا للسكان، ويتجاوز تعداد المسلمين فيها 1.5 مليون نسمة من إجمالي السكان البالغين 18 مليون، واعتبر رئيس مجلس أمناء المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا الدكتور نديم إلياس أن المشروع الجديد نتيجة مفاوضات طويلة، بدأها مسلمو شمال الراين منذ أكثر من عشرين عاما مع الحكومات المتعاقبة بالولاية، ووصف إلياس الاهتمام بمشروع تدريس الدين الإسلامي من قبل الحكومة الجديدة للولاية والمشكلة من الحزبين الاشتراكي الديمقراطي والخضر، يظهر نيتها الحسنة في التعامل مع الأقلية المسلمة والانفتاح عليه، كما اعتبرت وزيرة التربية بولاية شمال الراين سيلفيا لويهرمان تقنين تدريس الحصص الدينية للتلاميذ المسلمين بمدارسها، حقبة جديدة ونقلة نوعية في التعاطي مع اندماج المسلمين، وقالت الوزيرة المنتمية للخضر، في بيان صحفي "إن تأييد أكثر من 80% من مسلمي الولاية بتدريس مناهجهم الدينية باللغة الألمانية يعكس تحول الأقلية المسلمة إلى مجموعة شعبية مندمجة ترفض دفعها لحياة المجتمعات الموازية"، وحظيت القراءة الأولى لمسودة قانون تدريس الدين الإسلامي عند قراءته ببرلمان الولاية بتأييد حزبي الحكومة وحزبي المعارضة المسيحي الديمقراطي والديمقراطي الحر، ورفض حزب اليسار المعارض معبرا عن رفضه تدريس الدين بالمدارس ودعا لاستبداله بحصة للأخلاق، وجاء التقدم بمسودة القانون الجديد إلى برلمان الولاية بعد الاتفاق عليه بين وزارة التربية المحلية والمجلس التنسيقي للمنظمات الإسلامية المكون من أكبر أربع منظمات إسلامية بألمانيا، وهي المجلس الأعلى للمسلمين والمجلس الإسلامي الألماني واتحاد المراكز الثقافية الألمانية ومنظمة ديتيب التركية.

وتضمنت مسودة قانون تدريس الدين الإسلامي بمدارس شمال الراين إنشاء مجلس استشاري تشارك فيه حكومة الولاية، ويتولى فيه المجلس التنسيقي للمنظمات الإسلامية تحديد القواعد الأساسية لمادة الدين، والمشاركة في إعداد المناهج والإشراف على تدريسها واختيار المعلمين بمشاركة ورقابة وزارة التربية، وأشارت مسودة القانون الجديد إلى أن الحصص الدينية ستتضمن "معلومات حول الإسلام وتطبيقاته في الحياة اليومية، وتنشئة التلاميذ المسلمين على التسامح وتأهيلهم كبناة جسور بين الحضارات"، وأشار رئيس مجلس أمناء المجلس الأعلى للمسلمين إلى أن المادة السابعة بالدستور الألماني تعطي لكل طائفة دينية الحق في تدريس مناهجها الدينية بشكل مستقل، ودون تدخل من الدولة، وأوضح د. إلياس أن إسناد تدريس الدين الإسلامي في شمال الراين إلى المجلس الاستشاري المكون من وزارة التربية والمجلس التنسيقي للمنظمات الإسلامية، عائد إلى عدم الاعتراف بالمجلس التنسيقي كممثل للمسلمين أمام الدولة، من جهتها أشارت وزيرة تربية حكومة شمال الراين إلى أن برلمان ولايتها سيقوم بتعديل قانون التدريس الديني لدمج المجلس الاستشاري بشكل قانوني في عملية التدريس، وذكرت أن "المجلس سيعمل فترة محددة لحين تولي المسلمين المسؤولية المستقلة لتدريس مناهجهم الدينية إذا استوفت المنظمات الممثلة لهم شروط الاعتراف بها هيئة دينية".

الطريق الطويل 

من جهتها بدأت مؤخراً فعاليات مؤتمر الإسلام في ألمانيا، والذي تطرق في دورته هذا العام إلى موضوع إدخال محاضرات الدين الإسلامي في المدارس الألمانية، وهناك مساع منذ أعوام لتحقيق ذلك في بعض الولايات الألمانية، إلا أن تنفيذ ذلك ليس سهل، وبالنظر إلى الوضع القانوني، فإن محاضرات الدين هي المادة الدراسية الوحيدة المذكورة في القانون الأساسي (الدستور)، والذي ينص على أن محاضرات الدين "مادة تعليمية نظامية" ويتعين تدريسها بعد مراجعة توافقها مع مبادئ المؤسسة الدينية التابعة له، وهذه المادة القانونية تنطبق من الناحية النظرية على المسلمين أيضا، لكن من الناحية العملية هناك نماذج مختلفة لمحاضرات الدين الإسلامي في ألمانيا بسبب اختصاص الولايات بتحديد قواعد التعليم بشكل مستقل عن الحكومة الاتحادية، ويشترط لتدريس محاضرات دينية في المدارس الألمانية أن تكون هناك مؤسسة دينية تقوم بتعريف مبادئها التي ستدرس في محاضرات الدين وتختار جهة معينة تمثلها في التحاور مع الهيئات الحكومية، لأنه ليس مسموحا للدولة بوضع مضمون المحاضرات الدينية، ويتعين على المؤسسة الدينية أن تضمن أن المبادئ التي ستحددها في مناهج الدين لن تتعارض مع المبادئ الأساسية للدستور مثل مبدأ الدولة القانونية أو الديمقراطية. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وتختص كل ولاية بمسألة الاعتراف بالمؤسسات الدينية، ولا يتعين أن يكون مضمون المحاضرات الدينية في المدارس الألمانية موجه بالكامل إلى الدستور الدنيوي، لكن يتعين أن يراعي الحقوق الأساسية التي ينص عليها القانون الأساسي، ومن المشكلات التي تواجه إدخال محاضرات دين إسلامي في المدارس الألمانية أن المسلمين ليس لديهم مؤسسة موحدة، حيث توجد في ألمانيا مؤسسات إسلامية مختلفة مثل (السنة والشيعة والعلوية)، كما يوجد اختلافات عرقية بين المسلمين المتحدرين من دول مختلفة، وتشكو الولايات الألمانية في الغالب من عدم وجود هيئة تمثيلية مركزية للمسلمين تستطيع التحاور معه، ويتطلب الاعتراف بمؤسسة دينية ضمان من المؤسسة نفسها أنها ستستمر قائمة، وتقوم السلطات الثقافية المختصة في الولايات بفحص ما إذا كانت المؤسسة الدينية مستوفية جميع الشروط، ومن المشكلات الأخرى التي تواجه محاضرات الدين الإسلامي هو العثور على المدرسين المناسبين، حيث يتعين أن يلقي المحاضرة مسلمون، وتكون اللغة المستخدمة في المحاضرة هي اللغة الألمانية، ويوجد حاليا جامعات ألمانية قليلة تتولى تدريب المدرسين لتدريس محاضرات الدين الإسلامي في المدارس.

ورغم تلك الصعوبات التي تواجه مساعي إدخال محاضرات الدين الإسلامي يوجد في ولاية شمال الراين، ويستفاليا غربي ألمانيا نوعا من الدراسات الإسلامية باللغة الألمانية في المدارس، وتعتبر تلك الخطوة من أقدم وأشمل التجارب المدرسية في ألمانيا لتدريس العلوم الإسلامية، وقد بدأت عام 1999، وتختلف محاضرات العلوم الإسلامية عن محاضرات الدين الإسلامي من منظور القانون الأساسي، ومن مميزات محاضرات العلوم الإسلامية أن الولاية لا تحتاج إلى مؤسسة دينية معترف بها لمناقشتها في مبادئ المنهج، حيث إنه يتطرق إلى علوم إسلامية محايدة إلى حد كبير، أما في ولاية سكسونيا السفلى غربي ألمانيا فيوجد تجربة مدرسية لتدريس محاضرات دين إسلامي، وبالرغم من عدم وجود مؤسسة دينية مركزية هناك قامت الولاية بتنظيم مائدة مستديرة ضمت المنظمات الإسلامية الممثلة في الولاية، والتي قامت بدورها بوضع خطط لمحاضرات الدين الإسلامي، ولا يثير موضوع محاضرات الدين الإسلامي جدلا في الولايات الواقعة شرقي ألمانيا بسبب قلة عدد المسلمين هناك، ويمثل المسلمون في ألمانيا نحو 5' من عدد السكان (أربعة ملايين مسلم)، وتضم المدارس الألمانية نحو 700 ألف تلميذ مسلم.

مسجد كولونيا المركزي

الى ذلك ومنذ سنوات ومسجد كولونيا المركزي محط الجدل بين مؤيدين ومعارضين، ورغم أنه قد دخل المرحلة الأخيرة من بنائه، مازال الخلاف والنقاش حول هيكله المعماري وموقع تشييده قائمان، تهدف فكرة بناء مسجد كولونيا المركزي إلى تحويله إلى مكان عبادة لجميع سكان المدينة، بغض النظر عن اختلاف عقائدهم وأديانهم وطوائفهم، بهدف تعزيز التعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين، كما أن فكرة جعله مكان لقاء وتعارف وتقارب بين الناس تؤهله كي يصبح رمزا للإندماج الناجح في المجتمع الألماني، ولكن عندما عرضت مخططات البناء من قبل الاتحاد الإسلامي التركي "ديتيب" في كولونيا أمام الرأي العام لأول مرة، استغل معارضون فكرة بناء هذا المسجد الفرصة لإثارة نقاشات حادة حول الجالية المسلمة في كولوني، وتأتي حركة "من أجل كولونيا/ برو كولونيا" اليمينية في مقدمة من بدء بشن الحملة ضد بناء المسجد، وتطالب هذه الحركة اليمينية المتطرفة بوقف البناء معتمدة في ذلك على شعارات معادية للإسلام، ومن طرف آخر ينتقد الكاتب والصحافي المعروف رالف جوردانو بناء المسجد، ويرى أن "عملية الاندماج في ألمانيا أصبحت في خطر جراء هذا المسجد"، ولكن النقاش تحول من نقاش يتعلق بقضايا التعايش السلمي المشترك إلى نقاش حول الشكل المعماري للمسجد وحول موقعه في المدينة، كما ان المهندس الألماني باول بوم أراد من من خلال تصميمه المعماري تجسيد روح التسامح المهندس الألماني باول بوم أراد من من خلال تصميمه المعماري تجسيد روح التسامح أما إذا تحدثنا إلى مؤيدي بناء المسجد نلاحظ في حديثهم مصطلحات ايجابية كثيرة مثل "رَحِب"، "مُنفتح"، "مُشرق"، وهذا هو بالضبط ما أراده المهندس الألماني باول بوم من خلال تصميمه المعماري، فالهيكل المعماري يحتوي على قاعة صلاة مفتوحة، ثم على باحة ضخمة تدعو الناس من جميع الأديان إلى الدخول إلى المسجد، علاوة على قبة مفتوحة إلى الأعلى تبدو كبرعم زهرة على طرفيها تقف أبراج مئذنتين رشيقتين شامختين في السماء، هذان البرجان كانا أساس المشكلة قبل بدء البناء في تشرين الثاني لعام 2009، لقد قيل في البدء في صفوف حركة "برو كولونيا" "أنهما مرتفعتان جداً"، رغم أنهما كانا وفقاً للمخططات المعمارية الأولية أعلى من ذلك حيث يتجاوزان بارتفاعهما كاتدرائية كولونيا، التي تعد أهم معالم المدينة ورمز المسيحية فيها، وهي كنز من كنوز التراث الثقافي العالمي، وبعد نقاشات مطولة في مجلس المدينة، وفي وسائل الإعلام وبين الناس تم التوصل إلى حل وسيط تمثل في أن تبنى أبراج المآذن أقل ارتفاعاً مما يقر به المخطط المعماري، وترى عايشة  آيدين من الاتحاد الإسلامي التركي في كولونيا أن "النقاش الحاد حول بناء المسجد كثيراً ما كان مؤلماً جداً" بالنسبة لها، ولكن من ناحية أخرى كان مفيداً، حيث سلط الضوء على الجالية التركية في كولونيا وتوضح مع الوقت اهتمام المواطنين الألمان به، وتضيف قائلة، "هذه المباني يجب أن تكون مفتوحة أمام الجميع وأن وجود مثل هذا المسجد يمكن أن يقلل من الشعور بالخوف من الغريب ومن المجهول عند الناس ويستطيع أن يكون منصة تواصل اجتماعي بين المواطنين جمعاً".

ان المسلمون جزء من المجتمع الألماني المسلمون جزء من المجتمع الألماني بعدما دمرت مدينة كولونيا جراء القصف خلال الحرب العالمية الثانية، أعيد بناءها بشكل سريع دون أخذ الناحية الجمالية في تخطيط المدن بعين الاعتبار، لذلك يقال بين العامة أن كولونيا ليست بالضرورة مدينة جميلة وهنا يطرح السؤال نفسه لماذا لا يعتبر مسجد مثل هذا بمثابة تعزيزا لصورة مدينة كولونيا الجمالية؟، خاصة وأنه سيكون واحدا من أهم المباني الكبيرة القليلة في كولونيا، التي تملك رونقا وجاذبية خاصة تستمدها من روح التراث المعماري الإسلامي، وكما يقول نوربرت نوسباوم، أستاذ التاريخ المعماري في كولونيا، فإن المسجد "هو شكل نموذجي للعمارة العثمانية، وبهذا سيتحول إلى مسجد تركي وسط الشتات الإسلامي، ورغم أنه وبكل وضوح فن معماري تركي، إلا أنه من المعالم المعمارية الكبيرة في ألمانيا"، كما يعتقد أن العديد من المسلمين سوف يشعرون بالاطمئنان والاستقرار من خلاله وكأنهم في بلادهم، في القرن السادس عشر وصل الفن المعماري العثماني إلى أوجه، وكانت من سمات هذا الفن لوحات الفسيفساء الرائعة التي لا تزال اليوم تهيمن على الأبنية الدينية التركية، هل ستدخل مثل هذه الزخرفات في بناء المسجد في كولونيا؟ السؤال يبقى مفتوح، وحسب الاتحاد التركي الإسلامي في كولونيا، سوف يكون هناك وقتاً كافياً للتفكير بذلك وربما في وقت لاحق تُدمج عناصر عثمانية كلاسيكية في البناء، ولكنّا سنرى في يوم الافتتاح في الربيع المقبل أشعة الضوء، وهي الزخرفة الوحيدة، التي تصب إلى الداخل من خلال النوافذ العالية، ان وجود مثل هذا المسجد يمكن أن يقلل من الشعور بالخوف من الغريب ويستطيع أن يكون منصة تواصل اجتماعي بين المواطنين جمع، وموقع المسجد بين الشارع العام الذي تسيطر عليه حركة سير كثيفة من جهة ومحطة البنزين من جهة أخرى يجعل البعض يعتبره غير لائقا ليكون بيتا للعبادة، لكن المهندس المعماري باول بوم يقول ضاحكاً عندما يُسأل عن ذلك " آمل يكون تصميمي المعماري للمسجد أقوى حضوراً من المحطة أو من غيرها"، وأيضا مخططة المدن المهندسة سوزان غروس ترى أن المحطة ليس لها أي أهمية أو تأثير على موقع المسجد، وتضيف "عدا عن ذلك من يدري فيما إذا كانت المحطة سوف تبقى هنا بعد ثلاثين عاماً"، كما يرى غروس أنه ربما كان اختيار هذا المكان عمداً، وهي على قناعة بأن الفن المعماري يمكن أن يكون له نفس قوة الفنون الأخرى، التي تشد أنظار الناس وتجمع بينهم، والمهندس باول بوم يؤمن أيضاً بهذه القوة التي يحملها الفن المعماري ويقول "رغم أن أغلب المباني الجديدة تحتاج إلى وقت طويل لتعتاد عليها عامة الناس ولتصبح من وجه المنطقة والبيئة المحيطة نرى أن مسجد كولونيا المركزي بدأ بالفعل يملك هذه الصفة منذ زمن وقبل انتهاء بناءه.

في المجتمع البريطاني

من جهة اخرى نشرت الصنداي تلغراف عنوانا على صفحتها الاولى يقول المسلمون اكثر اندماجا في المجتمع من المسيحيين، وفي الداخل مقابلة مطولة مع رئيس لجنة المساواة وحقوق الانسان الحكومية ترفور فيليبس عن تقرير اللجنة الذي صدر مؤخراً حول المساواة والحريات في بريطاني، يحذر فيليبس في المقابلة من ان المسيحيين، خاصة الانجيليين، اكثر تشددا من المسلمين في الشكوى من الاضطهاد مشيرا الى ان كثيرا من دعاواهم تستهدف الحصول على نفوذ السياسي، ويعرب رئيس لجنة المساواة عن قلقه من ان المؤمنين يتعرضون لحصار من الملحدين الذين يتهمهم بانهم يحاولون دفع الدين نحو العمل السري، واعترف تريفور فيليبس بان لجنته لا ينظر اليها على انها تقف مع من يضطهدون بسبب دينهم، مضيفا ان لجنته ترغب في حماية المسيحيين والمسلمين من التمييز ضدهم، ويرى فيليبس ان الطوائف الدينية يجب ان تظل بعيدة عن التدخل في شؤونها مشيرا الى ان من حق الكنيسة ان ترفض تعيين قساوسة مثليين او نساء، وبرأييه ان الدولة يجب ان تقف قوانينها على باب الكنيسة او المسجد، وان ادارة الشؤون الدينية للمتدينين بأي دين هي شأنهم هم، وتقول الصنداي تلغراف ان تقرير اللجنة سيشير الى ان بعض الجماعات المتدينة كانت ضحية تمييز واضطهاد في العقد الاخير، وارتفع عدد الشكاوى من الاضطهاد بسبب الدين العام الماضي الى 100 شكوى، رغم ان عددا قليلا جدا تلك الشكاوى ثبتت جديته، وفي حواره مع الصحيفة، يشير الى فيليبس الى ان بعض الطوائف المسيحية تغالي في مسألة الاضطهاد لاهداف سياسية، ضاربا مثلا بالتركيز على المثلية الجنسية ليس لاسباب دينية ولكن لاسباب سياسية، في المقابل يرى ان المسلمين اقل شكوى لانهم يحاولون الاندماج في الليبرالية الديمقراطية البريطانية على حد قوله، ويقول رئيس لجنة المساواة، يبذل المسلمون في هذا البلد كل الجهد في محاولة الاندماج ويبذلون قصارى جهدهم لتطوير فكرة تماشي الاسلام مع الحياة في ديمقراطية ليبرالية حديثة، ويضيف، الضحية الاكثر احتمالا للتمييز الديني الفعلي في المجتمع البريطاني هو المسلم، اما الاكثر احتمالا ان يشعر بانه يميز ضده بسبب دينه هو المسيحي الانجيلي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/آب/2011 - 10/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م