شبكة النبأ: ليس هناك أصعب من أن
يتوجه الانسان لبناء نفسه بالطرق السليمة، لكي ينهض بأعباء الحياة،
فالعوائق كثيرة وكبيرة، وتحتاج الى صراع قوي ضد رغبات النفس التي غالبا
ما تميل الى الجنوح خارج أطر العقل، والمقبول في الاعراف والتقاليد
والنواميس المتعارف عليها، فكل ضابط وبند يحاول ضبط النفس، سترفضه
وتحاول أن تتجاوزه الى السهل الذي لا يثقل عليها.
لذا يحتاج الانسان الى ركائز وظروف مساندة لبناء الذات أفضل البناء،
ومن هذه الوسائل والظروف المساندة، شهر رمضان الكريم، فهو فرصة مواتية
ومناسبة جدا للانسان في بنائه لنفسه، إذ يرى سماحة المرجع الديني، آية
الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتاب قيّم له،
يحمل عنوان (نحو بناء النفس والمجتمع): (أن شهر رمضان المبارك هو شهر
بناء الذات وتغيير النفس، وهذا الأمر مطلوب من الجميع، يستوي في ذلك
أهل العلم وغيرهم، ومهما يبلغ المرء درجة في هذا الطريق فثمة مجال
للرقيّ أيضاً).
كذلك ثمة مكانة متفردة لهذا الشهر عند الله تعالى، فهو الشهر الذي
يكرم فيه الله عباده، وهو الوقت الامثل لعودة الانسان الى جادة الصواب،
لذلك ورد في كتاب المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع، ما نصه: (يقول
النبي صلّى الله عليه وآله: فإن الشقيّ من حُرم غفران الله في هذا
الشهر العظيم وهذا معناه لو أن أحداً أهمل بناء نفسه في هذا الشهر
المبارك وقصّر حتى مرّ عليه ولم ينل تلك المغفرة الإلهية التي هي أوسع
وأسرع وأعظم فيه منها في سائر الشهور، فإنه هو الشقي حقاً).
وهكذا يمكن للانسان أن يفقد فرصة العودة الى الصواب، إذا لم يحسن
استغلال هذا الشهر المبارك، لكي يكسب مغفرة الله، ولكي ينجح في سعيه
لبناء ذاته، علما أن هذا الهدف من الواجبات المهمة الملقاة على عاتق
الانسان نفسه، بمعنى ان الانسان دائما مطالب بالتنبّه لأخطائه، ومحاسبة
نفسه، من اجل تقويمها ووضعها على الطريق السديد دائما، لهذا يؤكد سماحة
المرجع الشيرازي قائلا في هذا الصدد: (إن بناء الذات واجب عيني في حد
أداء الواجبات وترك المحرّمات. فعلى الإنسان أن يحاول في هذا الشهر
المبارك أن يعمل حتى يبلغ مرحلة يعتقد فيها أنه تغيّر فعلاً وأنه أصبح
أحسن وأفضل من السابق).
إن عملية البناء أصعب بكثير من عملية الهدم، تماما كالفرق بين عملية
الصعود والارتقاء، وبين الهبوط والانحدار، فالصعود يتطلب جهدا ومثابرة
وسعيا مضاعفا عما يحتاجه الانحدار، وهكذا يمكن أن ينجح الانسان في سعيه
للنجاح تبعا لارادته، ولن يقطف الانسان ثمار النجاح من دون بذله للجهد
المطلوب، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص:
(لاشك أن كل إنسان يتمنى لنفسه التغيير نحو الأفضل، ولكن المسألة
ليست بالأماني، فبالأماني وحدها لا يتحقق التغيير، بل هو بحاجة إلى عزم
وتصميم ومتابعة ومثابرة وجدّ واجتهاد. فمن لم يقصّر في المقدمات يوفَّق
في النتائج بلا شك).
وثمة سبل عديدة للاستفادة من هذا الشهر المبارك، ولكن تبقى أهمية
بناء النفس، تتصدر اوليات الاهم والمهم من الاهداف، هنا يؤكد سماحة
المرجع الشيرازي على:
(ان الصلوات والأدعية والزيارات والأعمال الواردة في شهر رمضان
المبارك بنفسها معدّات لتحقّق بناء الذات، بيد أن المرء قد لا يسعه
الوقت للقيام بها كلها، بسبب تزاحمها مع مشاغل أخرى قد تكون مطلوبة هي
الأخرى كالتبليغ مثلاً. إذن، فليس هناك طريق للتوفيق أسهل من طريق
محاسبة النفس، لأنّها مطلوبة جداً ولها تأثير كبير على الإنسان).
وهكذا يستطيع الانسان أن يستثمر فرصة رمضان المبارك، لكي يركز في
جهده على بناء نفسه، والسبب من اختيار هذا الشهر، كونه مكلل بأجواء
الايمان والقدسية المضاعفة، كما انه شهر يحبه الله تعالى، لهذا ميزه عن
غيره من الشهور، وجعله وقتا مناسبا لتصحيح الانسان لاخطائه ومساراته.
لذا على الجميع أن يعرفوا قيمة هذا الشهر المبارك، كفرصة ذهبية
لتشذيب النفس من شوائبها، والعودة الى الفطرة الانسانية التي تعتمد
مبدأ (لا يصح إلا الصحيح)، وهكذا ينبغي نبذ الانحراف بكل اشكاله وصوره،
واتخاذ هذا الشهر مناسبة جادة لتقويم النفس والتقرب الى الرضى الالهي
أكثر فأكثر. |