وأقبل شهر الصيام ( بالبركة والرحمة والمغفرة ) كما يصرح النبي
الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته الشهيرة لاستقبال هذا الشهر
المبارك الكريم، إلا أن العباد والبلاد تعيش في زوبعة عجيبة واضطراب
ظاهر للعيان، في كل شهر رمضان يقبل علينا، فهل أبدلنا البركات والرحمات
بشقاوتنا وسلوكياتنا فتحولت نعمة الصيام إلى نقمة؟!
(وجاء نصر الله والفتح).. ليتسمر الناس حول الشاشات تاركين خلف
ظهورهم كتاب الله ووحيه المنزل، يفتح الله لنا ذراع الكرم والضيافة
فنعضها مستكلبين ومسعورين، يتضور الواحد منا جوعاً كلما زادت ساعات
الجوع والعطش، وفور دخول وقت الإفطار نهجم على (الثريد) كما يهجم السبع
على الفريسة متنمرين في ذلك الطبق الذي يسيل منه اللعاب، وتسيل معه عنا
مكاسب الصيام تدريجياً وعند بلوغ ذروة الشبع والتخمة التي يصعب خلفها
القيام ينعدم الإحساس بالفقراء والمحرومين وتنعدم فلسفة الصوم من
عقولنا، ويغيب عنا الوعي المتحصل، وكأن ألم الصيام لا نحس به، أنه
يذكرنا بعطش الآخر وجوعها، إنه يذكرنا بمرارة الفقر والحاجة إلى الله،
إنه يذكرنا بالعبودية الحقة أمام الخالق العظيم، فمن يتحرك ليأتي آمناً
يوم الفزع الأكبر من ذلك الجوع والعطش بما أدخر له من صالح العمل..
نحن – في حقيقة الأمر - تفوقنا على البهائم والسباع، فالبهيمة لا
تأكل فوق الطاقة، ولكننا والحمد لله أصبحنا مسعورين ومستسبعين على
مائدة الإفطار وإن كان طبق واحد يكفينا ويسد جوعتنا !!، إلا أن الكرم
الحاتمي لم يغفل عن ملء أفواه حاويات القمامة أيضاً، وشعارنا هو : "
اللهم أجعلني من أهل الاقتصاد !! "
أضحى شهر الصيام موسم تتبدل فيه أوقات النوم والأكل ليس إلا، أما
موجة التغيير التي من أجلها شرع الصيام فذلك في ذيل القائمة لنا،
والهامش يترفع عنها، فاسأل المساجد والقرآن ودور العبادة التي نسج فيها
العنكبوت اعتكافه من فرط الهجران، لتجيبنا الأسواق والمجمعات التجارية
والمطاعم بافتخار أنها سيدة الموقف والازدحام، حتى أن المواقف قد بلغت
الاختناق، وكأن الشهر خصص لغير العبادة وقراءة القرآن، إنه ربيع لأشياء
أخرى يندى لها الجبين وتتفحم لهولها القلوب، فالشيطان ألقى شباكه قبل
يوم السبت ليحصد الثمار في هذا الشهر وإن كان مقيداً بالأصفاد، بل قد
تم إطلاقه في كثير من البيوت، فتراكم الطلاق، وإن أغلقت المحاكم
أبوابها في هذا الشهر، فإننا قد فتحنا على أنفسنا أبواب الجحيم
والانفجار سيندك بعد يوم العيد، والفائز فيه هو الشيطان بدل أن يكون هو
الخاسر الأول، الغضب طريقه لكثير من العقول والجوع الذي يخلفه الصيام
يزيد من وتيرة التشنج عند الكثيرين بدلاً من الخشوع والرهبة، وكلما
أقترب الوقت من صلاة المغرب، فإن عامل الافتراس يؤدي إلى أكل لحوم
بعضنا بعضاً نهاراً جهاراً ..
الصيام نعمة إلا أن عقولنا المتلبدة حولها لنقمة فكانت فأساً علينا
لا لنا، فالمعادلة يجب أن تصحح من الداخل، لنعيش النعيم في الخارج،
وإلا فإن حصادنا من الصيام الجوع والعطش والسيئات المضاعفة في شهر
دعينا فيه لضيافة الله !! |