شبكة النبأ: مع امتداد الصراع في
ليبيا الى شهر رمضان دون نهاية تلوح في الافق يقول الليبيون على طرفي
الصراع ان نقص السلع وارتفاع الاسعار وحرارة الصيف الشديدة والقلق على
أحبائهم الذين يقاتلون على جبهات بعيدة عوامل ستؤرقهم خلال شهر الصيام.
فيما يلقي نقص المؤن والاموال بظلاله على الظروف المعيشية للسكان في
هذا الشهر الخاص لدى المسلمين، خصوصا ان المجلس الانتقالي بات شبه
عاجزا عن تسديد مرتبات الموظفين ومستحقات المواطنين المالية بعد تعثر
وصول اموال الدولة المجمدة من الخارج.
نقص المؤن
ففي مدينة مصراتة الليبية التي تسيطر عليها المعارضة أصبح نصف سوق
الخضر خاليا والمتسوقون يشكون من نقص السلع وارتفاع الاسعار. على مبعدة
بضعة كيلومترات في زليتن التي يسيطر عليها الزعيم الليبي معمر القذافي
يشعر الليبيون بالقلق من العقوبات وغارات حلف الاطلسي.
وقال محمد ابو زريبا عن التمر "التمر لا يظل صالحا لفترة طويلة.
افضل تمورنا في الجنوب." وأضاف "هذا بعيد عنا ولا يمكن أن يصلنا عن
طريق البحر. السيارات ووسائل النقل لا تصل الى هنا."
على بعد بضعة كيلومترات غربي مصراتة في مدينة زليتن التي يسيطر
عليها القذافي قال سكان ان العقوبات والغارات الجوية التي يشنها حلف
شمال الاطلسي مؤلمة.
واصطحبت الحكومة الليبية في الآونة الاخيرة الصحفيين الاجانب الى
زليتن ليروا ما قالوا انها مخازن حكومية للاعذية قصفتها طائرات الحلف
الذي يقول انه لا يضرب الا أهدافا عسكرية.
واحترقت أجولة الدقيق والارز وصناديق الطماطم (البندورة) المعلبة
والزيت المفترض بيعها لليبيين بأسعار مخفضة او أحاطت بها الانقاض.
ويقول محمد مفتاح المقيم على مقربة "نستخدم هذه الاغذية من أجل
رمضان والان أتلفت... يريدون تجويعنا." ويشعر أفراد المعارضة المسلحة
الذين يقاتلون في منطقة الجبل الغربي قرب حدود ليبيا مع تونس بالقلق من
القتال دون طعام وماء في الحرارة الشديدة.
وقال عبد البدر عادل (19 عاما) وهو مقاتل من المعارضة في الجبل
الغربي "رمضان سيكون صعبا جدا علينا. نحن نكافح بالفعل الآن. الطقس
سيكون شديد الحرارة ولن تكون لدينا طاقة للقتال ونحن صائمون." وأضاف "أصبحت
مساعدة حلف الاطلسي لنا لنهزم القذافي أهم من اي وقت مضى. نعلم أن رجال
القذافي لن يصوموا."
وحذرت الامم المتحدة من نقص الوقود والاموال في عشية غرة شهر رمضان.
وتقف السيارات في طوابير طويلة على الطرق السريعة قرب العاصمة طرابلس.
بحسب رويترز.
وقال احمد الكافي وهو دبلوماسي متقاعد يعيش في مدينة سبراتة غربي
طرابلس ان نقص الوقود سيمنعه من زيارة أقاربه وأصدقائه كما كان معتادا.
وقال عبد الحفيظ الزليطني وزير مالية حكومة القذافي لشبكة (سي.ان.ان)
في وقت سابق هذا الشهر ان الحكومة توفر الدعم للسيطرة على النفقات
وتقوم باصلاح أسعار السلع الرئيسية.
وقال الزليطني ان البلاد ما زالت لديها احتياطيات طواريء لكن لم
يتضح الى متى ستستطيع الحكومة القيام بهذا في ظل عدم تمكنها من استخدام
الاصول المجمدة في الخارج.
وقال الصحفي الليبي عبد السلام بن سليمان ان شهر رمضان هذا العام
ستطغى عليه الغارات الجوية التي تهز طرابلس ومناطق أخرى يوميا. وعبر عن
أمله في أن يكون ما وصفه بالهوس بالموت قد انتهى بحلول عيد الفطر.
محرومون من المال
من جهتهم يحاول المئات من سكان بنغازي "عاصمة" المتمردين في شرق
ليبيا، يوميا سحب مبلغ من المال لكنهم غالبا ما يعودون بخفي حنين اذ ان
المصارف تشهد ازمة سيولة. وجلس نحو مئة شخص على مدارج مصرف البنك
الوطني الشعبي يتوسلون ان يدعوهم احد الى الداخل. وقال شرطي متقاعد
متذمرا "هذا اليوم الخامس الذي آتي فيه ولم احصل على مال".
من جهتها قالت ياسمين محمد (62 سنة) بتذمر "عيب. حل رمضان ولدينا
حاجات اضافية لكن ليس هناك مال" موضحة ان ما تنفقه العائلات الكبرى قد
يصل الى ثلاثة الاف دينار خلال رمضان اي عشرة اضعاف الحد الادنى من
راتب موظف. وقالت نجاة علي (35 سنة) وهي ام لستة اولاد "لا مال ولا
رواتب منذ نيسان/ابريل". واضافت "سنصبر لان الله كريم لكنني خائفة،
الحياة صعبة والاسعار مرتفعة".
وبينما تقف في الطابور امام البنك منذ عشرة ايام، سبقها البعض منذ
اسابيع ولم يحصل معظمهم على قرش واحد من رواتبهم منذ نيسان/ابريل بينما
تلقى آخرون جزءا قليلا منه اذ ان السحب من المصارف محدود بما بين مئة
الى مئتي دينار ليبي للشخص الواحد.
وقال احمد المصراتي مازحا "الحمد لله، عودنا القذافي على الفقر!"
مضيفا ان "الناس المعتمدين على الدولة وليس لديهم وظيفة ثانية هم
الاكثر تضررا، انهم يمثلون ثلث الشعب".
واقرت موظفة في المصرف طالبة عدم ذكر اسمها بخطورة الوضع. وقالت ان
"الناس ياتون من كافة مناطق ليبيا لسحب المال لكنه ليس متوفرا، ولا احد
يعلم اين اموالنا، ما العمل؟"
واعتبر حامد صالحين الرائد من بنك التجارة والتنمية ان مشكلة
السيولات عائدة جزئيا الى كون العديد من المصارف لديها قسما مهما من
اموالها في مقراتها بطرابلس العاصمة التي يسيطر عليها معمر القذافي.
وينص القانون ايضا على ان تحتفظ المصارف بعشرين في المئة من اصولها
في البنك المركزي بطرابلس. واضاف ان ثمة صعوبة اخرى تتمثل في سلوك
التجار حيث ان "في بنغازي يستعمل الناس سيولات لشراء البضائع لكن
التجار توقفوا عن ايداعها في المصارف".
وتابع "ننتظر من المجتمع الدولي ان يساعد المجلس الوطني الانتقالي (الهيئة
السياسية للمتمردين) على فتح حسابات في الخارج تمكننا من فتح قروض او
السماح للقطاع الخاص استيراد البضائع بنفسه". بحسب فرانس برس.
وقالت الارملة فضيلة حماد (62 سنة) التي جاءت تسحب معاشها وعلاوة
ابنتها المعاقة "يقولون دائما انهم سيدفعون المال وناتي مجددا لكن لا
شيء". واوضح حسين محمد الشرطي الذي ينتظر ايضا ان تسدد الدولة راتبه "بالتأكيد
رمضان هذا اصعب بكثير من الاخرين". وقال فرح المصراتي مازحا "نحن احرار
لكننا فقراء".
وتذكر اخرون ان الرواتب في عهد القذافي كانت ايضا "دائما تاتي
متاخرة احيانا بستة اشهر". ويبدو ان لا احد ينتقد المجلس الوطني
الانتقالي الذي لم يحصل على سنت واحد من الاموال المجمدة في الخارج كما
يكرر عبد الجليل. وقال خالد المبني "لا بد ان ياتي الحل من الخارج،
لدينا اموال مجمدة في مختلف انحاء العالم. الليبيون اثرياء".
الحياة في طرابلس
على صعيد متصل قال مسؤول كبير في الأمم المتحدة ان الحياة في طرابلس
تزداد صعوبة في ظل نقص الوقود والسيولة النقدية رغم ان العاصمة الليبية
لم تتعرض للقصف العنيف بنفس القدر الذي تشهده مناطق أخرى في البلاد.
وقال منسق الشؤون الانسانية بالامم المتحدة لورانس هارت من القاهرة "ما
نراه في طرابلس هو ان نقص الوقود والسيولة النقدية له تأثير خطير."
وقال هارت الذي رأس بعثة في زيارة لطرابلس استمرت أسبوعا ان فريقه
تمكن من التحرك في شتى أنحاء المدينة بلا قيود وان المسؤولين بمن في
ذلك العاملين في البنك المركزي وشركة النفط الوطنية كانوا حريصين على
توفير المعلومات بخصوص تأثير العقوبات. وبالنسبة للبنك فان المشكلة
الأكبر تتمثل في طبع النقود أو الحفاظ على تدفق السيولة النقدية.
وقال هارت "منعت سفينة واحدة كانت تحمل أوراق نقد من المملكة
المتحدة من الوصول" واضاف انه يعتقد ان حلف الاطلسي رد السفينة على
أعقابها.
وقال "هناك مشكلة أخرى تتمثل في ان الناس يسارعون لسحب أموالهم
ومدخراتهم من البنوك. لذلك قرروا تحديد مبلغ معين للسحب النقدي يقدر
بنحو 175 دولارا اسبوعيا لكل مودع." واضاف ان هذا التقييد في السحب
النقدي مُطبق منذ نحو شهر على الرغم من ان البنك المركزي فرض مستويات
متباينة من المعدلات القصوى للسحب النقدي منذ بدء الازمة.
وقال هارت "عند درجة معينة لم تكن هناك إمكانية للسحب ثم أدركوا ان
الموقف لا يمكن أن يستمر على هذا النحو". وأضاف هارت ان البضائع موجودة
في اسواق طرابلس لكن الأسعار ارتفعت حتى ان أسعار حليب الأطفال على
سبيل المثال تضاعفت.
وقال "الموقف حساس جدا جدا وهش للغاية... للمفارقة نحن نرى موقفا
يبدو فيه كل شيء طبيعيا تماما في طرابلس لكن على الجانب الآخر هناك
مشكلات كبيرة ستتفاقم في المستقبل بغض النظر عن تطورات الموقف السياسي."
لكن هارت قال انه لن تكون هناك فرصة لحصاد المحاصيل الزراعية في
المنطقة هذا العام وربما العام القادم. ومع العجز في لقاحات الماشية
وفي المخصبات الزراعية من الممكن ان يتحول الامر الى أزمة غذائية خطيرة.
لكن ماركال ايزار المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر قال ان
هناك خططا للطوارئ تتضمن اطعمة جرى تخزينها في العاصمة الاردنية عمان.
وقال ايزار "حتى لو احتاج عشرات الالاف من الاشخاص حقا الى الطعام
فسوف يكون بامكاننا توفير الامدادات الغذائية والمواد غير الغذائية ...
ومن الممكن توفير مواد طبية في فترة قصيرة عند الضرورة."
وقال هارت ان هناك عجزا في اللقاحات والوقود والمسعفين وكان أغلبهم
من الاجانب الذين فروا بسبب القتال مما خفض قدرات المستشفيات الى النصف
تقريبا.
وكانت العمالة الاجنبية تمثل اهمية كبيرة في ليبيا حتى في قطاع صيد
الاسماك الذي يعمل في الوقت الحالي بنحو خمسة في المئة فقط من طاقته.
بحسب رويترز.
وقالت السلطات في الشركة الوطنية الليبية للنفط لفريق هارت انها
لديها ما يكفي من النفط الخام لمدة 10 ايام وربما اسبوعين لكن المصفاة
الوحيدة الباقية القادرة على تحويل هذا النفط الى وقود موجودة في
الزاوية على بعد 40 كيلومترا من طرابلس. وقال هارت "لديهم القدرة على
تكرير خمسة في المئة فقط مما ينتجون."
ومن الممكن ان يأتي الوقود من تونس المجاورة برا على الطريق الساحلي
الذي تسيطر عليه القوات الموالية للقذافي. وقال هارت "اذا انقطع خط
الامداد هذا لاي سبب مثل سقوطه في ايدي القوات المعارضة للحكومة فهذا
سيمثل مشكلة على الفور." لكنه اضاف انه حتى في حالة استمرار إمدادات
الوقود من تونس فليس من المعروف مدى ما ستستمر عليه الأحوال في طرابلس.
وقال هارت ان فريقه يستعد الان لثلاثة سيناريوهات اساسية هي "الجمود
او السقوط المفاجئ للنظام نتيجة فترة من الاضطراب لكن مع تصاعد سريع
للاحداث او السيناريو الثالث الذي قد يكون سقوطا سريعا للنظام يؤدي الى
نوع من الفوضى أو صعوبة اصلاح الموقف واعادة الامور الى طبيعتها لفترة
طويلة." |