فجر الهجوم الإرهابي الذي قام به متطرف نرويجي مسيحي يدعى اندرس
بيهرنك بريفيك في ال22 من حزيران الماضي الكثير من الجدل، وفتح العديد
من النقاشات حول الأسباب التي تقف وراء مثل هكذا سلوك إجرامي تسبب في
قتل عشرات الشبان الأبرياء في بلد لم يتوقع أبداً مواطنوه أن يحصل فيه
مثل هذا الحادث.
اذ لم يكن قبل هذا الانفجار اية تركيز من قبل الدول الأوربية
وأجهزتها الأمنية والاستخبارية ولا حتى من قبل مراكز الدراسات والبحوث
الفكرية على خطورة ما يسمى اليمين الأوربي المسيحي المتطرف الذي نتج
عنه سلوك إجرامي مثل سلوك أندرس بريفيك، وكان بدلا من ذلك يتم التركيز
على خطر التطرف الإسلامي والاهداف المحتملة التي
يمكن ان ينفذها في اوربا.
ومن بين الكثير من المقالات التي تحدثت عن تفجير اوسلو الإرهابي
الأخير الذي فجع به سكان النرويج المسالمين، كان مقال السيد جو نافارو
المسؤول السابق في الـ FBI الأمريكية والخبير الدولي الحالي في علم
الاتصال ولغة الأجساد المعنون بـــ" دروس من هجوم اوسلو الارهابي !"
الذي سلط فيه الضوء على الشخصية التي يحملها الارهابي والعوامل التي
تعتمل فيها وتشكلها على هذا النحو، فضلا عن القيم والايدولوجيا التي
تسكن في داخل هذه الشخصية والعقيدة الفتاكة التي تعتنقها.
يقول نافارو في بداية مقالته...ذكرنا تفجير 22 من حزيران عام 2011
الذي حدث في اوسلو في النرويج بحقيقة مهمة وهو اننا حينما ناتي لدراسة
الارهاب سواء كان محليا او عالميا فان السبب يمكن ان يتغير، لكن هنالك
تغييرات طفيفة حول الارهابيين أنفسهم.
ويحاول نافارو شرح ذلك عبر التعرض الى شخصية الإرهابي والخليط "
القاتل" على حد تعبيره الذي يتواجد في شخصيته من خلال وجود النرجسية
المرضية مع جنون الاضطهاد، ثم ينتقل نافارو الى الحديث عن الإيديولوجية
ومصطلح " تجميع الجراح"، وبعدها يصل إلى العزلة النفسية والجسدية
للإرهابي واستخدامه للعنف كسحر... ثم يقف أخيراً على التساؤل حول ما
يمكن ان نتعلمه من تفجيرات اوسلو ؟
أنواع الشخصيات
عندما ننظر الى ارهابي مثل المتهم اندرس بيهرنك بريفيك، فإننا سوف
نجد ان هنالك عاملين بارزين ومهمين في شخصيته نستطيع ملاحظتها فيها
مراراً وتكراراً...هما النرجسية المرضية والباراونيا او جنون الاضطهاد.
بالطبع من الصحيح القول ان الكثير منا لديه بعض من الخصائص النرجسية،
لكن النرجسية التي نتحدث عنها مختلفة، انها حالة مرضية في طبيعتها،
فالنرجسية المرضية تسمح للفرد برؤية نفسه كشخص مختلف وفريد ومميز وذا
نفسية متضخمة ولديه حق لا يوجد لدى
الاخرين، وهؤلاء يرون انفسهم يحملون فهما فريدا للاحداث ولديهم
مقاصد واهداف لايملكها الاخرين. هم يؤمنون ان افكارهم واطروحاتهم خاصة
ويجدون انفسهم مؤهلين لكسر القواعد وتجاوز القوانين ويسلكون طرق خاصة
لانجاز رغباتهم اللامحدودة.فهم يبالغون بقوة بتقييم انفسهم وافكارهم
بينما يقللون، بحماسة، من قيمة الاخرين وعقائدهم على حد سواء.
البارانويا بين الإرهابيين المنعزلين ذات درجة عالية وتخترق تفكيرهم
وتشكله ايضاً، هذا النوع من البارونايا مرضية واقعاً وتتسم بكونها
دائمة ولا تتزحزح من مكانها، أنها نوع من الخوف اللاعقلاني من الاشياء
التي يكرهونها أو التي يقفون ضدها. في حالة تيد كاكزنسكي هي خوف من
التكنولوجيا.. وفي حالة تيموثي مكفي هي خوف من قوى الشرطة العسكرية (هو
يكره فريق سوات)... وفي حالة اسامة بن لادن فهو يخاف من التاثير
الامريكي الغربي في الشرق الاوسط... وفي حالة اندرس بيهرنك بريفك فيظهر
انه يخاف من المسلمين في اوربا الغربية ومن التعدد الثقافي فيها،
وبينما الكثير من الافراد لديهم هذه الاراء نجد ان البارانوايا
النرجسية هي التي جعلته يذهب الى مستوى اخر من التصرف.
هذا النظام العقائدي المخادع ليس فلسفة سياسية مُنتجة بل اكثر من
ذلك انها نظام اعتقاد يحدد لاشعوريا كل شيء يعارضه او يكرهه كشيء سيئ
أو خطأ أو كتهديد وجودي له، وهؤلاء الذين لايتوافقون مع الإرهابيين هم
في أحسن أحوالهم ساذجون ويشكلون عقبات وأعداء في أسوءها....البارانويا،
كما ترى، لا تتساهل مع الآراء البديلة والنقاشات والتسامح والتسويات.
اذن عندما تندمج هذا الامراض (النرجسية والبارانويا) لدى فرد
ما..فإنها ستشكل فردا من النوع الخطر، واي خطر هذا ؟ لنأخذ نظرة حول
قادة العالم ممن تظهر لديهم هذه الخصائص، جوزيف ستالين، بول بوت وكيم
كونغ، فإننا نجد أنهم لا يختلفون عن تيد كوكزنسكي، تيموثي مكفي، اسامة
بن لادن، والان اندرس بيهرنك بريفك...هذا الخليط السام من النرجسية
والبارانويا سواء كان على مستوى الافراد او الاوطان يكوّن شخصية قاسية
وغير مستقرة الى حد كبير.... واذا لم يحصل تدخل مبكر لعلاجها فان هؤلاء
الافراد سوف يصبحون خطرين ومسمومين ومميتين لدرجة متطرفة.
الايدولوجيا وتجميع الجراح
لكن النرجسية والبارونايا هما مجرد جزء من المعادلة، الجزء الآخر من
المعادلة هو الايدولوجيا الصارمة القوية القائمة على ما يسمى " تجميع
الجراح". فمهما تكن هذه الايديولوجيا فانها لاتكون ذات معنى لك او لي
لكن هذا ليس مهم....فالشيء الوحيد المهم هو أن تكون ذات معنى بالنسبة
للإرهابي من غير ان يحتاج لاي مبررات تعزز رايه، سواء كانت ضد
التكنولوجيا ضد عملية الإجهاض... ضد إسرائيل...ضد أميركا...ضد الحكومة...أو
ضد المسلمين..فليس من المهم كم أفكارهم متطرفة...لأنها بالنسبة
للإرهابي...ذات معنى كبير !
وبطريقة ما تساهم النرجسية بالايديولوجيا او النظام العقائدي
المنحرف بينما تؤكد البارونايا بان هنالك عدوا واشياء ينبغي قهرها
والتغلب عليها.فالنظام العقائدي الفاسد يقوم مبدئيا على شيء ما يفهمه
القليل.
هنالك متطلبات ضمنية لكل الإرهابيين هي ما يمكن أن نسميه " تجميع
الجراح " لكي يكرهون بحماسة وعاطفة، ومن المناسب القول انه لا يوجد
قانون لتحديد المعاناة او الظلم..فليس هنالك مهلة زمنية او مغفرة
للارهابي...لذلك يجمع الارهابي الجراح..وهي ليست مجرد جراح شخصية تخصه
بل يستعين بالتاريخ والصراعات الاجتماعية الأخرى...لذا حينما نقرا بيان
تيد كاكزنسكي وفتاوى أسامة بن لادن والبيان الأخير من اندرس بيهرنك
بريفك....فسوف نجد مجموعة من الأخطاء والإحزان والظلم بعضها مستمد من
الحاضر بينما الاخرى تذهب بعيدا لوقت الحملات الصليبية الاولى...والارهابي
يجمع الجراح حتى يستطيع ان يغذي بصورة كبيرة معتقداته وكراهيته ليهاجم
وينفذ خططه الإرهابية.
العزلة النفسية والجسدية
لكن هذه الافكار والرؤى والادراكات والعقائد غالبا ماتتصارع مع
المجتمع لان تفكير الارهابي منحرف والحل السحري له دائما مايكون
باستعمال العنف. وفي أي مجتمع سيكون هنالك من يلتزمون الصمت ازاء
إيديولوجيا الإرهابيين لكن القليل يريدون ان يكونون جزء من هذا النظام
العقائدي. وحالما يدرك الارهابي هذا الشيء يبدا بعزل نفسه نفسيا ويحاول
ان يبحث عن مؤمنين حقيقيين. وحينما لا يستطيع أن يجد هؤلاء او يتعرض
للرفض كما هي النتيجة غالبا (مثلا مكفي رُفض بواسطة عدة مجاميع ) يبدأ
بعدها بعزل نفسه جسديا عنهم.
العنف كسحر !
اذا كان الإرهاب، كما اقول ذلك غالبا، شكل من اشكال السياسة بطرق
اخرى(وهي عبارة مستعارة من القائد العسكري الالماني كلوسويتز) اذن خلق
الخوف هو الشيء الوحيد المنجز في عقل الإرهابي وذلك يتم من خلال العنف.
فالعنف يكون الصيغة السحرية من اجل انجاز الأهداف الايديولوجية كما
رأينا ذلك في اوكلوهوما، والرسائل الملغمة، وفي إحداث 11 ايلول.
وفي حالة اندرس بيهرنك بريفيك، كما اعترف بنفسه، نرى انه كان يعتقد
ان من الضروري تفجير المقرات الحكومية لحزب العمال الحاكم وقتل اكثر من
70 طفلا حضروا مخيم شباب الحزب الحاكم في جزيرة معزولة في اوتايا من
اجل تحذير النرويجيين من التهديد الاسلامي وتعدد الثقافات ولاحداث
تغيير سياسي، وإذا كان هذا الامر غير معقول بالنسبة لك كما قلت لك فليس
مهم...الشيء الوحيد المهم في الامر هو مايعتقده النرجسي.
خليط قاتل
عندما تجمع شخصية النرجسي مع البارونايا ثم تضيف اليها عقيدة غير
متزعزعة تقبل العنف كوسيلة لإحداث التغيير، فانه سيكون لديك خليط مُميت
يصبح خطرا وفتاكا في حالات الانعزال وحينما لا يكون هنالك صوتا عاقلا
يتدخل. وفي الانعزال يستطيع ان يخطط الارهابي او يتمرن على هجومه
الإرهابي وهو مايسمح له أن يجرب ذلك بواسطة السلاح،انه في هذه المرحلة
يكون هذا الفرد مستعدا لانجاز رغباته النرجسية وفي هذه النقطة يكون
الفرد خطرا جدا.
اذن ما الذي تعلمنا من تفجيرات اوسلو ؟
الطريق نحو الارهاب ذا مسار مميز مؤسس على شخصية الارهابي
واعتقاداته. ولا يوجد هنا شيء جديد لم نره سابقا ولا ما سوف لن نراه
مرة اخرى. فالجمع بين الشخصية النرجسية المرضية التي هي اصلا مصابة
بالبارونايا ينتج عنه شخصاً خطراً بشكل كبير خصوصا حينما يكون هنالك
عقائد صارمة مؤسسة على " تجميع الجراح " والكراهية وحينما يكون العنف
الحل الموصوف الذي يسمح ان يترشح في عزلة غير محدودة الأفاق.
الايديولوجيا هي الشيء الوحيد الذي يتغير من خلال الوقت، كل العوامل
الاخرى تبقى وستبقى كما هي...هل يمكن ان تُمنع هذه الماساة من الحدوث
مرة أخرى؟ ربما هذا هو الدرس هنا..
[email protected] |