شبكة النبأ: جاءت الأخبار عن
الاستقالة الجماعية لرئيس هيئة أركان القوات المسلحة التركية، الجنرال
أسيك كوسانير، وقادة القوات [البرية والبحرية والجوية] كإشارة على أن
الجيش التركي، ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي، ينكسر تحت
وطأة «حزب العدالة والتنمية» الحاكم.
ومنذ مجئ «حزب العدالة والتنمية» إلى السلطة في أنقرة عام 2002،
توترت العلاقات المدنية والعسكرية بين الحزب الحاكم، وهو ائتلاف متكون
من محافظين وإسلامويين انتهجوا طريق الإصلاح وإسلامويين [آخرين]، وبين
الجيش، الذي هو معقل العلمانية. ولكن حتى الآن، ظلت القيادة العسكرية
تتبع سياسة الدبلوماسية، باختيارها عدم الدخول في مواجهة مع الحكومة.
بيد، مع استقالة الكثير من كبار القادة العسكريين من الجيش التركي في
وقت واحد هذا اليوم، فلم يعد ذلك هو الحال. بحسب معهد واشنطن.
لقد كان هذا متوقعاً: فالجيش و «حزب العدالة والتنمية» لم ينظرا إلى
العديد من القضايا برؤية متشابهة، وكان أهمها جدار الحماية بين الدين
والتقوى، والسياسة. وقد كانت لـ «حزب العدالة والتنمية» حتى الآن اليد
العليا: ففي عام 2007، أثارت سلطات «حزب العدالة والتنمية» قضية في
المحكمة، عرفت باسم "إيرغينيكون"، وزعمت عن وجود محاولة للقيام بانقلاب
ضد الحكومة وقد اتُهم الجيش بتورطه فيها.
وبعد مرور أربع سنوات اعتقل خلالها المئات، لم يتم بعد الوصول إلى
قرار الحكم. وقد تحمّل الجيش التركي حتى الآن وطأة هذه الاعتقالات. فقد
تم سجن نحو نصف جميع أميرالات البحرية التركية. وعلاوة على ذلك، وبسبب
[اتهام] جميع جنرالات سلاح الجو ذوي الأربع نجوم بتورطهم في القضية،
فإنه ليس من المؤكد أن هناك جنرال من فئة أربع نجوم يستطيع مجلس
الترقيات العسكرية في تركيا تعيينه في منصب قائد سلاح الجو خلال
اجتماعه السنوي في شهر آب/أغسطس. ونتيجة لذلك، فإن النكتة الساخرة في
أنقرة قد أصبحت، "الحمد لله أن اليونان [تعاني من] انهيار اقتصادي،
وإلا سيكون هذا هو الوقت المثالي لغزو تركيا!"
والآن ردت المؤسسة العسكرية بصورة غير متقوعة. إن القشة التي قصمت
ظهر البعير كانت قد جاءت في وقت سابق من هذا الاسبوع، عندما أشارت
وسائل الإعلام المؤيدة لـ «حزب العدالة والتنمية» بأن 14 من الجنرالات
والأدميرالات في الخدمة الفعلية والذين كان قد ألقي القبض عليهم
لعلاقتهم بقضية "إيرغينيكون" -- وإن لم توجه إليهم اتهامات حتى الآن --
لم يتم تجاهلهم في الترقية فحسب، بل قد أُجبروا أيضاً على الاستقالة.
وعلاوة على ذلك، وبالأمس فقط، ألقت الشرطة القبض على 22 من كبار الضباط
الآخرين، مما سيؤدي على الأرجح إلى منع ترقيتهم.
وللمرة الأولى في تاريخها، تشعر المؤسسة العسكرية التركية بأنها
كغزال أمام مصابيح أمامية، يواجه الأشعة السياسية العالية لقضية
"إيرغينيكون".
وتاريخياً باعتبارها المؤسسة العسكرية الأكثر احتراماً في البلاد
والتي تتوج من يحكم في أنقرة، فقد شهدت هذه المؤسسة بأن هيبتها وقوتها
تسقط بسهولة منذ أن تولى «حزب العدالة والتنمية» السلطة في عام 2002.
إن مزاعم الانقلاب، بما في ذلك تأكيدات بأن الجيش كان يخطط لتفجير
مساجد اسطنبول التاريخية لكي يسبب حدوث أزمة سياسية، قد أضرت بالمؤسسة
العسكرية التركية. إن مكانة الجيش باعتباره المؤسسة الأكثر ثقة في
البلاد آخذة في التراجع: ففي عام 2002، أعرب حوالي 90 في المائة من
الأتراك بأنهم يثقون بالمؤسسة العسكرية، بينما تُظهر الآن معظم
استطلاعات الرأي أن هناك بالكاد 60 في المائة من الأتراك الذين يقولون
بأنهم يثقون بها.
والشئ الأكثر من ذلك، فإنه مع وجود العشرات من الجنرالات ومئات من
الضباط الآخرين في السجون لفترة دامت سنوات مع قيام مزاعم عن تورطهم
بمحاولة انقلاب، وعدم وجود لائحة اتهام في الأفق، فإن معنويات الضباط
محبطة. إن هذه هي الطريقة التي تقول بها القيادة العسكرية التركية إلى
الحكومة: "نحن أنهينا لعبتنا معكِ. أعدي الفريق الخاص بكِ -- إذا
تستطيعين القيام بذلك."
إن معضلة «حزب العدالة والتنمية» هي أن ذلك قد لا يكون ممكناً.
فجميع ضباط الجيش التركي يخضعون لنفس التدريب، ولنفس قواعد السلوك
والالتزام بالعلمانية والمعارضة اللاحقة لـ «حزب العدالة والتنمية».
وسيكون من الصعب على «حزب العدالة والتنمية» ايجاد ضباط موالين له في
صفوف المسؤولين العسكريين الكبار.
إن ذلك يترك تركيا بين خيارين: العمل مع جيش دون قائد، وهو خطر لبلد
محاط بإيران والعراق وسوريا، حيث تشهد هذه الأخيرة اضطرابات ثورية على
الجانب الآخر من الحدود التي تبلغ طولها 500 ميل؛ أو صياغة اتفاق بين
«حزب العدالة والتنمية» والمؤسسة العسكرية لإطفاء الأشعة العالية لقضية
"ايرغينيكون". إن لحظة الحساب في تركيا، التي تأخرت منذ عام 2002، يبدو
أنها قد وصلت.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |