قراءة في كتاب: مفاتيح اصطلاحية جديدة

 

 

 

 

الكتاب: مفاتيح اصطلاحية جديدة... معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع

الكاتب: طومي بينيت – لورانس غروسبيرغ – ميغان موريس

ترجمة: سعيد الغانمي

الناشر: المنظمة العربية للترجمة

قراءة: حيدر الجراح

 

 

 

 

شبكة النبأ: استعارة المفتاح استعارة قديمة تعود الى اقدم الازمنة مع اختراع المفتاح اداة لغلق الابواب والصناديق في الحضارات القديمة في بابل ومصر واليونان.. لكن اقدم استخدام لها للدلالة على المصطلحات كان في كتاب مفتاح العلوم للخوارزمي وهو مسرد لعدد كبير من المصطلحات في مختلف العلوم.. وتابعه السكاكي في (مفاتيح العلوم).

والواقع ان فكرة المفتاح – كاستعارة على المصطلح – تدعو الى التحليل.. فهل المصطلح هو مجرد اداة؟ ثم ماذا يفتح؟ الا تنطوي فكرة المفتاح نفسها في المقابل على فكرة الخزانة المغلقة؟

الصندوق المغلق كما يقول باشلار شيء يدعو الى الفضول ويناديه.. ومن دون المفتاح لا يكون الصندوق خزانة ، بل يكون مجرد وعاء للحفظ.. يتحول الصندوق الى خزانة بفضل المفتاح.. والمصطلح كمفتاح هو الذي يحول المفاهيم الى خزانات معرفية تنادي الفضول وتستثيره ، ثم ما ان يرتفع عنها الغطاء حتى تنكشف اسرارها لتمحو المسافة الفاصلة بين خارج الصندوق وداخله وبين المخبوء والمكشوف.

ينتمي هذا الكتاب الى سلالة من كتب المفاتيح.. كان رايموند وليامز الناقد والمفكر الانكليزي المعروف قد كتب كتابه مفاتيح اصطلاحية عام 1976.. ولقد كان الهاجس الاكبر لوليامز في مفاتيحه الا يقتصر عمله على مجرد مسرد للمصطلحات في معجم.. كان يريد ان يجعل المصطلح كيانا ثقافيا وتاريخيا.. مفتاحا يغلق المفاهيم ويفتح الحقول المعرفية على بعضها مشرعة الابواب.

اراد محررو هذا الكتاب ان يعيدوا النظر في مشروع وليامز ضمن خطة عالمية طموحة ساهم فيها عدد من الكتاب من مختلف ارجاء العالم لاعادة تمحيص ماتغير من مصطلحات الثقافة والمجتمع.. فكانت النتيجة هذه الخزانة الموسوعية التي تضم 142 مصطلحا والتي اطلقوا عليها مفاتيح اصطلاحية جديدة لانها مشروع لبث العنفوان من جديد في مفاتيح وليامز الحية..

وكتاب رايموند وليامز الذي سبق ذكره كتاب مشهور تماما لتوفيره امام جيل كامل من القراء خلاصة فاعلة يمكن الاطمئنان اليها في مختلف المعاني – الحاضرة والماضية – التي التصقت بعدد من المصطلحات التي ادت دورا محوريا في نقاشات الثقافة والمجتمع والعلاقات بينهما..

على انه وفد نشر في طبعته الاولى عام 1976 يكشف الان عن علامات تدل على قدمه بطرق اعتبرها وليامز لافكاك منها في مشروع كان دائما معنيا باستكشاف الاستعمالات المعقدة للمشكلات التي تثيرها المفردات اكثر مما كان معنيا بتثبيت تعريف لها.. فلم تكن المسالة عند وليامز تقتصر على ان معاني المفردات تتغير عبر الزمن بل هي تتغير في علاقتها بالمواقف والحاجات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتغيرة.

وحين راجع وليامز مفاتيح اصطلاحية بنفسه من اجل اعادة طبعه طبعة ثانية تضمنت 21 كلمة اخرى اعاد تاكيد (احساسه بان العمل غير منته وغير مكتمل)..

من صلب روح مشروعه يلاحظ ان مداخل كثير من المفردات لا تستطيع ان تفسر ماكان في الغالب – خلال السنوات الثلاثين الماضية – تغيرات حاسمة في المعنى الذي اقترن بكل من الاستعمالات العامة واكثرها تخصصا (انظر على سبيل المثال: الايديولوجيا او الليبرالية او وسائل الاعلام) وان بعض الكلمات التي اثارت اهتمام وليامز عام 1976 (مثل الوظيفة) او (الشعب) او (العبقرية) فقدت سمتها الخاصة في الدلالة والصعوبة التي اجتذبت اهتمامه.. وعلى هذا الغرار فلا ذكر لمفاتيح اصطلاحية لكلمات اخرى مثل (المواطنة او الجنوسة او العلامة) مما تؤدي في الوقت الحاضر دورا اساسيا في كل من الخطاب العام والمجال الاوسع للدراسات الاكاديمية.. واستنادا الى ذلك عزم محررو الكتاب عند اعداده على تجديد مفاتيح اصطلاحية لوليامز بثلاث طرق اساسية:

الاولى: عن طريق تقديم معجم منقح للثقافة والمجتمع يتضمن كثيرا من المصطلحات من قائمة وليامز ولكنه يقدم مناقشات جديدة لتاريخها واستعمالها وياخذ بالاعتبار التطورات التي حصلت خلال السنين الثلاثين الماضية..

الثانية: عن طريق اضافة مناقشات لمفاتيح اصطلاحية جديدة ظهرت حين استجاب معجم الثقافة والمجتمع للحركات الاجتماعية الجديدة التي تغير الاهتمامات السياسية والافاق الجديدة للحوار العام.

الثالثة: عن طريق حذف المفاتيح الاصطلاحية التي قدمها وليامز وشعر محررو الكتاب انها لم تحتفظ باهميتها من وجهة نظر الطرق التي يمثل بها الناس تجاربهم ويضفون المعنى على ادراكاتهم لعالم متغير.

ينصب الجهد الرئيس لهذه الموسوعة في حقل الدراسات الثقافية او بعبارة ادق (الدراسات العابرة للثقافة) وهو تخصص حديث بدأ يدخل الجامعات مع مطلع الالفية الجديدة.

واذا كان من درس يمكن ان يستقى من هذا العلم فهو الانفتاح والتسامح بقبول الاخر والنظر الى المصطلحات والثقافات لا بوصفها ارضا للصدام او الصراع بل بوصفها وجهات نظر متغيرة تمتاز بالمرونة والحراك ، وامكان الانتقال من موقع الى موقع بديل اخر.. فالهويات في النهاية ليست مفاهيم مطقة بل كيانات تاريخية قابلة للتعديل والتطوير.. والثقافات كالازياء لا يوجد فيها صحيح بصورة مطلقة او خطأ بصورة مطلقة بل مقبول وغير مقبول ولعل هذا الاخير يغدو مقبولا في زمان او مكان اخر.

ومن شان الاخذ بالتعددية الثقافية والتسامح مع الاخر فضح الاليات القهرية للاستبداد الثقافي في مفاهيم عسكرية اكثر مما هي ثقافية من نوع (صدام الحضارات) او اي مقولة اخرى تنضح بالمركزية العرقية.. انه كتاب جدير بالاقتناء والقراءة ولاغنى لاي باحث او كاتب عنه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/آب/2011 - 2/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م