تركيا ورياح التغيير.... انتفاضة الجيش وانفصال الأكراد

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يبدو ان لتركيا نصيب هي الاخرى من رياح التغيير التي تعصف بالمنطقة، بعد ان برزت مؤخرا بشكل ملفت بعض القضايا الانسانية والسياسية العالقة منذ عقود في تلك الدولة.

حيث كان للحراك الكردي وعلى الصعيدين العسكري والسياسي مؤخرا، الذي انتهج من ورائه اسلوبا تصعيديا، ظلال على المشهد الداخلي في تركيا، التي يفخر قادتها الجدد من الاسلاميين بتحقيق نسب جيدة من العدالة الاجتماعية بين السكان، وتخليصهم من قبضة العسكر الذي كان مهيمن على مقاليد السلطة حتى عهد قريب.

لكن تسبب التوتر الاخير بين القيادة السياسية لتركيا والجيش، وما افرز من تداعيات خطيرة توجس حقيقي لدى الساسة من قيام الجيش بإجراءات غير دستورية تطيح بالحكومة التركية كما تكرر ذلك في السنوات الماضية.

أزمة مستفحلة

فقد نفى الرئيس التركي عبد الله جول أن تكون تركيا في أزمة بعد استقالة أربعة من أكبر القادة في الجيش لكنه قال ان أنها أوجدت وضعا "استثنائيا". وسببت استقالة الجنرالات الاربعة اضطرابا في الجيش وأعطت رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان فرصة لزيادة سلطته على الجيش التركي ثاني أكبر جيش في حلف شمال الاطلسي.

واستقال رئيس هيئة أركان القوات المسلحة التركية الجنرال اسيك كوسانير وقادة القوات البرية والبحرية والجوية احتجاجا على اعتقال 250 ضابطا متهمين بالتآمر على حكومة اردوغان.

وفي رسالة وداع "لاخوة السلاح" قال كوسانير انه لا يمكنه الاستمرار في عمله لانه غير قادر على الدفاع عن حقوق رجال اعتقلوا نتيجة عملية قضائية معيبة.

والعلاقات بين الجيش العلماني وحكومة حزب العدالة والتنمية التي يتزعمها اردوغان والمحافظة اجتماعيا متوترة منذ توليها السلطة للمرة الاولى في 2002 بسبب انعدام الثقة في الجذور الإسلامية للحزب.

وقال جول -وهو عضو بارز سابق في حزب العدالة والتنمية- للصحفيين "يجب ألا ينظر أي شخص الى هذا على أنه أزمة من اي نوع أو مشكلة مستمرة في تركيا.. بلا شك فان أحداث الامس كانت وضعا استثنائيا في حد ذاتها لكن كل شيء يمضي في مساره."

واصدر مكتب اردوغان بيانا يشير الي ان قائد قوات الامن الجنرال نجدت اوزال اصبح القائد الجديد للقوات البرية والقائم باعمال نائب رئيس هيئة الاركان مما يجعله يتولى فعليا المنصب بعد كوسانير.

وفي سنوات مضت كان يحتمل على نحو كبير ان يقوم جنرالات تركيا بانقلاب بدلا من الاستقالة لكن اردوغان انهى ماضي سيطرة الجيش من خلال سلسلة اصلاحات تهدف الى زيادة فرص تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي. وحدثت ثلاثة انقلابات في الجيش التركي منذ عام 1960 وأطاح الجيش بحكومة يقودها الاسلاميون من السلطة عام 1997 .

ونشرت صحيفة صباح التركية موضوعا عن الاستقالات في الجيش بعنوان "زلزال أربع نجوم" وأشارت صحف أيضا الى انتقاد كوسانير لتناول الاعلام لشؤون الجيش.

وقال بيان كوسانير "حاولوا خلق انطباع بأن القوات المسلحة التركية منظمة اجرامية .. وشجع الاعلام المنحاز هذا الامر بكل أشكال القصص الخاطئة والادعاءات وتشويه السمعة."

وظهر خضوع الجنرالات بشكل جلي العام الماضي عندما بدأت الشرطة اعتقال عشرات من الضباط بشأن "عملية المطرقة" وهي مؤامرة مزعومة ضد حكومة اردوغان نوقشت في ندوة للجيش في 2003. وقال الضباط ان المطرقة هي مجرد مناورة حربية وان الدليل ضدهم تم تلفيقه.

ويوجد حوالي 250 شخصية عسكرية حاليا في السجن بينهم 173 كانوا في الخدمة و77 متقاعدون. ومعظمهم محبوسون بتهم تتعلق بالمطرقة.

وقبلت محكمة عريضة اتهام في مخطط عسكري مزعوم اخر وطلب ممثلو ادعاء اعتقال 22 شخصا بينهم قائد الجيش في منطقة ايجة وستة ضباط جيش اخرين برتبة جنرال وأميرال.

ووصفت صحيفة (أقسام) التركية الامر بأنه "عريضة اتهامات تسبب أزمة" في قضية يتهم فيها الجيش بانشاء مواقع الكترونية مضادة للحكومة. وذكرت صحف أيضا أن اختلافات حول تعيينات كبيرة جديدة في صفوف الجيش دفعت الجنرالات الى الاستقالة.

واضعفت الاعتقالات المعنويات ونشرت مناخا من عدم الثقة والشك بين فيالق الضباط وكان كثيرون يتطلعون الى كوسانير لاتخاذ موقف منذ تعيينه في اغسطس الماضي.

ويوجد اكثر من 40 جنرالا في الخدمة - او حوالي 10 بالمئة من القادة العسكريين الاتراك- قيد الاعتقال بتهم تتعلق بمؤامرات مختلفة لاسقاط حزب العدالة والتنمية.

وقال حزب الشعب الجمهوري ان الجيش يجب أن يبقى بعيدا عن السياسة لكنه حذر من استغلال حزب العدالة والتنمية للسلطة. وقال أمين ترهان وهو نائب عن حزب الشعب الجمهوري في مؤتمر صحفي "لا يصح جر الجنود الى السياسة لكن لا فائدة من الذم أو التشويه أو الحط من كرامتهم ليلا ونهارا."

وقال بيان صادر عن مكتب اردوغان ان القادة الاربعة تقاعدوا ولم يذكر اسبابا. واضاف ان اجتماعا مع المجلس العسكري الاعلى الذي يجتمع مرتين سنويا لتحديد التعيينات الرئيسية سينعقد كما هو مقرر يوم الاثنين موضحا ان اردوغان يتعجل الامر لاستعادة سلسلة القيادة وتقديم صورة بان الامور تسير بشكل معتاد.

دستور أكثر ليبرالية

فيما قال رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان إن تركيا سوف تستبدل دستورها الحالى بآخر "أكثر شمولا وليبرالية وتماسكا". أضاف أردوغان - فى كلمة تليفزيونية وجهها إلى الأمة - إنه لا يمكن لتركيا أن تمضى قدما فى طريقها فى ظل دستور تمت صياغته فى ظروف استثنائية عندما كانت الديمقراطية التركية معطلة.

وأشار أردوجان إلى أن نتيجة الانتخابات التى جرت فى 12 يونيو الماضى أثبتت أنه يتعين صياغة الدستور الجديد بأكبر مشاركة ممكنة، وأنه ينبغى أن يتم هذا فى سياق إجماع وطنى يلبى مطالب كافة الشرائح الاجتماعية.

وأشار أردوغان فى كلمته، التى تأتى فى أعقاب الاستقالة الجماعية التى تقدم بها رئيس أركان الجيش التركى وقادة أفرع القوات المسلحة الرئيسية الثلاثة أمس الجمعة، إلى أن الحكومة التركية ماضية منذ البداية فى عزمها مكافحة الإرهاب، وستواصل محاربته بدون أى تنازلات لصالح الأمن والحرية فى هذا البلد.

وفيما يتعلق بالاقتصاد، أوضح أن الاقتصاد التركى، وحسب الإحصاءات الرسمية شهد نمواً نسبته 11% فى النصف الأول من العام الجارى، مؤكداً أن الاقتصاد التركى يقف ثابتا على قدميه، ولديه من الاحتياطات اللازمة ما يؤهله للوقوف بوجه الرياح السلبية فى أوروبا.

أكراد الحكم الذاتي

من جهة أخرى قال مكتب الادعاء في تركيا انه بدأ تحقيقا في اعلان "حكم ذاتي ديمقراطي" من جانب منظمة تضم جماعات كردية غير حكومية. وقد يشعل الاعلان التوترات في تركيا بعد تصاعد في الانشطة الانفصالية الكردية ومقاطعة النواب الاكراد لجلسات البرلمان.

وتزامن اعلان مؤتمر المجتمع الديمقراطي مع اشتباك أسفر عن مقتل 13 جنديا وسبعة مسلحين أكراد في اقليم ديار بكر بجنوب شرق تركيا الذي تقطنه غالبية كردية.

ويبحث الادعاء في ديار بكر الاعلان الذي تم خلال اجتماع لمؤتمر المجتمع الديمقراطي بحضور 850 مندوبا في المدينة وربما يرفع دعوى قضائية ضد أعضاء بارزين في المؤتمر.

وقالت أيسل توجلوك نائبة رئيس المؤتمر وهي تتلو الاعلان "باعتبارنا شعبا كرديا نعلن حكما ذاتيا ديمقراطيا ونبقى على التزامنا تجاه الوحدة الوطنية لشعب تركيا." في الوقت نفسه تقريبا ظهرت أول تقارير عن هجوم في الجبال الواقعة شرقي دياربكر.

وقال رئيس الاركان التركي في بيان ان انفصاليين من حزب العمال الكردستاني ألقوا قنابل يدوية مما أسفر عن اشتعال حريق في منطقة غابات كثيفة ومقتل 13 جنديا. وأضاف البيان أن سبعة جنود أصيبوا.

وشككت وكالة فرات للانباء وثيقة الصلة بحزب العمال الكردستاني في الرواية الرسمية وقالت في تقرير نقلا عن شاهد ان طائرة حربية تركية استهدفت الانفصاليين في غارة جوية قتلت أيضا جنودا كانوا متمركزين قريبا من موقع الغارة.

وبعدها قالت محطة تلفزيون ان.تي في ان مجهولين شموا هجوما بقنابل حارقة على مكاتب لحزب السلام والديمقراطية وهو الحزب الكردي الرئيسي في العاصمة أنقرة. ولم يسفر الهجوم عن وقوع اصابات.

وجاء مقتل الجنود فيما تجري القوات التركية عمليات قرب ديار بكر لانقاذ ثلاثة أشخاص بينهم جنديان اختطفهم حزب العمال الاسبوع الماضي. كما اختطف الانفصاليون اثنين من العمال في اقليم تونجلي الشرقي.

ويأتي اعلان الحكم الذاتي بعد أسبوع من توجيه عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال المسجون كلمة عبر محاميه بانه اتفق مع مسؤولين أتراك على تأسيس "مجلس سلام" لانهاء الصراع المستمر منذ 27 عاما والذي حصد أرواح 40 ألفا.

يأتي الاقتراح بعد شهر من فوز حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في الانتخابات لفترة ولاية ثالثة وبعد شهرين من تهديد أوجلان بالحرب ما لم تبدأ الحكومة محادثات مع الحزب.

البنطلون بدلاً من التنورة

من جهة أخرى تقدم الحزب الحاكم في البرلمان التركي باقتراح بتعديل لباس المراة العضو ليكون بنطلونا ومعطفا وليس تقييده بالتنورة القصيرة على اعتبار ان هذا اللباس ليس مريحا.

وجاء في الاقتراح الذي تقدم به نائبا حزب العدالة والتنمية احسان سينير وسيبل غونول ان البند الوارد في اللائحة الداخلية للبرلمان الخاص بلباس المرأة غير عملي ويجب تعديله.

وقال النائبان في مذكرة بهذا الشان نشرتها وسائل الاعلام انه «يجب السماح للمرأة النائب عند حضور الجلسات البرلمانية بارتداء البنطلون والمعطف وليس تقييدها بلباس بدلة التنورة فقط».

وبررا التعديل بان ارتداء التنورة في جلسات البرلمان الطويلة التي تمتد في بعض الأحيان لساعات عديدة «غير مريح للنساء النواب ومقيد بينما لباس البنطلون والمعطف اكثر راحة لهن».

وبحسب وسائل اعلام فان احدى النواب عن حزب الشعب الجمهوري وهي شفق بافي المقعدة على كرسي مدولب هي من حفزت على اقتراح التعديل لانها شاركت بجلسات برلمانية عدة بساق صناعية وهي ترتدي التنورة.

وتحظر المادة 59 من اللائحة الداخلية للبرلمان على النساء ارتداء غير لباس التنورة وهو ما انتقدته وسائل اعلام ودعت الى الغاء الحظر.

وتشكل النواب النساء في البرلمان الذي انتخب الشهر الماضي نسبة %14 وعددهن 78 نائبا معظمهن ينتمين للحزب الحاكم الذي احتفظ بالسلطة للمرة الثالثة على التوالي منذ وصوله الى الحكم في عام 2002. ولا يسمح للنساء في تركيا ذات الغالبية المسلمة بارتداء الحجاب في المؤسسات العامة والمرافق الحكومية والرسمية ويشمل هذا مجلس البرلمان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/آب/2011 - 1/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م