تفجيرات النرويج وسقوط الاعلام الغربي في منحدر التمييز العنصري

 

شبكة النبأ: كان لتفجيرات اوسلو الاخيرة الكثير من التداعيات والاسقاطات المادية والمعنوية المكلفة، اسوة ببعض الاحداث الشبيه التي تقع في المكان غير المتوقع، او حتى الخسائر غير المحسوبة.

ومن جملة تلك الاستقاطات كان لتدحرج الاعلام الغربي، (الذي غالبا ما يدعي المهنية والحياد في الطرح الاعلامي)، في منزلق التمييز العنصري المتنام في أوروبا لدى تناوله ونقل التفجيرات الاخيرة التي كان يقف ورائها اليمنين المتصهين الجديد بحسب التحقيقات الأمنية التي اثبتت ذلك.

ففي حين تعيش النرويج أحزانها على ضحايا مجزرة ارتكبها شخص نصب نفسه قائدا صليبيا ضد الاسلام تواجه وسائل الاعلام الاخبارية على مستوى العالم أسئلة صعبة تتعلق بتسرعها في توجيه أصبع الاتهام لمسلمين.

ويحاسب المدونون التيار الرئيسي للاعلام على الانترنت ويتبادل الصحفيون المحترفون الانتقادات اللاذعة بشأن من سبق في التسرع بالحكم أو من أخذ رأي محللين معتادين دون اعمال للعقل. ووسط كل هذا وجد المسلمون خاصة المقيمين في الغرب أنفسهم حائرين يتساءلون عما اذا كان انعدام الثقة الشعبي يمكن ان يتحسن يوما.

وقالت شيفا بالاجي المؤرخة بجامعة براون عن التغطية الاعلامية لذلك اليوم على موقع جداليا للدراسات العربية "يوم مأساوي للنرويج ويوم مخذ للصحفيين."

ففي حين حول الاعلام على الانترنت والتلفزيون تركيزه بالتدريج فيما يتعلق بالمهاجمين المحتملين من اسلاميين الى متشددين يمينين من أهل البلد تعرضت الصحف خاصة في أوروبا لحرج شديد نتيجة تغير الرواية مع مثولها للطبع مساء يوم الجمعة. وتمسكت بعض الصحف أكثر من غيرها بالرواية التي تحمل الاسلاميين المسؤولية.

فصدرت صحيفة صن الشعبية الاكثر مبيعا في بريطانيا بعنوان يوم السبت يقول "مذبحة القاعدة.. 11/9 النرويجي". بحسب رويترز.

ورغم أن الصحيفة أشارت الى أن المهاجم قد وصف بالفعل قبل النشر بأنه أشقر يرتدي زي شرطي أورد ملخص الخبر في الصفحة الاولى أن المسؤولين يشتبهون في "متشددين اسلاميين" وان القاتل ربما كان من عناصر القاعدة المحليين.

وقال عدنان الدايني المعلق البريطاني العراقي المولد على موقع هافينجتون بوست ان مبدأ "بريء حتى تثبت ادانته يتحول عندما يتعلق الامر بالمسلمين الى مدان حتى تثبت براءته." وأضاف "وسائل الاعلام المسؤولة يجب ان تحسن اداءها. فالامر قد يتعلق بحياة أبرياء."

ويرى ايفور جابر استاذ الصحافة السياسية في جامعة سيتي بلندن مزيجا من "الكسل" و "الضغينة" من جانب وسائل الاعلام المتأثرة "بأجندة اخبارية" شكلتها أحداث سابقة وكذلك رغبة بعض وسائل الاعلام في اشاعة الخوف من تهديدات متصورة لقرائها.

وقال "نحن نخلق فزعا اخلاقيا لان الصحافة الشعبية تعيش على الخوف... من كل ما هو قادم من الخارج." وأضاف "الاكثر شيوعا الان هو الارهاب الاسلامي لذلك يجري التقاط هذا على الفور."

واذا كانت تمت محاسبة كتاب عناوين الصحف لافتقارهم للحذر الواجب في النشر عن وضع كان بعيدا كل البعد عن الوضوح واظهر فيه المسؤولون النرويجيون الكثير من الحذر في توجيه الاتهام فان المعلقين من الخبراء والكتاب تعرضوا كذلك لانتقادات عنيفة في مطلع الاسبوع.

فقال بيتر نوب مدير المركز الدولي لمكافحة الارهاب الذي يتخذ من هولندا مقرا له ان الصحفيين رددوا ما كان يقوله المحللون المتخصصون "فرغم ان بعض ردود الفعل في صحف الامس اتسمت بالحذر فقد عكس الكثير منها تركيز الغرب على الارهاب الجهادي." وأضاف "زعم احد الخبراء امس أن المهاجم الطويل القامة الاشقر ربما كان متحولا الى الاسلام. وهذا يعكس فكرة راسخة في العقول عن أن كل الشرور لها مصدر واحد محتمل هو الاسلاميون."

وكان من بين الخبراء الذين تعرضوا لهجوم عنيف بشكل خاص ويل مكانتس المستشار السابق لوزارة الخارجية الامريكية المختص بمكافحة الارهاب والذي يعمل حاليا بجامعة جونز هوبكينز. فقد لفت الانتباه عبر موقع تويتر الى بيان منشور على موقع اسلامي بعد فترة وجيزة من الهجوم رغم تشكيكه في انه اعلان للمسؤولية.

وأدى ابراز بعض وسائل الاعلام لتصريحات مكانتس وبخاصة نيويورك تايمز على موقعها الى تحويله الى هدف لمدونين اخرين. فاورد موقع الانتفاضة الالكترونية الفلسطيني مقالا عنه بعنوان "كيف يركز 'خبير في الارهاب' ليس لديه معلومات شكوك الاعلام في المسلمين."

وأثار ذلك المزيد من التعليقات في أماكن اخرى من خبراء أمن اخرين يشرحون مبرراتهم للاشتباه في باديء الامر في الاسلاميين. وقال منتقدو الصحف ان الاعلام ربما اسهم في المبالغة في التركيز على أراء الخبراء في العنف الاسلامي بعدم استعراضه لاراء خبراء من أصحاب الخبرات الاخرى مثل أقصى اليمين المعادي للمهاجرين في أوروبا.

وقال جابر من جامعة سيتي "نحن لا نعترف بأن أغلب الخبراء يرون الامور من وجهة نظرهم الخاصة." واضاف "في مثل هذه المجالات الحساسة يتعين على الصحفيين توخي الحرص... فيمكنهم اثارة ردود فعل عكسية. فيمكن بسهولة تصور تعرض السكان من أصول عربية للهجوم في الشوارع."

وأطلقت المدونة سانوم غفور سلسلة من المدونات الصغيرة الساخرة على موقع تويتر عن رد الفعل الاعلامي المهزوز. وكان عنوان التتبع على تويتر "وجه اللوم للمسلمين" من أكثر المواضيع جذبا للناس على الموقع ربما لان الكثيرين من المستخدمين لم يدركوا النبرة الساخرة في المزحة فأثار العنوان غضبهم.

والتهبت المشاعر بشكل خاص في الولايات المتحدة حيث تبادل الصحفيون من مختلف الاتجاهات الانتقادات اللاذعة ليس فقط بشأن تغطية الخبر بل ايضا في تعليقات عن الدروس التي يمكن الاستفادة منها من اراقة الدماء في النرويج.

وكتب جيمس فالوز في موقع اتلانتيك "الواشنطون بوست مدينة للعالم باعتذار" وشكا من استمرار نشر تعليق المدونة جنيفر روبن التي تدعو الى مكافحة التهديد الاسلامي. وكتبت روبن "هذه تذكرة قوية لمن يتصورون ان شن حرب على الجهاديين أمر مكلف جدا."

ورد فالوز قائلا "لا... هذه تذكرة قوية لمن يتصورن أن التحفظ في اصدار الاحكام على أحداث مروعة أمر أكثر مللا من تحويلها على الفور الى محور للحديث عن وجهات نظر مسبقة."

ودافع جيفري جولدبيرج في موقع اتلانتيك كذلك عن التحليلات الفورية للصحفيين لكنه قال "توجد دروس هنا للجميع." وأضاف "القراء يريدون التفكير اللحظي في الاخبار العاجلة... ليس من الشاذ أو المستغرب على الانسان العادي أن يفكر في تنظيم القاعدة عندما يسمع عن هجوم ارهابي كبير."

ويقر العديد من المسلمين كذلك بأن أول ما تبادر لاذهانهم عندما سمعوا خبر ما حدث في النرويج هو ان يكون هجوما من جانب اسلاميين.

وقال بشارات نظير المتحدث باسم الطائفة الاحمدية المسلمة في بريطانيا التي كانت تعقد اجتماعها السنوي المخصص للدعوة للسلام في مطلع الاسبوع "عندما ينشر خبر مثل هذا تسقط قلوبنا حقا. فليس الاخرون فقط بل نحن ايضا نتصور ان الامر مرتبط باسلاميين." وأضاف أنه عندما أعلن أن المهاجم نرويجي ومسيحي شعرت الطائفة "بارتياح كبير" وكانت الطائفة قد طلبت من مركز كومريس المتخصص اعداد استطلاع الاسبوع الماضي أظهر ان نحو ثلث البريطانيين يعتقدون أن الاعلام هو المسؤول الاكبر عن اشاعة الخوف من الاسلام.

وقال نظير "تركزت أغلبية اللوم على أن الاعلام يلقي الضوء على كل الجوانب السلبية... أي شيء سلبي يحدث يبدأ الناس في افتراض أن المسلمين هم من قاموا به."

وفي حين لا يتوقع نظير تغيرا سريعا الا انه يعتقد ان بعض الخير سيأتي من الشعور بالحرج في قاعات التغطية الاخبارية على مستوى العالم بسبب التسرع في اعلان الافتراضات يوم الجمعة ويقول "أنا واثق من أن الصحف لا تريد ارتكاب اخطاء أو كتابة عناوين غير صحيحة... سيفكرون مرتين قبل ان يقوموا بذلك في المستقبل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/آب/2011 - 30/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م