أمريكا... رعب أسواق المال وتأثيره على العالم

 

شبكة النبأ: يترقب المستثمرون انكماشا جديدا في سوق المال مما دعا الى هجر الأسواق. واوضح خبراء اقتصاديون أن الانسحاب كان بالمعدلات التي شهدتها الأسواق أثناء الأزمة المالية عام 2008.

وأن التضخم المرتفع وأزمة الديون في أميركا، بالإضافة إلى الأزمة المستمرة في دول منطقة اليورو مثل اليونان والبرتغال وأيرلندا، جعلت المستثمرين مكشوفين كما قال أحد الخبراء.

لكن الأرقام أظهرت أن الأموال التي وضعها المدخرون بصناديق الاستثمار انخفضت بنسبة 90% في الشهر الأخير، وهذا يعني أن ثقة المستثمرين في أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية قبل سنتين.

وبدلا من ذلك لجأ المدخرون لوضع أموالهم في ملاذات آمنة حيث ارتفعت مبيعات الذهب بنسبة 60% بالأسبوع الأخير. وبشكل متزايد يفضل الناس الاستثمار بالأموال نقدا، حتى وإن كان التضخم المتصاعد يعني أنهم يخسرون أموالهم.

وجاء عدم الثقة في أمن أسواق المال عندما خسر سهم فوتسي أحد أكبر مؤشرات الأسهم البريطانية ويضم أسهم أكبر مائة شركة بريطانية في بورصة لندن 1% من قيمته، وهو ما أدى إلى مسح 24 مليار دولار من قيم أكثر الشركات البريطانية نجاحا بعد صدور أرقام مخيبة من الولايات المتحدة، وفي مؤخرا انهار المؤشر بـ2%.

وقال مدير البنك الدولي روبرت زوليك إن عجز الولايات المتحدة لا يعني كارثة مالية فقط، بل سيشكل إرباكا لكل أميركي.

لكن الدائنين الدوليين لأميركا حثوا واشنطن على حماية استثماراتهم المحفوظة بالدولار، كما أن وكالة الأنباء الرسمية الصينية اتهمت السياسيين الأميركيين بممارسة لعبة الصقر والحمام بشأن التوصل إلى حل، وقالت إن العالم أصبح رهينة اللامسؤولية الخطرة للسياسة الأميركية.

لكن محللون خبراء قالوا أن تراجع الثقة بالأسواق دفع أمس وكالة مودي للتصنيف للتهديد بتخفيض تصنيف إسبانيا وسط استمرار الاضطراب بمنطقة اليورو.

كما أن المستثمرين الخواص أصبحوا أكثر ترددا حيث لم يضعوا سوى عُشر معدل المبالغ التي وُضعت الشهور الأخيرة، وتكشف أرقام قدمتها إدارة هيئة الاستثمار أن الأموال المستثمرة في مايو الماضي كانت مائة مليون دولار فقط، مقارنة بمعدل الشهر ذاته العام الماضي حيث بلغت مليار دولار. وسحب المستثمرون 98 مليون دولار من الصناديق الأوروبية و250 مليونا من الصناديق الأميركية في مايو الماضي فقط.

ان أزمة الديون التي تعصف بالاقتصاد الأميركي، تعين على الكونغرس أن يتوقف عن مغازلة الأزمة قبل أقل من أسبوع على عدم استطاعة الحكومة الفدرالية دفع كافة مصاريفها.

ودعت خبراء الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى تجاوز خلافاتهما التقليدية وذلك للتوصل إلى اتفاق لرفع سقف الدين، وقالت إنه يبدو أن الجمهوريين لا يريدون إنهاء الخلاف، بل إن رئيس مجلس النواب جون بونر يريد دفع الكونغرس إلى التسبب في أزمة كبيرة بداية العام المقبل بحيث يطالب الجمهوريون الديمقراطيين بتنازلات لن يوافقوا عليها.

فإن برنامج بونر يتمثل في الموافقة على رفع سقف الديون الآن، ويكون المقابل في بداية العام المقبل هو خفض الإنفاق بشكل تقديري وتقليص إضافي للعجز يتم تحديده بواسطة لجنة من الحزبين في الكونغرس. وهذا الإجراء سيفعل كل شيء باستثناء أنه لا يضمن معركة أخرى بشأن ما إن كان سيتم رفع سقف الديون في أوائل عام 2012، وحينها تكون حملة الانتخابات الرئاسية على قدم وساق. وأكدت خبراء أن الأمر مخيف وسط مؤشرات على تزايد احتمالات تدهور الوضع الائتماني لأميركا.

وتساءل خبراء عن قدرة النواب الجمهوريين على تبرير دفع أميركا نحو العجز الاقتصادي مقابل كسب نقاط في مواجهة حزبية، فوزارة الخزانة حددت تاريخ الثاني من أغسطس مهلة لعجز الحكومة الفدرالية عن دفع كافة مصاريفها، لكنهم يقولون إنهم لا يصدقونها لأنها أحد أذرع أوباما في الإدارة.

لكن الأزمة باتت خانقة ومدمرة وتنذر بانهيار الاقتصاد الأميركي، وإنها بدأت تترك تداعياتها على الشعب الأميركي بشكل مباشر، في ظل تواصل انخفاض معدل نمو الناتج القومي المحلي.

فقد قال الكاتب الأميركي كولبيرت كينع إن ما وصفه باليمين المتطرف في حزب الجمهوريين مصمم على إسقاط الرئيس باراك أوباما، موضحا أن الجهوريين لا يريدون أن يفعلوا شيئا يكون من شأنه مساعدة أوباما في محنته.

لكن على ما يبدو أن الشعب الأميركي يريد أن يهجر أوباما ويتخلى عنه، في ظل عدم تحقق الوعود التي أطلقها إبان حملته الانتخابية عام 2008.

وقبل أن تبدأ أزمة الديون الخانقة الراهنة بترك تداعياتها المدمرة في البلاد، كان أوباما قد وعد بالتعامل مع الأزمة المالية خطوة بعد أخرى من أجل الوصول إلى بر الأمان، وإنقاذ الاقتصاد الأميركي من الانهيار، ولكن شيئا من ذلك كله لم يتحقق.

وفي افتتاحية أخرى لها، قالت واشنطن تايمز إن أزمة الديون الراهنة بدأت تترك تداعياتها المدمرة على الاقتصاد الأميركي، وإن أحوال البلاد من الناحية الاقتصادية بدأت تسوء أكثر فأكثر.

استنتاجات

تهيمن أزمة الديون الأميركية على جل الرأي الدولي وهناك ردود فعل واسعة في أنحاء العالم بشأن ما يجري بين الديمقراطيين والجمهوريين من شد وجذب ومخاوف تأثر العالم بهذه الأزمة.

فمن بين التعليقات قال خبراء الأزمة المالية قالوا ان الأزمة ستجبر إدارة الرئيس باراك أوباما على اتخاذ خيار يحدد مستقبلها ومستقبل العالم من حولها.

واشاروا إلى أن المواجهة الحالية بين الجمهوريين والديمقراطيين بسبب أزمة الديون تعود أصولها إلى القرن السابع عشر مع بداية الثورة الأميركية حيث ساعدت أحداث تلك الفترة على ترسيخ استياء وطني من النظام الضريبي الذي ظل في وجدان النفس الأميركية منذ ذلك الحين.

وبالنسبة لشعب نشأ على فكرة الفردية الخشنة والاعتماد على الذات فإن فرضية الضرائب المنخفضة، ومن ثم حكومة صغيرة، تمثل نوعا من الإيمان الراسخ.

والنجاح الاقتصادي المتشعب الذي حققته هذه المبادئ هو نفس الأساس الذي قام عليه النموذج الاقتصادي الأميركي وقد ساعد في جعل الولايات المتحدة أغنى وأقوى دولة شهدها العالم. لكن المشكلة هي أن الحكومة والتزماتها بالإنفاق في الآونة الأخيرة صارت أكبر بكثير. والضرائب من ناحية أخرى فشلت في مجاراتها.

وعلى العكس من ذلك فقد خفضت أميركا في عهد الرئيس السابق جورج بوش عبء الضرائب حتى مع تصاعد الإنفاق. ومنذ أن جاء أوباما للسلطة تزايد خروج الإنفاق عن السيطرة مع عدم وجود تعويض للزيادات الضريبية.

فإنه إذا قُدر لأميركا أن تتخلف عن إيفاء الدين فسيكون هناك اضطرابات زلزالية ذات أبعاد مدمرة. لكن في الواقع لن يحدث هذا لأن التلاعب الذي حدث هنا ليس حدثا وجوديا، على الأقل في هذه المرحلة، ولكنها مهزلة سياسية. فقد كان هناك بوادر ضائقة في الأسواق المالية في الأيام الأخيرة.

وخلاصة القول هي أن أوباما ليس على وشك الانهيار كأول رئيس في التاريخ يتخلف عن إيفاء الدين. ولكن بقدر ما يود إلقاء اللوم على الجمهوريين لكارثة من هذا القبيل فإنه لن يقدر على التهرب من المسؤولية. فوظيفة الرئيس هي إيجاد حلول ومن ثم فالمسؤولية تقع على عاتقه.

ورأى خبراء أن الأزمة سياسية وليست اقتصادية وهو ما يجعلها مغايرة تماما للوضع في منطقة اليورو حيث أنها تشمل الاثنين.

فأن مشكلة العجز الآنية، وربما التحديات الديموغرافية الطويلة الأجل، يمكن حلها بسهولة من خلال إجراء واحد فقط وهو فرض ضريبة مبيعات فدرالية على النمط الأوروبي، المماثل للضريبة على القيمة المضافة.

ولكي تتخلى أميركا عن المبادئ التي عززت نجاحها الاقتصادي لأكثر من قرنين سيكون الأمر كارثيا ليس فقط للبلد ولكن للعالم. والتجربة الأوروبية تعلمنا أن زيادة الضرائب ترسخ زيادة الإنفاق وإذا كانت الدولة معتمدة منذ زمن طويل على الرفاهية فمن الصعب جدا زحزحتها عنها. وإذا كان هناك ضرورة للاختيار بين الإنفاق على الرفاهية والاستثمار المنتج في مستقبل الأمة -التعليم والدفاع وما شابه- فإن الخيار الثاني يأتي في المقدمة دائما.

هجوم حاد

في سياق متصل قال اقتصاديون في الفاينانشال تايمز أن بنك الاحتياطي الفدرالي يتعرض لهجوم حاد بسبب مباحثات التخلف عن إيفاء الدين وأن مصرفيي وول ستريت يشتكون من رفضه الانخراط في سيناريو يخطط لخفض منزلة الولايات المتحدة أو التخلف عن إيفائها بالدين.

وإن الفدرالي في وضع معقد لكونه المنظم الرئيسي للنظام المالي ووكيل الحكومة الأميركية فيما يتعلق بمسؤوليته عن دفع شيكات وزارة الخزانة ومعالجة مدفوعاتها الإلكترونية وإصدار ونقل ومعاودة شراء سندات الخزانة. ويشعر المصرفيون بالقلق بشأن مجموعة كبيرة من القضايا التشغيلية وكذلك السؤال الهام عن كيفية دعم الفدرالي للنظام المالي إذا حدث اضطراب بسبب الفشل في زيادة سقف الدين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/آب/2011 - 30/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م