كثرت في الآونة الأخيرة يا دولة رئيس الوزراء الجهود المبذولة
لإقناع الجماعات الإرهابية داخل العراق للالتحاق (بالصف الوطني) حسب ما
تروجون له، ويعتقد العقلاء من أبناء شعبنا المظلوم أن هؤلاء المجرمين
مارسوا الفتك ضدنا وقتلوا منا ما لايعلمه إلا الله وسفكوا من دمائنا ما
هو مثبت عند الله، وأن من دعوتموهم اليوم قطعاً لهم حصة الشيطان من تلك
الدماء، وهم إذا ما استجابوا لدعوتكم فإنهم سوف يصافحونكم بأكف لوثتها
دماء الأبرياء منا، وبين جنباتهم نفوس ألفت قتلنا وسفك دمنا عقود طويلة
أي انها اعتادت على شرب دمنا، فكيف تأمن جانبهم؟
انك لم تأمن بعد من شركائكم السياسيين الذين لم تسجلوا عليهم حالات
قتل ومع ذلك فإنهم يمكرون لكم مكر الليل والنهار، فكيف إذن بمن احترف
القتل واعتاد سفك الدماء، وقد تخرج من مدرسة البعث التي لم تحسن في هذه
الحياة غير تصفية الخصوم والإيغال في الدماء.
يا دولة الرئيس: إذا كان إيمانك في الوحدة الوطنية وإصلاح ذات البين
يدفعك إلى التصالح مع أعداء الشعب من المجرمين وإعطاء التنازلات
الكبيرة لهم من أموال ضحايا أولئك المجرمين، أوليس الأولى بك أن تمد
يدك أولاً إلى أكف لطالما حملت السلاح دفاعا عن العراق وشعبه ومبادئه،
أكف لطالما سجدت لله تعبدا ورقا، أوليس الأولى بك أن تصالح نفوسا
لطالما شربت من القهر سنينا في الغربة ابتغاءا لمرضات الله وآملاً في
تحرير العراق، أوليس الأولى يادولة الرئيس أن تجبر النفوس التي جاهدت
في كسرها أنت وحزبك وأسرفت في إذلالها وعملت على ذلك منذ أن تسلمت
القيادة والسيادة في العراق..
نعتقد أيها الأخ أن مصالحة الشرفاء من أبناء العراق أولى في هذه
المرحلة من التوسل بمن قتلنا وهتك أعراضنا واستخف بكل شيء في هذا الوطن.
إن الحكومة العراقية وهي تلهث وراء البعثين في الخارج وإرسال وفود
خاصة لهم تطبيقا لقانون المصالحة الوطنية وإرضاءا لهم، وتفتح أبواب
المناصب لهم في الداخل حتى غدت أغلب الوزارات تعج بهم نراها في ذات
الوقت تشيح بوجهها عن المخلصين من أبناء الرافدين وأصحاب الكفاءات
والتاريخ الجهادي الناصع مهمشين، فلم يتصل بهم أحد من الحكومة، بل أغلق
المسؤولون حتى تلفوناتهم بوجوههم، أولئك الذين أمضوا أكثر من ثلاثين
سنة، يحلمون بالرجوع للوطن بعد أن انهكتهم الغربة ووحشة المنافي، حتى
إذا تحقق ذلك الحلم وإذا بهم يهمشون من قبل إخوتهم الذين كانوا يرابطون
معهم في خندق واحد، ويعانون من غربة واحدة، لقد شغلتهم الدنيا وأسكرتهم
المناصب فنسوا إخوتهم فأنساهم الله أنفسهم.
لقد التقيت بـأحد من تقلد منصبا ليس هو أهلاً له، عاتبته: لماذا لا
تدعون إخوتكم، وياليتكم تعاملونهم كما تعاملون البعثيين وأصحاب النسب
والآل، فلقد ضحوا وصبروا وأعطوا أكثر مما أعطيتم، فرد بكلمات غريبة
لاتحتمل التأويل غير التذرع، فقال: إن الظروف غير مؤاتية لدعوتهم، فقلت
له: مؤاتية لدعوة البعثيين وغير مؤاتية لدعوة المخلصين، وإذا كان رئيس
الوزراء منا وهو قمة السلطة والظروف غير مؤاتية، فمتى تكون مؤاتية
إنشاء الله..
إن الحكومة العراقية التي يغلب على رموزها الطابع الإيماني ترتكب
خطأ أخلاقيا جسيماً بحق مجموعة كبيرة من المخلصين الذين أعطوا ما
بوسعهم للعراق طيلة عدة عقود، وهي بذلك تمارس عملاً يتنافى تماماً مع
المباديء الإنسانية والدينية التي نادوا بها وهم خارج السلطة، ثم تخلوا
عنها عندما مسكوا زمام الأمور، فإذا كان المعيار الطبيعي في تقلد
المناصب هو المقدار الذي أعطاه الفرد للعراق أيام المحنة من شهداء
ومآسي وظروف سيئة كان يعيشها فقرا وغربة ومعاناة، فإن المعايير في منح
المناصب الآن هي معايير أخرى لاعلاقة لها بالتضحية أو العطاء للعراق،
فغالبية من تقلدوا المناصب ومنحوا رواتب تقاعدية مجزية ورتب عسكرية
رفيعة هم ممن لم يعط للعراق شيئا ونحن نمتلك الكثير من الأرقام التي
تدل على أن المعايير هي الولاء الشخصي الأعمى لشخوص الأحزاب وليس
للعراق أو تمنح تلك المناصب لعلاقة شخصية أو نسبية بأعضاء المكتب
السياسي للحزب، وثمة وزراء متدينون قد منحوا الكثير من المناصب المهمة
لأشخاص تربطهم بهم علاقات مادية ومصالح دنيوية وكما شاهدناه بشكل صارخ
في وزارة التجارة والتربية ومجلس الوزراء.
لقد أمسى العراق مع الأسف ضيعة لطلاب الدنيا ولشبكات من الوصوليين
وأصحاب المصالح المشتركة، في حين بقي المخلصون والمجاهدون وأصحاب
التاريخ والكفاءات العلمية والأدبية والسجون والشهداء، والناشطين في
العمل من أجل العراق خارج اهتمام الدولة وحكومتها ورموزها وأصحاب
النفوذ فيها، لقد بلغ حد معاناة المخلصين، أن حرموا حتى من استحقاقهم
التقاعدي الذي يكفله القانون.
من خلال تنقلي في كثير من الدول كإيران وسوريا ودول الخليج وأوربا
كبريطانيا وألمانيا والدول الاسكندنافية وأمريكا وغيرها، كانت آهات من
التقيتهم من المؤمنين المخلصين تكاد تكون واحدة في تلك الدول وشكواهم
من التهميش والاستخفاف بتاريخهم الجهادي وبشهدائهم وبحقوقهم المشروعة
متشابهة. لقد ذكروا لي في لهجة تعلوها خيبة الأمل أننا شاركناهم في
الجهاد وتقاسمنا معهم السكن والطعام، وسرعان مانسوا ذلك، فنحن لم نأسف
على ما ظلمنا وإنما نشعر بالأسف فلقد ظلموا المذهب وخيبوا ظن أهله، إن
استبعاد اخوتكم وتقريب أعدائكم سوف لن يخدم الوطن أو المذهب، ونعتقد
أنه قد آن الأوان لأن تعيدوا النظر بطبيعة تعاملكم معنا وخاصة أننا
رفعنا أسمائكم من الدعاء بالتوفيق واحذروا من أن ندعوا عليكم دعاء
المظلوم، وأخيرا أذكركم (وذكر إن نفعت الذكرى) بالعباسي الذي سئل: كيف
انتهى ملككم فقال: ابعدنا الأصدقاء أمانا منهم وقربنا الأعداء خوفا
منهم فلا الأصدقاء أعانونا ولا الأعداء نصرونا.
* مؤسسة التوعية الاجتماعية
m.hoadi@gmail.com |