المراهقون بين الانحراف وفرص الاستقامة

شبكة النبأ: تعد مرحلة المراهقة من اخطر المراحل التي يمرها بها الانسان، بسبب التحولات البيولوجية والنفسية الكبيرة التي تستجد في حياته، فمن حيث التكوين الجسدي، تحدث تغيرات واضحة في الجسد، وتتغير نبرات الصوت، ويبدأ المراهق يتابع ويراقب هذه التغييرات بصمت، أو بأسئلة خجول عن أسباب التغيير، إضافة الى كيفية التعامل مع هذه التغييرات، وفي الوقت نفسه تحدث تحولات في طرق التفكير، والنظرة الى الحياة، وغالبا ما تكون الحماسة والقرارات المتعجلة، مرافقة لهذه المرحلة، بسبب عدم الانضباط او الطيش او تنامي العاطفة، على حساب العقل والتفكير السليم، الامر الذي يتطلب تدخلا مباشرا، من لدن الأبوين، او المحيط العائلي والمدرسي وسواه.

المراهق كما تشير الدراسات وتأكيدات المختصين بالاجتماع، غالبا ما يكون ارضا خصبة للانحراف، والسبب أنه يدخل العالم في عمره هذا، بجسد يطفح بالغرائز، وطبيعة نفسية مندفعة، تفرضها طبيعة المرحلة، هذا الوضع الحساس لحياة المراهق (من كلا الجنسين)، يتطلب متابعة متواصلة ورقابة جيدة (سرية ومعلنة)، من لدن الأبوين أولا، ثم المحيط المدرسي، وذلك من أجل تقليل فرص الانحراف الى أدنى حد ممكن.

في عالم اليوم (الألكتروني)، وانتشار وسائل الاتصال الحديثة، لاسيما الجهاز النقال بمواصفاته التي تتسارع وتتضخم وتتعدد على نحو عجيب، أصبحت السيطرة على نزعات المراهق ونشاطاته، أكثر حاجة مما كان عليه مراهقو عالم الاتصال الرديء او البطيء، والسبب يكمن هو السرعة الهائلة لانتقال المعلومات، ولجوء المراهقين (بدفع من رغباتهم) الى استخدام الجانب السلبي من وسائل الاتصال، لذا اصبحت المراقبة والمتابعة والتوجيه أمرا لا مناص منه.

سأل احد الدارسين مراهقا عن معاناته في عالم اليوم، فقال ببساطة وبصورة مباشرة: هناك آباء وأمهات، يمنعون أولادهم وبناتهم، من التعامل مع اجهزة الاتصال الحديثة، خوفا من الانحراف، ومع هذا المنع، هناك إجبار أو قسر على التوجّه الاخلاقي والديني بالقوة، أي من دون اللجوء الى اسلوب الاقناع والمعرفة المسبقة، لذا يقول المتخصص في الدراسة، أن نسبة كبيرة من المراهقين يفلتون من المراقبة، في حالة اجبارهم على عدم التعامل مع اجهزة الاتصال والانترنيت.

وفي سؤال عن الاسلوب الأنسب للتعامل مع المراهقين من كلا الجنسين، فأكد على أهمية الاعتدال، وتقديم الاقناع والتوضيح على المنع، واضاف، إن الانسان بطبيعته يلهث وراء كل شيء يُمنَع عنه، فكيف بالمراهق الذي يكون مستعدا أصلا للانحراف والانجرار وراء السلوكيات الغريبة، لذلك لابد أن يلجأ الاب والام مع الولد والبنت، اذا كانا في مرحلة المراهقة، الى اسلوب التعاون والتفاهم والتوضيح والمساعدة، كبديل لابد منه عن الاجبار والمنع والقسر، وهي اساليب لم تعد تجدي في عالم ينفتح على بعضه بأقصى سرعة ممكنة.

ويؤكد الدارسون المعنيون، على أولوية دور الجهات الرسمية، في معالجة الاخطار التي قد يتعرض لها المراهقون، في حالة الاهمال، فلابد ان تكون هناك خطط حكومية خاصة بكيفية التعامل مع هذه الشريحة من المجتمع، توضع من لدن لجان متخصصة، تخطيطا وتنفيذا، وأهم هذه الخطوات، كيفية استيعاب طاقات المراهقين، التي تصبح دافعا مهما للانحراف، في حالة الاهمال الحكومي، او المدرسي، او العائلي.

لقد انتشرت وسائل مساعدة للانحراف، تتيح للمراهقين فرصا كثيرة نحو السقوط، والزلل والوقوع في براثن الانحراف، مقابل تقلّص كبير لفرص الاستقامة، هذا الحال يتطلب جهدا مضاعفا من لدن المعنيين (حكومة، عائلة، مدرسة، دائرة عمل) من اجل توفير فرص الاستقامة للمراهقين، ليس الامر بيسير، إنه يحتاج الى جهود حكومية متواصلة، بمساعدة جهود عائلية متواصلة ايضا، بالاضافة الى جهود المنظمات والمؤسسات المعنية بحماية المراهقين ومساعدتهم على عبور هذه المرحلة بأقل الخسائر، خدمة للفرد وللمجتمع، وتوازنا مع عالم يندفع بسرعة هائلة، الى الانفتاح، ونسف الحدود بطرق ووسائل غير مسبوقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 31/تموز/2011 - 29/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م