هل سرقت الثورة؟ الجيش المصري ومقاومة التغيير

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تواجه الثورة المصرية ونظامها السياسي الحديث تحديات جسيمة وبالغة الاهمية، قد تكون افرازاتها الآنية منطلقات ومعايير للديمقراطية الموعودة، ومرتكزات الجمهورية الرابعة في لتلك الدولة.

حيث تشير المعطيات الواردة من هناك ان الثورة المصرية لا تزال في بداية عهدها ولا يزال طريق الديمقراطية طويل وشائك لدرجة لا تقل صعوبة عما سبق الثورة التي اطاحت بنظام مبارك.

خصوصا ان المجلس العسكري الذي يتولى قيادة الدولة لا يزال يمثل عقبة جدية امام رغبات التغيير، وعائق واضح لانطلاق عهد حر جديد يلبي مطلبات السقف الادنى للعدالة الاجتماعية المنشودة، سيما انه يعرقل تطهير الدولة ومحاكمة رموز الفساد وبقايا النظام السابق.

بالاضافة الى سعي المجلس المذكور لترك موطئ قدم له في السلطة بشكل مستمر، وبمقدار ما يؤمن له التحكم بشؤون الدولة على المدى القريب والمتوسط.

فيما يختلج المشهد السياسي في الوقت ذاته انقسامات حادة تبلورت مؤخرا، قد تؤتي بنتائج سلبية ايضا، مع استمرار التدخلات الاقليمية والدولية في الشأن الداخلي لمصر.

مقاومة التغيير

فربما يكون الرئيس المصري السابق حسني مبارك واركان نظامه قيد الاعتقال ولكن المحتجين الذين اطاحوا به يشعرون أن المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يرتابون في التزامه الكامل بالتغييرات الديمقراطية الموعودة يختطف الثورة.

ويعتقد المتظاهرون الغاضبون ان الجيش فشل في فك ارتباطه تماما بحقبة مبارك ويعتقدون انه سيناور ليبقي قبضته على موازين السلطة حتى بعد ان يسلم الحكم للمدنيين.

ما من أحد يشك بان الجيش سيمضي قدما نحو اجراء أول انتخابات برلمانية حرة ونزيهة في نوفمبر تشرين الثاني وانتخابات رئاسية في وقت لاحق وليس هناك من يتوقع ان يشهد الاقتراع عمليات التزوير التي كانت تمارس بشكل متكرر في عهد مبارك.

لكن كثيرا من المتظاهرين الذين نظموا مسيرات لمقر وزارة الدفاع في القاهرة ومقار قيادات عسكرية في مدن اخرى في مطلع الاسبوع الماضي يتساءلون ما اذا كان الجيش الذي افرز رؤساء مصر على مدار ستة عقود من الزمان مستعدا للتخلي عن السلطة للمدنيين.

وقال المحتج محمد فهمي في ميدان التحرير مرددا وجهة نظر يشاركه فيها عدد متزايد من المتظاهرين "يبدو ان الجيش يتجه نحو نقل السلطة لحكومة مدنية ولكن التباطؤ يشير الى انه يريد ان يظل مسيطرا حتى بعد انتخاب حكومة جديدة."

وكان التأييد للجيش في اوجه في فبراير شباط حين صدرت الاوامر لجنوده بالنزول الى الشوارع خلال الانتفاضة ضد مبارك ولكنهم احجموا عن اطلاق النار على المتظاهرين في مساندة ضمنية لدعوات ارساء الديمقراطية. ولكن بدأت تظهر اعتراضات على سياسات المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد منذ تنحي مبارك ووجهت اتهامات له بالبطء في تنفيذ الاصلاحات والقضاء على الفساد. بحسب رويترز.

ونظم محتجون في القاهرة مسيرة الى مبنى وزارة الدفاع للمطالبة بتغييرات جذرية ولكن منعوا بساتر من الاسلاك الشائكة والجنود ووقعت مصادمات بين المتظاهرين ورجال رشقوهم بالحجارة ولم يتدخل الجيش لفضها.

ويقول نشطاء ان تصرفات الجيش في الوقت الحالي مشابهة لما كانت تقوم به السلطات في عهد مبارك. ويضربون مثالا بعدم تطهير وزارتي العدل والداخلية تماما رغم استبعاد عدد كبير من الضباط والمسؤولين.

ويقول عمار علي حسن رئيس مركز دراسات الشرق الاوسط ان جميع حكام مصر جاءوا من صفوف الجيش مضيفا أن الجيش يعتبر ما حدث قبل ستة أشهر انتفاضة ضد خطط التوريث وليس ثورة لتغيير هيكل السلطة في اشارة لاعتقاد على نطاق واسع بان مبارك كان يعد ابنه جمال لتولي الرئاسة من بعده . واضاف أن الجيش يريد ان يظل في السلطة سواء بشكل مباشر اوغير مباشر.

ويصر الجيش على انه لا يتمسك بالنظام القديم وقال اللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع في واشنطن ان الجيش ليس امتدادا للنظام القديم حسبما نشرت وسائل اعلام مصرية.

ويقول الجيش انه لا يرغب في الاستمرار في ادارة شؤون البلاد وانه ملتزم بجدول زمني لضمان انتقال سلس للسلطة. ومن المقرر ان تجري الانتخابات البرلمانية في نوفمبر بعد شهرين من الموعد الذي كان يتوقعه كثيرون ولكن في حدود الاطار الموضوع في وقت سابق من العام.

ويشير محللون للدور الذي لعبه الجيش في تركيا وباكستان كنموذجين محتملين يمكن أن يحتذي بهما الجيش المصري. وفي الاحاديث الخاصة يقول عسكريون ان ثمة مصالح عليهم حمايتها. ويدير الجيش مصانع ويشق طرقا ولديه ممتلكات عقارية ضخمة. وعادة ما يتوقع ضباط كبار تولي مناصب كبرى بعد تقاعدهم من الجيش.

وقال مصدر من الجيش لرويترز "دون شك ثمة مصالح للجيش يحافظ عليها ... فيما ترسم الخريطة السياسية لمستقبل مصر." وفي العلن يقول الجيش انه يتحرك باسرع ما يمكن وطالب المصريين بالتحلي بالصبر.

وأكد المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع على مدار عقدين من حكم مبارك ورئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة في كلمه بثها التلفزيون يوم السبت الماضي "نحن ماضون على طريق ترسيخ اركان الدولة الديمقراطية التي تعزز الحريات والديمقراطية."

ولا يزال المحتجون متشككين ووقعت الاشتباكات في القاهرة بعد خطاب المشير. وهتف البعض "الشعب يريد اسقاط المشير". واشاد الجيش بالشبان الذين قادوا الانتفاضة في مصر ولكنه هاجم حركة 6 ابريل التي لعبت دورا بارزا في حشد المصريين ضد مبارك وتقود الان الانتقادات الموجهة للجيش.

وفي رسالته رقم 69 اتهم المجلس الاعلى الحركة بالسعي "للوقيعة بين الجيش والشعب" مضيفا انه يعمل على الحيلولة دون بلوغها هدفها.

وقالت الحركة ان انتقادات الجيش تهدف للتشكيك في الحركة حتى تخفف من ضغطها على المجلس العسكري. وابدت جماعات اخرى مساندتها للحركة.

وذكر شباب الاخوان وجماعات اخرى في بيان مشترك "المجلس العسكري ليس هو الجيش وانما هو مجلس في منصب سياسي في هذه الفترة الانتقالية ممثلا من يدير شؤون البلاد... من حق الشعب الابقاء عليه أو عزله."

وثمة انقسامات بين صفوف المحتجين وابدت اصوات من القاعدة العريضة لجماعة الاخوان المسلمين وهي الحركة الاسلامية الاكثر تنظيما في مصر حذرا أكبر في توجيه انتقادات للجيش.

مأزق محاكمة مبارك

الى ذلك تتدلى دمية من عامود للانارة تعبر عن المصير الذي يتمناه بعض المحتجين في مدينة السويس المصرية للرئيس السابق حسني مبارك لكنهم لا يصدقون أن الجيش سيسمح بحدوث هذا لقائده السابق.

يقول محمد محمود (33 عاما) وهو منسق لاحدى الحركات الشبابية في السويس والتي كانت واحدة من النقاط الاكثر عنفا في الثورة التي أطاحت بمبارك "انطباعنا الان هو أنه لايزال هناك من يحمي مبارك ربما المجلس الاعلى للقوات المسلحة او جهة خارجية. بعض الدول مازالت تحميه."

بعد أن تحدث بقليل خرج عشرات المحتجين في مسيرة مرت من أمام مقر الشرطة المحترق بالسويس واتجهوا الى ثكنات عسكرية وهم يرددون شعارات مناهضة للجيش تتهمه بالتباطؤ. وأغلقت الاسلاك الشائكة ومركبات الجيش الطريق المؤدي اليها.

ومن المقرر ان تبدأ محاكمة مبارك في الثالث من اغسطس اب مما يضع الجيش في موقف حرج. ويرى محللون أن المجلس العسكري يقع تحت ضغط من المحتجين الذين يطالبون بمحاسبة الرئيس السابق ومن ناحية أخرى يتعرض لضغوط من دول خليجية محافظة تحث مصر سرا على الا تهين حليفا سابقا لان هذا قد يمثل سابقة خطيرة لحكام تلك الدول.

ويعترف ضباط في أحاديث خاصة بأن الجيش ليست لديه رغبة في محاكمة القائد العسكري السابق الذي تقلد الاوسمة والنياشين وقاد القوات الجوية المصرية في حرب عام 1973 ضد اسرائيل. غير أن العسكريين يؤكدون في تصريحاتهم العلنية أنهم لا ينحازون الى جانب على حساب الاخر وان الامر في أيدي القضاء.

وبغض النظر عن عدم ارتياح الجيش فان مصير مبارك سيأتي في مرتبة تالية لهدف حماية سمعة الجيش وتأمين دوره المستقبلي والذي ربما ينطوي على حضور له على هامش الحياة السياسية مثلما فعل الجيش في تركيا لسنوات.

وقال شادي حامد من مركز بروكينجز الدوحة ان الجيش "لن يحمي مبارك لان الحفاظ على كيان ومؤسسة الجيش أهم. أعتقد أنه اذا كان هذا يعني القاء مبارك تحت حافلة فانه لن يتردد في هذا." وأضاف "السؤال هو.. هل هذا شيء هو مضطر للقيام به او يشعر بالحاجة الى القيام به في هذه المرحلة.. أعتقد أن هذا الامر لم يحسم بعد."

وربما تكون هناك سبل لتقليل حجم الاهانة امام الجماهير مع السماح باستمرار العملية القضائية. ويقيم مبارك (83 عاما) في مستشفى شرم الشيخ الدولي منذ ابريل نيسان حين تم استجوابه للمرة الاولى. ولم ينقل الى سجن بالقاهرة حيث يحتجز ابناه ومسؤولون سابقون اخرون لاسباب صحية.

ومن الممكن استغلال مرضه حتى يتجنب المثول امام المحكمة. ويعتبر الكثير من المصريين أن مرضه حيلة تستخدم لحمايته. ويقول محمود المحتج من السويس ان الجيش ربما تكون لديه خطة أخرى. وأضاف "انهم يريدون أن يضيعوا الوقت الى أن يموت. هذه هي اللعبة."

واذا أدين بالضلوع في قتل المحتجين وهي أخطر تهمة يواجهها مبارك فقد يصدر حكم باعدامه. وعلى الرغم من أن محتجين في ميدان التحرير بالقاهرة او ميدان الاربعين في وسط السويس قد ينادون باعدامه في هتافاتهم فانه ليس بالضرورة أن يكون هناك اجماع بين المصريين على هذه الرغبة.

لكن حتى اذا كان هناك كثيرون لا يريدون له الموت فانهم يريدونه أن يتحمل مسؤولية ما يعتبرونه اساءة لاستغلال السلطة خلال حكمه الذي استمر 30 عاما. وهم يتهمونه بسحق المعارضين والسماح لحلفائه ونخبة تتمتع بالحظوة بالتصرف وكأنهم فوق القانون.

ويتبنى هذه الاراء كثيرون ممن يعيشون في البلدة التي ينتمي لها مبارك بدلتا النيل. يقول فتحي راضي (52 عاما) وهو اداري بمدرسة بينما كان يرعى زراعات في بلدة كفر المصيلحة "سيحاكمونه كأي أحد اخر لان الثوار يقولون انه اذا لم تتم محاكمته فانهم سيطيحون بالجيش. لابد من العدالة."

لكن هناك البعض في بلدته وأجزاء أخرى من مصر ممن يشككون في الحاجة الى محاكمته. ويقولون ان الجيش يرضخ لضغوط من المحتجين في ميدان التحرير بالقاهرة الذين يتسببون في استمرار الاضطراب الاقتصادي الذي يضر بالمصريين.

وقال سعيد عبد العزيز (36 عاما) الذي يعمل في ادارة المحافظة لكنه يكوي الملابس كعمل اضافي في الشارع الذي كان مبارك يعيش فيه ذات يوم "اذا طلب الناس هذا فانهم سيحاكمونه. لكن هؤلاء (المحتجين) لا يفهمون. يجب أن يعمل الناس. انهم يسببون المشاكل للبلاد."

وفي حين يضغط المحتجون على الجيش لمحاكمة مبارك فان دولا عربية وخاصة دول الخليج التي تعهدت بتقديم مليارات الدولارات من المساعدات لمصر تحث المجلس الاعلى للقوات المسلحة على الا يحدث سابقة تسبب حالة من عدم الارتياح في المنطقة.

يقول كمران بخاري المحلل في مؤسسة ستراتفور لتحليل معلومات المخابرات العالمية "ما يحدث في مصر تكون له أصداء في أنحاء المنطقة... دول الخليج تعلم هذا وهي تريد أن تتمكن من السيطرة على هذه النزعات."

وقال مسؤول مصري طلب عدم نشر اسمه لحساسية الموضوع ان دول الخليج أوضحت أنها ترفض محاكمة مبارك. وأشار الى ضغوط من السعودية التي قدمت مساعدات مالية سخية لاسكات اي شكاوى بين مواطنيها وأرسلت قوات في اطار قوة خليجية الى البحرين حين تحدى محتجون الملكية هناك.

ورفض سفير الكويت بالقاهرة رشيد حمد الحمد فكرة وجود اي سياسية خليجية رسمية لمنع محاكمة مبارك. لكنه قال ان هناك مواطنين في الخليج لا يريدون أن يروا اي رئيس في وضع كهذا.

وكان مبارك ثاني رئيس عربي يسقط بعد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. لكنه الاول الذي سيحاكم في وطنه. وفر بن علي الى السعودية وتمت محاكمته غيابيا.

وفي حين أن دول الخليج تمارس نفوذا من خلال خزائنها الممتلئة فان من غير المرجح أن تمارس هذا النوع من الضغط لمنع محاكمة مبارك اذا كان سيغرق مصر في مزيد من الاضطراب السياسي في الوقت الذي تكافح فيه في مواجهة اقتصادها المتعثر. وقال بخاري "سيضغطون ويواصلون الضغط ولكن بقدر.

مكتسبات الاعلام تتبدد

من جهته أمضى حافظ الميرازي أسابيع في التحضير لبرنامجه الحواري الجديد على التلفزيون المصري الحكومي. لكن قبل اسبوع واحد من الموعد المقرر لبث برنامجه (بتوقيت القاهرة) أمر أحد كبار ضباط الجيش بوقفه.

وأخطر الميرازي بأن شكل البرنامج ينتهك قواعد تقضي باستضافة أكثر من شخص. وهو تفسير اعتبره الصحفي المخضرم ذريعة لابعاده عن شاشات التلفزيون المملوك للدولة. وقال الميرازي "الامر لا يتعلق ببرنامجي" وعبر عن قلقه الشديد من ان هذه الواقعة ذريعة شائعة لترويع الاعلام.

ويعتقد الميرازي الذي اشتهر ببرامجه الحوارية ولقاءاته الصحفية على قناتي الجزيرة والعربية الفضائيتين أن ضباط المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذين يحكمون مصر منذ الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك غاضبون من انتقاده العلني لادارتهم للاعلام.

وكسرت ثورة يناير المصرية حاجز الخوف الذي أجبر الصحفيين من قبل على مواءمة تغطيتهم لشؤون الدولة وتجنب انتقاد رئيس الدولة. وكان من يخالفون ذلك اما يتم ابعادهم أو فصلهم أو سجنهم في بعض الاحيان.

وتعرض البرامج الاخبارية على القنوات التلفزيونية الخاصة والقنوات الحكومية الاحتجاجات على الحكومة والمجلس العسكري الحاكم. وأصبحت الاشادة بالوزراء نادرة بل وحلت محلها شكوك واحيانا انتقادات لكبار المسؤولين الذين ينظر الى أدائهم وموهبتهم باعتبارها أقل من المطلوب.

لكن المطالبين بحرية الصحافة يقولون ان هذه المكاسب تتعرض لتهديد من جانب المؤسسة العسكرية المعادية بطبعها لاي معارضة داخل الصفوف. ووثقت الجماعات الحقوقية أكثر من عشر حالات لمضايقات تعرض لها الصحفيون والمدونون بسبب أخبار أو مقالات رأي تنتقد المجلس العسكري.

فقد استدعي حسام الحملاوي أحد أشهر المدونين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر للتحقيق معه أمام النيابة العسكرية في أعقاب ظهور له على شاشة التلفزيون الحكومي اتهم فيه الشرطة العسكرية باساءة معاملة المحتجين. واستجوبت مقدمة البرامج ريم ماجد كشاهدة على تصريحات الحملاوي.

وفي يونيو حزيران الماضي استجوبت النيابة العسكرية اثنين من الصحفيين بجريدة الوفد بسبب اشارة في تقرير نشر يوم 26 مايو ايار الى صفقة محتملة تتعلق بالانتخابات بين الجيش وجماعة الاخوان المسلمين الجماعة المعارضة الاكثر تنظيما في مصر. بحسب رويترز.

لكن القضية الاخطر كانت المتعلقة بالمدون مايكل نبيل الذي قال في مقال بعنوان "الجيش والشعب عمرهم ما كانوا ايد واحدة" نشرها على مدونته في مارس اذار الماضي وقال فيها ان الجيش حاول تعطيل الانتفاضة ضد مبارك.

وبعد شهر صدر حكم بالسجن ثلاث سنوات على نبيل (26 عاما) الناشط في الاحتجاجات المناهضة لمبارك. وقال جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان "كان هذا حكما كارثيا" فتكرار استدعاء الصحفيين يشيع حالة من الخوف بين الصحفيين تدفعهم لممارسة "الرقابة الذاتية."

وقال علي عاطف محامي الدفاع عن نبيل ان موكله حوكم أمام محكمة عسكرية وصدر الحكم بعد ابلاغ المحامي وأسرة موكله بأن الجلسة تأجلت.

ونقلت لجنة حماية الصحفيين ومقرها نيويورك عن عاطف قوله "محاكمة موكلي وهو مدني أمام محكمة عسكرية أمر سيء في حد ذاته... يضاف اليه أن المحكمة تنتهك حقه في محاكمة عادلة." ويحدد المجلس العسكري ما يمكن وما لا يمكن للاعلام تغطيته.

فارسل الجيش توجيهات الى رؤساء الصحف القومية يطالبهم فيها بعدم "نشر اية (موضوعات أو أخبار أو تصريحات أو شكاوى أو اعلانات أو صور) تخص القوات المسلحة أو قادة القوات المسلحة الا بعد مراجعة ادارة الشؤون المعنوية وادارة المخابرات الحربية والاستطلاع حيث انها الجهات المختصة بمراجعة مثل هذه الموضوعات حفاظا على أمن وسلامة الوطن."

وفي مايو أيار أجبر الصحفي البارز يسري فودة على الغاء حلقة من برنامجه الحواري (اخر كلام) على قناة أون تي.في الخاصة كان من المفترض أن يستضيف فيها أحد كبار ضباط الجيش. وطلبت ادارة الشؤون المعنوية نسخة مسبقة من الاسئلة.

وتقول المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان ان ما زاد الامر سوءا اعادة وزارة الاعلام التي كانت رمزا للرقابة الرسمية في عهد مبارك للعمل في خطوة أدانتها لجنة حماية الصحفيين باعتبارها "انتكاسة واضحة لحرية الصحافة في مصر."

لكن بعض الصحفيين يبدون تفاؤلا أكبر بحرية الصحافة في مصر التي ظهرت فيها الصحف لاول مرة قبل أكثر من 150 عاما. ومع سقوط مبارك تعهد الحكام العسكريون بحماية حرية التعبير واهابوا "بكل الاعلاميين تحري الدقة والموضوعية واتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن ارائهم بحرية حتى يعكس الاعلام بكافة صوره نبض وتوجهات الشعب المصري بكافة طوائفه."

وتم استبدال رؤساء تحرير الصحف القومية الذين كان ينظر اليهم باعتبارهم موالين لنظام مبارك واجبر نقيب الصحفيين على ترك منصبه. وعاد صحفيون كانوا قد اجبروا على العيش في المنفى الى البلاد.

وظهرت أكثر من ست صحف خاصة جديدة كما تظهر قناة تلفزيونية جديدة كل شهر تقريبا. ومن أبرز القنوات الجديدة التحرير وسي.بي.سي ومصر 25. وتتعارض التغطية النشطة للانتخابات المرتقبة مع ما حدث قبل الانتخابات البرلمانية السابقة في نوفمبر تشرين الثاني الماضي عندما أغلقت الحكومة أكثر من 12 قناة تلفزيون خاصة وساعد الاعلام الحكومي في تدعيم حزب مبارك.

وعادت مقدمة البرامج المخضرمة هالة سرحان لمصر بعد ثورة 25 يناير بعد أن أمضت أربع سنوات في المنفى بسبب برنامج عن الدعارة في مصر اتهم الشرطة بالفساد. وقالت ان حرية الصحافة في مصر تحسنت كثيرا.

وتبدو العودة الى القيود المنهجية على حرية الاعلام التي كانت مطبقة في عهد مبارك أمرا غير وارد الان لكن الصحفيين يقولون ان هناك حاجة ملحة لتشريعات تضمن حرية الصحافة.

وقال يحيى قلاش سكرتير عام نقابة الصحفيين السابق ان الامر يبدو وكأن هناك هامشا أكبر من الحرية لكنه حتى هذا الهامش مكتسب لا تحميه قواعد أو قوانين. وأضاف أن الوقت قد حان لان تحتل الصحافة في مصر المكانة التي تستحقها.

شعارات دينية في توحيد الصف!

من جانب آخر أثارت شعارات دينية رفعها عدد من أعضاء بعض القوى والجماعات الإسلامية، حالة من الانقسام بين الآلاف الذين توافدوا على ميدان التحرير، بوسط العاصمة المصرية القاهرة الجمعة، للمشاركة في المظاهرة المليونية التي دعت إليها القوى السياسية المختلفة، تحت شعار "الإرادة الشعبية وتوحيد الصف."

وأصدرت قوى سياسية مختلفة بياناً مشتركاً استنكرت فيها لجوء بعض الجماعات الإسلامية لاستخدام الشعارات الدينية، باعتبار أن ذلك يشكل نقضاً للتوافق الذي أجمعت عليه مختلف القوى والتيارات السياسية، على تغليب المصلحة الوطنية فوق المطالب الفردية لكل جماعة، حرصاً على تأكيد "وحدة الصف" بين الجماعات المختلفة.

وقالت تلك القوى السياسية، في بيانها، إنه "حرصاً منها على مبدأ السلمية، الذي لا حياد عنه، وحفاظا على أن يظل ميدان التحرير رمزاً مبهراً لعيون الثوار في مختلف بقاع الأرض، فقد قررت القوى والمجموعات الموقعة على البيان، عدم استكمال المشاركة في فعاليات المليونية، مع تأكيدها على استمرار الاعتصام السلمي بالميدان."

وكان من بين القوى المنسحبة حزب المصريين الأحرار" الذي يطلق عليه البعض "حزب (نجيب) ساويرس،" احتجاجا على رفع شعارات دينية. وقال الحزب إن ما شهده اليوم، بخروج من وصفهم بـ"بعض التيارات الرجعية التي تستخدم الدين سياسيا وترفع شعارات تفرق ولا تجمع،" تؤكد على "خروج تلك الجماعات على الإجماع الوطني، والتوافق بين أبناء الشعب الواحد وعلى ثورة يناير، التي كان مطلبها الأول الدولة المدنية" على حد تعبيره.

واعتبر الحزب، أن رفع الشعارات الدينية بالتحرير، هو "إعلان واضح" ممن وصفوهم بـ"القوى الرجعية" عن حقيقة ما يسعون إليه، وهو "إقامة دولة دينية تقوم على الإجبار ومحو إرادة الشعب باسم الدين، وسلب الهوية المصرية عن مصر،" داعيا المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد في الفترة الانتقالية، بتجديد التأكيد على مدنية الدولة بالدعوة إلى وضع مواد حاكمة للدستور تحافظ على مدنية الدولة،  وحقوق المواطنة واحترام الديمقراطية.

وشهد الميدان حضوراً كبيراً لأعضاء التيارات الإسلامية، فيما التزم أنصار القوى السياسية الأخرى بالتواجد داخل خيام الاعتصام، دون المشاركة في فعاليات مليونية جمعة "توحيد الصف"، فيما جرت مشاورات بين مختلف القوى السياسية المتواجدة داخل الميدان، حول إمكانية فض الاعتصام قبل حلول شهر رمضان، مطلع الأسبوع المقبل.

وقال متحدث باسم ما يُعرف بـ"ائتلاف المسلمين الجدد"، حسام أبو البخاري، للتلفزيون المصري، إن التواجد الكثيف للتيارات الإسلامية في هذه المليونية، يهدف إلى "إثبات مدى تأثير هذه التيارات، وتمتعها بتأييد الحشود، خاصةً بعد إقصائهم عن المشاورات والاتفاقات التي حدثت في الآونة الأخيرة، بين الكثير من القوى السياسية المختلفة مع رئاسة الوزراء والمجلس العسكري." بحسب السي ان ان.

وأورد مراسلو التلفزيون بأن ساحة ميدان التحرير شهدت نصب ثلاث منصات للإسلاميين، الذين رفعوا لافتات تؤكد رفضهم للمبادئ "فوق الدستورية"، وتطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، مثل "احكمونا بالشريعة الإسلامية"، و"إذا لم تكن مصر إسلامية.. فماذا تكون؟"، و"احكمونا بالقرآن"، بالإضافة إلى شعار "الشعب والجيش يد واحدة."

كما شهد الميدان عدة مسيرات تردد "الشعب يريد مصر إسلامية"، كما طالب المشاركون بعودة الأمن وتوحيد الميدان، معربين عن استنكارهم لما يتعرض له المجلس العسكري من ضغوط للالتفاف على نتيجة الاستفتاء.

وأبدت حركة "6 أبريل" اعتراضها على الهتافات التي رفعتها تيارات إسلامية في ميدان التحرير، ومنها "إسلامية إسلامية"، مستنكرة رفض تلك التيارات للدولة المدنية ومطالبتهم بدولة إسلامية، وفق ما أورد موقع "أخبار مصر،" التابع للتلفزيون الرسمي، نقلاً عن مراسلين ووكالة أنباء الشرق الأوسط.

من جانبه، قال نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة"، المنبثق عن جماعة "الإخوان المسلمون،" عصام العريان، إن ميدان التحرير شهد حشودا غير عادية من المواطنين بجمعة وحدة الصف، موضحا أن ما حدث من رفع شعارات دينية، جاء من مجموعات غير منظمة قادمة من بعض الأحياء الشعبية الفقيرة، رفعت الشعارات الدينية، بشكل عاطفي وهو أمر لم يحدث من قبل.

وأشار العريان في تصريح خاص لـCNN  بالعربية، إلى أن ميدان التحرير "به الكثير من الحركات والأحزاب والتنظيمات السياسية،" ولفت إلى أنه في الشهور الأخيرة "تم رفع شعارات خاصة وغير طبيعية، مثل الهتاف ضد المشير (حسين طنطاوي) والمجلس العسكري، أدت إلى نوع من الانقسامات ورد فعل معاكس."

وتابع: "بعض تظاهرات يوم الجمعة تشهد تجاوزات، وأخرى تشهد صدامات، لذا سعينا إلى لم الشمل، حيث لم يحدث تجاوز اليوم سوى رفع الشعارات الدينية،" ونوه بأن الجماعة طلبت من أعضائها عند مشاركتهم بجمعة "وحدة الصف" عدم رفع شعارات دينية رغم عدم الاعتراض عليها.

وعلق العريان على انسحاب حزب المصريين الأحرار من ميدان التحرير، بأن تمثيله بالتحرير "لم يكن كبيرا،" كما قال إن الحزب كان قد أعلن من قبل عن عدم مشاركته بجمعة "وحدة الصف،" وعاد الخميس ليقرر المشاركة.

يُذكر أنه منذ بدء الانتفاضة الشعبية لثورة يناير/ كانون الثاني، والتي أدت إلى الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، يشهد يوم الجمعة من كل أسبوع، تقسيم وتصنيف المصريين، حيث تشهد ميادين التحرير بالقاهرة، والقائد إبراهيم بالإسكندرية، وحي الأربعين بالسويس، تظاهرات مؤيدة للثورة ومطالبة بتنفيذ أهدافها.

بينما يشهد ميدان مصطفى محمود، وماسبيرو بكورنيش النيل، مظاهرات مؤيدة للرئيس السابق، أما ميدان روكسي بمصر الجديدة، ومنطقة المنصة بمدينة نصر، فتشهد تظاهرات مؤيدة للمجلس العسكري، في حين تكتفي الأغلبية الصامتة، التي يلقبها البعض بـ"حزب الكنبة"، بالمشاهدة التلفزيونية من المنازل فقط.

37 قتيلاً وجريحاً بهجوم متشددين في سيناء

من جهة أخرى أفاد مسؤولون مصريون، بأن المئات من المسلحين، على متن دراجات نارية وشاحنات صغيرة، هاجموا مركزي شرطة في مدينة "العريش" بشبه جزيرة سيناء، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص، من بينهم ثلاثة من أفراد الأمن، وإصابة نحو ثلاثين آخرين. ونقل موقع أخبار مصر الرسمي أن الجيش تمكن من اعتقال أربعة من أفراد العناصر المشتبه في تورطها بمهاجمة قسم ثاني العريش بسيناء.

وقال طبيب بمستشفى محلي، إن من بين قتلى هجوم الجمعة، صبي في التاسعة من العمر، أصيب بالرصاص أثناء محاولته التقاط صور للاشتباكات بهاتفه المحمول. وذكر مسؤولون أن ثلاثة جنود قتلوا في الهجوم الذي خلف كذلك ثلاثين جريحاً.

وقال حمدي عزيزي، نشاط حقوقي، حوصر في تبادل إطلاق النار بين الجانبين، إن الجيش "حاول الانسحاب لتفادي إراقة الدماء، إلا أن المسلحين أطلقوا عليهم النار ما دفعهم للدفاع عن أنفسهم." ودفعت الاشتباكات بين الجانبين بالسكان للفرار للإحتماء من النيران. بحسب السي ان ان.

ومن جانبه، قال اللواء صالح المصري، مدير أمن شمال سيناء، إن المهاجمين، من "المليشيات المتشددة"، كانوا مدججين بالأسلحة الأوتوماتيكية والقنابل اليدوية وقذافي أر. بي. جي.، هاجموا اثنين من أقسام الشرطة. وذكر أن العديد من الجنود ورجال الشرطة "أصيبوا أثناء الدفاع عن أنفسهم."

وأوضح المصري أن ثلاثة من المهاجمين، على الأقل، قتلوا في الهجوم، الذي دفع بقيادة الجيش الثاني الميداني لإرسال تعزيزات عسكرية إلى العريش.

وأكدت مصادر أمنية، لم تكشف هويتها، أن المهاجمين هم مجموعة من الفلسطينيين والمصريين، وأعضاء من جماعات "الجهاد والتكفير والهجرة"، طبقاً للمصدر.

وتشهد منطقة شبه جزيرة سيناء حالة من الانفلات الأمني، الذي تزايد بعد الاضطرابات التي تشهدها مصر منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، وقد جرى تفجير أنبوب الغاز المار عبر شبه الجزيرة إلى إسرائيل والأردن لأكثر من مرة، كما تزداد المخاوف من استغلال الأنفاق التي تربط المنطقة بقطاع غزة لأجل تهريب السلاح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 31/تموز/2011 - 29/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م