الفقه السٌلطوي

علي حسين كبايسي

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْو كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 219].

 من الآية القرآنية نستدل أن المصلحة والمفسدة طرفا ملاكات الأحكام الشرعية، من الرجحان بين المفسدة والمصلحة يثبت إما حلية وإما تحريم، ومؤشر الرجحان يٌبرزه الحب والبغض طرفا الإرادة، ومنه القاعدة الذهبية: لا يمكن للشريعة أن تحل نجسا، وتحرم طيبا،

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 32]، (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: 157]، من الآية القرآنية (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَو الْحَوَايَا أَو مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ) [الأنعام: 146]، قد يٌلتبس الأمر كيف تحرم الشحوم ثم تحل؟ والجواب أن الشحوم التي حرمت على بني إسرائيل مفسدة، وذلك لممارسات المجتمع الإسرائيلي للربا، فتجسدت الممارسات الإعتبارية حقيقة في شحوم أبقارهم وأغنامهم " ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ ".

يقول القرضاوي (1):" وكما تدرج القرآن بهم في تحريم الخمر وتحريم الربا -وقد كان لهما انتشار وسلطان في الجاهلية- تدرج النبي صلى الله عليه وسلم بهم كذلك في تحريم الفروج. فأجاز عند الضرورة المتعة ثم حرم النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الزواج. كما روى ذلك عنه علي، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. ومن ذلك ما أخرجه مسلم في (صحيحه) عن سيرة الجهني " أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، فأذن لهم في متعة النساء. قال: فلم يخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي لفظ من حديثه: "وإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة ".

أول ما نقرأه من سوء الفهم لرجل يدعي الفقاهة، أنه لم ينتبه أن الشريعة أحلت زواج المتعة ولم تحلل الخمر، فليأت بآية أحلت الخمر؟!، فزواج المتعة تشريع رباني (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء: 24]، ومادام الله أحله فهو مصلحة، وإذا كان زواج المتعة حسب السفسطة القرضاوية زنى، فلماذا يحل الله المفسدة (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء: 32]، الفاحشة هي الفاحشة في أي زمان أو مكان، قبل فتح مكة أو بعدها، وداخل مكة أو خارجها، وأضف إلى ذلك وَسَاء سَبِيلاً.

عن قيس قال: قال عبد الله كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا شيء فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب ثم قرأ علينا (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين). رواه البخاري ومسلم

صحيح البخاري ومسلم يقران أنها من الطيبات، والقرضاوي يصر أنها زنى!!!، والنتيجة القرضاوية: أن الصحابة مارسوا، وأنجبوا من الزنى؟؟!!!، ويقول القرضاوي: "قبل أن يستقر التشريع في الإسلام. أجازه في السفر والغزوات، ثم نهى عنه وحرمه على التأبيد"، وهل السفر والغزو، إنتهى بفتح مكة؟؟!!!، والغريب أنها أحلت وحرمت سبع مرات خلال ثلاث سنوات فقط حسب النصوص الروائية، لذا يقول الشافعي مستغربا: " لا أعلم شيئا أحله الله ثم حرمه ثم أحله ثم حرمه إلا المتعة "، أليس هذا تلاعب، وكأن الشارع في حيرة من أمر زواج المتعة، ترضية للخليفة الثاني؟؟!!!، روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الاَيّام على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث".

في مسند احمد وجامع بيان العلم (قال عروة بن الزبير لابن عبّاس: ألا تتّقي الله! تُرخّص في المتعة؟!، قال ابن عبّاس: سَلْ أُمّك يا عُرَيَّة!، فقال عروة: أمّا أبوبكر وعمر فلم يفعلا.

قال ابن عبّاس: والله ما أراكم منتهين حتّى يعذّبكم الله، نحدّثكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتُحدّثون عن أبي بكر وعمر!! أوقال: أراهم سيهلكون، أقول: قال رسول الله، ويقولون: قال أبو بكر وعمر!!).

القرضاوي غض الطرف عن الآية القرآنية التي شرعت النكاح المؤقت، واعتمد على الرواية، والمفارقة أن الحديث عن رسول الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم مٌنع مع وفاته؟؟!!!، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: إنّ الصدّيق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم، فقال إنّكم تحدّثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه!، في طبقات ابن سعد: " إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها فلما أتوه بها أمر بتحريقها "!؟، وذكر الخطيب في « تقييد العلم » عن القاسم بن محمد: " أنّ عمر بن الخطاب بلغه أنّ في أيدي الناس كتباً، فاستنكرها وكرهها، وقال: أيّها الناس إنّه قد بلغني أنّه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها إلى اللّه، أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلاّ أتاني به فأرى فيه رأيي. قال فظنوا أنّه يريد ينظر فيها ويقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم، فأحرقها بالنار ثمّ قال: أمنية كأمنية أهل الكتاب "، والروايات مستفيضة في هذا الأمر، ولم يرفع الحظر إلا في عهد عمر بن عبد العزيز!؟.

إذا كانت السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع، فلماذا منعت وحوربت؟؟!، والجواب الذي يرفع الإستغراب، ويزيل الدهشة، أن الإسلام السلطوي شكل موروثا مبني على التلاعب بالقرآن والسنة المحمدية، وفق أهوائهم ومصالحهم وميولهم ورغباتهم المكبوتة، وابتدأ هذا الموروث مع سنة الشيخين، وتهميش أهل البيت، ومع معاوية تهيكل في أربعة دعائم: النصب، الإرجاء، الجبر، والتجسيم في البعد العقائدي، أما البعد التعبدي تعرض للتشويهات والبدع، ومصداقية الموروث هي الأحاديث المكذوبة والإسرائيليات التي جند لها أبو هريرة، تميم الداري، كعب الأحبار....

 قالوا أن حظر منع تدوين السنة سببه إختلاط القرآن بالسٌنة فتعارضوا مع القرآن (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]، (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 23]، أليس كلامهم إبطال الإعجاز القرآني؟؟!!!، وقالوا كذلك سببه ترك القرآن والانشغال بالحديث فتعارضوا مع القرآن في عدة آيات منها على سبيل الحصر (هُو الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) [آل عمران: 7]، كيف لهم معرفة المحكم من المتشابه دون الرجوع إلى الرسول وعترته عليهم السلام؟؟!، وقالوا أن الحظر سببه أنهم كانوا حفاظًا فلا داعي للتدوين!، يقول الرسول ألأعظم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، والصلاة عمود الدين، إلا أن صيغة التشهد تختلف من مذهب إلى آخر، هل هذا يرجع لقوة الحفظ؟؟!.

في مسند احمد (قال أبو موسى الاَشعري: «لقد ذكّرنا عليّ بن أبي طالب صلاةً كنّا نصلّيها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إمّا نسيناها، أو تركناها عمداً»)!!

في سير أعلام النبلاء والإصابة (قالت أُمّ الدرداء: دخل علَيَّ أبوالدرداء مغضباً، فقلتُ: مَن أغضبك؟!، قال: «والله لا أعرف فيهم من أمر محمّـد صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً إلاّ أنّهم يصلّون جميعاً»)!!

في مسند أحمد وسنن دار قطني ثبت عن زيد بن أرقم، كبّر على الجنازة خمساً، فاستنكروا عليه، فقال: «سُـنّة نبيّـكم».. «ولن أدعها لأحد بعده».. «ولن أدعها أبـداً».

صلاة تصلى غير الصلاة التي كانت على عهد النبي الأكرم، وروح الدين يضيع ولا يبقى منه إلا قشوره، مجرد طقوس وتقاليد شكلية، تكبيرات صلاة الجنازة تصبح أربع تكبيرات، والأصل خمس تكبيرات لأن الخليفة الثاني أراد ذلك ففي العسكري/ الاَوائل، ابن الاَثير/ الكامل في التاريخ، السيوطي/ تاريخ الخلفاء، في أوّليّات عمر: «وأوّل من جمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز».

هل هذه هي المحافظة على السنة النبوية الشريفة، هل هذه هي قوة الحفظ؟؟!، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: 7]).

الحكم الشرعي يٌبنى على مرحلتين: مرحلة الثبوت ثم تأتي مرحلة الإثبات، وهل دور الرسول دور إثباتي فقط أي إبراز الجعل، أم يتعداه إلى ثبوتي يشمل الجعل ولوفي موارد محدودة؟

إن السنة النبوية متممة في الأحكام الشرعية للقرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِينا) [الأحزاب: 36]، وكذلك قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً) [النساء: 105]، فجملة " أَرَاكَ اللّهُ " تبين الوقوف الفعلي للرسول الكريم على الأحكام وملكات الأحكام، لم يتعرض القرآن الكريم لنصيب الجد في التركة، فأورثه الرسول عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم السدس، (هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَو أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [صـ: 39]، وجملة: "هَذَا عَطَاؤُنَا " تفويض له في الأمور الجعلية الشرعية الاعتبارية، ولهذا نجد ضياع الكثير من الأحكام التشريعية، ووقوف القوم مبهورين لجهلهم الكثير من الأحكام، فقد ثبت في الصحيح أن الخليفة الثاني صاحب مقولة "حسبنا كتاب الله " يوم رزية الخميس، " ثلاث وددت أن رسول الله كان بينهن لنا: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا "؟؟!!!، هل الشريعة بها نقص (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة: 3]، ومن هنا يبدأ الخلل، والثغرات التي عجز عن سدها علماء الإسلام السلطاني، وغرقوا في المتناقضات.

قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: كان ـ أبوبكر ـ أوّل من احتاط في قبول الأخبار.. إنّ (الجدّة) جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث، فقال: ما أجد لكِ في كتاب الله شيئاً، وما علمتُ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر لكِ شيئاً! ثمّ سأل الناس، فقام المغيرة فقال: حضرتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيها ـ أي الجدّة ـ السـدس، فقال له أبو بكر: هل معك أحد؟، فشهد محمّد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر.

في صحيح البخاري ـ الاعتصام بالكتاب والسُـنّة ـ وتذكرة الحفّاظ: في قصّته مع أبي موسى الاَشعري حين حدّثه بحديث: « إذا سلّم أحدكم ثلاثاً فلم يُجَب فَلْيَرجِع » فقال له عمر: لتأتينّي على ذلك ببيّنة أو لاَفعلنّ بك!!، فانطلق إلى مجلس من الاَنصار، فقالوا: لا يشهد إلاّ أصاغرنا! فقام أبوسعيد الخدري فشهد له عند عمر، فقال عمر: خَفِيَ علَيَّ هذا من أمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ألهاني الصفق بالاَسواق!.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز(الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229]، ويقول (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ) [غافر: 11]، ليس من العشوائية أن يقول في الآية الأولى مَرَّتَانِ، وفي الثانية اثْنَتَيْنِ، مَرَّتَانِ ظرفية مرهونة بالزمان والمكان، اثْنَتَيْنِ غير مقيدة بالزمان والمكان، لأن بين الحياة البرزخية والنفخة في الصور لا معنى الزمان والمكان لأنهما ليسا بمادة، ولذا فالطلقة الرجعية لا تتحقق إلا بممضي ثلاثة قروء يثبت فيها لذات العدة الرجعية النفقة والسكنى، ويحرم عليها الخروج من دارها دون إذن زوجها إلا لضرورة قاهرة، ويحرم على الزوج إخراجها من دارها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، وعند تمام العدة يقرر الزوجان الطلاق في حالة ألا توافق حتى لا يعيشا حياة ضنكا، أو التراجع عن الطلاق إن كان لحالة غضبيه، أو وسوسة شيطان، أو سوء تفاهم، فيحافظ الإسلام المحمدي من خراب أسرة، ويخلص المجتمع من شرور سلبياتها، ولكن في الإسلام السلطوي يكفي أن يتلفظ الزوج بجملة: أنت ِطالق ثلاثًا، ينجر عنه الطلاق البائن!!!، نسأل القرضاوي، هل هذا هو العقد المتين والميثاق الغليظ؟؟!.

من قياس مغالط لحليب الرضاعة مع الخمر، " ما أسكر كثيره، فقليله حرام "، تتحقق البنوة بقطرة واحدة عند الإمام مالك، فينجر عنه طيلة هذه القرون حلول اللعنة بكل أسرة، شهد شاهد عليها أن الزوجين أخوان بالرضاعة وثبوتها بقطرة أو شٌربة حليب، والسبب يعود لمنع تدوين الحديث، مالك يستخدم قياسا مغلوطا، ويعطي لنفسه حق التأسيس في الأحكام الشرعية بدل البيان، رغم أن الرسول حرم من ذلك وجعلوه مبينا للأحكام الشرعية فقط، أما باقي المذاهب إعتمدت على حديث عائشة أم المؤمنين: في صحيح مسلم – كتاب الرضاع - عن عائشة: أنها قالت": كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله (ص) وهن فيما يقرأ من القرآن، " في سنن الترمذي –كتاب الرضاع - قالت عائشة ": أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات معلومات فتوفى رسول الله (ص) والأمر على ذلك "....، في سنن النسائي – كتاب النكاح - عن عائشة قالت: " كان فيما أنزل الله عز وجل، وقال: الحرث فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله (ص) وهى مما يقرأ من القرآن"، القوم استدلوا على عدد الرضعات المحرمة من آية قرآنية حذفت من القرآن؟؟!!، إذن: نستنتج أن القرآن منقوص ومحرف، والحكم الشرعي قائم على الظن والوهم (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) [النجم: 23]، (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئا) [النجم: 28].

هل الإسلام يخرب الحياة الزوجية، ويؤدي إلى تفريق الأسرة، مما ينجر عليه سلبيات تضر الفرد والمجتمع لمهزلة قطرة حليب يحرم منها ما يحرم من النسب؟؟!، في الإسلام المحمدي يكون للرضاع أثر في التحريم شروط من بينها التقدير الزماني: يوم وليلة، التقدير الكمي: خمس عشرة رضعه مشبعة ومتوالية، ليتشكل منها العظم واللحم والشحم....، ومن شروطها قول الإمام علي عليه السلام: " أنظروا من يرضع أولادكم فإن الولد يشب عليه ".

لنعد إلى الخمر في القرآن الكريم: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْو كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) [البقرة: 219]، (َيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90]، (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة: 91]، في الآية الأولى ثبت المفسدة فيثبت التحريم، في الثانية رجس واجتناب يثبت التحريم، في الثالثة عداوة وبغضاء وصد عن ذكر الله، تثبت المفسدة فيثبت التحريم، إلا أن بعض القوم عز عليهم ترك معاقرة الخمر والإنصياع لحكم الله، فردعوا بقوله تعالى" فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ "، ولذا قال أصحاب الإسلام السلطوي إن الله تدرج في تحريم الخمر!!!، وبالإضافة إختلفوا في شارب الخمر، هل يحد أم يعزر، وجهلوا حكمها الشرعي؟؟!.

صلاة التراويح من بدع الخليفة الثاني في صحيح البخاري أنّ عمر لمّا جمع الناس عليها قال: «نِعْمَ البدعة هذه!»، ولما أراد علي عليه السلام أيام خلافته أن يبطل هذه البدعة - عن مسلم (خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعةٍ ضلالة)- قالوا: «وا سُـنّة عمراه»!!، ولم يقولوا «وا سُـنّة رسول الله»!!، إلا إذا كان الخليفة رسول الله!!، فذاك أمر آخر!!!.

Ali.hocinexx@laposte.net

.................................

(1) القول الفصل في نكاح المتعة، المصدر إسلام أون لاين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 31/تموز/2011 - 29/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م