سياسيو العراق وصراع الديكة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من عيوب السياسي العراقي أنه يفتقر للرؤية المترويّة بعيدة الأفق، كما أنه يفتقد للشخصية المستقلة، التي غالبا ما يتم تذويبها في التجمع الذي ينتمي إليه، متناسيا أو ناسيا، بأن السياسي الناجح، هو من يحافظ على شخصيته السياسية، وقدراته ومواهبه القيادية، حتى لو كان منتميا الى كتلة او حزب كبير، بكلمة أوضح، إن الانتماء الى حزب ما، لا يعني تدمير الشخصية المستقلة للسياسي، إلا إذا كان هو يسمح بذلك، كأن يكون تابعا ضعيفا، لا يجد نفسه، إلا في النهج الببغاوي الماسخ للشخصية، والمدمّر للقدرات والمواهب الفردية، التي ينبغي أن تتحلى بها الشخصية السياسية.

هذه التبعية العمياء للتجمع السياسي وتذويب المزايا الفردية، تؤدي بالنتيجة الى  طريقين:

الأول: هو لهاث السياسي المنتمي لحزب او كتلة، نحو الغنائم الفردية، مقابل إعطاء التنازلات المتتالية، التي قد تصل الى هدر الذات وقدراتها، وهدر الكرامة أحيانا، من اجل تحقيق مكاسب جلّها ذات طابع مادي بحت.

الثاني: نسيان السياسي لدوره الأهم، متمثلا بمسؤولياته تجاه الشعب، فحين يخسر  السياسي رؤيته الفردية، وجزء من كرامته أحيانا، مقابل الغنائم المادية، فإنه حتما سيكون مستعدا لأن يخسر الشعب، بعد التخلي عن دوره ومسؤولياته المعروفة.

وهكذا يكون السياسي كفرد منتمي لحزب او كتلة ما، مستعدا لتقديم التنازلات المطلوبة، مقابل انضمامه للحزب، لضمانه مصالحه الفردية في الغالب، وبهذا التغليب للمصلحة الفردية، تضمحل أو تغيب الرؤية الصحيحة في إدارة العمل السياسي، وستطفو الصراعات السياسية فوق كل شيء، وستبدو مساوئها واضحة للجميع، وسيكون اللهاث خلف مصلحة الحزب أو الكتلة، متقدما على مصلحة الشعب بأكمله.

في المشهد السياسي العراقي الراهن، يحدث شيء شبيه بالكلام أعلاه، فمجموعة الاحزاب والكتل السياسية تتصارع فيما بينها، ليس من اجل مصلحة الشعب، بل العكس يحدث تماما، إن هذا النوع من الصراع، هو صراع من أجل الاحزاب والكتل وليس من اجل الشعب، والسبب الاساس يكمن فيما تحدثنا عنه في صدر هذه الكلمة، وأعني بالتحديد، إستعداد السياسي العراقي الفرد لاهدار استقلاليته وقدراته ومهاراته كافة، وتذويبها في الجمع، مقابل تحقيق مآرب فردية مادية بحتة، لا تستحق قط أن يخسر السياسي مقابلها خصوصيته التي فيما لو حافظ عليها واحترمها، لكانت كفيلة بخلق السياسي الناجح، الذي يهتم بمصالح الشعب قبل حزبه وقبل كتلته بل قبل نفسه أيضا.

لذا نحن نفتقر لمثل هؤلاء السياسيين التضحويين في راهننا السياسي، نعم هذا ما تشير إليه وقائع العمل السياسي الدائر في الساحة العراقية، فحتى اللحظة لم يظهر سياسي واحد يتمتع بشخصية فذه، لها القدرة على تقديم مصلحة الشعب على مصلحة الذات والحزب والكتلة، ولا أظلم أحدا من السياسيين العراقيين حين أقول، حتى السياسي المستقل، حين ينشط ويتحرك ويعمل بهذا الاتجاه او ذاك، فإنه يضع نصب عينيه مصلحته اولا.

لهذا السبب، لن يخطئ من يقول، أن الصراع السياسي الدائر الآن بين الاحزاب والكتل السياسية هو صراع مصالح حزبية كتلوية، لا علاقة له بمصالح الشعب قط، وعندما يظن السياسيون العراقيون بأنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح بأعمالهم هذه، إنما هم واهمون تماما، بل هم يفتقرون الى الذكاء وبعد النظر في تعاملهم مع وعي الشعب بهذه الطريقة، وأقصد تحديدا إهمالهم لمصالح الشعب، وانشغالهم بمصالحهم وصراعاتهم، معتقدين أن الشعب دائخ ومنشغل بقلة الخدمات، والفقر، وارتفاع الاسعار وما شابه، وأنه –الشعب- لم يتابع ما يدور في حلبة السياسيين من صراع (ديكة) تحاول بعضها القضاء على البعض الآخر، بغض النظر عن النتائج المترتبة على ذلك.

إن ناقوس انتباه الشعب لم يتوقف عن الرنين، وأن مراوغة السياسيين في مسائل خطيرة تهم حياة الشعب، لا تزال تتفاعل وتتفاقم بشدة، ومنها عدم حسم تخفيض رواتب الرئاسات والنواب، وتمييع محاكمة المفسدين والفاسدين، وإهمال القدرة الشرائية للمتقاعدين، وعدم الاهتمام بتوفير فرص العمل، ناهيك عن القضايا الخارجية، كعدم التعامل بجدية مع الاعتداءات المتكررة على الحدود من دول الجوار، ومسألة ميناء مبارك الكويتي، ومنع الصيادين العراقيين عن الصيد في المياه الاقليمية، كذلك حجب مياه الأنهر عن العراق من تركيا وايران، بعيدا عن الاتفاقات والمواثيق الدولية التي تحرّم مثل هذه الافعال.

كل هذه الامور يتابعها الشعب بدقة، وينشغل عنها السياسي العراقي المذوَّب في حزبه وكتلته، بل تنشغل معظم الكتل والاحزاب عمّا يهم الشعب، بصراعاتها ومشاكلها، وأقرب دليل على ذلك (استجواب مفوضية الانتخابات) والصراع الذي بلغ اوجه بين المتخاصمين، حين رفض البرلمان سحب الثقة من المفوضية المذكورة.

العراقيون بحاجة الى سياسيين يتمتعون بشخصيات مستقلة، حتى لو انتموا لاحزاب او كتل، ويتمتعون بالذكاء، وبعد النظر، وتفضيل الشعب على المصالح الذاتية، ولا تزال الفرصة للتصحيح قائمة، للافراد او الاحزاب أو الكتل، لكن الزمن ليس مفتوحا لهم كي يصححوا مساراتهم، فهل هم فاعلون؟!

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/تموز/2011 - 28/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م