أمن الدولة فرع الفيس بوك!!

د. أحمد راسم النفيس

في مطار برج العرب توقفت لبضعة دقائق أمام ضابط الجوازات.

حاولت أن أفهم سر التأخير الذي لم يعد معتادا في الآونة الأخيرة وسمعت الضابط وهو يخبر رفيقه: إخطار فوري!!.

سمحوا لي بالخروج وعدت إلى بيتي وفي الصباح جاء الإخطار الفوري من على صفحات الفيس بوك وتحديدا من مجموعة (ما حدش ضرب عليه نار في بنها) وهي مجموعة ربما يظن مشغلو أعضائها أنها ذات خطر عظيم وشأن جسيم!!.

(عودا أحمد وسعيا محمود، وفقنا الله وإياكم لنحقق كل أمنياتنا التي أنفقنا في سبيلها كل غالي ونفيس، فهو سامع الدعوات و جابر خواطر العباد).

ويمكنك أن تقرأ بسهولة أن التهنئة الفيس بوكية الفورية العاجلة تتعلق بوصول كل من (أحمد النفيس ومحمود جابر)!!.

لا يتعلق الأمر بلهو للصغار بل بألعاب يمارسها من يظنون أنفسهم من الكبار وربما تصوروا أنهم من المحترفين لأنهم من أصحاب القدرة على ممارسة هذا النوع من التلاعب بالألفاظ والكلمات.

بعد الظهر التقيت قدرا وفي الطريق العام صديقنا الماركسي القديم الثابت على ماركسيته المادية الجدلية منذ أن عرفته قبل أربعين عاما وهو بالإضافة إلى ذلك سياسي متمرس وعضو في حركات التغيير النشطة قبل الثورة وبعدها.

سألني: هل تابعت الصفقة التي يراد تنفيذها لإعادة إنتاج نظام مبارك ضمانا لأمن إسرائيل وحفظا لمصالح الأمريكان؟!.

قلت له: نعم!!.

قال: الواضح الآن في الأروقة السياسية أن الإسلاميين وباستثناء الشيعة قد وافقوا على هذه الصفقة ودخلوا فيها!!.

أضاف صاحبي: المطروح الآن ليس النموذج التركي بل النموذج الباكستاني حيث تتحالف المؤسسة العسكرية مع الجماعات المسماة بالإسلامية والهدف المتوخى هو توجيه الحراب بعيدا عن إسرائيل.

كنت حريصا على ان أثبت ألا علاقة لصديقي القديم صاحب الفكر الماركسي المادي بالدين من الأصل ولا بالسنة ولا بالشيعة وأنه لا ينحاز إلا لماركسيته ولموقفه القديم من أمريكا وإسرائيل وأنه ينقل رؤية الكثير من المراقبين السياسيين لا أكثر ولا أقل.

بعد لحظات كان الحديث عن محاولة ضرب موقع النفيس ضربة قاصمة فضلا عن ضرب الموقع الخاص بالحزب من خلال إحدى الاختراقات لولا أن الله سلم وقد تم هذا بكلفة باهظة والمطلوب إسقاط الموقع وصاحبه وما يحمله من فكر نجح والحمد لله في الوصول إلى مرتبة متقدمة رغم ضعف الإمكانات وتواضعها.

توالت الاتصالات: نريد أن نجلس معك لنتناقش حول مشروع الحزب!!.

اتصلت بصديقنا المخضرم وهي صداقة من النوع الذي ليس منه بد، لا لأستشيره فأنا أعرف مواقفه الرمادية الضبابية التي تصر على أن تأخذ وتأبى أن تعطي ولو حتى مشورة صادقة ربما لأنه فرغ من الحساب وضمن الثواب.

سألته: ما هو الهدف الذي يسعى لتحقيقه فلان من وراء جلسته المطلوبة؟!، إن كان هناك من يريد مواصلة الكلام حول جدوى تأسيس الحزب، فهذا أمر قد فرغ فيه القول!! وها نحن بإذن الله على مسافة بضع خطوات من بلوغ الهدف إلا أن يشاء الله.

وما تشاءون إلا أن يشاء الله إنه كان عليما حكيما.

تشعب الحوار حول الحزب وهويته الطائفية المزعومة فكررت عليه ما كررته على وسائل الإعلام وما هو ثابت في برنامج الحزب من أنه لا ينتمي لطائفة معينة بل هو حزب لجميع المصريين!!.

رد الرجل بصلفه المهذب: المشكلة ليست في البرنامج ولا في تكوين الحزب، بل في شخصكم الكريم.

قلت له: يبدو أن البعض لا ولن يرى له راحة إلا إذا أقدمت على الانتحار لأريح هؤلاء وأطمئن هؤلاء وهو ما لن يحدث بإذن الله.

لم ندخل إلى الساحة السياسية من البوابة المذهبية فنحن مواطنون مصريون أبا عن جد لا بالتجنس ولا بالاكتساب نمارس حقوقنا الدستورية وفوق الدستورية وتحت الدستورية!!.

ماذا تغير في مصر؟!

هذا هو السؤال...

فالإخوة (أمن الدولة) أو الأمن الوطني ما زال يلاحقون نفس الأهداف التي كانوا يلاحقونها قبل سقوط مخلوعهم!!.

لم يستفد هؤلاء من تجربتهم الكارثية الفاشلة التي أوصلتنا إلى الأزمة الخانقة التي نحن فيها والتي لا يبدو أننا وصلنا إلى نهاية نفقها المظلم بل نحن في الأشد إظلاما والأشد سوادا.

إنهم يتصرفون كفلول الاتحاد السوفييتي الذين أصروا على أن العيب لم يكن يوما ما في النظرية بل في التطبيق.

إنهم يستفيدون الآن من صبيانهم على الفيس بوك ومن تكثيف محاولات الاختراق للأحزاب الجديدة وهي نفس سياستهم تجاه الأحزاب القديمة ويحاولون البحث عن تهم قانونية ولكنها ذات أبعاد سياسية كي يتمكنوا من ضبط الساحة مرة أخرى وتبقى حياتنا السياسية معروضة (كنجمة صبح في السوق).

لو أطلق كاتب هذه السطور عدة تصريحات عن السلام وقبوله والتزامه بإسرائيل كما فعل بقية (الإسلاميين) لتوقفت فلول المخلوع عن ملاحقة العبد لله وموقعه الالكتروني ولشملتنا الأخت كلينتون برعايتها وعنايتها وربما بدعمها المالي المباشر وغير المباشر ولما أطلق الرجل الطيب تهديداته بالنار والمرصاد.

تلك النار التي حرمت على كل من سجد وأذعن لإله بني إسرائيل.

إنذارات إطلاقات رصاصية وتهديدات كلامية والتفافات هنا وهناك وتهديد بقضية تبشير شيعي من جديد كأن شيئا لم يكن وكأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر.

تلك هي مصر التي كانت عامرة بأهلها وثقافتها وولائها لأهل بيت النبوة فأصبح كل هذا الآن عيبا وعارا وشنارا يتعين على الإنسان أن يتبرأ منه هذا وإلا فالمحاكم العسكرية والعادية ما تزال منصوبة وهاهو شيخ الأزهر يهدد ويتوعد بالويل والثبور والمرصاد.

فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.

قل انتظروا إنا منتظرون.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/تموز/2011 - 28/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م