بين السياسة والكهرباء

والميزانية ومعاناة السنين الطويلة

حيدر محمد الوائلي

عشرون عاماً والعراق يعاني من سوء الخدمات والفاقة والحرمان، والعراق بلا كهرباء وتأتيه متقطعة وساعات قطعها أكثر من ساعات تجهيزها...

عشرون عاماً منذ العام 1991 وللعام 2003 في حصار إمتد لثمانية عشر عاماً على الشعب الذي ذاق بسببه المر والحرمان في اليوم الذي كان يتنعم به الصنم وزبانيته بخيرات العراق الوفيرة وبرنامج النفط مقابل الغذاء له ولحزبه وجهاز أمنه وللسلطة... ليستمر الواقع المتردي للكهرباء الذي تمنينا أن ينتهي بسقوط الصنم ليبقى ممتداً وللعام 2011...

عشرون عاماً كان ولا زال العراق يعاني من تدني الخدمات وسوئها كل يوم والكهرباء فقرة من فقراتها السيئة التي تتطور سوءاً كل عام، بينما العالم يمضي قدماً مسرعاً بركب العلم والتكنولوجيا والتطوير كل عام أيضاً...

وسيكون مستقبلنا أكثر سوءاً إن بقيت حالتنا كمثل هذه الحالة المتدنية والبائسة، لشعب تعود على البؤس والحرمان والصبر...

كم أتمنى أن يكون تدني الخدمات عندنا وسوؤها رغم تدنيها والتيار الكهربائي المنقطع باستمرار والبطالة وقلة المرافق الخدمية، كنت أتمنى أن يكون كل ذلك لكوننا بلداً فقيراً لا توجد فيه لا نفط ولا ثروات ولا مواقع سياحية دينية وأثرية ولا موقع جغرافي إستراتيجي...

كنت أتمنى أن يكون ذلك لعدم وجود عقول مفكرة ولعدم وجود مستوى علمي في هذا البلد ولعدم وجود فكر فيه...

لكن كل ذلك موجود عندنا وبالرغم من ذلك فحالنا في سوء...

كل ذلك بسبب الفساد والسياسة والتصارع بين السياسيين والشعب واقفاً متفرجاً يلعن الدنيا والسياسة ويلعن نفسه على هذا الوضع الرث...

لا يُخفى أن المال أساس إقبال الشركات على تنفيذ أي مشروع، وكلما زاد المال فسيزداد العطاء وسرعة التنفيذ وبأفضل إنجاز...

وفي العراق ميزانية تعادل ميزانية دول كبرى، وأن دولة الإمارات بنت قبل سنين أعلى برج في العالم بتكلفة حوالي (مليار ومائتي مليون دولار)، وبفترة قياسية مع ملحقاته الكهربائية والتي تكفي مدينة كاملة، وليس هنالك جدوى اقتصادية ولا خدمية من تشييد هذا البرج سوى أنه سيكون معلم سياحي لا أكثر...!!

الأمارات التي كانت صحراء جرداء حتى السبعينيات، في اليوم الذي كان العراق قبلة سياحية...

واليوم إنقلب الحال، وتلك الأيام نداولها بين الناس...

ميزانية الدولة (المعلنة) في العراق في سنة 2009 بلغت حوالي (82 مليار دولار)، أي يمكننا تشييد وبنفس التكلفة التي تم بها تشييد برج خليفة بالأمارات حوالي (18 برج) بواقع برج في كل محافظة من محافظات العراق الـ(18)، وباقي الميزانية رواتب وتشغيلية...

طبعاً الميزانية في زيادة مستمرة كل سنة، ويتم وضعها (منذ الأزمة الاقتصادية التي حلت بالعالم) على أساس أن سعر برميل النفط حوالي (69) دولار كمعدل لتفادي الانخفاض بأسعار النفط، وكلنا يعرف أن سعر برميل النفط مستقر ولأكثر من سنة على سعر أقله (90) دولار للبرميل وهو في زيادة، فأين تذهب (21 دولار) زيادة بالأقل على كل برميل نفط من صادرات العراق النفطية التي تجاوزت المليوني برميل يومياً...

أي أن هناك زيادة متبقية بمبلغ أقله (21 دولار) على السعر المحدد في الميزانية (ضرب) مليوني برميل صادرات العراق يومياً على الأقل (يساوي) (42 مليون دولار فائض عن الميزانية) (يومياً)... !!

وفي شهر (42 مليون دولار) يومياً (ضرب) (30) يوم (يساوي) (مليار ومائتين وستين مليون دولار) (شهرياً).

وفي سنة تصبح المعادلة (مليار ومائتين وستين مليون دولار) (ضرب) (12 شهر) (يساوي) (خمسة عشر مليار ومائة وخمسين مليون) (سنوياً)...

فأين يذهب هذا الفرق في السعر ؟!

الكل يعرف أن النظام السابق سلم العراق خراباً ودماراً، ولازالت الكثير من بقايا النظام السابق تفسد وتعيث خراباً بالوضع العراقي الجديد...

ولكن إلى متى نبقى كذلك ؟!!

مع العلم أن لا يوجد مما تحقق من هذه الميزانية لا بنايات عملاقة ولا متنزهات عصرية ولا شوارع كبيرة ولا نظافة ولا مجاري متطورة ولا محطات كهربائية بل زاد القطع المبرمج في الكهرباء عما عليه في سنة 2009 الذي كان (3) ساعات تشغيل متقطعة و(3) ساعات إطفاء تام، ليصبح في سنة 2011 ساعتين تشغيل متقطعة بضمنها في أكثر الأحيان إنطفاء الى ثلاث إنطفاءات في هاتين الساعتين مع اربعة ساعات إطفاء تام لا تأتي ضمنها الكهرباء ولا رمشة ولو سهواً...

مجرد إعلان عن مشاريع لن تحقق ما يمس حاجة المواطن... وإنشاء بنايات أشبه بالبيوت من كونها مؤسسات دولة مبعثرة هنا وهناك قد أكلت الميزانية وتقيأتها أرباحاً على المقاولين والشركات وبعض المتنفذين في السلطة... !!

وكلنا يعرف أن العراق لديه احتياطي من الأموال هائل داخل وخارج العراق، فمتى يتم الأخذ من هذا الاحتياطي لإنقاذ المواطن العراقي من (ذل) الحياة اليومية وسط زحام سوء الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي المستمر...

وفي هكذا ظروف بائسة ومأساوية لا يتم استنفار وإنفاق هذا الاحتياطي فمتى يتم إنفاقه...

وبالرغم من أن وزير الكهرباء السابق السيد (كريم وحيد) قد وعد من على قناة العراقية في حوالي عام 2009، أن الكهرباء ستستقر في العراق بحلول العام 2011، وهو عام نهاية مدة مسؤوليته في الوزارة...

وبالفعل فلقد إستقرت الكهرباء على أساس ساعتين تشغيل متقطعة مع اربع ساعات إطفاء تام...!!

أي أن الكهرباء في وقت تصريحه كانت (3) ساعات تشغيل مقابل (3) ساعات إطفاء، فكان ختام مدة حكمه في الوزارة أسوأ ليسلمها خراباً بواقع ساعتين تشغيل متقطعة مع اربع ساعات إطفاء تام...

أي أن وزارة الكهرباء تجهز يومياً (8) ساعات تشغيل متقطعة مقابل (16) ساعة إنقطاع تام...

أي أن وزارة (الكهرباء) تجهز (فقط) (أقل من) (ثلث) حاجة العراق من الكهرباء يومياً !!

ليتم تكريم الوزير السابق كريم وحيد من قبل نائب رئيس الوزراء الحالي لشوؤن الطاقة (د. حسين الشهرستاني) بالنخلة الذهبية على الإنجازات التي حققها في وزارة الكهرباء...

وقبله سرق وزير الكهرباء الأسبق (أيهم السامرائي) في زمن حكومة (د. أياد علاوي) ملايين الدولارات كانت مخصصة (كما يقولون) لمشاريع الكهرباء، ليتمتع بها بمحل إقامته بأمريكا، ولا يوجد من يطالبه بتلك الأموال، ولا تفعيل دعوة قضائية دولية ضده لإسترجاع تلك الأموال، ولا أنتربول ولا أي شيء مما تفعله كل الدول الحرة عند حصول جريمة مماثلة...

لم يفعلوا ذلك تقاعساً ولكي لا يزعل عليهم القياديين في القائمة العراقية بزعامة (أياد علاوي) ولأن فتح هكذا ملفات سيفتح ملفات أخرى ستسقط برؤوس كبار في السلطة السابقة والحالية...

هكذا يتم إرضاء الخواطر على حساب كسر خواطر الملايين من الشعب العراقي الذين لم يراعي أحد خاطره المكسور سنين وسنين وسنين...

ولم يجبروه بل زادوا فيه ليكسروه أكثر مما هو مكسور وحزين...

وبخطوة من وزارة الكهرباء الحالية التابع وزيرها للقائمة العراقية بزعامة (د. اياد علاوي) وبمساعدة من وزارة النفط (التابعة للتحالف الوطني بزعامة السيد ابراهيم الجعفري والسيد نوري المالكي) للتنصل من المسؤولية ولتلقي الشعب بتلابيب بعض وتنقل المشكلة من وزارة الكهرباء الى مشكلة مع أصحاب المولدات الأهلية، فقد قامت بتجهيز أصحاب المولدات وبصورة متلكئة (كما يقول بعض أصحاب المولدات) بمادة (الكاز) لتشغيل المولدات وهم يعرفون جيداً أن تلك المولدات لا يمكنها الاستمرار بالتشغيل لمدة (12) ساعة وعند العطل فيتعارك المواطن مع صاحب المولدة الأهلية ويقدم الشكوى ضده وهكذا يضحكون علينا وعلى خيبتنا...

هم يظنون أن ذلك سينطلي على المواطن الذي أصبح يعرف كل تلك الأساليب الملتوية اللامسؤولة والمتخاذلة في الإدارة، وحتى أن المواطن العراقي أصبح يعرفها بالفطرة، فتاريخنا يساعدنا على ذلك.

وتصوروا أن أصحاب المولدات الأهلية إستطاعوا توفير طاقة كهربائية وازت وفاقت مستوى تجهيز وزارة الكهرباء والتي هي في سوء وتراجع مستمر.

ولا أعرف لماذا لا يتم جعل وزارة النفط ووزارة الكهرباء بوزارة واحدة إسمها (وزارة الطاقة) مادام هنالك منصب لنائب رئيس الوزراء لشؤون (الطاقة) وبذلك يتم تلافي أن وزير الكهرباء يلوم وزير النفط ووزير النفط يعاتب وزير الكهرباء وهكذا والمواطن (في معاناة وقهر).

وبهذا يلغون هدر أموال طائلة كميزانية ومنافع اجتماعية لثلاث مسؤولين (نائب رئيس وزراء ووزيرين) وجعلهم في وزارة واحدة تفي بالغرض.

إخرجوا يا مسوؤلين ونحن نراكم يومياً على شاشات التلفاز واعترفوا لله والشعب من هو المسؤول وراء تردي الخدمات والكهرباء فقرة من فقراتها السيئة...

قولها صراحة لكي تكون مصالحة وطنية حقيقية مع الشعب...

قولوها فهنالك الكثيرين جداً من المسؤولين والقيادات السياسية في العراق من الشرفاء والنزيهين والشجعان...

قولوها فمنكم كثير جداً خيرين كما هنالك مفسدين فلا تدعو الناس تأخذكم بجريرة غيركم...

قولوها فمنكم الكثير ممن ناضل وصبر أيام الظلم ولم يخنع للظالمين وممن قدم الشهداء أضاحي على مذبح الحرية المقدس، فلا تسكتوا اليوم واستمروا بالنضال ضد الفاسدين والمتقاعسين ودعوا الشعب يعرفهم...

قولوها في شهر رمضان القادم الذي فيه القول والنصيحة أجمل وأنصح وانظف ما يكون...

قولوها والله عليم بذات الصدور...

قولوها فلا ينفع المكر فالله خير الماكرين...

قولوها فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور...

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/تموز/2011 - 28/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م