إنهم لا يقرؤون... أليس كذلك؟

عن الكتاب والقراءة في مجتمعاتنا

إعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في الأخبار الواردة إلينا من الإمبراطورية التي غابت عنها الشمس، ان سائق قطار اقيل من عمله بسبب قراءته لإحدى الصحف أثناء قيادته للقطار.

والتقطت الصورة في ما كان القطار الذي يربط بليموث بلندن، يخرج من نفق. ويظهر السائق وأمامه صحيفة كبيرة مفتوحة وتغطي لوحة العدادات. وقال صاحب الصورة جيم هالز (64 عاما) لصحيفة (ديلي مايل البريطانية) التي نشرت الخبر (صعقت للغاية. يبدو الأمر خطيرا جدا. من الواضح انه مسؤول عن قطار مليء بالركاب).

وقال متحدث باسم شركة فيرست غرايت ويسترن، صاحبة القطار (هي صورة مفاجئة فعلا، وتظهر تصرفا لا يتماشى أبدا مع قواعدنا العملية الصارمة بشأن سائقينا). وأوقف السائق عن العمل، في انتظار نتائج التحقيق الذي يفترض أن يؤكد ما إذا كان يقرأ الصحيفة أم لا.

في مجتمعاتنا يبدو الخبر عاديا جدا وغير مستغرب ان تقضي الوقت المخصص لعملك في قراءة صحيفة يومية أو التحدث بالموبايل مع الآخرين أو حتى اللعب بأنفك وتترك الآخرين بانتظار أن تنجز أعمالهم.

والخبر عادي لدينا فليس هناك من يقيل موظفا بسبب سلوك كهذا، لان القراءة لدينا ليست هاجسا أو هما أو بحثا عن معرفة بل هي تمرير للوقت وقتله وتسويف لما يمكن انجازه من أعمال في أوقات العمل.

ثم ما الذي يمكن قراءته في صحفنا الكثيرة غير الأخبار التي ترفع الضغط وتصيب بالسكري ولا تقدم المعلومة الصحيحة؟ والاهم من ذلك من الذي يقرأ ونحن أميون في غالبنا الأعم أن لم تكن أمية أبجدية فهي أمية ثقافية بامتياز..ولدينا من الحقائق المستندة الى إحصاءات وتقارير حول نسبة الأمية في العراق والأقطار العربية نوردها كالتالي:

110 ملايين نسمة من سكان العالم العربي أميين أي 40% من إجمالي السكان.

65 مليون نسمة عدد الأميين في سن الخامسة عشرة فأكثر في العالم العربي.

62% بالمائة في موريتانيا.

53% في السودان.

48% من إجمالي السكان في مصر.

42% في سوريا.

اما عن التعليم الجامعي فبلغت النسب كالتالي:

4% نسبة التعليم الجامعي في موريتانيا.

10% في المغرب.

11% في الجزائر.

14% في العراق.

17% في مصر.

18% في سوريا.

29% في لبنان.

وعند المقارنة مع الدول الأخرى يظهر ما يلي:

35% نسبة التعليم الجامعي في اسرائيل.

49% في فرنسا.

52% في كوريا الجنوبية.

81% في أمريكا.

في موضوع قراءة الصحف اليومية تظهر النسب تفوقا كبيرا للدول الاخرى على حساب العرب فعلى سبيل المثال:

تباع 2 مليون نسخة من الصحف اليومية في اليابان.

ويصل عدد قراء صحيفة (يوري شيبون) الى 37 مليون قاريء من اجمالي عدد السكان البالغ 125 مليون نسمة.

وعدد قراء (اساهي شيبون) يصل الى 30 مليون قاريء.

نسبة مايقرأه الياباني الى العربي بلغت 175 ضعفا.

في استطلاعات أجرتها ورشة العمل العربية لإحياء القراءة بناء على النتائج الصادرة من اتحاد كتاب الانترنيت العرب تبين ما يلي:

ما تطبعه الدول العربية مجتمعة هو تقريبا مليون كتاب موزعة على ثلاثمائة مليون مواطن عربي 60% منهم أميون وأطفال و 20 % لا يقرؤون أبدا و 15 % يقرؤون بشكل متقطع وليسوا حريصين على اقتناء الكتاب وما تبقى هم 5 % من المواظبين على القراءة وعددهم مليون ونصف فقط أي أن حصة الفرد الواحد أقل من كتاب سنويا في مقابل 518 كتابا للفرد في أوربا و 212 كتابا للفرد في أمريكا.

في إحصائية نشرت في بداية عام 2008 في إحدى الصحف اللبنانية بينت أن معدل القراءة لدى العربي هو "كلمة واحدة" في الأسبوع ويهبط مقدار معدل القراءة السنوية للفرد إلى ست أو سبع دقائق في العام أي أن 300 ألف عربي يقرؤون ما يعادل كتابا واحدا فقط مقارنة مع المواطن الغربي الذي تصل معدل قراءته 36 ساعة في العام أي أكثر ب 360 مرة من المواطن العربي.

في مجال الإنتاج الأدبي لا يتجاوز الإنتاج العربي من الكتب (1.1%) من الإنتاج العالمي، رغم أن العرب يشكلون (5%) من عدد سكان العالم، وبمقارنة الوطن العربي مع دولة كاسبانيا مثلا، فإنه يصدر كتبا لا تتجاوز سدس ما تصدره اسبانيا لوحدها. وتزداد الصورة قتامة وسلبية حينما نعلم أن معظم الكتب المؤلفة هي في مجال العلوم الإنسانية، أما العلوم التطبيقية فيبدو أنها مؤجلة حتى إشعار آخر.

أما في ميدان الترجمة، فتبدو الصورة لا تقل سوءا عنها في مجال الكتب، إذ بلغ متوسط الترجمة لكل مليون شخص من العرب في السنوات الأولى من ثمانينيات القرن العشرين يساوي (4.4) كتب أي أقل من كتاب واحد كل سنة، في حين بلغ (519) كتابا في المجر و (920) كتابا في اسبانيا. وفي إطار مسح ميداني أجراه شوقي جلال عن واقع الترجمة، ونشره في كتاب الترجمة في الوطن العربي يشير إلى أن إجمالي الكتب المترجمة في الوطن العربي منذ عصر الخليفة المأمون وحتى يومنا هذا يصل إلى عشرة آلاف عنوان، أي يساوي ما ترجمته إسرائيل في أقل من (25) سنة، أو ما ترجمته البرازيل في أربع سنوات، أو ما ترجمته اسبانيا في سنة واحدة.

أما على صعيد قراءة الصحف، والتي ربما لا تعكس بالضرورة حقيقة المستوى الثقافي، فإن الإحصائيات المدونة تثير الفزع أيضا، حيث يقدر نسبة الصحف التي يتم توزيعها إلى عدد السكان يقل عن (53) صحيفة لكل (1000) شخص في البلدان النامية مقارنة مع (258) صحيفة لكل (1000) شخص في البلدان المتقدمة.

وكان تقرير الأمم المتحدة قد كشف عن وضع مزر بهذا الخصوص إذ أن العرب لا يترجمون إلا خمس ما يترجمه اليونانيون في الوقت الحاضر.

الطفل العربي مأساة أخرى

في إحصائية لمنظمة اليونسكو كشفت أن الوقت المخصص للقراءة الحرة عند الطفل العربي لا يزيد عن ست دقائق في العام أما حجم الكتب المخصصة للطفل فهو عدد مزر لا يتجاوز 400 كتاب في العام في مقابل 13260 كتاب للطفل الأمريكي و 3838 كتاب للطفل البريطاني و 2118 للطفل الفرنسي و 1485 للطفل الروسي.

في استطلاع مصري كشف أن معظم الطلاب لا يقرؤون الصحف اليومية إطلاقا فيما بلغ متوسط ساعات الجلوس أمام التلفاز 6 ساعات وكشفت الأسئلة التي تتعلق بمدى معرفة الشخصيات عن جهل الطلبة بأسماء الكثير من المفكرين والشخصيات العامة.

فمثلا عرف الكثيرون عبد الرحمن الكواكبي على أنه صحفي مصري وسعد زغلول على انه شاعر سوري وبابلو نيرودا على انه شاعر مغربي.

وقد جرى استطلاع مماثل في الكويت فكانت الأجوبة كالتالي:

59 % عرفوا كوفي عنان على أنه حارس مرمى منتخب الكاميرون.

16 % أجابوا عن روجيه غارودي على أنه لاعب في منتخب فرنسا عام 1998.

في مجال الاستثمار في صناعة الكتاب يسجل رئيس اتحاد الناشرين المصريين أنه لا توجد أرقام دقيقة حول حجم الاستثمار في النشر العربي ولكنه يرجح أن الرقم السنوي يصل الى خمسة مليارات دولار ليس لكتب الثقافة العامة فيها إلا نحو 400 مليون دولار نظرا لتوجيه الجانب الأكبر من هذا المبلغ الى الكتب المدرسية والمطبوعات الحكومية.

ويقول محمد رشاد ان العالم العربي "على اتساعه" ينشر سنويا 30 ألف عنوان فقط ولا يزيد عدد كتاب الثقافة العامة من هذه الإصدارات على خمسة آلاف عنوان.

وشارك رشاد ببحث عنوانه (العلاقة بين دار النشر والمكتبات العامة) في الملتقى الدولي الأول حول الأدب والمكتبات والقراءة تحت عنوان (ما هي السبل المثلى لترقية القراءة العمومية؟) والذي شارك فيه خبراء في علوم المكتبات من الجزائر وتونس ولبنان وفرنسا والسنغال.

والملتقى هو أحد أنشطة (المهرجان الثقافي الدولي الرابع للأدب وكتاب الشباب) الذي افتتح الأربعاء الماضي تحت شعار (حرر خيالك) ويشارك فيه 30 كاتبا من 15 دولة عربية وأجنبية.

ويتضمن المهرجان الذي يستمر أسبوعا معرضا للكتاب تشارك فيه 60 دار نشر جزائرية كما تشهد مدينتا قسنطينة وتلمسان الشماليتان جانبا من أنشطة المهرجان المتنوعة بين الأمسيات الشعرية والقراءات الأدبية والورش التدريبية على تقنيات الكتابة والرسم.

ويقول رشاد ان الناشر العربي "اضطر" الى تقليص عدد النسخ المطبوعة من كتب الثقافة العامة للكبار لتتراوح بين 1000 و2000 نسخة من الكتاب الواحد وفي كتب الأطفال يتراوح عدد النسخ بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف نظرا لضيق حجم الاستهلاك الذي يفترض أن تمثل المكتبات جزءا أساسيا منه.

ويضيف أن المعايير الدولية تقول ان المكتبة العامة لكي تقوم بدور ثقافي يفترض أن يكون لكل ستة آلاف نسمة من المقيمين مكتبة عامة ولكن عدد المكتبات العامة "في الدول العربية مجتمعة لا يزيد على 4500 مكتبة من كافة الأحجام وربما كان عدد المكتبات العامة ذات الوزن والأهمية في الوطن العربي يدور حول 1000 مكتبة فقط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/تموز/2011 - 26/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م