مصر والصراع على السلطة... الجيش والإخوان والثوار

 

شبكة النبأ: في 21 تموز/يوليو، أدى أعضاء الحكومة الجديدة تحت قيادة رئيس الوزراء المصري عصام شرف اليمين الدستورية أمام رئيس "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، المشير محمد حسين طنطاوي. لقد كان تغيير الوزراء أمر نادر في عهد حسني مبارك، إلا أن ذلك أصبح حدثاً روتينياً تقريباً في هذه الأيام - إلا أنه لا يحظى سوى بأهمية ثانوية في الحياة السياسية المصرية.

يقول إيريك تراغر، في تحليله السياسي المنشور في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى، تتصارع حالياً ثلاث مجموعات حول المستقبل السياسي للبلاد، ولا تُعد الحكومة المدنية جزءاً من هذا الصراع. والمجموعة الأولى هي "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" الذي يحكم البلاد منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك. والثانية هي جماعة «الإخوان المسلمين» التي شكلت تحالفات مع معظم الأحزاب السياسية الرئيسية ومن المحتمل أن تفوز بأغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية في خريف هذا العام. والمجموعة الثالثة هي المحتجين الذين يواصلون متابعة مطالبهم من خلال القيام بمظاهرات كبيرة والتي غالباً ما تؤدي إلى توقف الأنشطة اليومية في وسط القاهرة والمناطق الرئيسية الأخرى. وفي كثير من الأحيان، تتمتع هذه الأطراف بمصالح متداخلة لكنها متنافسة في معظمها – وهو موقف أدى إلى تعقيد الجهود المتبعة للوصول إلى مستقبل ديمقراطي علماني مستقر في مصر.

الأضلاع الثلاثة للمثلث

ويتابع، لـ "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" – القوة الحالية الأكبر في مصر – مصلحتان رئيسيتان. فهو يهدف أولاً إلى تجنب الوقوع هدفاً لاحتجاجات ضخمة قد تشكل تحدياً كبيراً لشرعيته لدى عامة الشعب. وقد قدم "المجلس" حتى الآن تنازلات اقتضائية، على الرغم من كونها سطحية إلى حد كبير، على أمل وضع نهاية سريعة وهادئة للمظاهرات المستمرة. والهدف الثاني الذي يطمح المجلس تحقيقه هو إنهاء حكمه اليومي لمصر دون أن يفقد العديد من الامتيازات التي تتمتع بها المؤسسة العسكرية تاريخياً، بما في ذلك السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي وملكية الصناعات الرئيسية، فضلاً عن التمتع بميزانية تبقى في منأى عن المراقبة البرلمانية والشعبية. وفي المقابل، سعى "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" إلى استرضاء القوى السياسية التي تتمتع باحتمال أكبر للسيطرة على البرلمان القادم، وخاصة جماعة «الإخوان المسلمين».

وبالنسبة لـ «الإخوان»، من المتوقع على نطاق واسع أن تفوز «الجماعة» بأكثرية الأصوات في الانتخابات بسبب قدراتها الكبيرة في تجنيد الناخبين، حيث تضم شبكة [من الناشطين] تمتد في جميع أنحاء مصر وتشمل حوالي 750000 عضو. وارتفعت مكانتها بشكل كبير بعد سقوط مبارك: فقد افتتحت على الأقل ثلاثة عشر مقراً رئيسياً محلياً جديداً في جميع أنحاء البلاد، كما دشنت المقرات الرئيسية الإضافية لـ «حزب الحرية والعدالة» في معظم المحافظات، وعززت دورها بالدخول في تحالف مع سبعة وعشرين حزباً آخر، حيث ضحى العديد من هذه الأحزاب بمطالبهم بتأجيل الانتخابات مقابل التعاون مع جماعة «الإخوان المسلمين» في صياغة الإجراءات الانتخابية. إن الهدف الرئيسي لـ «الإخوان المسلمين» هو إجراء انتخابات في أسرع وقت ممكن، قبل أن تتمكن الأحزاب الأخرى من تنظيم نفسها بشكل كاف لتصبح أحزاباً منافسة لـ «الإخوان». وبعد ذلك سيكون هدف «الجماعة» استخدام نجاحها الانتخابي للسيطرة على العملية اللاحقة لصياغة الدستور، والتي تأمل من خلالها إقامة دولة إسلامية.

ومن الناحية السياسية، ربما يكون المتظاهرون المؤيدون للديمقراطية هم الحلقة الأضعف في هذه القوى الثلاث، ويعود ذلك جزئياً إلى أنهم مقسّمون بين عدد من المنظمات الثورية. ولكنهم يمتلكون كذلك قدرات كبيرة لتعبئة الشعب. وكونهم من العوامل المحفزة على اندلاع انتفاضة كانون الثاني/يناير، فإنهم يشتركون على نطاق واسع في العديد من الأهداف الرئيسية، وهي: محاكمة وسجن مسؤولي النظام السابق وتعويض شهداء الثورة وإنهاء المحاكمات والاعتقالات العسكرية وإلغاء قوانين الطوارئ وإصلاح وزارة الداخلية وبناء نظام سياسي ديمقراطي. وقد سعوا إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال قيامهم باحتجاجات كبيرة في ميادين وسط القاهرة وإغلاق الطرق الرئيسية. ومن المرجح أن تستمر هذه المظاهرات إلى أجل غير مسمى لأن المحتجين يشعرون بوجود أمل ضئيل في تحقيق مطالبهم من خلال إجراء عملية انتقالية سياسية يتحكم فيها "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" ويسيطر عليها «الإخوان المسلمون».

اثنان مقابل واحد

ويشير ايريك في تحليله، يتفق عادة اثنان فقط من المجموعات الثلاث على قضية معينة. وفي الأسابيع الأخيرة، زادت التوترات بين هذه المجموعات الثلاث مما خلق وضعاً قابلاً للانفجار يهدد مستقبل الثورة. وتشمل نقاط الخلاف الأكثر بروزاً ما يلي:

"المجلس الأعلى للقوات المسلحة" وجماعة «الإخوان المسلمين» مقابل المحتجين حول إجراء الانتخابات أولاً. يشاطر «الإخوان المسلمون» و "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" المصلحة في إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، وهو الأمر الذي يثير الكثير من الاستياء في صفوف المحتجين. ووفقاً لـ جماعة «الإخوان المسلمين»، أقر استفتاء 19 آذار/مارس حول التعديلات الدستورية الثمانية، ضرورة إجراء الانتخابات قبل صياغة الدستور الجديد. ومع هذا، يستمر المحتجون في المطالبة بدستور جديد أولاً. ورداً على ذلك، وصفهم رئيس «حزب الحرية والعدالة» بأنهم "صهاينة وفلول النظام السابق"، كما هدد «الإخوان» بالقيام باحتجاجات ضخمة ضد "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" إذا لم يقم بإجراء الانتخابات أولاً.

ومنذ ذلك الحين، أسقط المحتجون رسمياً طلبهم بـ "الدستور أولاً"، ولكنهم يسعون إلى إطالة الفترة الانتقالية. وكرد على جهودهم الأخيرة – التي تمثلت بالقيام باعتصام لمدة أسبوعين ضد الحكومة المؤقتة التي يترأسها شرف – قدم "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" تنازلاً سطحياً من خلال قيام رئيس الوزراء بإقالة الكثير من أعضاء حكومته (وهو تغيير سطحي لأن معظم الوزراء الجدد يشبهون سابقيهم أيديولوجياً). ومنذ ذلك الحين، أعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» عن دعمها لمجلس الوزراء الجديد بقيادة شرف ونددت بـ "كافة المحاولات التي تبذلها بعض المجتمعات المحلية للضغط على اختياره للوزراء". ونظراً لشعور الجمهور بالإحباط بسبب المظاهرات المستمرة، ألمحت بعض من جماعات الاحتجاج الأكثر بروزاً بأنها ستغادر "ميدان التحرير" بعد الاجتماع الحاشد في الثاني والعشرين من تموز/يوليو. ولكنهم تعهدوا باستخدام فترة التوقف للتخطيط للقيام بالمزيد من المظاهرات، وقد خططوا للقيام بمسيرة ضد المحاكمات العسكرية في 23 تموز/يوليو.

«الإخوان المسلمون» والمحتجون مقابل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" حول إظهار الوحدة. يشاطر «الإخوان المسلمون» والمحتجون المصلحة في التوحد خلف مطالب الثورة الأعم والمتوافق عليها. ويحتاج المحتجون إلى تعاون «الإخوان المسلمين» لتعبئة أكبر حشود ممكنة والضغط على "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" لتقديم المزيد من التنازلات. ويرغب «الإخوان المسلمون» تجنب الانتقادات الموجهة إليهم بأنهم قد تخلوا عن الثورة من أجل الشراكة التامة مع "المجلس". لقد كان المحتجون بحاجة ماسة إلى تعاون «الإخوان» ولتصريحاتهم الرسمية لدرجة أنهم قدموا تنازلات كبيرة من جانبهم. فعلى سبيل المثال، أسقطوا رسمياً مطالباتهم بـ "الدستور أولاً" لضمان دعم «الجماعة» لمظاهرات "جمعة الإصرار" التي جرت في الثامن من تموز/يوليو.

يرى "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" أن التجمعات ولهجتها التي هي معادية لـ "المجلس" على نحو متزايد تهدد الوضع بصورة شديدة. وقد استجاب "المجلس" حتى الآن بقيامه بتقديم تنازلات سطحية بدلاً من اللجوء إلى حملات قمع واسعة النطاق لأنه يتفهم موقف «الإخوان المسلمين»: فـ «الإخوان» يشاركون بصفة رئيسية من أجل إضفاء مظهر الوحدة مع المتظاهرين، وليس بسبب شعورهم بمظالم جوهرية. ولكن بانضمامهم إلى المظاهرات، برهن «الإخوان» قابليتهم على حشد أبناء الشعب واحتفاظهم بالقدرة على المشاركة في احتجاجات ضخمة في المستقبل إذا اعتقدوا بأن هناك خطر يهدد مصالحهم.

"المجلس الأعلى للقوات المسلحة" والمحتجون مقابل جماعة «الإخوان المسلمين» حول المبادئ فوق الدستورية. بعد تخلي المحتجين عن شعار "الدستور أولاً"، دعوا إلى إقامة مجموعة من المعايير غير القابلة للتغيير لتوجيه المسودة النهائية للدستور الجديد. ويرى المحتجون أن هذا الإجراء ضروري لمنع «الإخوان المسلمين» من فرض الحكم الإسلامي. ويعتبر "المجلس" أن هذه المبادئ هي وسيلة لحماية الاستقلال الذاتي المستمر للسلطة العسكرية ضد "أهواء" أي رئيس في المستقبل، وفقاً لتعليق نُشر مؤخراً من قبل مسؤول في "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" اللواء ممدوح شاهين. وبناءاً على ذلك، شكل "المجلس" لجنة للاضطلاع بهذه المهمة. وعلى الرغم من أن المحتجين لا يريدون منح "المجلس" استقلالية دستورية، فلن يكون بمقدورهم تحقيق مطالبهم فوق الدستورية إلا بالتعاون مع "المجلس".

وفي هذه الأثناء، ترى جماعة «الإخوان المسلمين» أن مثل هذه المبادئ ما هي إلا وسيلة "للالتفاف على إرادة الشعب"، ووصفت الحملة المخصصة لها بأنها "اعتداء على سيادة الشعب". وكرد على هذا الإجراء، أعلنت مشاركتها في المظاهرة المليونية المزمع القيام بها في 29 تموز/يوليو، إلى جانب القوى الإسلامية الأخرى التي تعارض هذه المبادئ؛ وتشمل هذه القوى «الجماعة الإسلامية»، التي لا تزال مدرجة من قبل الولايات المتحدة ضمن المنظمات الإرهابية، و«حزب النور السلفي»، الذي ندد بالمحتجين الليبراليين ووصفهم كبلطجية وفلول الحزب الحاكم السابق.

الخيارات السياسية للولايات المتحدة

ويضيف، توفر هذه التوترات الثلاثية أملاً ضئيلاً بالتوصل إلى نتيجة ترضي «الإخوان المسلمين» و"المجلس الأعلى للقوات المسلحة" والمحتجين على حد سواء. ويوحي المسار الحالي بقيام المزيد من المظاهرات، سواء من جانب الإسلاميين المعارضين للمبادئ فوق الدستورية أو المحتجين الذين يسعون إلى عرقلة الانتخابات غير المستعدين لها. كما أن هناك احتمال تزايد أعمال العنف نظراً لعادة "المجلس" بالسماح للبلطجية المسلحين بإخلاء مواقع الاحتجاج.

ولمنع حدوث مثل هذا العنف وتسهيل التوصل إلى نتيجة أكثر مواتاة للولايات المتحدة والديمقراطيين في مصر، يجب على واشنطن الاستفادة من علاقاتها مع النشطاء الليبراليين الشباب والجيش بهدف خلق توافق أكبر بين "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" والمحتجين. وتتمثل أحد أكبر بواعث الإحباط في الثورة في ميل "المجلس" إلى تقديم تنازلات كبيرة لـ جماعة «الإخوان المسلمين» مع ترك الفتات للمتظاهرين. وقد تمثل حملة وضع مبادئ فوق دستورية نقطة انطلاق لقيام المزيد من الشراكة التعاونية بين "المجلس" والمتظاهرين.

ومع ذلك، يجب على واشنطن أن تتقدم بحذر. فكل ضلع من أضلاع المثلث الثلاثة ينظر إلى الضلع الآخر بتشكك كبير، كما أن أي تدخل من جانب الولايات المتحدة يُنظر إليه كوسيلة لمنح امتيازات مفرطة لطرف ما، وسيعمل على توحيد الطرفين الآخرين بصورة حازمة للعمل ضده.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/تموز/2011 - 24/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م